|
هجاء الإيديولوجيا ...
حازم العظمة
الحوار المتمدن-العدد: 1682 - 2006 / 9 / 23 - 10:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين يقال لنا أن الفكر في هذا القرن الواحد و العشرون يبرء من عصور الإيديولوجيا نصدق.. ، أقول ، من كثرة ما يكررون هذا ، نكاد نصدق
و الحال هو أنه لدى إعلان "نهاية التاريخ " ، بتوقيع فوكوياما ، أُعلن أيضاً "موت الإيديولوجيا" ... ، من ضمن ميتات عديدة منها موت المؤلف و موت النص و موت الأدب ، و موت الفن...
، و كأن ثمة رغبة ٌ في تأبيد هذه اللحظة من التاريخ ، نهاية القرن العشرين ، التي بدت لحظة ذهبية لإعلان كهذا ، اللحظة التي بدا فيها أن المسرح صار جاهزاً لـ " ا لنصر الإمبراطوري النهائي " .. كأن العالم كان يدخل في عصر جديد غير مسبوق و أن على هذه اللحظة أن تستمر إلى الأبد
، و أنه من أجل تأبيد إنتصار الرأسمالية كان على التاريخ أن يتوقف هنا و على الإيديولوجيا و السياسة أن تتوقف هنا لإفساح المجال على اتساعه لحاملات الطائرات و القاذفات الإستراتيجية و لـ "السوق " خاصة... أي لتوسيع "السوق" حتى يصل إلى أقصى زوايا الأرض ( حاملات الطائرات و القاذفات الإستراتيجية و الأباتشي و القنابل الذكية لا أيديولوجية لها ... )
الأحلام الإمبراطورية معظمها تحقق ، بدا العالم و كأنه يعود إلى ما قبل حرب النصر الفييتنامي و قبل ثورة أوكتوبر و قبل أيار68 الباريسي و قبل الكومونة ... و قبل الثورة الجزائرية ، و عاد إلى ما قبل الأدب .. ، ما قبل هيمنغواي و بيكيت و ماركس ، حتى داروين تجري مكافحته منهجياً لصالح نظرية "الإبداع الالهي الحكيم " .. ، في المدارس الأمريكية على الأقل
كانت ثمة رغبة في إعلان إنتصار النظام الرأسمالي نهائيا , ثمة رغبة في " تثبيت" هذه اللحظة من التاريخ على أنها الشكل النهائي و الأخير للنظام الكوني ، ومن ثم إعادة صياغة العالم حسب المواصفات الجديدة : لا حاجة للإيديولوجيا ، القاذفات الإستراتيجية تكفي ، لا حاجة للفن : الفن غالباً ما يعيق قيم السوق... لا حاجة للشعر : الشعر يؤلف أحلاماً لا تفيد التجارة الإمبراطورية في شيء ..
"الإيديولوجيا" هي المنظومة الفكرية ، هي مجموع الأفكار و التصورات عن العالم التي يكونها فرد ، أو مجموعة أفراد في (نظام ) ، في ( منهج) مترابط و متسق ، و على الأغلب تتكون في مجموعات بشرية و في مرحلة تاريخية بعينها ، و هذا يبعدها عن الأديان مثلاً التي تكون في أفكار ثابتة ، المنظومة الفكرية هذه " الإيديولوجيا" تتكون و تتطور غالباً في طبقات و شرائح إجتماعية ، هي الموقف ( الفكري) من العالم ، بمعنى عام ، و الموقف من كيف سيكون العالم ، موقف من التاريخ و موقف من الحاضر و المستقبل في آن معاً بمعنى ما هي صيغة وجود النوع البشري في " جماعة" و العنصر الحاسم في تكوين هذه "الجماعة" و سلوكها ، إبتداء من " القبيلة " حتى لحظة إدراك الإنسانية أن العالم كله هو هذه " الجماعة"
و لكن لماذا لا تكون للرأسمالية أيديولوجيا معلنة ، هنالك بالتأكيد للرأسمالية أيديولوجيا، هي في الأكاديميات و الكتب الإختصاصية ، و لا تصل للجمهور ، هي ما يجري تداوله في اجتماعات مغلقة من مثل مجلس الأمن القومي الأمريكي ، أو مؤتمرات " التجارة الحرة " أو حتى في منتديات عالمية كـ " منتدى دافوس" تضم بالإضافة إلى " الثمانية الكبار " بعض المريدين من (العالم العاشر ) ممن هم " طلائع" نظام التجارة الحرة كمبارك ( الأب و الإبن ) و عائلات و حاشية العائلات المالكة ( الجمهورية منها و الملكية ) و أنسبائهم و عمومهم و خالاتهم و زوجاتهم ، بالإضافة إلى كبار الرأسماليين ( بمقياس العالم العاشر ) بطبيعة الحال .. و هكذا ..
