الارادة الدولية والمبادرة الفلسطينية الذاتية في مواجهة فشل المفاوضات


بسام الصالحي
الحوار المتمدن - العدد: 3023 - 2010 / 6 / 3 - 15:14
المحور: القضية الفلسطينية     

مداخلة النائب الصالحي بالاجتماع الدوري للجنة الامم المتحدة الداعمة لمسيرة السلام اسطنبول 26-5-2010

الصالحي: الارادة الدولية والمبادرة الفلسطينية الذاتية في مواجهة فشل المفاوضات

نص المداخلة التي تقدم بها النائب بسام الصالحي, الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني, بالاجتماع الدوري للجنة الأمم المتحدة الداعمة لمسيرة السلام المنعقد في إسطنبول:
منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وحتى اليوم ،هناك ما يقارب العشرين عاما من التفاوض المباشر الاسرائيلي – الفللسطيني ،وقد تكثف بصورة ملموسة بعد اتفاق اوسلو لبحث ما سمي موضوعات الحل النهائي ،التي كان مقدرا لها ان تنتهي خلال خمس سنوات هي مدة المرحلة الانتقالية التي تضمنها اتفاق اوسلو وتشكلت على اساسها السلطة الفلسطينية. وقد عقدت هذه المفاوضات في ظل اكثر من رئيس امريكي تدخلت اداراتهم بصورة مباشرة في تحريك والاشراف على عملية التفاوض ،كما تمت في ظل حكومات اسرائيلية مثلت كل اطياف التنوع السياسي الاسرائيلي من اليمين واليسار والوسط،من حزب العمل الى الليكود الى كاديما وما بينهما من احزاب ائتلافية شاركتهم تلك الحكومات ،ومن الجانب الاخر فقد حافظت منظمة التحرير الفلسطينية على استمرارية التعامل مع كل هذه التنوعات استنادا الى قرارها الاستراتيجي الذي اتخذته عام 1989 بالتفاوض على اساس قرارات الامم المتحدة 242 و338 بصيغة الارض مقابل السلام واعتمدت في ذلك حل الدولتين استنادا الى قرار التقسيم رقم 181 بل وحتى يمكن القول ان اشخاص المفاوضين الفلسطينيين ذاتها ظلت تتعامل ولا تزال مع تقلب الادارات والحكومات والمفاوضين الاسرائيليين .
وحتى عندما ازداد نفوذ حركة حماس في الخارطة السياسية الفلسطينية فقد توصل الرئيس محمود عباس معها الى الاتفاق على اعطاء الفرصة للمفاوضات في اتفاق القاهرة عام 2005 وفي برنامج حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية عام 2007 وكذلك في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني التي وقعتها كافة الفصائل الفلسطينية والتي تضمنت بوضوح الموافقة على بقاء الشان السياسي التفاوضي بيد منظمة التحرير الفلسطينية والاستعداد لاحترام نتائج المفاوضات وفقا لاستفتاء شعبي او إقرار من مجلس وطني فلسطيني جديد.

السؤال الذي يطرح نفسه اذاً- لماذا حصدت هذه السنوات الطوال من المفاوضات الفشل؟ ، ولماذا بدلا من ان تكون المرحلة الانتقالية مرحلة مؤقتة تساعد على بناء الثقة، باتت مرحلة شبه دائمة وانهارت فيها الثقة، وشهدت ارتفاعا ملحوظا في الصدام والصراع تمثّل في اجتياح شامل للضفة الغربية عام 2002 وفي حرب عدوانية على قطاع غزة 2008 حيث اورد تقرير القاضي جولدستون ما يكفي من وصف مخاطرها ودرجة انتهاك المواثيق الدولية فيها.



هناك مجموعة من الاسباب ادت الى ذلك، واود في هذا المجال الاشارة الى اهمها من وجهة نظري:

اولا:الخلل البنيوي في العملية التفاوضية
هناك خلل عضوي او بنيوي واكب عملية المفاوضات وهو لا يزال قائما، وبسبب هذا الخلل وما لم يجري تعديله فان المفاوضات محكوم عليها بالفشل بغض النظر عن النوايا، ويتلخص هذا الخلل فيما يلي:-

1. -ثنائية المفاوضات ومحدودية التدخل الدولي وعدم الالزامية فيه:

