أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي احمد - الحناء والاصباغ الحمراء وعلاقتها بالخصب والانبعاث بعد ممات















المزيد.....


الحناء والاصباغ الحمراء وعلاقتها بالخصب والانبعاث بعد ممات


علي احمد

الحوار المتمدن-العدد: 6700 - 2020 / 10 / 11 - 09:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اللون الأحمر أكثر الألوان ارتباطًا بالمتناقضات، فهو من جهة يرتبط بالحيوية والشهوة والجنس والحب والفرح ومن جهة أخرى، بالغضب والدمار والشر، والأرجح انه أقدم الألوان التي استخدمها البدائي لصبغ جسده. وكان قدماء المصريين يلونون أنفسهم باللون الأحمر في الاحتفالات وارتبط لديهم بالحياة والصحة والنصر، وبذات الوقت على النقيض بالحرارة والدمار والشر فقد نصت صلاة إلى الربة إيزيس على: “يا إيزيس احمني من كل الأشياء الشريرة والأحمر.”
الحناء بتقديري هي من موروثات الاعتقاد بصلة اللون الأحمر الثقافية البدائية التي تطورت لمعتقدات ميثولوجيه لها صلة بالانبعاث بعد ممات، ولا صلة لها بالتجميل، فمثلا في الإسلام يحق للمرأة الحناء في الحج الذي يحظر فيه التطيب والتجميل، ومن الأحاديث الموصوفة بالضعيفة فإن الحناء سيد ريح الجنة، وفي صعيد مصر يصفونها بتمر الجنة. وقد أثبتت الأبحاث ان الفراعنة كانوا يحنون أظافر وشعر الميت، ويتضح ذلك من الدراسات على مومياء رمسيس الثاني، وهي الدراسات التي لم تحسم الجدل عما إذا كان صبغ شعره بالحناء ايضا له صلة أيضا بتجديد شبابه في شيخوخته حيث تؤكد التحاليل أنه كان احمر الشعر في شبابه. وثمة اعتقاد بان الفراعنة كانوا يحنون أجزاء من الجسد، ولكن هذا يصعب اثباته لزوال تأثيرها. وأثبتت الدراسات ان الحناء كانت تستخدم بعد الوفاة ولم يحسم الجدل عما إذا استخدمت قبلها مما يوحي بعلاقتها بطقس جنائزي، وتقدر بعض الدراسات استخدامها على شعر مومياء في مصر قبل عهد السلالات نحو 3400 ق.م. واستبعد ما ورد الموسوعة العربية الميسرة 1960 بأن موطنها الأصلي بلاد فارس وان رمسيس الأول أرسل بعثة إلى آسيا للبحث عن بعض الأعشاب للتداوي فكان أن أحضرت معها نبتة الحناء ومن مصر انتقلت لأفريقيا وثم لأوروبا.
من الصعب الجزم بأولوية من ربط الحناء بالانبعاث بين مصر والشام، ولكن الثابت ان قدماء المصريين استخدموا الحناء وربطوها بالطقوس الميثولوجية. ولكن لا تستثنى الصلة بثقافة الفصول التي تتضح في بلاد الشام وربما انتقلت لمصر عبر الغزوات العمورية التي لم تنقطع منذ العهود المبكرة ومنها غزوة الهكسوس، وقد وجد في اريحا 1900-1550 قبل الميلاد باروكة شعر محناة.
يعتقد البعض ان الحناء وردت في شظايا نص كنعاني من راس شمرا- اوغاريت- يعود للقرن 13 قبل الميلاد بصورة يقرأونها كفرت kprt ورغم أن معناها غير مؤكد، الا انهم يربطونها بنصوص أخرى ذات صلة بـ kpr التي تعني حناء. والاشارة الواردة هي للعلاج- تضميد منطقة الألم بها يشفي حيث تمتصها الاصابة المرضية-. وفيما يتعلق بالتجهيز للحرب، فقد وردت الحناء في (دورة بعل) -مجموعة الواح تعود لما بين 1350 و1400 قبل الميلاد- التي بضمنها لوح يتعلق باسطورة بعل وعناة، وتتحدث عن صراع بين موت اله الموت من جهة، وبعل اله العاصفة والحياة والخصب وشقيقته عناة ربة الخصب المحاربة من جهة أخرى. ورغم ان النص مهشم الا انه يفهم منه ان عناة قبل انطلاقها لمحاربة اتباع الرب موت تتضمخ بالعطور وتتزين بالأرجوان -من صدف الموريكس- والـ ك ف ر kpr صباغ الحناء. وهو يذكر بطقس الغسل في الثقافة الاوغاريتية حيث كانوا يغتسلون لدى الولائم ولدى تقدمة الاضاحي وعشية الانطلاق للقتال ويتزينون بالأرجوان او الصبغ الأحمر. النص لا يوضح عما إذا كانت عناة تجهز نفسها احتفالا بالانتصار او للشروع بالقتال. ثمة عدم اتفاق بين الباحثين حول معنى ك ف ر kpr ، فمنهم من يرفض تفسيره بالحناء بدعوى الغرابة حيث لا حاجة للصبغ بالحناء ما دامت استخدمت الارجوان. ويأخذ مور النص كاستعارة للفصول بموت الاله موت وعودة الاله بعل أي كطقس بين نهاية حصاد الحبوب وبداية هطول الامطار الشتوية.
