أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي باقر خيرالله - في حاجة الأنيس














المزيد.....

في حاجة الأنيس


علي باقر خيرالله

الحوار المتمدن-العدد: 7335 - 2022 / 8 / 9 - 18:40
المحور: الادب والفن
    


في حين أننا نتنعم بسهولة التواصل مع جميع المقربين منا , فنسمع صوتهم , ونكتب اليهم , متى شئنا وشاءوا, الا ان داء هذا العصر هو الاكتئاب , وفي حين انه "تقترن الزيادة في الاكتئاب بالزيادة في الشعور بالوحدة النفسية"(1) , فهذا الاقتران من غرائب عصرنا الحديث , ففي الوقت الذي أصبحَّ تواصلنا لا يكُلفنا جُهداً سوى لمسات خفيفة على قطعة من الزجاج, ازداد شعورنا بالوحدة , لماذا ؟
في الحقيقة لا املكُ جواباً علمياً , فانا لستُ جديراً بذلك , ولأن الشعراء هم خيرة من عبروا عن المشاعر التي تخالد صدر الانسان فيحق لي هنا استذكارُ ابياتٍ لابن الاحنف (2) :
كَـفـى حَـزَنـاً أَنّـي أَرى مَـن أُحِبُّهُ
قَـريـبـاً وَلا أَشـكو إِلَيهِ فيَعَلَمُ
فَـإِن بُـحـتُ نـالَتني عُيونٌ كَثيرَةٌ
وَأَضـعُـفُ عَـن كِـتـمـانِهِ حينَ أَكتُمُ
هنا يرى ابنُ الاحنفِ من يحب قريباً منهُ , ورغم أنهُ يعاني من شيءٍ ما , فهو لا يشكو له , وحينما يكتم ما يريد قوله فانه يزدادُ ضعفاً .
وما اكثرُنا شبهاً بهِ , فاليوم كلُ من نريد الاستئناس بالحديث معهم قريبين , حتى لو كانَ هذا القربُ ليس قرباً مكانياً , ولكن وسائل الاتصال السريعة قد ألغت الحاجة للتواجدِ المكاني , لكننا في الغالبِ , مكبوتين , منعزلين , ضائعين بين احتياجاتنا المادية .
والحديث والمؤانسة ليسا حاجة لبسطاء الناس او من لا يستطيع الترفيه عن نفسه كما يخيل للكثيرين منا , بل هو ربما من الاحتياجات القليلة التي يشتد النزوع اليها حتى حين تتوفر كل البدائل التي يستمتع الانسان بها , فنجد سليمان بن عبدالملك وهو من اقوى خلفاء بني امية يقول لبعض من اصحابه : " لقد ركبنا الفارة , وتبطنا الحسناء , ولبسنا اللين , واكلنا الطيب حتى أجمناه , وما انا اليوم الى شيء احوج مني الى جليس يضع عني مؤونة التحفظ ويحدثني بما لا يمجه السمع , ويطرب اليه القلب ." (3)
فبعد ان ركِبَ أحسنَ الخيول وانشطها , و رافق الحسناوات من النساء , ولبسَ انعمَ الثياب , وأكل اطيب الطعام حتى مل طعمه , كانت حاجته الملحة لإنسان يشاركه الحديث بلا تحفظ , يسمعهُ من الكلام ما تطيب له الأذن , ويطرب له القلب .
وقولٌ من شخصيةٍ بهذا السلطانِ والجاه والمال , وهو قد ملكَّ ما ملك من ترف العيش , يدعونا للانتباه لهذه الحاجة أكثر , و يلفتُ نظرنا الى افكارٍ مغلوطةٍ عن ما نضنهُ احتياجاتنا النفسية , وينذرنا بخطر اللهث وراء امورٍ صعبةٍ تجلب التعبَ والشقاء علينا ونضنها راحة في حين ان الامر لا يعدو كونه حاجة الى رفقة حسنة .
ومن الناسِ من كانَ بحاجة الحديث و الأنيس حتى في أصعبِ ظروفه الصحية , فحينَ زارَ البعض الشاعر ابن الرومي وهو على فراشِ المرض انشدهم قائلاً :
ولقد سَئِمْتُ مَآرِبي
فكأنَّ أطيبَها خَبِيثُ
إلاَ الحديثَ؛ فإنهُ