لقد اعتمدت استراتيجية اسرائيل بشان المفاوضات منذ انطلاقتها على امرين ،الاول ان تكون المفاوضات ثنائية مباشرة وان تكون غير مشروطة،واستنادا الى هذه الاستراتيجية فقد تم تحييد كافة الاطراف الدولية ومؤسساتها ،وقصر امر التدخل في العملية التفاوضية على الادارة الامريكية وفي حدود لا تتجاوز مستوى القبول الاسرائيلي بحجم هذا التدخل والاتفاق المسبق على المقترحات الامريكية التي يمكن ان تنتج عنه ،وهذا ما ولد شكوكا لدى الفلسطينيين تمثل في بعض المقترحات الامريكية في كامب ديفيد وحتى في ادوار بعض المسؤولين الامريكيين انفسهم بهذا الشان..
ان المفاوضات الثنائية كانت تضع الطرف الفلسطيني على الدوام مجردا من مساندة المؤسسات الدولية وقراراتها ومن قوة القانون الدولي كناظم للعلاقات الدولية ،وكانت تستبدل ذلك بصلافة واقع الخلل في ميزان القوى القائم على الارض ،وكانت ايضا تمنح الطرف الاسرائيلي حق الفيتو على اية قضية تتناول جوهر واقعه كاحتلال وتجعلها قضية تفاوضية بين طرفين غير متساويين في ظل دفع الفلسطينيين للتعامل مع واقع الاحتلال وكانه امر طبيعي .
ان هذا الخلل الجوهري يجعل واقع التفاوض الثنائي المباشر هو عمليا واقع تفاوض ارغام واذعان بين قوة الاحتلال والطرف الواقع تحت الاحتلال وهو امر مخالف للمواثيق الدولية ،ولكن هذا الجوهر لحقيقة التفاوض كان يختفي خلف تمسك الولايات المتحدة والعديد من الاطراف الدولية بهذه الالية للمفاوضات ورفض التدخل الحقيقي لمعالجة هذا الخلل بل وصد او تمييع المطالب الفلسطينية بالتدخل الحقيقي من اجل مواجهة المواقف الاسرائيلية المخالفة للقرارات الدولية.

2. تمييع المرجعيات الدولية واطارات الحل النهائي:-

رغم ان العديد من القرارات والخطط بما فيها خطة خارطة الطريق اشارت الى قرارات الامم المتحدة كمرجعية للمفاوضات، الا ان واقع المفاوضات بسبب الموقف الاسرائيلي وبسبب موقف الادارات الامريكية واهمها ورقة التفاهم الامريكي –الاسرائيلي بين الرئيس بوش وارئيل شارون عام 2004 التي اضافت الى جانب القرارات الدولية كاساس لمعالجة مسالة الحدود عنصرا خطيرا هو واقع التغييرات التي تمت على الارض، وهو ذات الامر الذي يتعلق ايضا بوضع تحديدات متفق عليها مسبقا مع اسرائيل تجاه قضية اللاجئين والقرار 194، وغير ذلك مما اصبح منهجا يقوم على استبدال القرارات الدولية ومرجعيتها بما اصطلح عليه باتفاق الطرفين ، وبحيث اصبحنا امام اشتراط مسبق لاتفاق الطرفين وكانه البديل للقرارات الدولية رغم الاشارات الدائمة لها في العديد من المبادرات، وبذلك فقد استبدلت اسرائيل عمليا مرجعية قرارات الامم المتحدة بمرجعية جديدة تقوم على اشتراط موافقتها هي على هذه المرجعية وتقريرها، ولهذا باتت تتاكل مرجعية المفاوضات واطارات الحل ولم يعد تطبيق قرارات الامم المتحدة او الالتزام بالقانون الدولي هو المعيار لمسار المفاوضات، بل بات الحرص على استمرار التفاوض اكثر اهمية من الحرص على نتائج المفاوضات وتنفيذ قرارات الامم المتحدة.

