تحديات جديدة امام حركة التحرر الفلسطينية


بسام الصالحي
الحوار المتمدن - العدد: 1164 - 2005 / 4 / 11 - 23:13
المحور: القضية الفلسطينية     

الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني
يمر نضال شعبنا في مرحلة جديدة تتميز بعدد من المتغيرات والتحديات . فمن جهة نجح الحوار الفلسطيني في الاتفاق على اعلان القاهرة الذي تضمن "التهدئة" وفقاً لخطة عامة تسمح بالتحرك السياسي حتى نهاية العام، الامر الذي يسحب ذرائع الطرف الاسرائيلي باستمرار عدوانه اليومي واجتياحاته واغلاقاته للأراضي الفلسطينية، بحجة الأمن، ولعملية الاغتيالات والتصفيات والاعتقالات المتواصلة، كما يساعد شعبنا على التقاط انفاسه ومعالجة العديد من الهموم التي تكبدها بسبب العدوان الاسرائيلي المتواصل والتدمير والاغلاق وهدم البيوت، وضرب البنية التحتية وغيرها من الممارسات التي عمقت البطالة بنسب غير مسبوقة، وأورثت نسبة فقر خيالية في صفوف الشعب الفلسطيني، ودمرت البنية الاقتصادية والخدماتية، وعزلت المناطق عن بعضها البعض.
ويسهم هذا التطور في توفير الأساس لإستعادة المبادرة السياسية الفلسطينية وحشد التأييد الدولي من أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية، ووقف العدوان والاستيطان، واغلاق الباب نهائياً امام محاولات اسرائيل المحمومة لوصم نضال الشعب الفلسطيني بالارهاب وتحويل قضيته التحررية العادلة الى واحدة من قضايا "الارهاب الدولي".
ان الاتفاق الداخلي على التهدئة سمح عملياً بالتوصل الى تفاهمات متبادلة لطالما رفضت اسرائيل ابرامها، الأمر الذي يوفر الامكانية للمطالبة بضمانات دولية لاحترام هذه التفاهمات التي اتفق عليها في شرم الشيخ، وتنفيذ ما يترتب على اسرائيل من استحقاقات مرتبطة بها.
غير ان هذه التفاهمات، يجب الا تغذي الأوهام بتراجع الاحتلال الاسرائيلي عن سياساته الجوهرية، وفي مقدمتها الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري وتهويد القدس، او باستغلال الظروف لمواصلة العدوان والقمع، بل انها على العكس من ذلك تستوجب مواصلة النضال ضد هذه السياسات والتعبئة ضدها على المستويات الوطنية والخارجية.
وفي هذا السياق ، يجب النظر الى التغير الجديد، باعتباره انتقالاً للصراع من ساحة الى ساحة، هي ساحة النضال السياسي والتفاوضي والدبلوماسي، وهي كذلك ساحة الانتفاضة الشعبية والكفاح الجماهيري السلمي المنظم، وتعزيز الوحدة الوطنية. وبمقدار تعزيز هذا الفهم وتطويره على الصعيد الوطني والجماهيري والسياسي، بمقدار ما تتحسن ظروف انتزاع زمام المبادرة . والتحرك السياسي المباشر الذي اشتمل عليه اعلان القاهرة، والقائم على الثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني
كما فتح هذا التطور الهام الباب امام استعادة وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية، والى انخراط كافة القوى الفلسطينية ، وخاصة حركتي حماس والجهاد في اطار م.ت.ف بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وتشكيل الآلية لبحث اسس تفعيل وتطوير ذلك، الأمر الذي ينهي مرحلة من الانقسام والازدواجية القيادية للشعب الفلسطيني، والتي تعمقت خلال سنوات الانتفاضة، وترسي الأساس لوحدة قيادة الشعب الفلسطيني ، عبر م.ت.ف وهي الاطار الكفاحي والشرعي الذي قاد عملية استعادة وتعزيز الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، ولوحدته، وللاعتراف بحقوقه المشروعة، ولبداية تجسيد كيانيته المادية المستقلة بالاضافة الى الكيانية المعنوية جسدتها م.ت.ف منذ تأسيسها.
ان هذا التطور يعني انتهاء حالة الانقسام والصراع حول م.ت.ف ودورها، ولكنه يفتحه بصورة ديمقراطية "عليها" أي على برنامجها ورؤيتها وقيادتها، وهيكلها وآليات عملها، وبالتالي فانه يؤذن بمرحلة جديدة يمكنها تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده واحياء مؤسسات م.ت.ف ، بصورة جديدة بعد ان تراجع دورها بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.
