حتى تكون الحكومة الجديدة- جديدة!!


بسام الصالحي
الحوار المتمدن - العدد: 1832 - 2007 / 2 / 20 - 13:32
المحور: القضية الفلسطينية     

يمكن تسجيل ثلاث ملاحظات ايجابية أساسية لصالح إتفاق مكة، بين حركتي فتح وحماس، والذي رعته بمسؤولية وحرص شديدين المملكة العربية السعودية، وهي اولاً أنه منع استمرار الاقتتال والصدام الدموي الذي شمل الأجهزة الأمنية ، الرسمية وغير الرسمية، والمجموعات المسلحة التابعة لكل من حركتي فتح وحماس. وثانياً انه اعاد اطار الإختلاف والصراع السياسي الى المؤسسات الرسمية، بدلاً من الشوارع، بما يسمح بإمكانية حماية أسس النظام السياسي الديمقراطي، رغم النواقص الكبيرة التي تعتريه، وثالثاً في أنه وفر اساساً سياسياً كافياً، وفي حدود التوافق الممكن لإختراق الحصار السياسي الدولي على الحكومة، واتاحة الفرصة لسحب حجة غياب الشريك الفلسطيني في عملية سياسية معطلة بفعل الارادة الاسرائيلية – الأميركية.
غير أن هذه الجوانب الإيجابية للاتفاق، غير كافية للمبالغة في أهميته ، ما لم يجري تطويرها بصورة حقيقية، كما انها لا تمنح امتيازاً اكثر من اللازم للحركتين اللتين اتفقتا في مكة، فالإقتتال الداخلي لم يكن قدراً لا مفر منه، وبالتالي فإنهما ليستا معفيتين من المسؤولية عنه، كما أن تفكك اسس وقواعد وقوانين النظام السياسي، وتعطيل مؤسساته الذي ساد فترة الصراع، هو انعكاس لإرادة واعية في تخطي الآلية الديمقراطية لإدارة الاختلافات والصراعات السياسية الطبيعية في ظل التعددية والتنوع كما أن الصيغة السياسية كان بالامكان الاتفاق عليها، دون حاجة لاهدار الوقت والجهد قبل ادراك ضرورة التلاقي في الحدود التي تضمنها كتاب تكليف الحكومة والموافقة عليه.
ولذلك فإن التحدي الجديد الذي يطرحه الاتفاق، سيتمثل في مظهرين أساسيين، الأول في ادارة المعركة السياسية التي تبقى القضية الجوهرية في ظل واقع استمرار الصراع الاساسي ضد الاحتلال، من اجل احقاق حقوق الشعب الفلسطيني، وهي ادارة ملقاة بالكامل تقريباً على الرئيس ابو مازن، بوصفه رئيساً للجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، التي اقرت حماس لها بادارة هذا الملف.
والثاني في قدرة الحكومة على اداء مهامها التي حددها لها القانون، وتحقيق الاصلاح المنشود الذي يتوق اليه المواطن، والاهتمام بالأولويات الحقيقية له، وبالتالي فإن انجاز هذا الهدف بأفضل ما يكون، يصبح هو الغاية من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بأوسع قاعدة سياسية واجتماعية.
إن معالجة هذه القضايا، هي معيار الحاجة لحكومة الوحدة الوطنية، التي هي ليست غاية بذاتها، بل وسيلة من اجل الانجاز الأفضل والذي يتجسد وطنياً من خلال دعم عملية سياسية جادة، من جهة، وتحسين عوامل صمود المواطن من خلال تحسين اوضاعه المعيشية ومستوى الخدمات المقدمة له من الجهة الأخرى.
ومن هنا يمكن معالجة النقص الاكبر في اتفاق مكة والذي يتعدى كونه لم يشمل الكل الوطني رغم اهمية ذلك في كون الاتفاق لم يتصدى لمعالجة القضايا الحقيقية التي تولد عنها ما تولد من ماسي الاشهر الماضية.
أن معالجة ذلك تتطلب وضوحا وصراحة وتغييرا حقيقيا في النهج بالنسبة لكلا الموضوعين السياسي الذي يتولاه الرئيس والحكومي الذي يتولاه رئيس الوزراء المكلف وهو في خضم المشاورات لتشكيل حكومة الوحدة وبرنامجها.
اننا نسعى من اجل تغييرات حقيقية تتناول القضايا التالية:
اولاً: على الصعيد السياسي
1- عدم الاستمرار في الآلية السياسية، القائمة على المفاوضات الثنائية والرعاية الأميركية الكاملة لها، لانها لم تؤد الى النتائج المرجوة، وستشكل فشلاً اضافياً، سيتحمل مسؤوليته الرئيس واللجنة التنفيذية التي يدير التفاوض باسمها، وفي مقابل ذلك الاصرار على العودة الى مجلس الأمن، واعادة الملف اليه، بما في ذلك الاشارة الى أن خارطة الطريق لم تعد صالحة، وكذلك الحال بالنسبة للجنة الرباعية ذاتها، التي تشكلت بقرار من مجلس الأمن عام 2002، وحدد لها القرار اهدافاً ملموسة تعهدت بانجازها خلال ثلاث سنوات، وفقاً للتقرير الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة المقدم الى مجلس الأمن في ديسمبر 2002 . والذي ورد فيه ما يلي: "أن اللجنة الرباعية اعلنت اعتزامها على عقد مؤتمر سلام دولي يركز على الهدف المبين في القرار 1397، وانها توصلت الى الاهداف المحددة وهي: دولتان ديمقراطيتان تعيشان جنباً الى جنب في سلام وأمن، ووقف تام ودائم لأعمال العنف والارهاب، وانهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، ووقف اقامة المستوطنات، وإصلاح المؤسسات المدنية والأمنية التابعة للسلطة، واجراء انتخابات، واختتام مفاوضات التسوية النهائية بشأن القضايا المعلقة في غضون اطار زمني محدد، مدته ثلاث سنوات".
2- إن الاستراتيجية السياسية الفلسطينية بامكانها أن تتركز على اعادة الملف الفلسطيني الى مجلس الأمن، والمطالبةبعقد مؤتمر دولي جديد للسلام، وان اللجنة الرباعية ليست بديلاً عن مجلس الأمن، وهذا بالضبط ما تضمنه القرار (1397) الذي اتخذه مجلس الأمن في اذار 2002 بشأن اللجنة الرباعية حيث "قرر المجلس أن يبقي المسألة قيد نظره"، علما أن كافة الاعضاء الدائمين في مجلس الامن باستثناء الادارة الأميركية ، اعلنوا ترحيبهم باتفاق مكة.

