هذه هي القيادة المؤهلة لثورة شعبنا وهذا هو برنامجها


محمد يعقوب الهنداوي
الحوار المتمدن - العدد: 6391 - 2019 / 10 / 26 - 23:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أسمع وأقرأ كثيرا سؤالا ساخنا يثار ويتردد في كل محفل ومجلس وموقع وحوار وهو:

من هو قائد أو قيادة هذه الثورة؟ وأين هي تلك القيادة أو القائد؟ أو:

ماذا سنحقق والى أين نسير بهذه الثورة؟ أو:

ما فائدة تدمير هذا النظام القائم، على فساده وعيوبه وعلّاته، والتضحية بكل هذه الدماء والأرواح الشابة الطاهرة، إذا لم نكن نعرف ماذا نريد وما هو برنامجنا للمرحلة المقبلة ومن سيتولى قيادتنا؟ أو:

ان تدمير النظام القائم، على عيوبه التي يراها ويلمسها كل انسان، سيؤدي الى خلق فوضى وفراغ فمن سيملأ هذا الفراغ؟ و:

ما هو برنامج هذه الثورة وماذا ستبني بديلا عن هذا النظام؟

وأسئلة كثيرة مشابهة...

وليس سرا ولا مفارقة ان أول من يطرح هذه الأسئلة هم المدافعون عن هذا النظام ذاته وجلاوزته الساعين الى إحباط روح الثورة وكسر شوكة الشبيبة النبيلة المضحية التي تتصدرها بكل بطولة وشموخ ونكران ذات.

فليست هناك طريقة أفضل ولا أسرع من تفتيت روح الثورة وتدميرها من داخلها مثل هذه الطروحات التشكيكية والمحبطة، بل والساحقة تماما لحركة الشارع حتى ان بعضهم، ممن يثيرون هذه الأسئلة وغيرها، لا يتورعون مباشرة عن التصريح:

إذا لم أعرف ما هي غاية هذه الثورة وبرنامجها وماذا نريد منها فأنا أول من يتخلى عنها ولن أخرج للمشاركة في التظاهرات بعد اليوم!

وماذا يريد الفاسدون وأعداء الثورة أكثر من هذا ومن وضع هذه الطروحات على كل لسان وطرحها في كل مجلس؟

من المفارقات التاريخية الطريفة ان ثورة شعبنا تزامنت وتناغمت تماما مع ثورة شعب لبنان الذي استطاع، عبر النزول الى الشارع وتحدي النظام وبنيته الطائفية المتهرئة ونظامه المافيوي الاقطاعي وميليشياته المدججة بالسلاح والتي تتاجر بكل شيء من دم الانسان ومعتقداته الى المخدرات والجنس وبيع الأوطان، أن يحقق وحدته في الشارع فتتلاشى الخلافات التي عصفت باللبنانيين لعشرات السنين وجعلت حتى أفراد العائلة الواحدة يكرهون بعضهم ويجاهرون بعداواتهم ويرفعون السلاح ويقتتلون فيما بينهم.

وهذا أيضا ما فعلته المنظومة الطائفية الفاشية الاقطاعية بالعراقيين طوال السنين الماضية وكلنا يعرف حجم الأحقاد والكراهية التي نشأت بين أبناء الأديان والطوائف والقوميات والفئات والعشائريات المختلفة التي استهدفت البنية المجتمعية والعلاقات الإنسانية والأسرية التي جمعت بين العراقيين أو بين اللبنانيين بعد قرون من الظلامية والبؤس، لتعيدهم الى نفس المستنقع من التخلف والاستعداد للقتل والاقتتال لأتفه الأسباب.

ومن المفارقات المضحكة المبكية أيضا ان الزعماء الطائفيين في لبنان والعراق يثيرون، وبتوقيت واحد، التهديد نفسه ويعزفون على النغمة ذاتها:

"نرفض استقالة الحكومة واسقاط النظام لأن ذلك سيؤدي الى الفراغ والفوضى وتدميرا لمؤسسات الدولة!"،

وكانت تصريحات حسن نصر الله الشيعي ورئيس دولته المسيحي الماروني والقيادات الاسلامية السنية في لبنان، وعادل عبد المهدي في بغداد، وكل مكونات منظومة الاستبداد والجريمة واللصوصية التي تحكمنا، يوم أمس متزامنة ومتطابقة بطريقة غريبة، وكأن ما نعيش فيه ليس فراغا وفوضى، وكأن لدينا دولة!

