خارطة الطريق .. وصفة فشل جديدة تمهيداً لإعلان -نهاية الشريك الفلسطيني-


بسام الصالحي
الحوار المتمدن - العدد: 2100 - 2007 / 11 / 15 - 11:37
المحور: القضية الفلسطينية     

يستطيع دوف فايسغلاس، بالنيابة عن شارون، الذي لا يسعفه مرضه، بلحظات وعي يطل فيها على التغييرات التي حصلت في الصورة السياسية، ، أن يعلن عن تقدم باهر، في الأهداف التي وضعت لما تم تسميته في حينه، المرحلة الثانية من "حرب الاستقلال الإسرائيلية".
فايسغلاس هذا ، وهو المحامي الأساسي لفكرة الانسحاب "احادي الجانب من قطاع غزة" ثم بعد ذلك واضع الحجج الأساسية لقرار الحكومة الاسرائيلية باعتباره "كياناً معادياً" عاد ونبه حكومته الى امرين اساسيين وفرهما شارون "كذخائر استراتيجية لإسرائيل"، الأول وهو خطاب الرئيس بوش الى شارون، والذي نص على التزام الولايات المتحدة بمرجعية تربط تغييرات الامر الواقع الذي خلقته اسرائيل في الأراضي الفلسطينية والكتل الاستيطانية، بمسألة حدود الرابع من حزيران، بالإضافة الى الغاء حق عودة اللاجئين، والثاني هو تمسك الادارة الأميركية بمنهج المفاوضات، الثنائية كأساس لحل الصراع وعدم السماح بالتدخل الدولي او حتى بتدخل الادارة الأميركية ذاتها، لتغيير هذا المنهج ، وهو موقف سابق للادارة الأميركية ، اعاد بوش تأكيده.
بالجمع بين استمرار السياسة الاستيطانية الاسرائيلية، وبناء الجدار، وبين هذه الذخائر الاستراتيجية، تم خلق واقع جديد، على مدار السنوات الماضية، يظهر بوضوح "الغابة خلف الأشجار"، الأمر الذي عبر عنه الباحث الاسرائيلي ميرون بنفنستي بالقول " ان اسرائيل قد نجحت في "تفتيت" الفلسطينيين واعادة تجزأتهم، وان هذه السياسة هي الخط الثابت في الممارسة الاسرائيلية الاستيطانية، وفي بناء الجدار، وفي عزل قطاع غزة، بحيث بات الفلسطينيون لا يحتاجون اليوم الى نيلسون مانديلا، ولكن الى غاريبالدي كي يعيد توحيدهم.
وعلى ضوء ذلك فانه مثلما لا يوجد اساس جدي للاعتقاد بأن اسرائيل ستتوقف عن مواصلة هذه السياسة، في ظل استمرار الحالة الراهنة، وفي مقدمتها الحالة الفلسطينية، فانه على العكس من ذلك يوجد اساس للاعتقاد أن الرئيس ابو مازن، يريد بحكم واجبه أن يمنع استمرار هذا التدهور، الذي ستكون خاتمته، ليس فقط التعامل مع الأراضي الفلسطينية، ككيانات مجزأة، بعد مواصلة اقتطاع اجزاء حيوية منها، وانما كذلك خطر التوقف عن التعامل مع عنوان فلسطيني واحد، مخول ولو رسميا، بالتحدث عن جملة القضايا التي تخص الشعب الفلسطيني.
هذا بالضبط المصير الذي يتوجب على الرئيس ابو مازن أن يتجنبه وهو امر غير مضمون بمجرد المشاركة في انابولس، ولكن بضمان الا تكون هذه المشاركة "بأي ثمن" وبالتحصن مسبقاً بموقف عربي شامل امام هذا المصير.
الصيغة الرمزية لهذا المصير الذي بات يتردد على السنة عدد متزايد من المسؤولين الاسرائيليين، تتلخص في ثلاث كلمات، وهي "انتهاء الشريك الفلسطيني"، وتستعد اسرائيل لقطع الخطوة القصيرة المتبقية لتحقيق ذلك، بادراج فشل جديد في سجل السلطة الفلسطينية .