3. -استمرار الاستيطان والتغييرات الاسرائيلية على الارض:-

من اكبر الاخطاء التي واكبت اتفاق اوسلو ثم ما تلاه من مفاوضات هو الاستخفاف في التعامل مع قضية الاستيطان وكانه قضية جامدة بانتظار الحل النهائي، بينما ان الاستيطان هو اخطر عامل تفجير لكافة قضايا الحل النهائي، فيما يتعلق بالحدود او بتواصل الدولة الفلسطينية ذاتها او بمصادر المياه فيها او بعاصمتهااو باي من القضايا الاخرى.
ان عملية الفصل التي اقامتها اسرائيل بين المفاوضات كعملية لا تضير شيئا وغير محكومة بنهايات ملزمة، وبين استمرار الاحتلال والتغييرات الاحادية على الارض هي من ابرز عوامل الخلل العضوي في العملية التفاوضية، وقد نجم عنها عمليا مجموعة من التغييرات الاستراتيجية على الارض بحيث باتت تهدد هدف الحل النهائي القائم على اساس الدولتين .

• ان اهم هذه التغييرات يتمثل بالتالي:-

1- فصل قطاع غزة كلياً عن الضفة الغربية كمقدمة لتمزيق الوحدة السياسية والقانونية والجغرافية لاراضي الدولة الفلسطينية المنشودة، ولهذا السبب يكتسب خطر استمرار الانقسام الفلسطيني درجة اكبر من حدود الخطر المعتاد للصراعات السياسية بين القوى والفصائل، وقد كان هدف الفصل واضحا منذ بداية اعلان شارون عن تنفيذ الانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد ودون علاقة بالعملية السياسية او بالربط بين ذلك وبين المستقبل السياسي للضفة الغربية .
2- بناء جدار الفصل ،وهو جدار عنصري بكل معنى الكلمة ،وقد ادانه الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بكل وضوح، وهو اجراء سياسي بحجج امنية واهية يرمي الى فرض حدود الدولة الفلسطينية او حدود الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية من طرف الاحتلال "داخل الجدار" ،ويدمر بصورة منهجية اسس التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية ويحول الضفة الغربية الى معازل منفصلة.

3-عزل القدس وتغيير طابعها الديموغرافي وافشال مستقبل تحولها الى عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو الامر المستمر منذ تم منع دخول المدينة الا لحملة هوية القدس ،وكذلك في توسيع الاستيلاء على البيوت في الاحياء العربية وتهجير سكانها وسحب الاقامة من مواطنيها بشكل تعسفي ،وفي سلسلة التغييرات لطابع المدينة القديمة العمراني والسكاني ‘فضلا عن اعمال الحفريات المتواصلة في محيط المسجد الاقصى والتوسع الاستيطاني الكبير داخل المدينة والسعي لطمس أي مظهر فلسطيني لها.

4-استمرار التوسع الاستيطاني وتكثيفه بتوسيع الكتل الاستيطانية وزيادة عدد المستوطنين حيث ارتفع من حوالي 250 الف مستوطن عام 1994 الى حوالي 580 الف مستوطن يقطنون الكتل الاستيطانية والتجمعات الجديدة التي تمت اقامتها في نفس الفترة واستمرار السعي لعزل منطقة الاغوار التي تمثل حوالي 28% من مساحة الضفة الغربية عن بقية اجزاء الضفة.

5-التنصل الكامل لاسرائيل عن اية مسؤوليات بوصفها دولة احتلال ،سواء فيما يتعلق بالسكان الذين باتوا مسؤولية السلطة الفلسطينية او سواء ما يخص الجوانب الاخرى من مسؤوليات دولة الاحتلال تجاه اراضي وحقوق الدولة الواقعة تحت الاحتلال .

وبالاستناد الى واقع استمرار المفاوضات وواقع وجود السلطة الفلسطينية فقد تخلت اسرائيل عن تطبيق الالتزامات المنصوص عليها في المواثيق الدولية تجاه الاراضي والمناطق الخاضعة للاحتلال، واحالت كافة المسؤوليات بذلك على السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي، في الوقت الذي استمرت فيه بممارسة سيطرتها كدولة احتلال واستخدام اوامرها العسكرية وقتما تشاء واخرها القرار 1650 فضلا عن السيطرة على غالبية الاراضي الفلسطينية وهي ما بات يعرف بمناطق (ج) والتحكم في كافة شؤونها كالبناء والتنظيم والمياه والامن وغيره، وكذلك في السيطرة على المعابر والتحكم في حركة البضائع والافراد والاستيراد والتصدير والاجتياحات المتكررة بحجج امنية واقامة الحواجز العسكرية ومنع التداول التجاري بين غزة والضفة والقدس، والعديد من الممارسات الاحتلالية الاخرى، دون ان يترتب على ذلك اية مسؤوليات ،وفي اطار خلق معادلة تقوم على ان هذا الواقع يستمر وفي ظله يستمر وجود السلطة الفلسطينية والتزاماتها بما فيها الامنية ،دون ان يعني ذلك ان السلطة الفلسطينية نشات اساسا في سياق عملية انهاء الاحتلال وليس على اساس استمراره.


