خريف -اللا مؤتمر- والخارطة بلا طريق


بسام الصالحي
الحوار المتمدن - العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 12:12
المحور: القضية الفلسطينية     

لا يمكن فصل التصعيد الاسرائيلي ،الشامل تقريباً، عن عملية المفاوضات الجارية استعداداً للخريف، بل من المتوقع زيادة هذا التصعيد، لتحقيق هدفين على الأقل، الأول يتعلق بالحسابات الاسرائيلية الداخلية، للحكومة واحزابها، والمعارضة، والثاني وهو الأخطر الرامي الى المحافظة على تركيز التفاوض والمساعي السياسية، في حدود الأولويات الأمنية والقضايا الجزئية، وبهذا تحافظ اسرائيل على ذات المنهج الذي اتبعته لسنوات طويلة وتضمن عدم التفاوض على قضايا الحل النهائي.
نفخ الروح في خارطة الطريق، لا تحتاج الى مؤتمر او اجتماع دولي، وبالقطع لا يترتب على الجانب الفلسطيني الانشغال في توسيع حشد المشاركة في هذا "اللامؤتمر" لا من الدول العربية ولا الاسلامية، ولا حتى من الدول الأخرى، اعضاء مجلس الأمن او الاتحاد الاوروبي، بل بالعكس، تشجيعها على عدم المشاركة، واعادة النظر في المشاركة الفلسطينية من اساسها.
خارطة الطريق، تضمنت خطوات تنفيذية، ومرجعية متابعة مكونة من اللجنة الرباعية، من خلال الطرف الأميركي، وطالما أن الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني باتا متيقنين أن نقطة البداية ، هي خارطة الطريق، فلا بأس أن يؤجل هذا "اللا مؤتمر" الى ما بعد ضمان تنفيذ خارطة الطريق، ولتتولى اللجنة الرباعية متابعة ذلك، واختبار جدية اسرائيل بهذا الشأن..
"جدول" التزامات خارطة الطريق واضح، حتى أن لجنة المفاوضات، الفلسطينية مشكورة لخصته، ووزعته على أعضاء القيادة الفلسطينية، وعلى كل من يرغب، حتى يستطيع المحاججة بقوة أكبر مع الطرف الاسرائيلي، ومع الضيوف الدوليين، حتى أن رئيس وفدنا المفاوض "قرص" الجانب الاسرائيلي بقوله اننا حتى قمنا باجراء الانتخابات "لتنفيذ هذه الالتزامات"؟! بل وان الجنرال "دايتون" حضر بنفسه، اجتماعاً لمسؤولي الأجهزة الأمنية الفلسطينية في نابلس، واطلع على استعداداتها واعلن عن بدء تنفيذ الخطة الأمنية في نابلس، التي ستبدأ منها الدولة الفلسطينية ؟!
كان يساورنا شك في نجاح استئناف عملية السلام، و"اللا مؤتمر" في الخريف، الآن بعد أن بات مرتكز هذا "اللا مؤتمر" هو خارطة الطريق، يتعمق الشك فيما يخص تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني ووقف التردي المتواصل في مكانة القضية الفلسطينية، بسبب نجاح اسرائيل في استمرار الإمساك بمفاتيح التحكم، بما فيها لمن تناسى ، تحفظات اسرائيل الواضحة على خارطة الطريق، والتي عملت ولا تزال تعمل بمقتضاها، في ظل سكوت وتغاضي اللجنة الرباعية عن ذلك.
يجب القول بصراحة ، أن خارطة الطريق، ليست اساساً صالحاً للانطلاق، خاصة وان اللجنة الرباعية لم تثبت قدرتها كمرجعية مراقبة حقيقية، سوى على الطرف الفلسطيني، وان اللجنة الرباعية ذاتها فشلت في تحقيق هذه الخطة، في المدة المقررة التي طلبتها من مجلس الأمن، ومنحت على اساسها تفويض العمل، لمدة ثلاث سنوات.
الأمن ، وهذا هو جوهر خطة خارطة الطريق، ليس مفتاح السلام ، الأمر الذي يجعلها خارطة تفتقر الى طريق، بل بالعكس، السلام هو مفتاح الأمن، خاصة وان مفهوم الأمن هنا ليس مبسطاً، فهو يجري في ظل صراع وطني ضد الاحتلال ، وحتى اذا ما مارس الشعب الفلسطيني كفاحه ضد الاحتلال ، على "الكاتالوج" كما قال مروان البرغوثي مرة، فانه سيعتبر بالنسبة لاسرائيل عملاً ارهابياً.
هذا كان موقف اسرائيل التقليدي، وفي الانتفاضة الشعبية السلمية عام 1987 ، وهذا هو موقفها الآن ايضاً، مع فارق انها تستعمل لتبريره جملة كبيرة من الأخطاء الفلسطينية التي وقعت ولا تزال.
السلام هو مفتاح الأمن، وطريق تحقيق السلام، واضح تماماً، عبر خطوات ومظاهر ملموسة لبدء انتهاء الاحتلال، والاستيطان، وللحل الدائم على اساس قرارات الأمم المتحدة، دافعية حماية ذلك بالنسبة للشعب الفلسطيني، هي اقوى من كل الترتيبات الأمنية المنفصلة التي تريد الادارة الأميركية واسرائيل، اعادة توريط السلطة بها، وهي دافعية حقيقية لكافة الاجراءات الفلسطينية.
هذا ما يجب أن يقال، مباشرة للدول الأعضاء في مجلس الأمن وان يقال بتنسيق كامل مع الدول العربية، حتى تنتهي عبثية استمرار التعويل على خارطة الطريق، ففي هذه توجد خريطة، ولكن لا يوجد طريق، بينما أن المطلوب هو الطريق ذاته.
مبادرة السلام العربية قد تكون هي الطريق ، اذا ما كفّت الادارة الأميركية واسرائيل عن تجاهلها والاستخفاف بها واذا ما تم تمسك عربي حقيقي بها، بما في ذلك تمسك فلسطيني جدي.
اقصاء المبادرة العربية لصالح خارطة الطريق، انحدار جديد للعملية السياسية قبل أن تبدأ وعلى العرب الا يسمحوا به، على الاقل، أن يتم التمسك بالدمج بين المبادرة العربية وخارطة الطريق، كحد أدنى، اذا لم يتوفر الإصرار ، على التمسك بهذه المبادرة وعلى الانطلاق من تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وليس استمرار الدوران في حلقة متطلبات الأمن الاسرائيلي.