الإيديولوجيا الحقيقية للرأسمالية هي هكذا : ( و لا يجري شرحها في منتدى دافوس ... مثلاً ) - البقاء للأصلح ، على العامة أن يخضعوا لنظام رأس المال - " الداوروينية الإجتماعية " جزء من التكوين الفكري للنظرية الرأسمالية ، الفقراء هم هكذا فقراء لأنهم أقل "ذكاء" و أقل " كفاءة" و عليهم أن يبقوا كذلك - " الذكاء" - للعامة- ينبغي أن تجري إعادة "تعريفه " و " تكوينه" بحيث يبحث في " التفاصيل" و لا يتناول موضوعات تتعلق بمصير الإنسان أو موقفه من العالم ، الذكاء هو في صنع المنتجات و إستهلاكها - "الديموقراطية"- نسختها الرأسمالية بطبيعة الحال- و الحريات هي الواجهة لحرية " رأس المال " ، و حين لا تتحقق هذه " الديموقراطية " و هذه " الحريات" ، بالأحرى حرية رأس المال ، ينبغي فرضها بالقوة - الرأسمال الأكبر يبتلع الرأسمال الأصغر منه ، " الأنظمة " الكبرى تبتلع " الأنظمة " الصغرى ، حسب " قوانين السوق " التي هي قوانين " طبيعية" ... - هناك تقسيم عمل للجموع البشرية : " العامة" عليهم أن يعملوا بكد ، " السادة "عليهم أن يجنوا نتائج العمل و أن يستهلكوه - تقسيم العمل هذا ليس محلياً فحسب هو أيضاً " عالمي " .. - الأفراد غير متساوين و كذلك الشعوب ، ثمة شعوب " همجية" و " فاشلة" عليها أن تخضع ، أن تعمل و تستهلك ،في الحد الأدنى الذي يبقيها تعمل - و إن لم تعمل أو تستهلك ، إن بدت كـ "فائض" فمن الأفضل أن " تذهب" ، أن " تختفي" .. في مذابح مثلاً ، كتلك التي يمتلىء بها تاريخ الرأسمالية إبتداء من "إكتشاف" أمريكا و صولاً إلى المذابح في العراق ، و التي سببها الأساسي النفط .. ، وجوده صدفة ً هناك .. الردح الحالي للإيديولوجيا المقصود به الماركسية أساساً و طالما أن لا "إيديولوجية" للرأسمالية ( رسمياً على الأقل ) أو ما من إيديولوجيا معلنة
ثمة أجزاء من الفكر الرأسمالي معروضة علناً ، " الليبرالية" مثلاً ، و لكن الليبرالية ليست خاصة بالرأسمالية تماماً ، رغم أن ثمة جهود حثيثة لتبديل معنى الليبرالية لكي تعني " نظام التجارة الحرة " و "نظام الهيمنة الإمبراطورية" ، الذي هو في حقيقة الأمر نقيض الفكر" الليبرالي"
... و مراتٍ تستعير الأيديولوجيا الرأسمالية مفكرين و فلاسفة من الماضي ، طالما الأموات لا يعترضون و لا يحتجون .. ، " نيتشة " مثلاً ، الذي يجري الترويج له حالياً ، و خاصة الجزء من كتاباته الذي يعنى بـ "الإنسان الفائق " super man و كذلك الجزء من تفكيره ذو النبرة العنصرية ... ، و لا أدري إلى أي حد يمكن أن يكون نيتشة نفسه مسؤولاً عن هذا " الإقتباس " أو ربما الإختلاس ...