وينطبق الأمر ذاته على السلطة الوطنية الفلسطينية، والنظام السياسي فالمشاركة السياسية في الانتخابات التشريعية تعني انخراطاً مباشراً في النظام السياسي، الفلسطيني وفي السلطة الوطنية الفلسطينية، وتعني بصورة واضحة تعزيز بنية هذا النظام ، وانفتاحه، وتعدديته، وديمقراطيته، وكذلك تعزيز اتجاهه نحو توسيع القاعدة الاجتماعية – للسلطة، والاهتمام بمصالح الجماهير وسلطة القضاء والقانون، ومحاربة الفوضى والفساد، وتحقيق الاصلاحات الجدية الضرورية لتعزيز صمود شعبنا ولتطوير البنية الديمقراطية الاصلاحية لنظامه السياسي.
ان الميزة الخاصة لهذه العملية، في فلسطين بالقياس الى مناطق أخرى على الصعيد الاقليمي او الدولي انها تتم بمبادرة من قبل قوى التحرر الوطني، وضد الهيمنة، ويمتزج فيها المضمون الديمقراطي والتحرري، لذات القوى صاحبة المصلحة في الاستقلال الوطني. وتوفر هذه العملية الأساس الموضوعي لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ووحدته ولتنامي اصراره على نيل استقلاله الوطني، وكفاحه من اجل تحقيقه، خاصة ان كل انجازاته الديمقراطية والاصلاحية والتنموية، ستكون معرضة للتبديد في ظل استمرار الاحتلال والاستيطان والعدوان اليومي، وهو الأمر الذي دللت عليه تجربة العدوان الاسرائيلي خلال السنوات الماضية.

دور حزب الشعب وبناء المجتمع
ان حزب الشعب الفلسطيني ، الذي لم يكن محايداً في العمل من اجل تحقيق هذه التغيرات الهامة، سيكون داعماً قوياً لها، على مختلف الصعد، سياسياً من اجل تحقيق برنامج م.ت.ف للسلام ، الذي هو برنامج الحزب، وكفاحياً في تعزيز النضال ضد الاحتلال وممارساته عبر الانتفاضة الشعبية، وديمقراطياً من اجل تحسين اداء السلطة الوطنية، وانجاز عملية الانتخابات والمشاركة فيها، وسن القوانين والتشريعات التي تكفل تطور النظام الديمقراطي، التعددي، النسبي، وتعميق الاصلاحات وتحقيق الأمن الحقيقي للمواطن ومحاربة الفساد، ومكافحة الفقر والبطالة، ومن اجل بناء شبكة امان اجتماعي وصحي للطبقات الشعبية الفقيرة والمحرومة.
وكل ذلك في سياق نضال الحزب من اجل بناء مجتمع ديمقراطي تعددي، علماني منفتح، يسوده التسامح الديني وسلطة القانون والقضاء المستقل. وفي هذا الصدد فإن حزب الشعب الفلسطيني سيوفر شبكة دعم سياسي واجتماعي لمجمل عملية الاصلاحات ،التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي تتوافق مع برنامج الحزب السياسي والانتخابي الذي طرحه في حملة المنافسة على الرئاسة الفلسطينية، ومن اجل منع الارتداد عن هذا البرنامج في شقه السياسي الرافض للدولة المستقلة ذات الحدود المؤقتة، او لاستبدال التهدئة والحوار الداخلي، بالمعالجات الأمنية، وفي شقه الداخلي القائم على تحقيق وتطوير العملية الديمقراطية، وانهاء الفوضى الأمنية وسيادة القانون وهي القضايا التي تعارضها فئات متنوعة من الجهاز البيروقراطي، والزبائنية السياسية، ومن اوساط الكومبرادور، البيروقراطي ، السياسي والاقتصادي. ان هذا الدعم الذي يأخذ بالاعتبار المصلحة المباشرة وبعيدة المدى، للواقع الفلسطيني، لا يعني توقف الحزب عن نقد ومعارضة كل ما هو سلبي في اداء السلطة الوطنية الفلسطينية، والنضال الديمقراطي ضده.
