تبرير الشر إسلاميا 2


عبد القادر أنيس
الحوار المتمدن - العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 21:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تبرير الشر إسلاميا 2
حول (التصور الإسلامي والتصور العالمي لحقوق الطفل) سألت خديجة بن قنة (الجزيرة) الشيخ القرضاوي: (عن موقع الجزيرة.نت)
http://urlz.fr/2X4x
خديجة بن قنة: فضيلة الشيخ التقرير أثار اختلافات كبيرة في تربية الأطفال بين الغرب والعالم الإسلامي هل تعتقد أن تربية الأطفال أو التصور الإسلامي لحقوق الطفل يختلف عن التصور العالمي لحقوق الطفل كما يراه الآخرون؟
فرد القرضاوي: "لا شك أن هناك خلافات ملموسة ومعروفة وهي كما أشار التقرير نفسه أن هذه منبثقة عن اختلاف فلسفة الحياة عندنا وعندهم، تصورنا للكون وللإنسان وللحياة ولخالق الكون والإنسان وهو الله تبارك وتعالى مخالف للتصور الغربي الذي تقوم فلسفته على المادية المحضة وعلى الإباحية المحضة وعلى النفعية المحضة، المثالية الأخلاقية والربانية الروحانية الإيمانية ليست موجودة في الفلسفة الغربية ولذلك خلَت مواثيقهم من هذه المعاني فنحن نؤمن بأن الطفل نعمة من الله تبارك وتعالى يجب أن تُشكر وأمانة يجب أن تُرعى، كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيَّته الأب مسؤول والأم مسؤولة والمجتمع كله مسؤول عن هذا الطفل فلذلك يجب أن يُعامَل بكل المحبة والرعاية والعناية، أما هم فهم لهم نظرة خاصة مثل قضية ما ذكره الأخوات في التقرير وأنا ممن شارك يعني في ميثاق الطفل حقوق الطفل في الإسلام وشارك في أعمال هذه اللجنة العالمية وهي لجنة يعني في الحقيقة تقوم بدور مذكور ومشكور يعني وهو دور مطلوب في هذه الفترة حتى لا ينفرد الغرب كما قال الأخ الكحكي بالسيطرة على العالم، نحن نؤمن بأن هناك خلافات ولذلك نحن نقول للأمم المتحدة لا تفرضوا الثقافة الغربية على العالم باعتبارها ثقافة كونية لا هي ثقافة الغرب ولكن هناك ثقافات أخرى ولابد أن تُراعى خصوصيات الأمم وخصوصيات الحضارات والثقافات نحن نؤمن بوحدانية الإله وتعددية الخلق، كل شيء في الكون متعدد ولذلك لا تفرضوا علينا ثقافتكم وفلسفتكم في الحياة إحنا عندنا الأب مسؤول والأم مسؤولة عن الطفل هم لا، إن من حق الطفل هو لسَّه طفل صغير أنه إذا ما عجبوش الأب يتصل بالشرطة وأبويا بيعمل لي كذا ويعمل لي كذا..". انتهتى.
طبعا نقاط الشر في هذا الحوار كثيرة، سأقتصر على ما تعلق بموضوع اليوم حول الشر المشروع إسلاميا المسلط على الأطفال، وقد أعود لأتناول نقاطا أخرى شريرة في الحوار، في مواضيع لاحقة. لهذا سيكون قول القرضاوي السالف الذكر تمهيدا لكشف مدى الكذب والتدليس الذي يمارسه الإسلاميون للتستر على الشر الكامن في موروثهم الديني. المقرف في الأمر أنهم لا يكتفون بالتستر على هذا الشر، بل يعملون بهوس على التصدي لمنجزات الحضارة الحديثة حول حقوق الإنسان: طفلا وامرأة ورجلا وعاملا وأسيرا ومهاجرا... إلى غاية حقوق البيئة والحيوان، ويدعون الناس إلى رفضها بحجة أن ما في إسلامهم خير منها. رفضوا الالتزام بهذه الحقوق التي التزمت بها البشرية المتحضرة جمعاء وقاوموا الحكومات التي حاولت تبنيها، بحجة أنها مواثيق غربية يهودية مسيحية تتعارض مع روح الإسلام. قاموا باستصدار مواثيق موازية (حقوق الطفل في الإسلام، حقوق المرأة في الإسلام، حقوق الإنسان في الإسلام، ....) لكي يتنصلوا من واجبات الالتزام بالقيم الحديثة خاصة حريات الفكر والاعتقاد والرأي والتعبير، والمواطنة...