هذا الفشل محتوم اذا ما كان عنوان العملية السياسية هو خارطة الطريق ، فخارطة الطريق ترتكز فيما يخص الجانب الفلسطيني، على أساسيين ثابتين هما السلطة ، والأمن، واختبارات التقدم في حل القضية الفلسطينية ترهن بتقييم كل من السلطة والأمن، ومعايير هذا التقييم محددة في اكثر من موضع من نصوص خارطة الطريق، من مثال "وقف العنف والارهاب والتحريض"، و "التعاون الأمني" و "اعادة هيكلة الاجهزة الأمنية لهذا الغرض" واصلاحات سياسية شاملة على اساس ذلك ..الخ، ثم عندما تكون للشعب الفلسطيني قيادة تعمل بحزم ضد الارهاب واجراء اصلاحات سياسية شاملة، "وعند توفر اجماع اللجنة الرباعية على ذلك"، يمكن التقدم نحو المراحل اللاحقة من خارطة الطريق، "الثانية (الانتقالية) التي تنص على اقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة،" والثالثة التي تنص على "اتفاق الوضع الدائم وانهاء النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني".
عناصر الفشل في اختبارات السلطة والأمن، قائمة موضوعياً بالاضافة الى العامل الذاتي المحض، فالسلطة الفلسطينية تعاني موضوعياً من حقيقة التناقض بين قدرتها على تعزيز نجاحاتها ومكانتها، وبين استمرار الاحتلال وممارساته التوسعية والعدوانية وفي مقدمتها الاستيطان ومصادرة الاراضي، والسعي لتفويض المقومات الموضوعة لقيام الدولة الفلسطينية الحرة ذات السيادة، وقد ولد هذا الأمر صدامات متكررة سياسية تارة على شكل الاحتجاج على عدم التزام اسرائيل بالاتفاقات والمواعيد "غير المقدسة" وكفاحية تارة اخرى على شكل الصدام المباشر كما برز في هبة النفق عام 1996، وباندلاع الانتفاضة وبغير ذلك من المظاهر النضالية المتنوعة.
اضافة الى ذلك فقد نشأت السلطة وتكرست كسلطة اعتمادية، ليس لها سيادة على مواردها، ولا على عائداتها ولا على معابرها، وبالتالي فان مدخولاتها لم تكن كافية لتغطية عبء التزاماتها، الذي زادته بتضخيم جهاز السلطة، ونفقاته الثابتة، ما جعلها تنوء بحمل تأمين متطلباتها، وجعلها رهينة كاملة للمساعدات الدولية، بعد أن تحررت اسرائيل كدولة احتلال عن أية مسؤولية عن واقع الشعب الذي لا يزال يعيش تحت هذا الاحتلال، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة.
المظهر الأبرز للفشل، تمثل في ادارة السلطة، التي تحولت الى سلطة مجموعات مصالح، تتمتع بالمكانة والامتيازات والمال، في ظل اهمال "التنمية الحقيقية من اجل الصمود والبناء" ، وفي ظل اهمال تعزيز الحقوق والمكتسبات الاجتماعية للفئات الفقيرة، ما يمكنها من مجابهة زيادة المصاعب الاقتصادية والمعيشية، وهذا ما يظهر اليوم بصورة غير مسبوقة، ازاء مواجهة الارتفاع الفاحش في الاسعار، وتردي الأحوال المعيشية، وزيادة نسبة الفقر والبطالة، وتآكل الطبقة الوسطى المتسارع باتجاه الفئات الفقيرة، مقابل تنامي الاحتكارات التجارية والخدماتية لائتلافات الشركات المستورة بتواطؤ السلطة والتغاضي عن تطبيق القانون.
مقومات استمرار هذا الفشل، تتغذى الآن، بانضمام مجموعة مصالح جديدة تسيطر على قطاع غزة، وتسعى لادارته بصورة منفردة، حتى لو تدثرت هذه المصالح بشعارات "المقاومة".
النتيجة البسيطة المتحصلة، هي أن السلطة الفلسطينية غير المستقلة والتي لا تملك السيادة على اراضيها او مواردها، والمعتمدة بشكل كامل على السلوك الاسرائيلي والالتزامات الدولية، لا تستطيع أن تنجح فيما تريده منها خارطة الطريق، اضافة الى حقيقة أن هذه السلطة "الواحدة" فشلت في ادارة شؤون شعبها ولم تنجح "بغض النظر عن الأسباب والمسؤوليات"، في المحافظة على وحدتها، التي تكرست بانقسام السلطة بين غزة والضفة.
