|
عرب بلاد الشام البائدة في العهد الروماني 3
علي احمد
الحوار المتمدن-العدد: 7035 - 2021 / 10 / 2 - 03:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
على شاهد قبر في تدمر خطت كتابة تدمرية تقول" وآ أسفاه تيم اللات بن ماليكو وآ اسفاه"، ولا استبعد ان هذا ليس سوى شخصية غايوس فوريوس سابينيوس اغيلا تيميسيثيوس Gaius Furius Sabinius Aquila Timesitheus، باعتبار ان الاسم الحقيقي عادة ما يكون في لاحقة التسمية وهو مركب من تيم مع اللات (الله) بالاغريقية θεός (theós) . ويبدو ان اسم تيم اللات كان دارجا في تلك الفترة؛ على سبيل المثل فيما يوصف بقصة شهداء فلسطين Martyrs of Palestine في التراث الكنسي يورد يوسيبيوس اسم القديس تيمولاوس Timolaus بضمن من قطعت السلطات الرومانية رؤوسهم في قيسارية 303م. واعتقد ان Laus ليست سوى صيغة اغريقية لـ اللات. وللاشارة فإن اسم تيم اللات يرد كجد لأول ملوك التنوخيين مالك بن فهم بن تيم اللات وهو الذي يعتقد بأنه حكم ما بين 196و231 وينتسب لقضاعة المحسوبة على العمالقة. ألقابه تشير الى اندماجه المبكر في المجتمع الروماني، وانه من أصول اسرة غنية ونافذة. بدأ مسيرته كقائد كتيبة مشاة لينتهي كقائد لأعلى المناصب العسكرية والمدنية كقائد للحرس الامبراطوري وبات متحكما بإدارة الإمبراطورية في الربع الثاني من القرن الثالث الميلادي. برز في الفترة 190-243، وبحسب تقدير المصادر الغربية فهو اغريقي مشرقي Oriental-Greek من تركيا الحالية، والبعض يذهب الى ما هو ابعد ليقول انه مشرقي Oriens أي حاليا Levant /Arabia، ولكن ما ارجحه انه عربي، حيث يشار الى صلته بالسفيريين وعلى وجه الخصوص السلالة الحمصية. في فترة مبكرة اثناء عهد سفيروس او ابنه كركلا تولى المسؤولية في اسبانيا وبعدها مشرفا على أملاك العائلة الإمبراطورية فيما يعرف حاليا بلجيكا وألمانيا، وبعدها المشرف الاقتصادي على العربية الصخرية (البترائية)، وعمل حاكما للمنطقة واصبح قائدا للفيلق الثالث سيرينايكا Legio III Cyrenaicaومقره بصرى الشام، ولعب دورا في الصراع بين الامبراطور الجابالوس فقد سانده في مواجهة مغتصب السلطة ماكرينوس. ويعتقد بان هذا هو ما دفع بالاميرات الحمصيات للدفع به لاعلى المناصب الضريبة والادارية والعسكرية. في عهد الامبراطور الكسندر سفيروس الذي حكم من 222 الى 235 تولى منصب القائم على السلطة في سوريا فلسطين Syria Palaestina وأيضا القيادة في بلجيكا وجرمانيا بفضل قدراته العسكرية والإدارية، وله صلة بالحرب(المقدسة) ضد الفرس سنة 232، وثم الحرب ضد الجرمان سنتي 234 و235الذين عرفوا لاحقا لدى الرومان بالالمان Alemanni. لم يتأثر دور تيميثيسيوس على خلفية ارتباط دوره بالاسرة الامبراطورية السفيرية، بعد تمرد الجيش في المانيا الذي أدى لمقتل الكسندر سفيروس ووالدته يوليا مامايا واعتلاء ثراكس الحكم، فالعكس حدث اذ ازدهرت أوضاعه لحاجة هذا الأخير للمال لتمويل الحرب الألمانية، حيث كان تيميثيسيوس صاحب إدارة مالية ناجح، فقد كانت المناطق الموكل بها بين الاغنى في العالم الروماني. التمرد الذي حصل في اكويليا Aquileia شمال شرق إيطاليا حاليا أطاح بثراكس، وانهى دور تيميثيسيوس كحاكم لسوريا، ولكنه احتفظ ببعض المسؤوليات، وعاود بفضل براعته للتسلق من جديد، واحسب ان لنفوذه القبلي