دفاعاً عن حق الشعب الكردي في تقرير مصيره


جلبير الأشقر
الحوار المتمدن - العدد: 5659 - 2017 / 10 / 4 - 14:52
المحور: القضية الكردية     

بصرف النظر عن رأينا في جدوى إجراء الاستفتاء عن الاستقلال في إقليم كردستان العراق ومحافظة كركوك يوم 25 الشهر المنصرم، وأياً كان تخميننا لسلوك مسعود البارزاني والدوافع الحقيقية التي حثّته على الإقدام على ذلك الإجراء، وكل متابع لهذه الصفحات يعلم أن كاتب هذه السطور انتقد بشدّة إجراء الاستفتاء في هذا الظرف وضمن هذه الشروط، فثمة أمرٌ في هذه القضية لا يحتمل الجدال من وجهة نظر ديمقراطية، ألا وهو حق الشعب الكردي في شمال العراق، بل حق الأمة الكردية بكافة أجزائها، في تقرير مصيرهما (وليس مصير غيرهما في مناطق متنازع عليها، بالطبع). فهو حقٌ غير قابل للتقادم ولا النقض، مثلما هما حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحق الأمة العربية في التوحّد بإرادة شعوبها.
وما نشاهده منذ قرار البارزاني المضي في عملية الاستفتاء وفي استغلاله بلا خجل لمشاعر شعب كردستان القومية التحررية (وهي مشاعر طبيعية ومشروعة، بكل تأكيد) من أجل مرامٍ سياسية ضيقة لا تُخفى عن أي متابع للتطورات السياسية والاجتماعية في الإقليم، إنما هو ما كان يسهل توقّعه، ألا وهو استغلالٌ مضاد من قبل حكومات بغداد وطهران وأنقرة للنعرات القومية المتعصبة لدى شعوبها وكذلك استغلالها للإجماع الدولي الذي أفلح البارزاني في تحقيقه ضد قراره الطائش (باستثناء دعم الحكم الصهيوني الخبيث له)، استغلالها هذا الظرف لتشديد الخناق على شعب كردستان العراق وتقويض الاستقلال الفعلي الذي تمتّع به الإقليم منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي تحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية.
والحقيقة أن تذرّع الحكومات الثلاث بالاستفتاء وإنذارها القيادة الكردية بأن تتنازل عن الاستقلال، إنما هما موقفان يتذرّعان بحجة كاذبة. فالاستفتاء الكردي (وخلافاً لاستفتاء كاتالونيا التي أراد شعبها ممارسة حقه في تقرير المصير وسعت الحكومة الإسبانية لمنعه من ذلك) كان بوصف المشرفين عليه استفتاءً «غير ملزم»، أي أنه كان مجرّد استطلاع للرأي أراد منه البارزاني إلهاء شعبه عن تخبّط حكمه في أزمة خطيرة. وكانت نتيجته معروفة سلفاً إذ لم يكن هناك مجالٌ للشك في أن غالبية الكرد الساحقة مؤيدة للاستقلال (خلافاً لشعب كاتالونيا المنقسم إزاء هذا الأمر). وكيف بالكرد لا يؤيدون فكرة الاستقلال وهم، فضلاً عن مشاعرهم القومية المشروعة، قد ذاقوا حلاوة تمتّعهم به بحكم الواقع (وإن لم يكن بحكم القانون) منذ ما يزيد عن ربع قرن. وهي فترة ازدهرت كردستان العراق خلالها بينما كان سائر العراق يعاني من شتى المصائب على منوال الحكمة الشهيرة القائلة إن «مصائب قوم عند قوم فوائد». وعليه فإن موقف الحكومات الثلاث يؤول إلى أنها تريد حرمان الشعب الكردي ليس حق تقرير مصيره فحسب، بل حتى حقه في التعبير عن رأيه في مصيره!
وكم هو مقزّز مشهد تكالب حكام بغداد وطهران وأنقرة على كردستان العراق، وهو تكالب يستهدف بكل وضوح عموم الأمة الكردية التي تبغض الحكومات الثلاث فكرة استقلالها وتَوحُّدها. وكم هو مثير للاحتقار استناد حكومة بغداد إلى جاريها القويين اللذين ما انفكّا ينتهكان سيادة العراق منذ سنين طويلة، كم هو مثير للاحتقار استنادها الجبان إليهما في الاستقواء على الإقليم إلى حد تمرير قوات لها عبر أراضيهما للإشراف على الحدود الدولية الرسمية بينهما ودولتها، تلك الحدود التي طالما غضّت حكومة بغداد النظر عن اجتيازها من قِبَل قوات الجارتين. وكم هو مثير للازدراء موقف حكومتي تركيا وإيران اللتين رأتا في إدانة واشنطن للاستفتاء الكردي ضوءًا أخضر لعرض عضلاتهما في وجه كردستان العراق بعد أن كانتا طوال سنوات الحماية الأمريكية تدعم كل واحدة منهما أحد الطرفين المهيمنين في الساحة الكردية العراقية والمشرفين على استقلال حكم الواقع!
لكارل ماركس قولٌ يستحق التأمّل في صدد المشهد الذي نقف أمامه، وهو قولٌ يمكن تعريبه على النحو التالي: «إن شعباً يضطهد شعباً آخر إنما يصنع قيوده بنفسه». وتقدّم منطقتنا من خلال القضية الكردية خير مثال عن هذا القول البليغ. فإن الشعوب المحيطة بكردستان لن تتخلّص بصورة كاملة من قيودها إلّا عندما تُنهي اضطهاد دولها للشعب الكردي، ولن يلقى الشعب الكردي حريته كاملة إلّا عندما تتحرر الشعوب المحيطة به تحرراً كاملاً من الطغيان المزمن الذي ترزح تحته.