ويصعب الجزم عما اذا كانت الإشارة في بردية ايبيرس الى cyperus بأنها تعني الحناء ام غيرها من النباتات التي لها وظائف علاجية، هناك ترجيح ان ما ورد في البردية هو نوع من البردي Cyperus rotundusبينما الحناء هي ما اشير اليها لاحقا بصورة kupros في الاغريقية و cyprus في اللاتينية.
اللون او الصبغ الأحمر دارج في الثقافات القديمة وربما له صلة بالاعتقاد بانتصار الحياة على الممات -قارن شقائق النعمان وملحمة تموز عشتار(انانا) واستخدام الأوروبيين الحنون بعد الحرب العالمية الاولى رمزا للشهداء. وأيضا صلة اللون الأحمر باسطورة ايزيس واوزريس حيث ايزيس التسمية المصرية المهلننة للعزى أي الزهرة عشتار واما اوزيريس فثمة اعتقاد بانه اله خصب وافد من الشام حل محل الهي الخصب والزراعة المصريين القديمين اندجيتي Andjeti و خنتيامنتي Khentiamenti في ابيدوس.
ويبدو ان زراعتها كانت دارجة في بلاد الشام بحسب ما ورد عن الكتاب الاغريق والرومان. ويفهم بعض الباحثين من وصف الشاعر ميلياغر المولود في ام قيس القرن الأول قبل الميلاد ساخرا من قصائد انتيباتر الصيداوي بقوله انها" حمرة حناء ناضرة" phoinissan te neēn kupron ان الحناء كانت تزرع او تستخدم بكثرة منطقة صيدا خاصة وشرق المتوسط عامة كما يستنتجون ان انتيباتر كان فينيقيا وليس اغريقيا مع الإشارة الى ان مصطلح فينيق الاغريقي يعني احمر حيث الفعل phoinisso يعني يصبغ بالاحمر او الارجوان. نحو أواخر القرن الأول الميلادي قال عالم النبات الطبيب الاغريقي ديوسكوريدس Dioscorides ان استخدام أوراق الحناء العسقلاني kupros او حناء كانوب المصري Canopus -مدينة مصرية قديمة على المتوسط شرق الإسكندرية- كضمادات ناجع لعلاج الالتهابات و العقابيل.
ويبدو ان الحناء انتقلت للاغريق تحت ذات الاسم كفر kupros ، وفي القبطية قوفر او قفر qwpr اوkwpr ، وهي بذات التسمية في العبرية كوفر kopher وذكرها المشنا اليهودي- يعتقد انه كتب نحو 200 قبل الميلاد- ووصفت كمحصول زراعي ينطبق عليها قانون العشور، وذكرت في التلمود كمرهم طبي، ودلالة على انتشار الحناء طبيعيا في الأراضي التي يصطاد فيها العرب يرد في لسان العرب ما نصه يقال للثور الوحشي: خاضِبٌ إِذا اخْتَضَبَ بالحنَّاءِ.
واما انتشارها في شمال الهند فقد جاء بتقديري اما عن طريق الفرس وهؤلاء من كنعان واما زراعتها في منطقة الفاو جنوب البصرة فهو حديث وربما انتقل من الهند او اليمن. وثمة اعتقاد بانها انتقلت للهند عبر المغول خلال القرن الثاني عشر وهو غير مستبعد للصلة الدينية بالثقافة الإسلامية.
