مقاربة مختلفة حول برنامج حكومة التوافق الفلسطيني موضع الخلاف


بسام الصالحي
الحوار المتمدن - العدد: 2597 - 2009 / 3 / 26 - 09:51
المحور: القضية الفلسطينية     

في الجولة الثانية للحوار الوطني الفلسطيني، والذي لا نريد له ان يتحول إلى "عملية حوار"، بسبب إلحاحية الحاجة إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الداخلية، ظهر ان القضية الأكثر مركزية، وهو أمر طبيعي، هي قضية الحكومة الفلسطينية، وعناوينها تتلخص في برنامج هذه الحكومة وخاصة الشق السياسي منه، ومهامها وطبيعة تشكيلها، ثم بطبيعة الحال تسمية وزرائها وتشكيلتها فعلاً، ونيل الثقة عليها في المجلس التشريعي.



وبرغم أن مهام الحكومة، التي انتهت إلى تحديدها لجنة الحكومة في الحوار، لم تكن موضع اختلاف كبير، وحيث تلخصت في اعمار غزة، وفك الحصار، وإجراء الانتخابات، والقيام بمهامها كحكومة، وتوحيد مؤسسات السلطة في الضفة والقطاع، إلا ان الشق السياسي لبرنامج الحكومة وطبيعتها طغى على النقاش المخصص لموضوع الحكومة، وانحصر تقريباً في ثلاث صيغ، لم تستطع أي منها ان تعالج القضية المطروحة، الصيغة الأولى التي تبنتها الجبهة الشعبية قالت بعدم الحاجة أصلا إلى برنامج سياسي للحكومة، كونها لا تضطلع بدور سياسي وان ذلك من شأن م.ت.ف ، وبالتالي يمكن الاكتفاء بمهام الحكومة دون الحاجة إلى ما هو ابعد من ذلك، أما الصيغة الثانية فهي تلك التي تمسكت بها حماس، في ان برنامج حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة هو فقط ما يمكن ان تقبله من برنامج للحكومة، أو أنها توافق على حكومة دون برنامج، وإما الصيغة الثالثة فقد كانت الصيغة التي عرضتها حركة فتح والتي تدعو إلى تضمين برنامج الحكومة بشكل واضح، نص يقول ان الحكومة "تلتزم بالتزامات م.ت.ف".



وبذلك فقد انحصر النقاش تقريباً، بعد قليل عناء، حول كلمتي "احترام" الاتفاقات التي وقعتها م.ت.ف كما وردت في برنامج حكومة الوحدة الوطنية، أو "الالتزام" بالاتفاقات التي يرى الرئيس أبو مازن أنها الكلمة المطلوبة، وسمح البعض لنفسه بشيء من الظرافة بوضع قاموس صغير للكلمات التي هي على وزن الاحترام الالتزام....الخ، فيما يمكن ان يعمل القاريء خياله به.



ورغم ما يكمن خلف هاتين الكلمتين من مدلول سياسي كبير ، لا يجوز الاستخفاف به، إلا ان من الظلم الفادح حصر كامل الموضوع الخاص بالشأن السياسي الفلسطيني ، في حدود ذلك، علماً ان مجمل النقاش حول الكلمتين يظهر كاستجابة لدعوات وشروط اللجنة الرباعية ، سواء كان بتعبير الاحترام أو الالتزام ولا داعي هنا لإيراد النكتة المشهورة عن برناردشو عندما أغوى إحدى الجميلات في حلبة الرقص.



السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لا يجري تعميق جوهر القضية ذاتها، التي يدور الاختلاف حولها بما يمكننا من معالجة أمر الشق السياسي لبرنامج الحكومة بصورة أكثر جدوى وعملية بما في ذلك، حول طبيعة العلاقة مع المجتمع الدولي، وبصورة أكثر تحديداً، مع الإدارة الاميركية واللجنة الرباعية.



هناك حاجة لإدارة النقاش الداخلي حول طبيعة هذه العلاقة، وبحيث لا يقتصر الأمر على ما يطلبه المجتمع الدولي منا، ولكن أيضا، ما نطلبه نحن من المجتمع الدولي، بما في ذلك خلق مسافة بين متطلبات المجتمع الدولي من جهة، وبين شروط إسرائيل للعلاقة مع قيادة الشعب الفلسطيني، الذي تحتل أراضيه وتمارس العدوان اليومي عليه، نقاش يفضي إلى مفهوم موحد للعلاقة مع المجتمع الدولي، تختفي منه نزعة التجاهل غير المبرر لتأثيرات المجتمع الدولي على الوضع الفلسطيني، وكذلك نزعة الامتثال التام لمطالبه، وبحيث يمكّن هذا من الربط بين مصالح الشعب الفلسطيني وأهدافه في التحرر وبين الشرعية الدولية التي أقرت هذه الأهداف والحقوق.



من اجل ذلك، مطلوب ربط برنامج الحكومة، بوحدة الخطاب السياسي الفلسطيني في هذه المرحلة، وهي مرحلة شهدت مأزقاً في المفاوضات وفشلاً في خارطة الطريق، لا يجوز العودة إلى الدائرة التي راوحت فيها خاصة في ظل استمرار الاستيطان والعدوان والحصار، كما شهدت أيضا مأزقاً في مشروع المقاومة، في ظل الانقسام، وفي ظل الاستعداد للتهدئة لمدة طويلة مقابل فتح المعابر وإدخال المواد إلى قطاع غزة.



آن الأوان لأن يُخرج الرئيس أبو مازن من جيبه موضوع المفاوضات والعملية السياسية ويضعه على مائدة الحوار ليشرك به الجميع، وان تخرج حماس من جيبها موضوع التهدئة وصفقة شاليط، وتضعها على مائدة الحوار، وبحيث يتلخص ذلك في موقف واضح ومعلن للمجتمع الدولي، مفاده أننا مستعدون للتهدئة وتثبيتها في القطاع والضفة، لمدة متفق عليها، تجري خلالها عملية سياسية تفاوضية برئاسة م.ت.ف ، من اجل إنهاء الاحتلال وتحقيق قرارات الشرعية الدولية والعربية، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس ، وهذا الالتزام بالأمرين معاً تقدمه م.ت.ف للمجتمع الدولي وتلتزم به الحكومة الفلسطينية، بما في ذلك عرض نتائج هذه العملية على استفتاء شعبي أو على المجلس الوطني الجديد، كما أقرت وثيقة الوفاق الوطني، والى جانب ذلك فمن المشروع مطالبة المجتمع الدولي بعملية سياسية جادة تقود إلى تطبيق قرارات الشرعية الدولية وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني.



ان مقاربة كهذه تسمح بتغيير الاتجاه، وتضع العملية ذاتها في إطار اشمل عربي ودولي لعملية سياسية جادة وحقيقية تنتظرها المنطقة من الإدارة الاميركية الجديدة، ومن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي مقاربة تسمح لحماس ان تستفيد من م.ت.ف ، كما تسمح لـِ م.ت.ف ، ان تستفيد من حماس، فترفع سقف التهدئة ، وسقف المفاوضات أيضا، لما هو أفضل لمصلحة الشعب الفلسطيني بأسره.