عندما يتحدث أعداء السعادة عن السعادة 3


عبد القادر أنيس
الحوار المتمدن - العدد: 4959 - 2015 / 10 / 18 - 12:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

انتهى القرضاوي في مقالته حول الإيمان والسعادة محل نقدي:
http://qaradawi.net/new/library2/271-2014-01-26-18-47-43/2741
إلى أن: "السعادة .. ليست في وفرة المال، ولا سطوة الجاه، ولا كثرة الولد، ولا نيل المنفعة، ولا في العلو المادي".
بل "السعادة شيء معنوي لا يرى بالعين، ولا يقاس بالكم، ولا تحتويه الخزائن، ولا يشترى بالدينار، أو بالجنيه أو الروبل أو الدولار".
و"السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه .. صفاء نفس، وطمأنينة قلب، وانشراح صدر، وراحة ضمير".
و"السعادة شيء ينبع من داخل الإنسان ولا يستورد من خارجه".
ثم جاءنا بحكاية بليدة: "حدثوا أن زوجاً غاضَبَ زوجته فقال لها متوعداً: لأشقينك. فقالت الزوجة في هدوء: لا تستطيع أن تشقيني، كما لا تملك أن تسعدني.
فقال الزوج في حنق: وكيف لا أستطيع؟
فقالت الزوجة في ثقة: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون!
فقال الزوج في دهشة: وما هو؟
فقالت الزوجة في يقين: إني أجد سعادة في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي!" انتهت.
ويخلص القرضاوي إلى التأكيد على أن: "هذه هي السعادة الحقة، السعادة التي لا يملك بشرٌ أن يعطيها، ولا يملك أن ينتزعها ممن أُوتِيَها، السعادة التي شعر بنشوتها أحد المؤمنين الصالحين فقال: إننا نعيش في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف!"
مع كل هذا الكلام السابق يتراجع القرضاوي ليعترف بأن هناك قدرا ماديا لازما لتحقيق السعادة. ولكنه اعتراف قبيح يعكس ثقافة الشيخ الدينية الذكورية البدوية.
قول القرضاوي بأن "السعادة .. ليست في وفرة المال، ولا سطوة الجاه، ولا كثرة الولد، ولا نيل المنفعة، ولا في العلو المادي" هو قول مغشوش كثيرا ما استُخْدِم لتخدير المؤمنين وجعلهم يرضون بقدرهم المشئوم بحجة أن الأرزاق بيد الله، وأن الله هو الرازق وهو المانع، وأن الله هو الذي جعل الناس طبقات حتى يكون البعض مسخرين وعبيدا لخدمة البعض ليعيش الأعلون في نعيم ويعيش الأدنون في جحيم حسب تقدير العزيز القدير، وهذا الكلام قُدِّم دائما للناس على أنه أبْدعُ ما وُضِعَ للناس من شرائع كأنها نهاية التاريخ، بالنسبة للمسلم، مادام الله هو الذي ارتضاها لعباده وعليهم العض عليها بالنواجذ في انتظار القيامة، لكي يحافظوا على صلاح أحوالهم (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا) (تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي). وقد وقف رجال الدين دائما مدافعين عن هذا الدين باعتباره نظاما اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا جامعا مانعا شاملا لا يحتاج معتنقوه معه إلى زيادة وإنما عليهم فقط فهمه حق الفهم والتقيد به بصرامة، فعارضوا بذلك دعوات الإصلاح والتغيير الجريئة باعتبارها تَجَرُّؤاً على الله وتشكيكا في حكمته، بل حاربوا احتجاج الناس وسخطهم على أوضاعهم باعتباره قنوطا من رحمة الله (ولا تقنطوا من رحمة الله)، كما عارضوا الأفكار الحديثة التي سعت إلى إقامة أنظمة ديمقراطية واجتماعية لا ترى في الفقر والظلم والجهل والتمييز الديني والجنسي والعنصري أقدارا لا سبيل إلى تجاوزها نحو الأفضل.