تسمية الحناء
حدد الباحثون في المصريات القديمة عددا من النباتات اعتقادا انها الحناء، وأكثرها ترجيحا هي النبتة المسماة ‘nḥimi عنخ إمي -التي بها الحياة-، او التي بها مفتاح الحياة-.واما مواصفاتها فهي علاجية للأورام ولها استخدامها أيضا في الطقوس الدينية حيث جرى دهن ايدي واقدام الميت بها اثناء طقس التحنيط. وكانت توصف كنبتة تحمي سرير الفرعون. التسمية توحي بوظائف طقسية وسحرية مع اعتقاد بأن رائحتها تعيد الميت للحياة وبالمجمل يبدو أن اعتقادا ساد بأن لها صلة بطقس بعث الميت للحياة في مصر القديمة وربما لذلك صلة باعتقاد لدى البعض لا يزال دارجا وهو أنالمرأة إذا تحنت أربعين أربعاءً تدخل الجنة . ولكن الباحثين حذرون بالنظر لعدم الإشارة الى صفات النبتة الصبغية وهو ما يدفع بعضا من الباحثين للاعتقاد بأن المقصود هو اللوتس الأبيض. وبتقديري انها الحناء انطلاقا من المقارنة بين eneh القبطية مع nḥ المصرية القديمة بمعنى الأبدية، نظرا لأن eneh الأقرب لفظا لكلمة حناء التي انتقلت للعربية من القبطية فيما تحول المصطلح كفرkpr ليقتصر على الكافور الذي له صلة أيضا بطقوس الموت.
بالمقارنة بين التسمية حناء والتسمية الهندية مندهي mendhi التي يعتقد ان اصلها سنسكريتي mendhika اميل للافتراض ان التسمية الهندية مقترضة، وربما لها صلة بتسمية الحناء (الحنة) او حنط لأن كلا من حنن( الحنون-شقائق النعمان) وحنط لهما علاقة بالاحمرار في اللغة. والمفارقة أن حنط له علاقة بالتحنيط وتطييب الميت، كما لا تستبعد الصلة بـ إنانا السومرية عشتار الشامية والتي من صورها اللفظية عناة او العزى (ايزيس التي اعادت اوزيريس للحياة بعد ان قتله شقيقه ست).
في لسان العرب الحانِطُ والوارِسُ واحد- الوَرْس: شيء أَصفر مثل اللطخ يخرج على الرِّمْثِ بين آخر الصيف وأَوَّل الشتاء إِذا أَصاب الثوبَ لَوَّنَه. الوَرْس نبت أَصفر يكون باليمن تتخذ منه الغُمْرة للوجه-. الحَنُوط: طِيب يُخلط للميت خاصّة مشتقّ من ذلك لأَن الرمث إِذا أَحنط كان لونه أَبيض يضرب إِلى الصفرة وله رائحة طيبة. كل ما يُطَيِّبُ به الميت من ذَرِيرة أَو مِسْك أَو عنبر أَو كافُور من قصَبٍ هِنْدِيٍّ أَو صَنْدَلٍ مدقوق، فهو كله حَنوط. حَنَطَ الأَدِيمُ: احمرّ، فهو حانِطٌ. وفي مقاييس اللغة ...هذا محمولٌ على أن الحنطة يقال [لها] الحمراء. وللتذكير ان حنطة هي حطة (خطة) في اللغات الآرامية والعبرية والكنعانية والتي وردت في القران. ولهذا فبتقديري ان حنطة في العربية تداخلت بها التسمية السامية الاصلية حطة مع فكرة احتفاظ بذور الحنطة بالحياة وقد مال لونها للاحمرار بعد الحصاد وعلى صلة بذلك دور الحنة في التحنيط، والتسمية توحي أيضا بالطقس المرتبط ما بين حصاد القمح وفصل الامطار وهو ما يدفعني لعدم استثناء ما فسره جوهانس مور 1971 لأسطورة بعل عناة لأن الحنطة بلونها الأحمر يكون بهذه الفترة.
ومما ورد في لسان العرب فيبدو أن العرب الثموديين الأقرب للمصريين استخدموا التحنيط ووضع الميت في مناطق معزولة عن التهوية حيث يرد في الحديث: أَن ثَمُودَ لما استيقنوا بالعذاب تكَفَّنُوا بالأَنْطاع وتحَنَّطُوا بالصَّبِرِ لئلا يَجِيفُوا ويُنْتِنُوا.
