حتى لا يعيد التاريخ نفسه مرة على شكل -سلطة- وأخرى على شكل -دولة-


بسام الصالحي
الحوار المتمدن - العدد: 2062 - 2007 / 10 / 8 - 12:27
المحور: القضية الفلسطينية     

السؤال عن فشل او نجاح اجتماع الخريف، ليس سؤالاً صحيحاً، فالنجاح ممكن أن يتحقق بالقياس الى الأهداف المحددة التي يبتغيها المنظمون له، وهي مرنة جداً، يمكن التحكم فيها، ولكن السؤال الأهم هو: هل سيحقق اجتماع الخريف متطلبات عملية السلام، التي كان من المفترض انجازها مع نهاية المرحلة الانتقالية للسلطة الفلسطينية عام 1999، والقائمة على تطبيق قرارات الشرعية الدولية الواضحة والصريحة، بإنهاء الاحتلال، وعدم شرعية التغيرات التي احدثها على الأرض، وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة، والحل العادل لقضية لاجئيه التي تضمنها القرار 194 بما في ذلك حق عودتهم.
إن الغرق في النقاش حول الفشل والنجاح، وانتظار تحقق هذه النتيجة او تلك ليس هو المطلوب ، بل السعي لتكريس القناعة الأكيدة لدى الجميع بأن انهاء الاحتلال هو المدخل والشرط الضروري لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وليس القفز بأية صورة عن ذلك.
إن إختراع اقامة دولة بتوافق امريكي اسرائيلي، في ظل الاحتلال، هو محاولة بيع الفلسطينيين ذات البضاعة التي سبق وان تم بيعهم اياها، ولكن بأثمان جديدة، وهي هنا استمرار الإحتلال تحت إدعاء وجود عملية سياسية ، توجب التطبيع مع اسرائيل، وتنزع الصفة عن الاراضي الفلسطينية بإعتبارها أراضٍ محتلة ، تخضع لتغييرات جوهرية يومية بسبب استمرار الاستيطان وبناء الجدار وعزل القدس، وتحديد الحدود من طرف واحد ، هذا بالإضافة الى تكريس اولوية الصراع الداخلي الفلسطيني على أولوية الصراع مع الاحتلال.
إن اعلان الدولة عام 1988 من قبل م.ت.ف رغم استمرار الاحتلال، وباعتبار أن أراضيها هي اراضٍ محتلة، جاءت في اطار الصراع من اجل تكريس حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته هذه وكان من الضروري استكمال هذا الاعلان باعلان حدودها على كامل الاراضي المحتلة عام 1967 وخاصة بعد انتهاء الفترة الانتقالية عام 1999، وهي امكانية جرب الرئيس الراحل ياسر عرفات القيام بها من طرف واحد، ولكنه توقف لأسباب مختلفة، لم يكن منها بالقطع قبول البدائل التي طرحت بعد ذلك، وبضمنها ما سمي الدولة ذات الحدود المؤقتة .
إن جوهر المسعى الاميركي وخاصة في ذلك اجتماع الخريف، يتركز على منح الفلسطينيين دولة ذات حدود مؤقتة، واذا لم تعجب الفلسطينيون التسمية فلا بأس أن تكون هي ذاتها الدولة الفلسطينية – بدون حدود مؤقتة، عملاً بالمثل النابلسي الشهير "إلكنْ، إلكنْ" ، واما مرجعية ذلك فهي تقوم على اساس اتفاق بوش شارون الذي تعهد بموجبه الرئيس بوش برسالة ضمانات مكتوبة لشارون، ابان تقديم الأخير لمشروع الانسحاب من قطاع غزة، باعتبار أن مرجعية الحل الذي سيتم اعتماده هي الدمج بين الأمر الواقع الذي كرسه الاحتلال في الاراضي الفلسطينية ، وبين خطوط الرابع من حزيران.
ولهذا من الضروري التمسك بحقيقة ان نقطة البدء هي انهاء الاحتلال اولاً، وعن كامل الاراضي المحتلة عام 1967، بما فيها القدس، أي تطبيق القرار 242، الذي لا يجادل في حقيقة كون الضفة والقطاع هي اراضي محتلة، وينبغي الانسحاب منها حتى يمكن تحقيق قيام الدولة الفلسطينية. وبدء التفاوض على الدولة الفلسطينية ذاتها، ودون تحقيق ذلك، ودون ضمان الانسحاب من كامل اراضيها. يمثل استبدالاً جوهرياً على اساس التغييرات الجوهرية التي احدثها الاحتلال على حدودها واراضيها، ولا ينفع هنا التذاكي بالحديث عن أن حدود الدولة "ستساوي" مساحة حدود الرابع من حزيران، اشارة الى ما قد يتم من تبادل للاراضي والتي لن تكون بالتأكيد مساوية بالقيمة للاراضي المقتطعة من الدولة الفلسطينية ، فضلاً عن عدم ضمان التساوي بالكم ايضاً.
اضافة لكل ذلك هناك مشكلة شروط تصنيع هذه الدولة ومؤسساتها ومواصفاتها، وكل الضمانات الالزامية الأخرى التي تشترطها الحكومة الاسرائيلية للموافقة على قيامها، والموكلة الى المندوب السامي الجديد السيد توني بلير بالتعاون مع الرئيس بوش وكونداليزا رايس وعلى اساس التدخل الحاسم من قبل اسرائيل في هذه العملية والتحكم فيها.
هنيئاً لحماس التي ساهمت بأنانيتها في تسريع ايصال الامور الى هذه الدرجة. وبئساً لأية مفاوضات يمكن أن تقود لتحقيق هذا التسلسل الرهيب كمحصلة لكفاح الشعب الفلسطيني ولحقوقه التي كرستها قرارات دولية واضحة وصريحة، رفضت مبدأياً الإقرار بشرعية التغييرات التي احدثها الاحتلال على الارض، بدءاً بالقدس الشرقية، التي جرى ضمها عام 1967 تحت ادانة دولية صريحة لا تزال معلنة، وانتهاءً بفتوى محكمة العدل الدولية حول الجدار ومجمل الاحتلال.
إن الجوهر الرئيسي لمضمون الدولة الفلسطينية، يتمثل في امرين، الاول انها تعبير مباشر عن حق الشعب الفلسطيني في استقلاله، والثاني انها تفتح الطريق جدياً اذا ما توفرت الرغبة الأكيدة من الجانب الاسرائيلي، لتحقيق السلام الدائم، وحتى تستطيع هذه الدولة أن تحقق ذلك، فانها يجب أن تكون دولة حقيقية وذات سيادة وعلى كامل الاراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وخالية من المستوطنات، إن ذلك يمكن أن يشكل نقطة البداية لتحقيق السلام والمصالحة، ولكنها ليست نقطة النهاية في هذه العملية، هذا اذا ما تحققت بكامل مواصفاتها. غير ذلك، فهو اعادة تسمية لما هو قائم، يخلّص الآخرين من أعباء معينة، سياسية وقانونية، ولكنه لا يخلّص الشعب الفلسطيني من تكرار تجربة استمرار الاحتلال مرة في ظل "سلطة" واخرى في ظل "دولة".