البدائل المقترحة

ان هذا الخلل البنيوي في عملية التفاوض لن يؤدي الى نجاحها، بل ان المطلوب تغيير جوهري في ذلك حتى يمكن التقدم في عملية سياسية جادة، ان المنطلقات لذلك تتلخص بالتدخل الدولي وبوجود إطار قانوني دولي ملزم يتضمن التالي:-

1) إعادة تعريف الواقع القائم بما هو عليه، وهو واقع استمرار الاحتلال وممارساته التعسفية والعنصرية، وتركيز الجهد من اجل انهاء هذا الاحتلال وفقا لقرارات الشرعية الدولية، (الامم المتحدة) ودون رهن ذلك بارادة ومفهوم دولة الاحتلال لنفسها وللواقع الذي تخلقه بالتعارض مع كل القرارات الدولية. ان هذه العملية تلزم الفلسطينيين باعادة تركيز جهدهم بما هو جهد طبيعي لحركة تحرر وطني لم تزل امام تحقيق اهدافها بانهاء الاحتلال، وبالسعي مع المجتمع الدولي وعبر مؤسساته المختلفة لتحقيق ذلك ولتطبيق قرارات الشرعية الدولية .
2) اعادة المسؤولية في تنفيذ قرارات الامم المتحدة الى مؤسسات الامم المتحدة ذاتها والتوجه اليها من اجل انفاذ القانون الدولي تجاه مختلف القضايا والممارسات في ظل استمرار الاحتلال بما في ذلك إنطباق اتفاقية جنيف الرابعة على كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة، والتركيز على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وكذلك من اجل رعاية الجهد الدولي لانهاء الاحتلال وتطبيق قرارات الامم المتحدة وعدم حصر ذلك في نتائج المفاوضات او حتى في جهود اللجنة الرباعية ذاتها .

ان هذه المنطلقات والخلل البنيوي في عملية المفاوضات يدفع نحو اعتماد استراتيجية تهدف الى زيادة التدخل والارادة الدولية لتعزيز الحقوق الفلسطينية الغير قابلة للتصرف بما فيها حق العودة وحق تقرير المصير والاستقلال الوطني.

ان المظهر الابرز لذلك هو التوجه الى مجلس الامن والى الجمعية العامة للامم المتحدة من اجل التاكيد بقرار دولي ملزم لاطار الحل النهائي لحدود الدولة الفلسطينية المنشودة، واخراج هذه القضية من قبضة التحكم والتلاعب الاسرائيلي، ومساندة التوجه الفلسطيني المتعاظم من اجل قيام الامم المتحدة بترسيم حدود هذه الدولة استنادا الى قرارات الامم المتحدة والى تحقيق اقامة الدولة انفاذا لذات القرارات وتعبيرا عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بما يفتح الطريق امام حل قضايا الحل النهائي.
ان التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة ومؤسساتها لتحقيق ما عجزت عنه المفاوضات يقابل بالتشكيك الدائم حول ازدواجية المعايير المتبعة من قبل المؤسسة الدولية، كما انه يواجه بالتشكيك حول دور الامم المتحدة مقابل الدور الذي تستطيع ان تلعبه الادارة الامريكية بصورة منفردة او مع اللجنة الرباعية، كما انه يقابل بالتشكيك ايضا امام تنكر اسرائيل لمئات القرارات الدولية واصرارها على الية واحدة للتعامل مع الشان الفلسطيني بصورة ثنائية بعيدا عن القرارات والمؤسسات الدولية.
وبرغم هذه الشكوك المختلفة فان التوجه لبناء استراتيجية فلسطينية بديلة تعتمد على الارادة الدولية والمبادرة الذاتية الفلسطينية ،هو توجه صحيح بسبب الخلل البنيوي القائم في العملية التفاوضية والذي لا يمكن معالجته دون تحقيق المزيد من التدخل الدولي وتوفير الارادة الدولية الكفيلة بالضغط على اسرائيل والزامها بانهاء احتلالها تنفيذا لقرارات الامم المتحدة ولاقامة الدولة الفلسطينية المنشودة.