ثم يصدرون مواثيقهم بعد أن يجردوها من كل الحقوق: اقرؤوا نموذجا من هذا المسخ:
http://www1.umn.edu/humanrts/arab/UIDHR.html
من المؤكد أن هناك تبريرا مجرما للشر إسلاميا لحق بالأبرياء على مدى العصور الإسلامية وخاصة الأطفال. نعم قد نجد نصوصا تبدو في ظاهرها رحيمة تجاههم. لكنها في الواقع قيلت للدعاية في بداية التأسيس ثم نسخت أو احتُفِظَ بها لتشمل أطفال المسلمين فقط ، والطفل المسلم الذكر بالأخص. أما أطفال الآخرين المنعوتين بالكفار، فمصيرهم الإبادة وفي أحسن الأحوال الرق وأسواق النخاسة والخصي واللواط.
نقرأ للقرضاوي: (تَصَوُّرُنا للكون وللإنسان وللحياة ولخالق الكون والإنسان وهو الله تبارك وتعالى مخالفٌ للتصور الغربي الذي تقوم فلسفتُه على المادية المحضة وعلى الإباحية المحضة وعلى النفعية المحضة. المثالية الأخلاقية والربانية الروحانية الإيمانية ليست موجودة في الفلسفة الغربية ولذلك خلَت مواثيقُهم من هذه المعاني فنحن نؤمن بأن الطفلَ نعمةٌ من الله تبارك وتعالى يجب أن تُشكر وأمانة يجب أن تُرعى).
فعن أية مثالية أخلاقية وربانية روحانية إيمانية يتحدث؟ وهل حقا إن (الطفل نعمة من الله تبارك وتعالى يجب أن تُشكر وأمانة يجب أن تُرعى) ولها ما يسندها إسلاميا؟
دعونا نقرأ في القرآن هذه الصورة المفجعة التي وردت في تفسير ابن كثير لآية من سورة نوح: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) يكتب ابن كثير: "أي: لا تترك على وجه الأرض منهم أحدا .. قال الضحاك: دَيّارا، واحدا . وقال السدي: الديار: الذي يسكن الدار .فاستجاب الله له، فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه، وقال: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (هود: 43). ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو رَحِمَ اللهُ مِنْ قومِ نوحٍ أحداً، لرحم امرأةً، لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت الجبل، فلما بلغها الماء صعدت به منكبها، فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها، فلما بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيدها، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم هذه المرأة".
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura71-aya26.html
ونقرأ حول شرح آية 82 من سورة هود: "فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود" (هود 82).
كتب ابن كثير "عن قتادة وغيره بلغنا أن جبريل عليه السلام، لما أصبح نشر جناحَه، فانتسف به أرضهم (يقصد سدوم) بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها، وجميع ما فيها، فضمها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب، وكانوا أربعة آلاف ألف (أربعة ملايين)، ثم قلبها، فأرسلها إلى الأرض منكوسة، ودمدم بعضها على بعض، فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيل".
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=789&idto=789&bk_no=49&ID=802
ويتعرض الأطفال الأبرياء لنفس المصير كما نقرأ في شرح آية: "فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مثيد" (الحج 45).
ومن الأحاديث نقرأ في مسند الإمام احمد بن حنبل:".... عن عائشة إنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين فقال إن شئتِ أسمعتُكِ تضاغيهم (أنينهم) في النار" (مسند احمد، الإمام احمد بن حنبل، ج 6، ص 208).