وبغض النظر عن محاولات الايهام بأن السلوك الاسرائيلي تجاه الضفة الغربية، سيتغير بما يمكن أن يدعم "السلطة" فيها، فإن حقيقة كون الضفة الغربية هي الساحة الرئيسية للاستهداف الاسرائيلي، الاستيطاني، والأمني تعاكس ذلك.
يمكن بصورة اكثر تعقيداً قول الشيء ذاته عن الأمن .السلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تكون شريكاً لاسرائيل، في مكافحة ما تسميه اسرائيل "بالارهاب" والتحريض. ومدلولات مفهوم مكافحة الارهاب لدى الادارة الأميركية، والتي عقدت على اساسها جملة اتفاقاتها الامنية مع دول العالم، لا يمكن أن تنسخ بذات الطريقة على الوضع الفلسطيني، ورغم كل ما وفرته "حماس" بسلوكها في غزة، من تسهيل الخلط بين مواجهة مسلكها الدموي والتهديدات الرعناء بنقله الى الضفة الغربية، من جهة وبين الموقف الفلسطيني الموحد ازاء المقاومة كما وردت في وثيقة الوفاق الوطني من الجهة الأخرى ، فان هذا الوضع رغم كل تعقيداته لا يمكن أن يحقق رغبة الرئيس بوش، في تشكيل جبهة موحدة من ادارته ومن اسرائيل، ومن السلطة الفلسطينية ، فهذه الجهة بين دولة الاحتلال، ومن هم تحت الاحتلال لا يمكن أن تنشأ وهي مرفوضة ومحكومة بالفشل.
لكل ذلك وغيره فإنه يجب اجراء تغيير جذري في السياسة التفاوضية الفلسطينية، انطلاقاً من قصور خارطة الطريق عن تقديم الحل المنشود، والتمسك من خلال تعاون عربي فعال، بمبادرة السلام العربية، والاصرار على أن يترافق مع كل ذلك وقف الاستيطان ومصادرة الاراضي وبناء الجدار.
هذا مدخل اكثر جدية، لانطلاق العملية السياسية، وفي اسوأ الاحوال فهو يعفي الجانب الفلسطيني من مسؤوليات الفشل وبقطع الطريق على الخطوة الاسرائيلية التالية، لاعلان "نهاية الشريك الفلسطيني".
مبادرة السلام العربية على العكس من خارطة الطريق ، لا تنطلق من الأمن للوصول الى السلام، ولا من المبالغة في الدور الذي يمكن أن تلعبه "سلطة فلسطينية" تحت الاحتلال، وهي في نفس الوقت لا تهمل الاجماع الدولي على الحاجة للأمن والسلام ووقف العنف، ولذلك فهي تنطلق من المنطلقات الصحيحة بأن انهاء الاحتلال هو الاساس، وان الدولة الفلسطينية تستطيع أن تؤدي التزاماتها في ظل تحررها وسيادتها، وهي الالتزامات القائمة على أن الأمن يتحقق نتيجة للسلام، وان الطريق الى السلام يبدأ بتنفيذ قرارات الامم المتحدة الواضحة من خلال انسحاب اسرائيل من كافة الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
اليوم وقد وصل الرئيس ابو مازن، ومعه الوفد الفلسطيني المفاوض، الى لحظة الحقيقة بشأن الآمال من "لا مؤتمر" انابولس، وطالما أن اسرائيل لا تريد حتى قبول الادارة الأميركية حكماً لتطبيق المرحلة الاولى من خارطة الطريق، فمن المجدي، وضع خارطة الطريق جانباً، والتنسيق مع كل الاطراف العربية، للتمسك بمبادرتهم كأساس لانطلاق العملية السياسية ، فاذا ما كان بمقدور انابولس أن يحتمل ذلك، فهذا جيد واذا لم يكن فلا حاجة لتسجيل فشل جديد، في المنهج الفلسطيني للتعامل مع العملية السياسية، حتى ولو خالف ذلك، رغبة الادارة الأميركية.