حتمية التصادم وإستحالة التوفيق بين العلمانية والدين


محمد يعقوب الهنداوي
الحوار المتمدن - العدد: 6480 - 2020 / 2 / 2 - 13:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مشكلتنا كعلمانيين مع الدين والمتعاطين به والمعتاشين عليه (والمتواطئين والمتحالفين معهم) تتجلى في محاور همومنا وكفاحنا وأهدافنا ونظرتنا للحياة وقيمة العقل والحرية وحق الاختيار، كما في طبيعة حواراتنا وأبحاثنا وطريقة تفكيرنا...

موضوعنا الرئيس والمهيمن هو الواقع،
الانسان،
قدسية الحياة،
حرمة سفك الدم،
حقوق المرأة،
وحقوق الطفل،
العلم والمعارف البشرية والكونية،
الوعي والتنوير،
المستقبل والأمل،
إيقاد شعلة الأمل الإنساني الوضاء ورفدها بالعطاء وزرع الفرح في وجوه الناس والتطلع الى الغد الأجمل،
مستقبل الأرض ومن عليها وما عليها،
ونقاء الهواء والبحار والأنهار والمحيطات والبيئة كلها
الإبداع والفنون الجميلة والرؤية الجمالية والارتقاء بوعي الانسان وذوقه وذائقته،
الحريات الفردية،
حرية التفكير والتعبير،
حرية الاختيار،
والحق في تغيير الرؤية والموقف وفقا لمستوى نضج الفرد وارتقائه الفكري وتحضره،
الديمقراطية ومحاربة الاستبداد والحكم المطلق وتقديس السلطة وفساد أنظمة الحكم،
الشك في المسلـّمات الموروثة ونقدها،
وعدم القبول بأية فكرة غير خاضعة للتجربة والقياس،
والتواؤم مع معطيات العصر العلمية والفكرية والمنجزات الحضارية وتطويرها نحو الأكمل والأفضل والأجمل،
نبذ الخرافة والجهل والشعوذة ومحاربة الطفيليات المجتمعية المعتاشة عليها،
التواصل مع كل الأقوام والأمم والشعوب والتكامل الانساني والحضاري معها،
وايماننا بوحدة المصير لنا جميعا في عالم من الحب والتسامح والقبول بالآخر،

* * *

أما أنتم، فلا تجيدون ولا تعشقون سوى فن الهراء المقدس
وتدوير هذا الهراء في الحلقة المفرغة لمنطقكم العقيم،
عبادة إرث أهل القبور،
وتفضيلهم على الأحياء،
والتضحية لأجلهم بالإنسان وبكل جميل وواعد في حياته فدى أوهام مواخير الجنان الخرافية الموعودة والموقوفة حكرا للذكور،
ومصاهر بشرية مؤبدة للنساء وللمتمردين على طغيان المشايخ والمعممين،
العزلة والتمييز بين البشر
وتفضيل جنس على جنس وعرق على عرق وعقيدة دينية على عقيدة دينية أخرى لا تختلف عنها في الجوهر،
قمع العلم والعلماء والمفكرين
ورفض التطور والتنوير مقابل ترسيخ فوقية رجل الدين الجاهل على الوعي العلمي والفني والانساني السليم وتقديس كل ما يفعل ويقول رغم عفونته الفاضحة،
العبودية للحاكم الفاسد (ظل الله في أرضه) والتضحية بكل المجتمع وأبريائه وضمانات وجودهم خدمة لأنانيته ومصالحه وغبائه وديمومة سلطته المستبدة،

التاريخ على أيديكم طافح بالقبح والقيح والكراهية وتبشير صارخ وصفيق بالمزيد منها في "غزوات" تهدف لرفع شأن دياناتكم وطائفيتكم التي تزداد تشرذما وانعزالية وضيقا بالإنسانية وعلى الانسانية، والايمان بأن جهل الأجداد الأميّين أرقى مما تحققه الأجيال المتطلعة الى الرقي والعلى في كل لحظة،

وحين يفرض عليكم تقدم العلم والمجتمع والتطلع الانساني مباديء جديدة أرقى من تفكيركم مثل الحرية والديمقراطية، تمارسون حينها أبشع ألوان الانتهازية والغدر والدجل والنفاق تحت شعار: "نركب ثور الديمقراطية ليوصلنا الى قلعة السلطة، وحين نبلغها ننحر الثور هناك في احتفالاتنا باحتلالها"،