التغيرات الاقليمية والدولية وموقعنا منها:
ان التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني تترافق مع تحديات جديدة تواجه المنطقة العربية برمتها، ان هذه التحديات تكتسب اهمية مختلفة بالنسبة للشعب الفلسطيني بسبب الخصوصية التي يمثلها واقع نضاله التحرري ضد الاحتلال والاستيطان والتوسع، ومن اجل انجاز استقلاله الوطني.
وتتمثل ابرز هذه التحديات في استمرار الاحتلال، وبناء جدار الفصل العنصري، وتهويد القدس، وتواصل استمرار وتعقد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، واصرار الحكومة الاسرائيلية على اعتبار خطة الفصل، هي الاساس لعملية السلام، وتوجيه المجتمع الدولي باتجاهها، في وقت يتزامن فيه ذلك مع التحديات الكبيرة على المستوى الاقليمي والمتمثلة في تزايد عملية الهيمنة والعدوانية الأميركية، وتعمق التحالف الاستراتيجي الاميركي – الاسرائيلي والمسعى لإعادة ترتيب أولويات المنطقة وخارطتها الجيو سياسية في هذا الاطار، وتسعى الولايات المتحدة لتكريس هيمنتها على المنطقة، التي لطالما حققتها من خلال دعم انظمة القمع والرجعية، من خلال محاولة تبني قضايا الديمقراطية والاصلاح التي دأبت حركة التحرر العربية وقواها التقدمية على رفعها والنضال من اجلها على مدار العقود الماضية، في مواجهة القمع والكبت السياسي، وانغلاق النظام السياسي العربي، وتبعيته الواضحة للولايات المتحدة وغيرها.
وتدرك الاطراف المختلفة ، ان النجاح في اعادة الترتيب الاقليمي ، وفق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الادارة الاميركية، يستلزم معالجة معينة للمشكلة الفلسطينية، الأمر الذي يزيد من الحاحية النضال الفلسطيني من اجل ان تكون هذه المعالجة، حقيقية، ودائمة، ومتطابقة مع قرارات الشرعية الدولية، كما أقرها برنامج السلام الفلسطيني، الذي طرح عام 1988، وليس من خلال انجاز حل وهمي وبأي ثمن، على الشاكلة التي تحاولها اسرائيل من خلال فرض تصوراتها عبر خطة الفصل، والحل الانتقالي طويل الأمد، او من خلال اقامة ما يسمى "الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة" ، او من خلال اعادة تنظيم واقع الاحتلال والاستيطان وبدء عملية تفاوض عقيمة على الشاكلة التي جربها الشعب الفلسطيني خلال الأعوام الماضية.
ان المسارعة في صياغة رؤية استراتيجية للتعامل مع هذه المعطيات على المستوى الوطني والاقليمي، والعمل على ربط هذه الرؤية برؤية عربية متوافقة، تقطع الطريق على واقع الحسابات العربية المنفردة، او الرضوخ لضغوط الادارة الأميركية، تحسباً من استحقاقات التحول الديمقراطي، بما يعنيه ذلك من امكانية استبدال بعض مكونات القاعدة الاجتماعية – الاقتصادية للنظام العربي،، انما تمثل واحدة من اهم متطلبات هذه المرحلة، وفي هذه العملية تستطيع قوى الديمقراطية والتقدم والاستقلال، ورفض الهيمنة والتطبيع العربية، ان تنظم صفوفها، وان تحافظ على دمج صحيح بين متطلبات التنمية السياسية الديمقراطية وتعميق النضال من اجلها، وبين متطلبات رفض الهيمنة الاميركية – الاسرائيلية، والدفاع عن الاستقلال الوطني.
ولا ينفصل هذا النضال على المستوى الوطني والاقليمي، عن العملية الجارية في العالم بأسره، والتي تتمثل أبرز علاماتها في تزايد نزعة الهيمنة والحرب لدى الادارة الأميركية، وفي المسعى المحموم لإضفاء صيغة عقائدية –دينية على ذلك، من خلال نظريات وممارسات المحافظين الجدد، والتي باتت توجه الادارة الاميركية ونزعتها الكونية والاقليمية والمحلية، والتي أدت للتناقض مع قوى دولية وشعبية مختلفة، وباتت تعرض للخطر ليس فقط مكونات السلم العالمي، وانما كذلك مفاقمة قضايا الفقر والمديونية واتساع الهوة بين الشمال والجنوب، والهجوم الشامل على المكتسبات الاجتماعية التي تحققت في معظم بلدان العالم وفي مقدمتها البلدان الاوروبية، ومحاولة التدمير الشامل لصناديق الضمان الاجتماعي، والمكتسبات النقابية والاجتماعية، وتزايد نزعة التوحش الليبرالي الجديد، على مختلف الجبهات.