ثانيا:على صعيد الحكومة واولوياتها
إن الحكومة ليست لجنة متابعة عليا جديدة، بل سلطة تنفيذية للبرامج والخدمات التي تؤثر على واقع ومستقبل الشعب الذي تحكمه، وعليها أن تقدم هذه البرامج والخدمات، في نطاق المتاح ، بأولويات واضحة، وتوجهات واضحة، وبشفافية كبيرة، وبما يخدم برنامج اصلاح حقيقي في الأداء الحكومي الفلسطيني، ولذلك فإن المطلوب بالتحديد ليس فقط برنامج الحكومة العام، وانما خطة محددة لذلك تكون بدايتها خطة المئة يوم الأولى التي ستبرهن الحكومة فيها للمواطنين عن توجهات حقيقية لتحسين اوضاعهم في اطار توجه شامل وحقيقي للاصلاح في المجالات التالية:

1- الأمن والقانون:
إن المطلوب التزام واضح واتفاق،على أن حكومة الوحدة الوطنية، ستعمل على وقف الفلتان والفوضى الأمنية، عبر تعزيز جهاز الشرطة الفلسطينية، من اجل انهاء ظاهرة التعدي على المواطنين باسم المقاومة، وملاحقة كل من يقومون بهذه الأعمال وتقديمهم للقضاء، وسحب الغطاء بشكل حقيقي عن المسؤولين عن هذه الأعمال.
كما أن من المطلوب الاتفاق على فلسفة واضحة لاعادة بناء الاجهزة الامنية على اسس غير حزبية وعدم جعلها مسرحا للتنافس الفصائلي ،هذا بالاضافة الى توجه واضح بالسعي لإندماج كافة المجموعات المسلحة والكتائب والالوية التابعة للقوى في قطاع غزة، في اطار جيش وطني واحد، هو الأمن الوطني، واعادة بنائه على أساس مهني متفق عليه.
وفي نفس الوقت فإن على الحكومة أن تبدأ توجهاً، لتقليص حصة الأمن من الموازنة العامة والتي تبلغ حوالي 30% ، لصالح الخدمات الأخرى، مع ايجاد حلول تقاعدية وتشجيعية عادلة لأقسام كبيرة من الراغبين في ترك المؤسسات الأمنية، والتوجه الى الحياة المدنية.
وفي سياق متصل مع ذلك ، فإن الحكومة ملزمة بإجراء تحسينات جدية في جهاز القضاء والمحاكم، ومنح الميزانيات الضرورية لذلك، والمحافظة على نزاهته كقضاء مستقل وعادل، وفرض هيبته بتنفيذ قراراته واجراءاته، ومتابعة الملفات المكدسة عنده وسرعة انجازها.

