موسوعة (الكون) ومحاورات الإسلاميين عن الخالق


محمد يعقوب الهنداوي
الحوار المتمدن - العدد: 6630 - 2020 / 7 / 28 - 01:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تقول حكمة بابلية:

(النورُ يخصّ والظلامُ يعمّ..

الخيرُ يخصّ والشرّ يعمّ..

الوعيُ يخصّ والجهلُ يعمّ..

الصحةُ تخصّ والمرضُ يعمّ..

الثراءُ يخصّ والفقرُ يعمّ)!

أي لولا أن يبادر بعضنا ويشعل شمعةً فالغلبة للظلام،

ولولا أن نسعى لفعل الخير خدمة لأنفسنا ولسوانا فالإهمال والاتكالية والأنانية تؤدي الى غلبة الشر والتناهش على سبل البقاء حتى لتنعكس خرابا علينا أفرادا وجماعات، فالخير هو إدراك ان مصلحة الأفراد يمكن بلوغها بصورة أفضل وأرقى من خلال حماية وصيانة مصلحة المجموع.

ولولا تحمل الواعين والعارفين مسؤولية نشر المعرفة والعلم والوعي فالجهل يسود بحكم الاستمرار والتكرار الكسول،

ولولا تضحيات الطبيبات والأطباء والممرضات والممرضين والعالمات والعلماء في تصديهم للأمراض ومحاولة دراستها وفهمها وتطوير لقاحات وعلاجات لها لبقيت البشرية نهبا للأمراض والطواعين، ويصح ذلك على علوم العمران والزراعة والصناعة وبقية شؤون الحضارة ومجالاتها.

ولو ان القلائل الأثرياء لم يكونوا على هذا القدر من الأنانية والحقارة واحتكار الثروات لما شاع الفقر والبؤس بين بني البشر ومات الملايين جوعا في حين يخسر الأثرياء والمتخمون على موائد القمار وفي جلسات تعاطي المخدرات ما يكفي لإنقاذ الملايين من البؤساء المحرومين.

* * *

أحد أكبر مآزق العلمانيين والمتنورين في الأوساط المتدينة، والإسلامية خاصة، هو اضطرارهم للدخول في حوارات ومماحكات مع أفراد من محيطهم المتسربل بالدين بحكم الوراثة والتقليد الاعمى والكسل العقلي.

هؤلاء المتكلسون الحمقى لا يكفون عن التشدق بعبارات مكرورة يظنون أنهم يحرجون بها العقل العلماني المتنور، مثل:

(ألا ترون هندسة هذا الكون العظيم وتكوين الانسان فكيف حصل كل هذا دون مهندس عظيم؟)،

أو:

(إذا كنتم لا تؤمنون بالدين فمن أين تأتيكم "الأخلاق" وما الذي يمنعكم من أن تضاجعوا أمهاتكم وأخواتكم؟)

وغير ذلك من تفاهات العمائم الملوثة التي تنشر الثقافة البهيمية الزائفة وتستثمر جهل القطيع لترويج مزاعمها التافهة ومحاولتها ربط ما يسمى "الأخلاق" بالدين، جاهلين هم بالأساس ان "الأخلاق" مسألة نسبية تختلف من مجتمع لآخر ووفق ظروف الزمان والمكان والطبقة الاجتماعية والظروف المحيطة بالمجموعة البشرية، وان كل مجتمع ابتدع وتبنى منظومته الأخلاقية الخاصة به لحماية أفراده ووجوده وان الأديان جاءت لتمارس النفاق فتتاجر بمزاعم الأخلاق في حين أنها تفعل العكس وتغدر بالمصلحة الاجتماعية العليا لصالح أنانية المتاجرين بالزيف.

وهم طبعا أغبى من أن يدركوا ان استنكاف العلماني من الرد عليهم سببه ثلاثة عوامل على الأقل:

الأول: القرف والملل من التكرار الذي لا ينقضي لنفس الإجابات التي يعجز عقل المتدين عن استيعابها أو قبولها، لأنه قبوله بها يعني ان عليه أن يعلن افلاسه والاعتراف بتفاهة عقيدته وهشاشة مبرراته.

الثاني: ان المعرفة العلمية لا يمكن اختزالها بجملتين رتيبتين خاويتين كما هو حال العقائد والموروثات، بل لا بد من الكفاح ضد الموروث المتعفن وامتلاك العقل النقدي العلمي والوعي السليم الذي يرفض الخرافة والترقيع والانبهار المعتوه أمام منطق المعجزات واللغة القرآنية الجوفاء التي يعجز الجهلة عن مجاراة ايقاعاتها البليدة أو ادراك خوائها بسبب قصورهم المعرفي واللغوي والادراكي، وليس لعظمة استثنائية في تلك اللغة وآياتها.

الثالث: الخوف من القتل.

فالعلماني في مجتمعاتنا محاط على الدوام بمافيات ومجاميع من الوحوش الكواسر والمجرمين الأوباش الذين لا يتورعون عن استباحة الدماء والأعراض بحجة "الخروج عن الملة" أو "الخروج عن أحكام الدين".