وتستفيد الادارة الاميركية في هجومها الشامل هذا، من جملة من الظواهر التي ساعدت هي على تغذيتها، بصورة مباشرة او غير مباشرة، من خلال خلق القاعدة المادية للفقر والقمع والتطرف، او للحلول العنيفة والمسلحة للتناقضات التي شهدتها الحرب الباردة، عبر اقامة وتسليح ودعم استخدام العنف في الصراع ضد القوى المعادية للولايات المتحدة وهيمنتها، هذا بالاضافة الى افرازات واقع انغلاق انظمة القمع والتسلط التي دعمتها في البلدان العربية والاسلامية .
ان هذه العوامل غذت موضوعيا الحلول المتطرفة ، عقائدياً وسياسياً ، وعسكرياً، لكل الازمات الناجمة عن سياسات القمع المدعومة من الادارة الاميركية وغيرها ، وبحيث باتت هذه الحلول المتطرفة تكتسب بالنسبة لبعضها، منهجاً مثابراً في استهداف المدنيين العزل، واعتبار ذلك اساساً لممارساتها الاحتجاجية مما سمح تصنيفها في خانة "الارهاب" وسمح بعملية انقلاب هائلة على المستوى الدولي بحجة مكافحتها، والتصدي لها.
ان افتضاح اهداف السياسة الاميركية، وممارساتها، وتنامي حجم القوى المعارضة لها، تعيد بصورة متسلسلة ومتسارعة، ترتيب الأولويات والسياسات والتحالفات على المستويات الدولية والاقليمية، وتعيد بناء الاصطفافات ليس فقط على اسس سياسية بل وكذلك على اسس برامجية وايديولوجية، ايضاً، وهي في الوقت الذي تؤكد فيه حقيقة الطبيعة المهيمنة والعدائية والاستغلالية للامبريالية وللنظام الرأسمالي وتكتلاته الاحتكارية الضخمة، ومؤسساتها ومنظماتها وقوانينها الاقليمية والعالمية ، التي باتت تهيمن على حركة الاقتصاد والسوق العالمي في مجالات التسلح والتكنولوجيا، والتجارة العالمية، وفي صيغ الاستهلاك والثقافة وغيرها من مكونات العولمة الليبرالية الجديدة، انما تؤكد في ذات الوقت حقيقة التناقض الطبقي والاجتماعي – والاقتصادي، والايديولوجي، والقومي الذي تولده الرأسمالية وسياساتها وتجلياتها، وفي مقدمتها السياسة الاميركية، وفي الميل المتزايد لمواجهة هذه السياسات سواء على مستوى الدول او الاتحادات الاقليمية، وبضمنها القوى الصاعدة في المجتمع الدولي كالصين ،والاقطاب الأخرى كروسيا والاتحاد الاوروبي، او على مستوى بلدان اميركا اللاتينية، كالبرازيل وفنزويلا وغيرها، وكذلك على صعيد الحركات الشعبية واليسارية المتنامية، في معارضة العولمة الليبرالية الجديدة، والمدافعة عن الحقوق والمكتسبات الاجتماعية، وتزايد بناء الجبهات اليسارية في العديد من البلدان الاوروبية من اجل هزيمة قوى التحالف اليميني مع السياسات الاميركية في القارة الاوروبية.
ان حركة التحرر الفلسطينية، وبدون أي تجاهل للدور الاميركي المهيمن في المنطقة، او احتياجات السياسة العملية والدبلوماسية الفلسطينية ، او للتحالف الاستراتيجي الذي يربط الولايات المتحدة باسرائيل، بل وبسببه، لا يمكنها ان تنفصل موضوعياً، بسبب من طبيعتها التحررية والديمقراطية، ونزعتها للاستقلال الحقيقي، عن المحيط الواسع للقوى المناهضة للسياسة الاميركية، وللعولمة الليبرالية المتوحشة، والمدافعة عن السلم العالمي، كما انها ترتبط موضوعياً بقوى مقاومة ، التطبيع، والهيمنة الاميركية – الاسرائيلية على المنطقة، وهي على العكس من ذلك، صاحبة مصلحة في الارتباط بهذه القوى، وزيادة النشاط في صفوفها حتى يبقى التضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني، واحداً من ابرز قضايا هذه الحركات والقوى والاصطفافات التي تغزو العالم بأسره اليوم.