2- الاقتصاد والفقر والبطالة:
إن الحكومة ملزمة بتحسين البيئة الملائمة للاقتصاد، والافصاح عن خطتها لذلك، والافصاح بشكل محدد عن عدد العاطلين عن العمل الذين ستقوم بتأمين استيعابهم عبر هذه الخطة، وآلية مجابهة مشكلة الفقر، واحتاجات الاف الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، واليات نجاعة ومراقبة البرامج المعدة لذلك.
كما يتطلب هذا تحسينات ملموسة في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية واوضاع الاسرى واسر الشهداء والجرحى ، ودعم القطاعات الحيوية في الاقتصاد الفلسطيني، بما فيها قطاع الزراعة، وتوفير متطلبات تعزيزه.
إن ذلك يعني صياغة اطار واضح لتوجهات الحكومة وأولوياتها تجاه الخدمات والقطاعات الاقتصادية ، واعادة هيكلة موازنة السلطة على اساس ذلك.
إن الشعارات العامة حول هذه القضايا غير كافية، بل المطلوب الآن برامج محددة، ستتحمل الحكومة مسؤوليتها، وفي سياقها يجب أن تفتح الخدمات والوظيفة العامة لمعيار واحد فقط، هو حق المواطن بذلك، وليس جعله حكرا على اعضاء الفصائل السياسية وانصارهم.

3- التربية والتعليم:
هناك خصوصية مميزة للشعب الفلسطيني، في اهتمامه بعملية التعليم، وبرغم تفوقه في هذا المجال بالنسبة للعديد من البلدان المجاورة، سابقاً، الا انه بات يشهد تراجعاً ملحوظاً في هذا المجال. أن النهوض بجهاز التربية والتعليم، يمثل مسؤولية ضخمة، وفي مقدمتها التحسين الملموس في ظروف المعلمين العاملين في هذا القطاع، وجذب خبرة الخريجين للعمل في هذا الجهاز، ولا يقل اهمية عن ذلك، ضمان استقلالية خدمة التعليم، ومنع اية مظاهر لصبغ العملية التعليمية بالحزبية.
وبرغم تقديرنا الكبير للدكتور ناصر الدين الشاعر ، فقد نمت ظواهر معينة في هذا المجال خلال العام الماضي والتي قد لا تعكس توجهاً رسمياً، ولكن من الضروري تجنيب هذه المؤسسة مخاطر لا لزوم لها، ولذلك فإن من الأفضل في هذا المجال، أن تبادر حماس لتسمية احد المستقلين الذين منحها الاتفاق حق تسميتهم لتولي منصب وزير التربية والتعليم، وان تكون متابعة أية تغييرات في هذه الوزارة، سياسة حكومية وليست سياسة وزير.
اخيرا فأن الاتفاق على اولويات وخطة عمل الحكومة وفلسفتها هو الضمان لنجاحها وهو الاساس في توحيد رؤية وجهد الاطراف التي ستشارك فيها بالاضافة الى اعتماد الية حقيقية للشراكة في اتخاذ قرارات الحكومة عبر مجلس وزاري مصغر تشارك فيه.
أن مجمل هذه القضايا ليست جديدة على تطلعات المواطن الفلسطيني ولكنه يريد أن تصبح جديدة على اداء حكوماته ،فهل ستكون الحكومة الجديدة – جديدة!.