توأم الصهيونية على نطاق أعظم بكثير


جلبير الأشقر
الحوار المتمدن - العدد: 7866 - 2024 / 1 / 24 - 10:05
المحور: القضية الفلسطينية     


يوم الإثنين الماضي، كان ناريندرا مودي ـ رئيس وزراء الهند وزعيم الحزب الحاكم، «حزب الشعب الهندي» (حزب باراتيا جاناتا، BJP) والميليشيا التابعة له، «منظمة التطوع الوطني» (RSS) نجمَ مهرجان عملاق من طراز المهرجانات التي يعشق مودي تنظيمها في مسعاه لإحاطة نفسه بهالة من القدسية توطيداً لتربّعه على رأس البلاد التي بات يقطنها أكبر عدد من السكان في العالم منذ أن فاق عدد سكان الصين قبل عامين. أما الغرض من المهرجان العملاق، فكان تدشين معبد هندوسي كبير في مدينة أيوديا التاريخية، يستطيع موقعه احتواء سبعين ألف شخص وقد كلّف بناؤه ما يناهز 220 مليون من الدولارات.
قد يقول قائل إن الهند فيها ما يكفي ويفي من المعابد لشتى الديانات، والهندوسية على الأخص، وإنها لا تزال في حاجة إلى الكثير من الاستثمار الإنتاجي لتنمية اقتصادها وتحسين حالة سكانها الذين لا زال قسم عظيم منهم يعاني من الفقر. بيد أن الغاية من بناء المعبد في أيوديا لم تكن سدّ نقصٍ ما في مساحات العبادة الهندوسية، بل غاية سياسية في المقام الأول إلى حدّ أنه تمّ تسريع التدشين بحيث أجري قبل انتهاء أعمال التشييد من أجل توظيف الحدث في الحملة الانتخابية التي يخوضها مودي وحزبه على أبواب الانتخابات العامة المزمع إجراؤها بعد حوالي ثلاثة شهور. وحيث لا يستطيع مودي وحزبه الاتكال على إنجازات في المجالين الاقتصادي والاجتماعي في ضوء تردّي أوضاع الهند في السنوات الأخيرة، رأيا أن يسعّرا التعصّب الهندوسي الذي هو علامتهما المميِّزة.
إن «حزب الشعب الهندي» تشكيلة سياسية من الطراز النيوفاشي (الفاشي الجديد) الذي يقوم على الركائز الأيديولوجية التقليدية للفاشية، لا سيما التعصّب القومي والعرقي، وعلى دكتاتورية مموّهة بإجراء انتخابات تسير تدريجياً نحو التحول إلى انتخابات صورية من خلال فرض الخناق على شتى أطراف المعارضة وتضييقه باستمرار. ويقوم التيار الذي يتزعمه مودي على تعصّب هندوسي ضد الأقليات الدينية في الهند، وأكبرها الأقلية المسلمة (200 مليون) التي تشكّل ثالث أكبر جماعة سكانية من المسلمين في العالم بعد باكستان وإندونيسيا. والحال أن تدمير المسجد البابري في أيوديا في آخر عام 1992 بحجة أنه قائم منذ خمسة قرون على معبد سابق مكرّس لراما، أهم الآلهة في العقيدة الهندوسية (جدير بالذكر أن التنقيب عن الآثار لم يثبت صحة الادعاء المذكور) والمذابح الطائفية الفظيعة التي عقبت التدمير والتي ذهب ضحيتها ما يقارب ثلاثة آلاف من البشر، هذه الأحداث المروّعة كانت محطة رئيسية في تسعير التعصّب الهندوسي الذي أتاح لتيار مودي تحقيق هيمنته السياسية. وقد كان تشييد «معبد رام» في أيوديا على موقع المسجد الذي جرى تدميره إحدى أبرز أهداف التيار المذكور.

التشابه بين التعصبّين الهندوسي والصهيوني ينعكس بصورة طبيعية في تحوّل الهند في ظل حكم مودي إلى حليفة لدولة إسرائيل بامتياز، وقد باتت أهم مستوردي الأسلحة التي تنتجها الأخيرة

هذا وثمة سمات مشتركة عديدة بين دولة مودي الهندية ودولة إسرائيل. فبعد أن كانت الهند في ظل حكم حزب «المؤتمر الوطني الهندي» دولة علمانية قائمة على فصل الدين عن الدولة بما أتاح التعايش بين شتى دياناتها، وكانت مؤيدة للقضايا القومية العربية بما فيها القضية الفلسطينية، انزلقت تحت حكم ناريندرا مودي في السنوات العشر المنصرمة إلى دولة تعصّب ديني تحكمها أيديولوجية تعتبر أن الديانة الهندوسية ديانة الهند الشرعية الوحيدة وأن سائر الديانات دخيلة على البلاد، لا يجوز أن تكون لها حقوق مساوية لحقوق الهندوس. وهو منطق شبيه بالمنطق الصهيوني، لا سيما منطق أقصى اليمين الصهيوني الذي يودّ إتمام الاستيلاء على كامل أراضي فلسطين من البحر إلى النهر بغية تحقيق إسرائيل كبرى يهودية خالصة.
طبعاً، ثمة فرق كبير بين الهند وإسرائيل في أن الهندوس من سكان الهند الأقدمين بينما معظم اليهود الإسرائيليين من أصل مهاجر. لكنّ الطرفين يتذرّعان بالتاريخ القديم، ومن نتائج هذا التوازي بينهما الشبَه القائم بين مطامع التعصّب الهندوسي التي تحققت بتدمير المسجد البابري وتشييد معبد هندوسي مكانه، ومطامع أقصى اليمين الصهيوني الذي يحلم بتدمير المسجد الأقصى القائم منذ فجر الإسلام بحجة أنه شُيّد على موقع هيكل النبي سليمان الذي دمّره الرومان قبل ألفي عام، أي قبل نشأة الإسلام بستة قرون!
أما التشابه بين التعصبّين الهندوسي والصهيوني فينعكس بصورة طبيعية في تحوّل الهند في ظل حكم مودي إلى حليفة لدولة إسرائيل بامتياز، وقد باتت أهم مستوردي الأسلحة التي تنتجها الأخيرة، إذ تستوعب الهند وحدها ما يناهز نصف الصادرات العسكرية الإسرائيلية بقيمة تبلغ مليارين من الدولارات سنوياً، بما يجعل من الدولة الصهيونية ثاني مورّدي السلاح للهند بعد روسيا. وقد تميّزت الهند برفضها التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح أول قرار دعا إلى «هدنة إنسانية» في غزة، ناهيك من وقف العدوان. في ضوء ما سبق، أليس من الطبيعي للغاية في زمننا الرديء أن تتسابق الدول العربية على نسج العلاقات السياسية والاقتصادية مع حكم مودي الهندي، كاره الإسلام وحليف إسرائيل؟