طبعا قد يجيئنا أحدهم بآيات مضادة مثل "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم. إن قتلهم كان خطأ كبيرا" (الإسراء 13) ؛ ومثل "قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم..." (الأنعام 140)؛ وآية "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون" (النحل 58-59). "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" (التكوير8-9) وآية "وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبنائكم ويستحيون نساءكم..." (إبراهيم 6)، بحيث أن الله يتصدى لبطش الفرعون بالأطفال، ولكنه يقتل الأطفال في مكان آخر.
وقد يجيئنا بعض المعلقين (بعض تعليقات المقالة السابقة) بأمثلة عن مجازر الاستعمار أو أمريكا أو غيرها، وهي حجة مردودة، لأنني أولا لا أؤيد الشر مهما كان مصدره، وثانيا، لأن الشر الذي أتناوله بالنقد هنا هو شر مقدس يقوم به فاعلوه دون أي شعور بالذنب أو بالمسؤولية، وهو شر مازال يروج له رجال الدين ويعارضون أي مساس به من خلال سن الدساتير والقوانين والتوقيع على المواثيق العالمية، وهو أيضا شر متاح الاطلاع عليه لعصابات الإرهاب لأنه يدرّس في المؤسسات الدينية مثل الأزهر وغيره قبل أن تتاح معرفته للجميع بفضل وسائل الإعلام الحديثة لهذا لا يجب أن نستغرب أن تلجأ إلى ممارستنا في عصرنا عصابات الإرهاب (بوكو حرام وداعش واسترقاق الفتيات)، (تفجير الأماكن العمومية مع ما فيها من أبرياء، خاصة الأطفال، وهم إنما يفعلون هذا لاقتناعهم بأن أفعالهم مبررة دينيا).
نقرأ أيضا طائفة من المواقف المحمدية حول تبرير الشر اللاحق بالأبرياء من الأطفال:
سألوه: "يا رسول الله أطفال المشركين نُصًيبُهم في الغارة بالليل؟ قال: لا حرج فإن أولادهم منهم" (كنز العمال – المتقي الهندي- رقم الحديث 11288 – ج4، ص435)
وسألوه عن جواز قتل الطفل فقال: (انظروا فان كان انبت الشعر فاقتلوه" (كنز العمال – المتقي الهندي- رقم الحديث 11275– ج4، ص433). يقصد شعر العانة، وهو ما يعني إمكانية قتل أطفال بين سن 10 و16 لمجرد أن شعر العانة عندهم قد نبت.
وعن عائشة قالت: "سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المسلمين أين هم يا رسول الله يوم القيامة؟
- قال: في الجنة يا عائشة.
- فقلت: فأطفال المشركين أين هم يا رسول الله يوم القيامة؟
- قال: في النار يا عائشة.
- فقلت له: وكيف ولم يبلغوا الحَنَثَ ولم تجرِ عليهم الأقلام؟
- قال إن الله قد خلق ما هم عاملون. لَئِنْ شئتِ لأسمعنَّك ِتضاغيهم في النار.
المرجع (بغية الباحث، الحارث بن أبي أسامة، ص 237 - باب ما جاء في الأطفال ( 752).
وفي مرجع آخر نقرأ: (وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أطفال المشركين، أنه قال لعائشة: "إن شئت دعوت الله عز وجل أن يُسْمِعَك تَضَاغِيهم في النار" (المعجم الأوسط، الطبراني، ج 2، ص 302).