و الحال أيضاً أن الايديولوجيا مثلها مثل الأدب و الفن ، على الأغلب ، كانت خصماً للراأسمالية ، و أن ثمة تاريخ طويل من انحياز الفكر الإنساني و كذلك الأدب و الفن لليسار و للثورة ، أي الإنحياز لكل ما هو تقدمي و يبحث في تصفية تركة الحروب و الهيمنة و الإستبداد و الإستغلال و العبودية
الترويج لنمط تفكير السوق هو البديل المقترح ، من "أكاديميي" النظام الإمبراطوري ، بعيداً عن "الإيديولوجيا" .. ، و الإقتراح و المقترحون يقولون لنا أن " السوق" ليس "أيديولوجيا " بل من " طبيعة الأمور "
"موت الفن " لأن الفن لا شيء ، تشييىء الفن و تسليع الفن هو الإتجاه في هذه المسألة ... ، السوق هو البديل عن الفن ، و البضاعة هي نفسها الفن ، بل و أفضل ، و هذا تجده بكثافة في إتجاهات ، بعض اتجاهات ، ما سمي " بعد الحداثة "
هكذا تظهر ، بصفتها " أيقونات ما بعد حداثية " Postmodernist أعمال مثل تلك التي لـ "جيف كونز " أو حتى " دو شامب" الأول عرض "عملاً تركيبياً "Instlation بعنوان " ماكنة هوفرالجديدة القابلة للتحوير " 1980 و هذا العمل عبارة عن مكنسة كهربائية في صندوق زجاجي ... دو شامب عرض بدوره مَبولة ، مبولة حقيقية أتى بها من بائع خرداوات ، أو من المستشفى ...
الرأسمالية هكذا تجهد في مسح الوعي البشري ، لتعيد تكوينه ، تجهد في تدمير الجهة المبدعة في الوعي البشري لصالح السوق ..
تحاول و ستفشل ...
#حازم_العظمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما يعنيني من نجيب محفوظ
-
الفرق بين السلام .. و السلام الأمريكي
-
... مُحْدثوا الليبرالية
-
لم لا يقال لهم أن حزب الله هو NGO
-
في المفهوم الثابت لليساري و اليسار
-
القواعد العشرة *
-
ذاهبون إلى النزهة .. في جبال لبنان
-
المارينز العرب...
-
الجنود الإسرائيليون يصوتون في الحوار المتمدن
-
جدري الخنادق
-
لهذا الولايات المتحدة تحتفظ و ستظل تحتفظ بزبائنها في الشرق ا
...
-
... الظواهري و بن لادن يهبّان للنجدة..
-
بنت جبيل- تنهض ، تمشط شعرها في النافذة
-
صحبوا معهم الصحافيين في البارجة ليفرحوهم بمشهد بيروت تحترق
-
لا أسرى لبنانيون و لا أسرى فلسطينيون ، لأنهم لا أحد و لا شيء
...
-
الإملاءات الإسرائيلية على لبنان
-
... عودوا إلى العصر الحجري
-
لماذا الشيعة في لبنان و السنة في فلسطين لا يقتتلون
-
ماذا لو أن المقاومة العربية كان هكذا شكلها دائماً
-
ثلاث أو أربع إتجاهات في الفكر العربي السياسي المعاصر
المزيد.....
-
التلفزيون الإيراني: تعرض طائرة الرئيس -لحادث- وسط تعثر جهود
...
-
-حادث صعب- لمروحية بموكب الرئيس الإيراني.. وغموض بشأن وضعه
-
فيديو: أحد أكثر المطارات ازدحاما وأحدثها في البرازيل يغرق تح
...
-
أنباء متضاربة عن -هبوط صعب- لمروحية الرئيس الإيراني في شمال
...
-
واشنطن ونيامي تعلنان في بيان مشترك بدء انسحاب القوات الأمريك
...
-
وسائل إعلام: القضاء على زعيم الانقلاب في جمهورية الكونغو الد
...
-
علييف يصف الصداقة الإيرانية الأذربيجانية بعامل استقرار في ال
...
-
تراشق كلامي بين ترمب وبايدن وحشد على فوهات البنادق
-
طائرة الرئيس الإيراني تتعرض لحادثة ومصيره مجهول
-
إيران: تعرض هليكوبتر تقل الرئيس إبراهيم رئيسي لـ-حادث- في مق
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|