واتفاقهم على هذا الطرح لم يأت من فراغ، ولم يكن سببه فقط التبعية المشتركة، وفي الوقت نفسه، للجهات ذاتها المهيمنة على النظامين للقوى الامبريالية العالمية وللمؤسسة المذهبية الحاكمة في ايران التي تخوض حربها المزعومة ضد الغرب، وهي نفسها صنيعة الغرب وأداة بيد الغرب الذي جاء بها ونصبها واستعان بها لقمع شعوبنا والإبقاء علينا في حضيض التخلف والبؤس نخوض الحروب تلو الحروب لخدمة أهداف الغرب ذاته.

ولو كان في النظام الإيراني أي خير فلماذا يعاني شعبه من الفقر والبؤس والحصار والى أين سيقوده؟

أليست هذه التجربة تكرارا حرفيا مبتذلا لما مررنا به نحن العراقيون من قبل تحت قيادة "القائد الضرورة" الذي أوصلنا بعجرفته الخاوية الى أدنى مستويات الذل وأحط أشكال العبودية حتى بتنا نتمنى أن يحكمنا أغبى الأغبياء وأسوأ الأعداء على أن يستمر هو في الحكم.

وكثيرون هم اليوم من يتمنون عودة ابن العوجة (صدام التكريتي) ونظامه الى الحكم.

والشتيمة الجاهزة الأخرى للشباب الثائر هي التخوين والتبعية لدوافع وجهات خارجية تسعى الى "تدمير الدولة والوطن"،

ولكن: هل لدينا دولة ووطن أصلا لكي تسعى الجهات الأجنبية لتحطيمها؟

ألا تعيش السلطات القمعية في بلادنا، وفي ايران أيضا، على تهريب النفط والآثار وتدمير القطاعات الإنتاجية ونهب ثروات البلاد وتقاسمها مع ذلك الغرب "الكافر" الذي تزعم المافيات التي تحكمنا انها تعاديه؟ اضافة الى عسكرة المجتمع ونشر السلاح طبعا.

من جاء بهذه المافيات الى الحكم غير الغرب؟

ومن يحميها غير الغرب؟

ومن يشتري منها النفط والآثار والسلع الأخرى القابلة للمتاجرة غير الغرب؟

ومن يسلحها غير الغرب، والامبرياليون الأمريكان على وجه التحديد؟

ان مصلحة الغرب تتجسد في إدامة هذه الأنظمة وليس العكس.

ونعود الى السؤال الرئيسي:

من هم قادة هذه الثورة وماذا يريدون والى أين هم ذاهبون بنا؟

وأول إجابة تخطر على بال أي منا هي سؤال آخر:

ولماذا يريد هؤلاء أن يعرفوا من هم قادتنا؟

واذا عرفوهم فهل سيتورعون عن ملاحقتهم وقتلهم أو، على الأقل، شراء ذممهم، كما فعلت الدكتاتوريات والأنظمة القمعية دائما، وكما هو بديهي تماما، وتاريخنا الموحل بالخيانات دليل على ما قامت بها قياداتنا المزعومة من بيع للمبادئ وخيانة للشعب.

والأمثلة جاهزة لكل من يفكر في سبب بقائنا في وحل هذا المستنقع ولم نستطع التحرر منه رغم تاريخ التضحيات المجانية الذي استمر لمئات السنين.

ليس أجدى للأنظمة الدكتاتورية الفاسدة من طرح هذا المطلب التعجيزي على الشباب الثائر لإحراجهم ولإصابتهم بالإحباط والخيبة والانقسام والتخلي عن حركتهم الصاعدة.

وهل هناك مخبأ أو مكان يستعصي على المافيات الفاشية من طائفية وقومية وعشائرية وغيرها، إضافة الى المخابرات الدولية التي تخدم هذه المنظومة الفاسدة أهدافها ومصالحها، بحيث تستطيع تلك القيادة المرتجاة من النجاة ومواصلة قيادتها للثورة والحفاظ على نقائها واخلاصها لبرنامجها الثوري؟

أقل ما تستطيعه قوى العدو هو تشويه سمعة كل شخص أو مجموعة تطفو على السطح وتقدم نفسها كقيادة للثورة واتهامها بكل النعوت والأوصاف البذيئة القذرة من الارتباط بجهات أجنبية الى الاتهامات الأخلاقية بهدف تسقيطها وايقافها عن أداء دورها في قيادة الثورة.