وقول القرضاوي بأن: "السعادة شيء معنوي لا يُرى بالعين، ولا يُقاس بالكم، ولا تحتويه الخزائن، ولا يُشترى بالدينار، أو بالجنيه أو الروبل أو الدولار"، قول غير صحيح لا يصمد أمام أبسط حجة. فالسعادة "ليست شيئا معنويا لا يرى بالعين ولا يقاس بالكم، ولا تحتويه الخزائن، ولا يشترى بالدينار، أو بالجنيه أو الروبل أو الدولار"، بل العكس هو الصحيح. السعادة لكي تظهر في حياة الناس، فرحا وابتهاجا وطمأنينة وتفاؤلا واستعدادا للكفاح من أجل الحياة، لا بد لها من توفر شروط مادية محسوسة، نرى القرضاوي نفسه يعترف بها، ولو في حدها الأدنى، بعد هذا الكلام المغلوط بقوله: "ولا نجحد أن للجانب المادي مكاناً في تحقيق السعادة، كيف؟ وقد قال رسول الإسلام: "من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح".
السعادة صارت هكذا في حاجة إلى الجانب المادي لكي تتجسّد، ولو أنها، في ثقافته الدينية الذكورية، حكر على الرجل المسلم فقط الذي يسعد بالمرأة الصالحة وليس شرطا أن تسعد به.
طبعا القرضاوي صادق مع دينه. فالمرأة في عقيدته، أداة (اكسسوار) من أدوات الرجل الكفيلة بإسعاده. أو كما قال عمر بن الخطاب مُقَرِّعا إحدى زوجاته: (يا عدوةَ الله، وفِيمَ أنتِ وهذا، ومتى كنتِ تدخلين بيني وبين المسلمين. إنما أنت لعبةٌ يُلْعَب بك، ثم تُتْرَكِين)! فكيف يليق بمجتمع إسلامي يصفه أصحابه بأنه تخطيط إلهي كامل صادر عن عليٍّ قدير رحيم عادل لطيف لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أن يعيش نصفُه شقيا مسخرا لإسعاد النصف الآخر أو لِيُلْعَب به. فحسْبُ "الإنسان (أي الرجل المسلم كما نفهم من كلام القرضاوي) أن يسلم من المنغصات المادية التي يضيق بها الصدر، من مثل: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء".
وهذا ما نفهمه من أحاديث محمدية كثيرة جعلت من المرأة كائنا بائسا في خدمة الرجل. بل حتى حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" قالوا لنا أخيرا بأنه موضوع:
http://bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=03-02-0089
وهذه طائفة من الأحاديث الذكورية (الصحيحة) قيلت لدعم السعادة الذكورية في الإسلام: (النساء سفهاء إلا التي أطاعت زوجها). (لا يسأل الرجل فيما ضرب أهله). (علّقوا السوط حتى يراه أهل البيت فإنه أدب لهم). (ثلاثة لا تتجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون). (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه). (والذي نفسي بيده: لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد . ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه). (أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة). (إذا دعا الرجل امرأته لفراشه، فأبت أن تجيء فبات غضبانا عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح). (أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة). (مثل المرأة الصالحة بين النساء مثل الغراب الأعصم بين مئة غراب). (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة). (إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ فَلْيَقُلْ ذَلِكَ). (إنما النكاح رق فلينظر أحدكم أين يرق عتيقته). (أكثر أهل النار النساء: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان) (العشير هو الزوج). انتهى
هذا عدا عن إباحة الإسلام أربع زوجات للرجل المسلم وسبي النساء ورقهن والاستمتاع بهن بغير زواج، قبل أن ينتقل إلى السعادة المطلقة في جنة أعِدَّت متعُها للمتقين من الرجال حصرا.
القرضاوي يتصرف وكأنه لم يقرأ هذه الأحاديث، فيأتي لنا بتلك الحكاية التي يكذبها الواقع، بل حتى بيت النبوة الذي يصوره لنا الإسلاميون غاية في المثالية كان دائما مسرحا لصراعات ومشاحنات بين الضرائر الكثيرات والجواري عانى منها محمد نفسه دون أن يفهم أنه المتسبب فيها.