ان الامثلة على تاثير هذا التدخل كثيرة في العديد من القضايا الدولية، وهي امثلة متعددة الاشكال والمظاهر ومتفاوتة - الا ان الامر الاساس فيها هو غلبة الاستعداد لاستخدام الارادة الدولية في تطبيق قرارات الامم المتحدة وانهاء النزاعات على اساس ذلك، وبالنظر الى خصوصية القضية الفلسطينية والى تشابك التعقيدات الملازمة لها بما فيها ذات الطابع الاقليمي والدولي وفي منطقة حساسة تصطعر بالتغيرات في مواقع النفوذ والتاثير من مثال تزايد المكانة الاقليمية لدول صاعدة كايران وتركيا في ظل تنامي التطرف والعنصرية في اسرائيل واصرارها على استمرار التفوق العسكري والسيطرة في علاقات القوة في الشرق الاوسط، وفي ظل ضعف النظام الرسمي العربي والتراجع الحاد لمصداقية التعويل على جدوى عملية السلام، فان من الواقعي تماما ومن الضروري ايضا اعلاء شان الارادة والتدخل الدولي مقابل التعويل على العملية التفاوضية، بما هو متطلب لكل الاطراف الجادة في تحقيق السلام وفي مقدمتها الطرف الفلسطيني.

ان هذه الاستراتيجية تؤهل منظمة التحرير الفلسطينية لمواصلة قيادتها للشعب الفلسطيني واستعادة زمام المبادرة وهي تعني استعادة وتكثيف النشاط في كافة المؤسسات والمحافل الدولية واستثمار تنامي اشكال وحركات التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني من اجل فضح ممارسات الاحتلال المستمر ومن اجل استنفار المساندة الدولية ليس فقط لوقف الممارسات الاسرائيلية اليومية من مثال مواصلة حصار قطاع غزة والاستيطان في الضفة ولكن ايضا من اجل حماية الهدف النهائي بتحقيق السلام في المنطقة، ومنع التدمير الاسرائيلي المنهجي لحل الدولتين، وتشكيك اسرائيل المتواصل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي وحدة اراضي دولته المنشودة من خلال استمرار الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.

اما العنصر المكمل لهذه الاستراتيجية فهو تعزيز المبادرة الذاتية الفلسطينية، وهي عملية متنوعة الابعاد والاشكال يبرز في مقدمتها تعزيز المقاومة الشعبية للاحتلال، وهي مقاومة جماهيرية تتوسع باستمرار وتستلهم نموذج الانتفاضة الشعبية الفلسطينية عام 1987 والتي حظيت بتعاطف دولي غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني ،وبضمن هذه المبادرة اتساع حملة مقاطعة البضائع الاسرائيلية وفي مقدمتها بضائع المستوطنات الاسرائيلية، وهي كذلك في توسيع الجهد لفك الحصار عن قطاع غزة والعاء المناطق العازلة وهي ايضا في تعزيز مقومات صمود الشعب الفلسطيني وكذلك في تحسين مستوى الخدمات الحكومية والخاصة وفي تعزيز بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية في اطار حماية القانون واحترام حقوق المواطن.

وبدون شك فان انهاء الانقسام القائم على الساحة الفلسطينية يمثل عنصرا حاسما في تعزيز القدرات الذاتية الفلسطينية، وقد بات واضحا ان تحقيق المصالحة الفلسطينية يتطلب مراعاة مجموعة من الاعتبارات لا تنحصر في الساحة الفلسطينية وحدها، واهم هذه الاعتبارات يتلخص في الاتفاق على قواعد واسس النظام السياسي التعددي الديموقراطي وحمايتها، وضمان الشراكة السياسية لكل اطراف هذا النظام السياسي دون تمييز او اقصاء، وعدم التعارض بين هذا النظام السياسي وبين اسس وقرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بحل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام العادل، وفي احترام قواعد القانون الدولي ازاء اشكال ادارة الصراع وفي المقدمة منها عدم المس بالمدنيين،غير ان امر تحقيق المصالحة يتطلب الى جوانب توفير هذه المتطلبات الفلسطينية استعدادا لتغيير السياسة التي تعاطت بها الادارة الامريكية وغيرها مع قضية المصالحة الفلسطينة واتخاذ موقف بناء في هذا الاتجاه يسمح بتقدم حقيفي في هذا الاتجاه.