وعن الشافعي نقرأ: "أما ما احْتُجَّ به من قتل المشركين وفيهم الأطفال والنساء والرهبان ومن نهي عن قتلهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على بنى المصطلق غارِّين في نَعَمِهم (أي غافلين مع مواشيهم) وسئل عن أهل الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، فقال: هم منهم يعنى صلى الله عليه وسلم أن الدار مباحة لأنها دار شرك وقتال المشركين مباح." كتاب الأم:
http://islamport.com/w/shf/Web/949/2159.htm
وقال أبو يوسف: "وقد حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف وأهل خيبر وقريظة والنضير وأجلب المسلمون عليهم فيما بلغنا أشد من قدروا عليه وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق. فلو كان يجب على المسلمين الكف عن المشركين إذا كان في ميدانهم الأطفال لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم عندما يقاتلوا لأن مدائنهم وحصونهم لا تخلو من الأطفال والنساء والشيخ الكبير الفاني والصغير والأسير والتاجر. وهذا من أمر الطائف وغيرها محفوظ مشهور من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، ثم لم يزل المسلمون والسلف الصالح من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في حصون الأعاجم قبلنا على ذلك لم يبلغنا عن أحد منهم أنه كف عن حصن برمى ولا غيره من القوة لمكان النساء والصبيان ولمكان من لا يحل قتله لمن ظهر منهم."
وطبعا هذا ما تفعله داعش وغيرها وهي تفجر الأماكن العمومية والمدارس وغيرها، واجدةً في هذا الفقه تبريرا يعفيها أية مسؤولية.
عن ابن عباس قال: "قال عُزَيْر يا رب إني نظرت في جميع أمورك وأحكامها فعرفت عدلك بعقلي، وبقي باب لم أعرفه ، إنك تسخط على أهل البلية فتعمهم بعذابك وفيهم الأطفال، فأمره الله تعالى أن يخرج إلى البرية وكان الحر شديدا، فرأى شجرة فاستظل بها ونام، فجاءت نملة فقرصتها فدلك الأرض برجله فقتل من النمل كثيرا، فعرف أنه مثل ضرب" (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 41، ص 371).
وهذا موقف من الفقه الذي يحتاجه الدواعش: "الأطفال ومن لم تتم عليهم الحجة في الدنيا ، والآية فيه ، وفيه 22 حديث: "إذا كان يوم القيامة جمع الله الأطفال وأجج لهم نارا وأمرهم أن يطرحوا أنفسهم فيها، فمن كان في علم الله عز وجل أنه سعيد رمى نفسه فيها وكانت عليه بردا وسلامة، ومن كان في علمه أنه شقي امتنع فيأمر الله تعالى بهم إلى النار، فيقولون: يا ربنا تأمر بنا إلى النار ولم يجر علينا القلم؟! فيقول الجبار قد أمرتكم مشافهة فلم تطيعوني، فكيف لو أرسلت رسلي بالغيب إليكم" (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 801، ص 71).
وموقف آخر: "وبعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فقال أغر على هؤلاء يا بني صباحا وحرق وكان يأمر السرايا بأن ينتظروا بمن يغزونهم فإن أذنوا للصلاة أمسكوا عنهم وإن لم يسمعوا أذانا أغاروا وعلى ذلك مضى الخلفاء الراشدون ومعلوم أن من أغار على هؤلاء لا يخلو من أن يصيب من ذراريهم ونسائهم" (أحكام القرآن، الجصاص، ج 3، ص 525).
وموقف آخر: يبرر به ابن حزم قتل الأطفال: "أننا نضجع الخروف الصغير ونذبحه ونطبخ لحمه ونأكله ونفعل ذلك أيضا بالفصيل الصغير، ونثكل أمه إياه، ونولد عليها من الحنين والوله أمرا ترق قلوب سامعيه له، وتؤلم نفوس مشاهديها. وقد شاهدنا كيف خوار البقر وفعلها إذا وجدت دم ثور قد ذبح. وكل هذا حلال مأمور به ويكفر من لم يستحله، ويجب بذلك سفك دمه. فأي فرق في العقول بين هذا وبين ذبح صبي آدمي لو أبيح لنا ذلك؟ وقد جاء في بعض الشرائع أن موسى عليه السلام أمر في أهل مدين إذا حاربهم بقتل جميع أطفالهم أولهم عن آخرهم من الذكور، وقد سئل رسول الله عن أطفال المشركين يصابون في البيات: فقال: "هم من آبائهم. فهل في هذا كله شيء غير الأمور الواردة من الله عز وجل؟" (الأحكام، ابن حزم ج 4، ص 452).
يتبع