دور في ذلك كما هو الحال لأهمية الجبهة الشرقية، ونجح بعد عودته لروما من تزويج ابنته فوريا سابينيا ترانكيلينا Furia Sabinia Tranquillina ، إلى غورديان الثالث وبالتالي عين حاكما امبراطوريا ووزيرا اول وكان المستشار الرئيسي للامبراطور وفعلياde facto كان يقوم بدور الامبراطور الحدث وهو اصغر امبراطور شرعي حكم دون شريك بعمر 13 سنة. وبات همه الأساسي بصفته الوزير والمستشار الرئيسي للإمبراطور هو التعامل مع التهديد الذي تتعرض له المقاطعات الشرقية من جراء القوة المتجددة لبلاد فارس تحت حكم شابور الأول أحد اقوى الملوك الفرس الطامحين لتعزيز السيطرة الفارسية شرق الفرات ووراثة النفوذ الروماني في أرمينيا. وكانت روما فقدت الكثير من سيطرتها في بلاد الرافدين عهد ثراكس لصالح اردشير بحكم أزمات الأول الداخلية، واحسب أن لها صلة بتراجع نفوذ العرب في الإمبراطورية تلك الفترة بنهاية عهد الاسرة الحمصية، ما أدى لتراخيهم في الدفاع عن الجبهة الشرقية هذا بالإضافة لزيادة الضرائب، وربما انتقال بعض القبائل من جبهة الدفاع عن الرومان للدفاع عن الساسانيين فقد تزايدت المخاطر عندما تمكن شابور من التغلغل في سوريا وتهديد انطاكيا عاصمة الشرق الروماني. لم يولي تيميسيثيوس أهمية في العامين الاولين لمخاطر شابور في الشرق، ولكنه في 242 بدأ بتشكيل جيش قوي من حاميات نهر الراين والدانوب واقام مباريات على شرف الربة أثينا بوصفها من انقذ الاغريق من الفرس في معركة ماراثون، وبذات الوقت كان للتأكيد على ان روما هي وريثة أثينا في تأمين الحماية من الفرس. سحب القوات الشمالية أدى لهجمات على تراقيا، وهو ما دفع بالجيش لخوض معارك نجح فيها واستخدم فيها تكتيكا رومانيا وهو اجبار البرابرة المهزومين على توفير وحدات قتالية مساندة -قارن أسلوب المغول باجبار المهزومين ان يكونوا في مقدمة الجيش-. تمكن تيميسيثيوس من هزيمة الفرس في معركة الرصينة (تصحيف لتسمية لرأس العين شمال سوريا). مكن هذا الرومان من استعادة جميع مواقعهم الرئيسية في بلاد ما بين النهرين، بما في ذلك حران ونصيبين وسنجارواستعادة مستعمراتهم في الرها وحدياب. وكانت في نيته التوجه الى طيسفون، لولا ان المنية اصابته وبذلك لم يواجه شابور قوة بهذا الحجم الا بعدها بنحو عقدين مع فاليريان 260 الذي وقع اسيرا، ولكن شابور تعرض لهزيمة بعدها على ايدي اذينة ملك تدمر. على الأرجح أن وفاته كانت بسبب الزحار مع عدم استثناء موته قتيلا اثناء الحملة الناجحة ضد الساسانيين. وبافتقاده فقد تحولت توجيهاته الناجحة ضد الساسانيين الى فشل حيث دبت الفوضى التي كان لها أثرها الكبير على الإمبراطورية لوقت طويل. وبحسب الباحثين فإن فيليب العرب وشقيقه، جايوس يوليوس بريسكوس Gaius Julius Priscus، القائدان في الحرس الامبراطوري، كانا المستفيدين الرئيسيين من وفاته، وعلى عكس فيليب العربي خليفته في الولاية الإمبراطورية، فهو لم يستغل فتوة وقلة خبرة سيده وزوج ابنته الإمبراطور غورديان الثالث، للاستيلاء على الإمبراطورية لنفسه. وبموته سريعا انقلب الوضع لحال من الفوضى التي كان لها أثر كبير على الإمبراطورية، وخلفه على القيادة بريسكوس شقيق فيليب وهذا الأخير يتهمه التاريخ الاغسطس بأنه عمد لتجويع الجيش بعرقلة الامدادات التموينية لتقويض سلطة غورديان، وهو زعم لا يتفق مع