وطبعا تكفي فتوى من أي خطيب منبر متخلف تافه لتودي ليس فقط بحياة الانسان العلماني المتنور بل وتدمير اسرته ومقومات حياتهم جميعا، مقابل لا شيء في الواقع، لأنه حتى لو استطاع اقناع شخص أو اثنين فلا قيمة لهذا ما دام المجتمع كله غاطس في مستنقع الجهل والتخلف والتبعية العمياء لعمائم الدجل التي تعتاش على نشر الخرافة وقتل الوعي والمعرفة العلمية.

وبالتأكيد، فان حياة انسان متنور واحد تعادل حياة جحافل من الأميين والجهلة أتباع العقائد العفنة، ولا شيء يستحق التضحية بهكذا أناس متنورين عبروا بحور الظلام الى النور بمعاناة هائلة وثمن فادح في كثير من الأحيان في محيط من الكواسر الشرسة العمياء.

لكن ثمة مشكلة أخرى، مضحكة مبكية، هنا. فالمؤمن والمتدين يمتاز عادة بالكسل والميل للتبعية والتقليد.

وهذه أهم وأعقد نقاط ارتكاز دعاة الجهل والتخلف الذين يعتاشون على الركود العقلي للمجاميع الكبيرة من الناس.

ولأن الوعي لا يورث ولا ينتشر بسهولة مثل الجهل.

وقديما قيل:

لا تربط الجرباءَ جنبَ صحيحةٍ .............. خوفاً على تلك الصحيحةِ تجربُ

فالمرض معدٍ وينتقل من المصاب الى الصحيح، بينما الصحة لا تعدي لسوء الحظ.

ولو وضعنا مصابا واحدا بالجرب بين آلاف الأصحاء فمن المحتمل جدا أن تصيبهم العدوى جميعا دون أن تنتقل صحتهم اليه أبدا،

بينما لو وضعنا ألف انسان صحيح يتمتع باللياقة والعافية بين مصابين في مجتمع أو مستشفى أو أي مكان، فصحتهم لن تنتقل الى المصابين ولن تشفيهم دونما علاج خارجي فعال.

وحينما يخرج انسان من أوساط المجتمع التقليدي على الاجماع ويبدأ بالقراءة والدراسة والتفكير والتمحيص العميق، فانه سيبلغ درجة من الوعي تؤهله ليستنير بتلك المعرفة ويسخر من عقائد قومه المتخلفين، لكنه بالطبع لن يعود واحدا منهم ولن يتقبل عقائدهم وخرافاتهم بعد اليوم بل سيسعى لنشر ما اكتسبه من وعي وتمييز آرائه وقناعاته عن الموروث الباطل المنخور، ودائما ما تكون الحصيلة نوعا من النبذ والعداء والرفض والمحاصرة على هذا الفرد الذي سيمتلك خصوصية وعيه وتفرده منذ الآن.

وبذلك فالوعي المكتسب لدى هذا الفرد يعزله عن المحيط المريض في حين ان المحيط المريض لا يتقبل مستوى الوعي الجديد الذي اكتسبه هذا الفرد المتنور وصار يبشر به، وحارس التخلف والفكر العتيق والثقافة المنحطة المبتذلة المعادية للإنسان هو رجل الدين طبعا، لأنه يدرك ان المجتمع سيستغني عنه أول ما يستغني حين يعرف الحقيقة ويراها بوضوح بلا غشاوات الدجل والخرافة.

وهكذا سيبقى المتنورون أقلية واضحة لأن الجهد المبذول في اكتساب الوعي وتعميق الفكر والمعرفة العلمية والتزام المنهجية والوضوح العلمي تبقى كلها مزايا فردية تتطلب كما كبيرا من الجهد والشجاعة ونقاء العقل والادراك وسيبقى القطيع أكثرية لأن خطيب المنبر ورجل الدين وعطار الغيبيات وأوهام المذهبية سيبقى يغذي نزعات الجهل والتخلف والتشبث بالماضي رغم ضرره الفادح للمجتمع، ولا عتب على هذا الطفيلي الذي ينشر الغباء والجهل والأمية والخرافات ويدافع عنها، فهي لقمته ومصدر عيشه وثرائه وسبيله لإرضاء نزواته الجنسية البهيمية وطموحاته البذيئة.

يبقى أن أشير الى أن أحد أعظم من تتلمذت على أيديهم هو عالم الفلك العبقري والفيلسوف الإنساني العظيم (كارل ساغان) الذي بذل جهدا كبيرا في تأليف موسوعة معرفية عنوانها (الكون) ثم عمل على تحويلها الى سلسلة من الفيديوهات الجذابة الراقية الإخراج والإنتاج والتقديم وقام هو بالدور الرئيسي في تقديمها، وشاهد هذه الموسوعة أكثر من نصف مليار انسان من بينهم كثيرون من الناطقين باللغة العربية حيث قامت مؤسسته الإنتاجية بترجمة الكتاب والفيديوهات الى لغة عربية سليمة راقية تستحق المشاهدة والمتابعة وجديرة بالنشر في جميع الأوساط.

وهنا رابط كتاب ومجموعة فيديوهات موسوعة كارل ساغان (الكون)، آمل ألا تترددوا في نشرها والتعريف بها على أوسع نطاق:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2075650952732221&id=100008620098416