مِثْلُ اسْمِهِ أبداً حَدِيثُ
حيث يخبرهم بأن ربما كل نواياه , حتى الطيبة منها , كانت ورائها اشياءٌ فيها دوافع خبيثة كالأنانية مثلاً , ولكن استثناءه الوحيد من ذلك هو حاجته للحديث –الكلام- , ويستعملُ مقاربةً لفظية بانهُ دوماً كان الكلامُ كأسمة حديثاً – اي جديداً - , اي انهُ شيءٌ لا يمل ولا يشبعُ منه الانسان مهما كثر وتكرر.
هكذا كانت حاجة الناسِ دوماً الى الرفقة والحديثِ الطيب , رغم اختلافِ منازلهم , شعراءَ و خلفاءَ , اصحاءَ و مرضى , فقد كانوا دوماً باختلافِ وضعهم وظروفهم يجدون حاجتهم لهذا الشيء هو الملتجئ الدائم الذين يستلذون به , وحتى من عُرِفَ عنهم القساوة او الفضاضة نجدهم لا يستغنون ولا يخفون هذهِ الحاجة , بل ربما انهم يقدمونها على اشياء تبدو لنا لا بديل عنها ,فيروى ان عمرو ابن العاص قد تحدث بان هنالك ثلاث اشياءٍ فقط لا يملهم , " جليسي ما فهم عني , وثوبي ما سترني , ودابتي ما حملت رجلي ."(4)
فقدمَ حاجتهُ لجليسٍ يَفهمهُ و يَفهمُ منه عن حاجتهِ للثوبِ الساتر , والدابة التي تحملهُ و ترفعُ عنه شقاء تعبهِ في المشي , اذاً فمنزلة الجليس الذي يؤنسُ وحدتنا و فراغَ ايامِنا هي حاجةٌ يجبُ ان نسعى لتلبيتها قبل كلِ شيءٍ , فهي البقية الباقية لنا بعد أن نمل ملذات الحياة المادية , وهي الاحتياجُ المعنوي الذي يؤنسنا حين تحرمنا الحياة من ملذاتها الاخرى.
ــــــــــ
الهوامش
ــــــــــ
(1) الوحدة النفسية وعلاقتها بالاكتئاب... , يوسف موسى فرحان , مجلة العلوم التربوية والنفسية , مج9 , ع3 , جامعة البحرين .
(2) مختارات البارودي.
(3) البيان والتبيين , الجاحظ .
(4) عيون الاخبار , ابن قتيبة الدينوري.



#علي_باقر_خيرالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في رثاء الفراسة
- ضاحية و المتوكل
- شهية الضعف
- نصوص في ساعات البهرة (1)
- السعادة داخل رؤوسنا
- النظرية اللوبونية / الحلقة 6
- النظرية اللوبونية / الحلقة 5
- النظرية اللوبونية / الحلقة 4
- النظرية اللوبونية / الحلقة 3
- النظرية اللوبونية / الحلقة 2
- النظرية اللوبونية / الحلقة 1
- الاعلام العراقي في منافسة غير متكافئة !!
- سكرتيرة المدير .. أعلى سلطة في الدوائر الحكومية
- -طائفية فاخرة- - المسلسلات التاريخية والدينية
- أدوات تغيير المجتمع العراقي .. بيد القوى اليسارية


المزيد.....




- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 
- 865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع ...
- -شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- الحلقة 23 من مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة الثالثة والعشرو ...
- أسرار الحرف العربي.. عبيدة البنكي خطاط مصحف قطر
- هل ترغب بتبادل أطراف الحديث مع فنان مبدع.. وراحِل.. كيف ذلك؟ ...
- “أخيرًا نزله لأطفالك” .. تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 لمشا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي باقر خيرالله - في حاجة الأنيس