في الكوارث الطبيعية والكوارث البشرية


جلبير الأشقر
الحوار المتمدن - العدد: 7740 - 2023 / 9 / 20 - 01:31
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     


بين جميع الكوارث التي أصابت المنطقة الناطقة بالعربية في الأشهر والأسابيع الأخيرة، واحدة فقط يمكن تصنيفها بين الكوارث الطبيعية، ألا وهي الزلزال الذي ضرب جبال الأطلس في المغرب الأقصى. ذلك أن هذا الزلزال ما كان بالإمكان تفادي وقوعه، إذ هو نتاج طبيعي لتموّجات القشرة الأرضية التي لا حول ولا قوة للبشر إزاء حدوثها. بيد أن التصنيف ينتهي عند حدّ حدوث الزلزال، ولا يشمل عواقبه أو لا يشملها بالكامل على الأقل. فمن حق أهل المنطقة المنكوبة في جبال الأطلس ومحيطها أن يحتجّوا، كما نراهم يفعلون بصورة متزايدة مع مرور الأيام، على عدم اهتمام السلطات بالتأكّد من مراعاة مساكنهم لأبسط شروط الصمود في وجه الزلازل التي من المعروف أن جبال الأطلس معرّضة لها. ومن حقهم كذلك الاحتجاج على تلكؤ الحكم في الاستجابة لاحتياجات إغاثتهم، بما جعل العديد من مواطنات ومواطني المغرب يتوجهون إلى المنطقة المنكوبة بغية التطوّع شخصياً للإسهام في تقديم الخدمات الضرورية.
أما الفيضان الكارثي الذي أصاب ليبيا وجرف قسماً عظيماً من مدينة درنة، والذي يبدو أنه أودى بعدد من الضحايا يضاهي عدد ضحايا الزلزال المغربي، فهو من صنع البشر على صعيدين متكاملين: الصعيد الأول هو التغيّر المناخي الذي يُجمع أهل العلم الجدّيون على أنه وليد التغيّرات التي أحدثها البشر في العصر الحديث في الغلاف الجوّي لكوكبنا، ولاسيما في طبقة الأوزون، بفعل الغازات الضارة الناجمة في المقام الأول عن استخدام الوقود الأحفوري الذي للمنطقة العربية دورٌ كبير في إنتاجه على شكل النفط والغاز بوجه خاص.

وتزداد المسؤولية البشرية في أن العلماء قد أشاروا إلى الخطر المناخي المحدق منذ عشرات السنين وحثّوا دول العالم على العمل لتدارك الكارثة قبل فوات الأوان، لكن دعواتهم بقيت بلا تجاوب كالنداء في الصحراء. وما هو أنكى بعد من ذلك إنما يتمثل في أن اللامبالاة ما زالت تهيمن على سلوك معظم حكومات العالم، ومنها بامتياز حكومات البلدان العربية الغنيّة بالمحروقات الهيدروكربونية، على الرغم من تسارع الكارثة البيئية على نطاق كوكبنا بأسره بصورة باتت مرئية على نطاق رهيب.
أما الصعيد الثاني الذي يجعل من الكارثة الليبية كارثة من صنع البشر، فهو أنها نجمت عن حالة قصوى من السيبان حيال بنية ليبيا التحتية، بما فيها السدود، وهي حالة ناجمة عن أن البلاد وقعت ضحية فريقين متمسكين بنصيب كل منهما من السلطة ومغانمها على حساب عامة الشعب وعلى أنقاض التجربة الديمقراطية قصيرة العمر التي عقبت انهيار نظام آل القذّافي. فمن حق أهل درنة وسواهم من سكان ليبيا الذين أصابتهم الكارثة أن يحتجّوا، كما نراهم يفعلون بصورة متزايدة مع مرور الأيام، على حالة الإهمال التي جعلت من الفيضان كارثة عظمى، وأن يطالبوا بتنحّي شتّى المؤسسات المسؤولة عن هذا الإهمال.
نأتي هنا إلى الكارثة الثالثة التي ألمّت بالمنطقة الناطقة بالعربية في الأشهر الأخيرة، وهي الأخطر: قصدنا الحرب الطاحنة الدائرة في السودان، التي أودت حتى الآن بحياة عدد من الناس يضاهي عدد ضحايا كلّ من الكارثتين سابقتي الذكر، كما تسببت إلى ذلك في نزوح ما يزيد عن خمسة ملايين من البشر. ولا تزال الحرب مستعرة، بل ومتّجهة إلى التحوّل من نزاع بين فصيلين عسكريين إلى حرب أهلية إثنية تُنذر بأن تتعمّم، كما يوحي به اشتعال القتال مؤخراً بين القوات المسلحة وقوات قبَلية في مدينة بورتسودان التي كانت حتى الآن بمنأى عن الصراع الدائر.
فهذه الكارثة الأخيرة، الكارثة السودانية، لا تمتّ للطبيعة بصلة، اللهّم سوى ما هو الأسوأ في الطبع البشري الذي يجعل صنفاً من الرجال على استعداد لتدمير بلادهم والفتك بأهلها بغية التمسّك بالسلطة ومنافعها. والحال أن المنطقة العربية قدّمت نموذجاً فذّاً عن هذه الحالة الأخيرة في تمسّك آل الأسد بالسلطة من خلال «حرق البلد» الذي وعد به أنصارهم، وقد حرقوها وفتكوا بأهلها بما يقزّم كافة الكوارث الأخرى التي شهدتها المنطقة العربية في العصر الحديث حتى الآن، سواء أكانت طبيعية أم من صنع البشر.