وجيوش الجحوش الالكترونية والاتهامات كثيرة جاهزة، وأكثر منها الوسائل الحقيرة والمنحطة التي لن تتورع هذه السلطات عن استخدامها لتدمير ثورة شعبنا وشبابه الطليعي العظيم.

أما الإجابة المباشرة والبسيطة (الصعبة الممتنعة معا) فتتجلى عند النظر الى الأسباب الجوهرية لفشل كل الحركات الثورية التي عاشتها شعوبنا والشعوب الأخرى، وهي أيضا أزمتنا المزمنة، وهي انعدام الديمقراطية وقمع صوت الفرد وإلغائه لصالح النخبة أو القيادة المقدسة المعصومة عن الخطأ والعصية على النقد والمحاسبة.

فلهذا السبب بالذات تفسخت كل القيادات التي رفعت شعارات الثورة وتصدت لقيادتها وزعمت انها ستقود شعبنا الى الانتصار فقادته الى الهزيمة والخذلان واليأس.

نحتاج ويحتاج شعبنا، وكل الشعوب التي تعيش ظروفا بائسة مدمرة مثلنا، الى قيادات ديمقراطية من نوع جديد وتكون عصية على التدمير وقادرة على إعادة خلق نفسها من جديد بعد كل هجمة شرسة من عدونا.

وهذه القيادة متاحة لكم الآن وهي بينكم منذ الآن وهي:

أنتم أنفسكم، الشباب الطليعي الثائر الذي يعرف لماذا يثور ولماذا هو مستعد للتضحية بدمه وبأحبائه وبكل ما يملك. ويعرف أيضا ماذا يريد وما هي تطلعاته.

والطريق الى ذلك هو:

نظّموا أنفسكم على الأرض، في كل شارع ومحلة، وفي كل قرية وحي، وفي كل مدرسة أو مؤسسة أو مصنع، وفي كل مدينة وعلى مستوى البلاد كلها.

اختاروا قادتكم من بينكم وضعوا مواصفات لأولئك القادة ومعايير وأسسا وضوابط يلتزمون بها.

وضعوا أيضا سبل المراقبة عليهم ومناهج نقدهم وتصحيح مسارهم اذا انحرفوا عما تريدون، ودعمهم الى أقصى الحدود طالما التزموا بالمناهج والمسارات الثورية التي تتفقون عليها، أو التعويض عنهم اذا خسرتموهم في مسار الثورة، فالقادة الحقيقيون معرضون للاستهداف لأنهم الهدف الأول للعدو ولأنهم في الصدارة دائما.

ويتوجب عليكم أن تمتلكوا البدائل دائما.

وتوسعوا في تنظيماتكم بدءا من البيت والشارع وصولا الى قيادة البلاد كلها، فهي بلادكم أنتم وثورتكم أنتم.

ليس ثمة من هو أفضل منكم لقيادتكم، وليس ثمة فرصة أفضل لكم من هذه الفرصة لإرساء أسس العلاقات الديمقراطية السليمة فيما بينكم ومنع التسلطية والاستبداد والتدرب على الممارسات الديمقراطية السليمة، والقدرة أيضا على تجديد حيوية حركتكم ومنع العدو من استئصالها، ومنع أية خيانة أو ممارسات غادرة.

نظموا أنفسكم وأرسوا أسس الاختيار الديمقراطي الحر والنقد البناء والحرص المتبادل على سلامتكم أنتم أولا، ففي سلامتكم أنتم سلامة ثورتنا ومستقبل شعبنا أيضا.

ضعوا المرأة وحقوقها وموقعها الانساني والمجتمعي على رأس أولوياتكم ودعوها تلعب دورها الناضج والمتقدم في صفوفكم، فمن دون الارتقاء بدورها الثوري والمجتمعي والانساني تفقد الثورة معناها ومبرراتها ولن تكون ثورة جذرية ولا انسانية أبدا، ودور المرأة وموقعها هو نقطة الضعف القاتلة في المنظومة الرجعية الحاكمة.

ولا تنتظروا طرزانا أو سوبرمانا ينزل عليكم من السماء ليقودكم ثم يبيعكم اذا تعرض للضغوط أو اذا وجد مصلحته الخاصة في التخلي عن قضيتكم، فقضيتكم أعظم من أن تسلموها بيد أي احد، كائنا من كان.