تحاربون العلم والعلماء وتصلبونهم وتقطعون أوصالهم، وتعرقلون وتحرمون الوصول الى المعرفة العلمية والمنجزات الحضارية، ولكن حين تتحقق تلك المعرفة ويتعارف عليها الناس وتصبح منجزاتها واقعا معاشا، رغما عنكم، تكونون أول الراكضين للانتفاع منها، بل وتزعمون بكل صفاقة أنها جزء من تفكيركم وأهدافكم حتى انكم لا تستحون من الادعاء بأنها موجودة في نصوصكم الدينية، وان ربكم سخر لكم "الكافرين" ليحققوها ويضعونها في خدمتكم.

تتشبثون بمقولة: "أُمرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله"... فإما القبول بدينكم أو دفع الجزية والإتاوات والابتزاز وإما القتل والاستباحة والسلب والسبي والاغتصاب والمتاجرة بالنساء والأطفال،

نحن لا نبيح لأنفسنا ذبح دجاجة أمام طفل حرصا على مشاعره واحتراما لقدسية الحياة وحرمة الدم، وأنتم تتباهون بنحر البشر ورجمهم وصلبهم على مرأى من المجتمع كله وأمام أعين أهلهم وأحبائهم وأطفالهم...

وتزعمون ان ذلك منتهى الانسانية والرحمة والمودة والاحترام بين الشعوب والعقائد الأخرى!

فمن أين تأتي اللغة المشتركة بيننا وكيف يمكننا أن نتحاور أو نتلاقى...!

* * *

قيمتكم العليا وأقصى طموحاتكم وآمالكم ومنتهى غاياتكم هو الجنس ثم الجنس ثم الجنس، والمقصود ارضاء بهيمية الذكور لا غير في دنياكم وآخرتكم المزعومة!

والمرأة والطفل بين أيديكم بضاعة وسلعة لا قيمة لمشاعرها ولا رأي وإحساس لها تخضع لأعراف السبي والاغتصاب والمتاجرة ارضاء لبهيمية الذكور لا غير، كذلك!

وحتى نساؤكم وأمهاتكم وبناتكم تعتبرونهن عارا ومجلبة للخزي ولا يلقين منكم سوى الاحتقار والدفن أحياءا

* * *

أما نحن فنعتبر المرأة قيمة عليا ومبدعة الحضارات ومخترعة الزراعة وخالقة العائلة البشرية ومانحة الحياة ومربية المجتمع وسيدة القرار ومؤسسة المعرفة الانسانية بكل فروعها ومجالاتها

* * *

أنتم لا تفهمون الفضائل إلا نفاقا تمارسونه مع معبودكم ومع عبيدكم على السواء طمعا في حيازة ملذات الدنيا واشباع غرائزكم فيها وفي جنتكم المزعومة التي تصورونها كمعلف وماخور مفتوح يغتصب فيها الرجل كل ما فيها ومن فيها وحتى ثمار الأشجار

ونحن نرى الفضائل عقدا اجتماعيا يعكس مضمون العلاقة بين الانسان والانسان واحترام الفرد لذاته وللجماعة الإنسانية وضمانات ديمومتها وازدهارها بعيدا عن أي ظلم أو انتهاك على أساس الاختيار الحر لكل انسان ووحدة التفكير الراقي والعمل الجميل

* * *

أنتم عشاق غزو واستباحة وعدوان ونحن عشاق سلام ومحبة وتسامح وتكامل انساني كأنغام موسيقية تعزفها آلات شتى يجمعها الجمال

ثقافتكم الموت
وثقافتنا الحياة

الدين هو الوجه الآخر الملازم والمكمل والمعادل الموضوعي للنفاق والكذب والغرائزية والفساد،

والعلمانية هي الانسجام بين المعرفة الانسانية والسلوك ومعيار المصداقية والأخلاق الحقة

* * *

نحن عطر الانسانية وأجمل ما أزهرته من معارف ووعي وذائقة وحضارة وجمال،

وأنتم عار التواريخ ودماملها المتقيحة وبؤرة أقبح من خلفته من تمييز وأحقاد...

فمن أين تأتي اللغة المشتركة بيننا وكيف يمكن أن نتحاور أو نتلاقى...!