استمرار الشقيقان بتوغلهما في أسفل الرافدين 243/244 في ذروة الهطل الشتوي وبزعمهم انه افتقار للبصيرة الاستراتيجية التي أدت لكارثة. ويرون ان موت تيموثيسيوس أدى إلى سلسلة من الأحداث التي حرمت الإمبراطورية الرومانية من فرصها لسحق النوايا الفارسية قبل ان تترسخ بالكامل. وبحسب المصادر الفارسية فإن الفرس صدوا تقدم الرومان نحو طيسفون في منطقة تدعى مشيق Mesiche قرب الفلوجة ،واوقعوا بهم خسائر كبيرة وقتل فيها الامبراطور غورديان. وثمة مصادر تعتقد ان غورديان قتل على ايدي جنوده الغاضبين في زيتا Zaithaالى الغرب من قرقيسيا (بلدة البصيرة قرب دير الزور) وهو امر ليس بمستبعد اخذا بعين الاعتبار ان اغلب القوة العسكرية المتصارعة لدى الفريقين هي من ذات أبناء المنطقة في صراع استمر حتى ظهور الإسلام، وربما تنبهت القبائل العربية المتصارعة ان استمرار الحرب يقضي على المصالح التجارية للقبائل العربية مصدر عيشها الرئيسي. وهو بتقديري كان دافعا لفيليب توقيع اتفاقية يعتبرها المؤرخون الغربيين مذلة مع الساسانيين.
#علي_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العمالقة عرب بلاد الشام البائدة في العهد الروماني 2
-
العمالقة عرب بلاد الشام البائدة في العهد الروماني
-
الامبراطور فيليب العربي بين النقد والتبجيل
-
مصطلح الجبر في الرياضيات بين العربية والسومرية ودالتهما الاك
...
-
جذر سكن بين العربية والسومرية
-
الخلنج أصل تسمية الغليون
-
التمر ثمر النخل بين سومر وتدمر بالميرا
-
فقه الغاز اللغة السومرية والاكدية والعربية- اليد مثالا.4
-
فقه الغاز اللغة السومرية والاكدية والعربية- اليد مثالا.3
-
فقه الغاز اللغة السومرية والاكدية والعربية- اليد مثالا. 2
-
فقه الغاز اللغة السومرية والاكدية والعربية- اليد مثالا.1
-
فقه اللغة: كلمات عربية وسومرية واكدية مشتركة من بيئة مناخ ال
...
-
الحناء والاصباغ الحمراء وعلاقتها بالخصب والانبعاث بعد ممات
-
الزبانية في القرآن والقراطب السومرية
-
اسطورة قصر الخورنق وبرس النمرود(برج بابل) والمعتقد الصابئي ا
...
-
ادريس رسول المعرفة الالهية الخالد وتناسل اسطورته في الانبياء
...
-
ادريس رسول المعرفة الالهية الخالد وتناسل اسطورته في الانبياء
...
-
الانسان عجينة خميرتها الاسطورة -الاله عنك (عنق) ENKI الذي شي
...
-
مصطلح أكد وبغداد (بيت اغادة)
-
مصطلح سومر(شومر): -ارض- ثمر (النخيل)
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يكشف عدد الجنود المصابين بجروح خطيرة جراء ه
...
-
موقع إسرائيلي يسرب تفاصيل زيارة -سرية- قام بها رئيس -الشاباك
...
-
-نريد شربة ماء-: نساء في تونس يقطعن مسافات طويلة بحثا عن الم
...
-
زار قاعدة -جولاني-.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يتحدث عن نت
...
-
روسيا تكمل اختبار طائرة -جالوت- المسيرة الجديدة في منطقة الع
...
-
طهران: سنحاسب إسرائيل على اغتيال نيلفروشان
-
مذنب -تسوتشينشان أطلس- في أقرب نقطة من الأرض (فيديو)
-
-مصر ليست في عجلة من أمرها-.. الإعلام العبري يوضح ملامح أزمة
...
-
ما هي قدرات المسيرات الانقضاضية التي استخدمها -حزب الله- في
...
-
ترامب يؤيد استخدام الجيش ضد الأميركيين وهاريس تتهمه بالضعف
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|