كتب القرضاوي في نهاية الحكاية السابقة: "قالت الزوجة في يقين: إني أجد سعادة في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي!". فما أسخف هذا الكلام! ذلك أن هذه المرأة التي قدّمها لنا كمثال على إمكانية وجود سعادة معنوية يمكن بلوغها بمعزل عن الواقع المحيط، هي خيالية، فإن وُجِدَت فهي إما أن تكون آلة (روبوت) لا حياة في جسدها ولا مشاعر ولا مطالب، أو هي من البلادة بحيث لم تعد تفرق بين الشر والخير وبين الشقاء والسعادة وكل ما يمكن أن يجعل الإنسان شقيا أو سعيدا.
ثم يقول القرضاوي سخافة أخرى: "وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية، والقلب الإنساني، فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها وغذاؤها، وهواؤها وضياؤها". ثم يقول: "لقد فجر الإيمان في قلب الإنسان ينابيع للسعادة، لا يمكن أن تغيض، ولا أن تتحقق السعادة بغيرها. تلك هي ينابيع السكينة، والأمن، والأمل، والرضا، والحب". وهو ما يعني أن المؤمن الذي يشعر بالشقاء عندما تُلِمُّ به بعضُ المصائب هو في حقيقة الأمر ضعيف الإيمان أو عَديمُه وهو فوق هذا مُدانٌ وليس ضحية في حاجة إلى تعاطف، وهو ما جاء في تفسير آية (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
معنى هذا الكلام أن البوذي أو اللاديني الذي لا يؤمن بالله على الطريقة الإسلامية لا بد أن يعيش شقيا مادامت "ينابيع السكينة، والأمن، والأمل، والرضا، والحب" حكرا على المؤمن بالله فقط.
لكن الواقع كما أراه هو أن المؤمن شقي وسيبقى شقيا كلما كان أحرص على الالتزام بكل مطالب دينه. هذا ما لمسته من حياة الناس المسلمين في محيطي وهم يعانون من قيود هذا الدين فيبررون كل سلوك يصدر عنهم بمدى حلاله أو حرامه، وبما أن أغلب مظاهر الحياة اليومية المعاصرة لا يرضى عنها الدين ولا رجاله بسبب مخالفتها لتعاليمه، فهم يعانون باستمرار من تأنيب الضمير والشعور بالإثم وتأنيب رجال الدين في خطبهم التي تتساقط على رؤوسهم يوميا، رغم أن بعض النصوص الدينية تساعدهم على شراء خطاياهم عبر ممارسات دينية كثيرة؛ فمن حج عاد كما ولدته أمه ومن صام رمضان غُفِر له ما تقدم من ذنبه ومن ذكر (لا إله إلا الله) مائة مرة غُفِرت له ذنوبُ يومه، وهكذا يقضي المؤمن يومه في ارتكاب الأخطاء مادام هناك حيل لمحوها. وبما أن هذه الأخطاء هي في حقيقة الأمر تجاوزات في حق الآخرين: الغش والرشوة والتعدي على حرمة الملكية والجار والتهور في السياقة وتنغيص حياة الناس بشتى التصرفات ناهيك عما يتسبب فيه الالتزام بالقوانين الوضعية ومقتضيات العصر من تناقضات في حياة المسلمين تسبب لهم أمراضا كثيرا أهمها انفصام الشخصية الذي يجري التعبير عنه في اللباس وفي الزبيبة وفي شكل نفاق ورياء وادعاء التقوى وتبرير الأخطاء بحجة أن كل بني آدم خطاؤون وأن خير الخطائين التوّابون وأن الله خلق النفس أمَّارةً بالسوء. وفي الأخير يتهرب الناس من تحمل المسؤولية عن أخطائهم لهذه الأسباب، وتتراكم مظاهر الانحراف التي تتحول إلى ممارسات عادية في المجتمع فتتحول حياة الناس إلى جحيم بما في ذلك مجتمعاتنا التي ساهمت الثروات الطبيعية في رفع مستواها المادي بشكل صارخ لا يعكس مستوى أدائهم الحضاري ولا مساهماتهم في صنع الحضارة الإنسانية.