الجوهري: الحَنُوطُ ذَرِيرة، وقد تَحَنَّطَ به الرجل وحَنَّطَ الميت تَحْنِيطاً، الأَزهري: هو الحَنُوطُ والحِناطُ. ابن بري: اسْتَحْنَطَ فلان: اجترأَ على الموت وهانَتْ عليه الدنيا. ويوحي ما ورد في اللسان بصلة ارتباط الحناء كما في اسطورة عناة بعل ففي حديث ثابت بن قيس: وقد حسَرَ عن فخذيه وهو يتحنط أَي يستعمل الحَنُوطَ في ثيابه عند خروجه إِلى القتال، كأَنه أَراد به الاستعداد للموت وتَوْطِينَ النفس بالصبْر على القتال. وقال ابن الأَثير: الحَنُوطُ والحِناطُ هو ما يُخلط من الطِّيب لأَكفان الموتى وأَجْسامهم خاصّة.
وعلى صلة بالخصب يرد في القاموس المحيط حنأ المرأة جامعها. وفي اللسان حَنَّةُ الرَّجل: امرأَتُه. حَنَأَتِ الأَرضُ تَحْنَأُ: اخْضَرَّت والتفَّ نَبْتُها.
وتستوقف الصلة ذات العلاقة بالخضاب وصلة الحناء بالتغطية في جذرين وهما كتم وكفر حيث الكَتَمُ، بالتحريك: نبات يخلط مع الوسْمة للخضاب الأَسود. الأَزهري: الكَتَم نبت فيه حُمرة.وروي عن أَبي بكر، رضي الله عنه، أَنه كان يَخْتَضِب بالحِنَّاء والكَتَم، وفي رواية: يصبُغ بالحِنَاء والكَتَم.
واما كفر الذي منه الحناء في الاوغاريتية kpr ووصل للانجليزية coverمن اللاتينية التي اقترضته من السامية بصورة cooperire: يغطي، يحجب، يدفن. على اساس أن co بادئة تشديد+ operio أُغْلِق، أُغَطّْي ففي مقاييس اللغة الكاف والفاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو السَّتْر والتَّغطية. الكَفَّارة: ما كُفِّرَ به من صدقة أَو صوم أَو نحو ذلك؛ قال بعضهم: كأَنه غُطِّيَ عليه بالكَفَّارة. سميت الكَفَّاراتُ كفَّاراتٍ لأَنها تُكَفِّرُ الذنوبَ أَي تسترها. الكَفْرُ القَرْية، سُرْيانية- ربما لانها مستورة بسور-. الكَفْرُ القَبْرُ-قارن الارتباط بالدفن والتحنيط والتغطية الا اذا ابدلت القاف فاء قبر-. الكُفْر القِيرُ الذي تُطْلى به السُّفُنُ لسواده وتغطيته. -قارن أيضا القرابة بين الحناء والهِنَاءُ: ضَرْبٌ من القَطِران. وقد هَنَأَ الإِبِلَ يَهْنَؤُها ويَهْنِئُها ويَهْنُؤُها هَنْأً وهِنَاءً: طَلاها- ورجل كافر ومُكَفَّر في السلاح: داخل فيه. والكافورُ: أَخْلاطٌ تجمع من الطيب تُرَكَّبُ من كافور الطَّلْع؛ قال ابن دريد: لا أَحسب الكافور عَرَبيًّا لأَنهم ربما قالوا القَفُور والقافُور. الكافور نبات له نَوْرٌ أَبيض كنَوْر الأُقْحُوَان- قارن التشابه المظهري بين نور الكافور الابيض واللوتس الابيض -، وأما القول الكافورُ عينُ ماءٍ في الجنة طيبِ الريح فربما له صلة بالانبعاث نتيجة استخدام الكافور. وربما على صلة بالحناء التي تتحول من الأخضر للأحمر قلب القاف (الكاف ) الى الغين حيث الغَفَرُ نوع من التَّفِرة رِبْعِيٌّ ينبت في السَّهْل والآكام كأَنه عصافيرُ خُضْرٌ قِيامٌ إِذا كان أَخضر، فإِذا يبس فكأَنه حُمْرٌ غير قيام. أَصل الغَفْرِ التغطية والستر. غَفَرَ الله ذنوبه أَي سترها. الغَفْرُ منزل من منازل القمر ثلاثةُ أَنْجُم صغار، وهي من الميزان. وَالْغَفْرُ وَالْمَغْفِرَةُ: التَّغْطِيَةُ عَلَى الذُّنُوبِ وَالْعَفْوُ عَنْهَا.
وبابدال الفاء ثاء -قارن فوم وثوم وفار وثار- الغَثْرَةُ: الخِصْبُ، والسَّعَةُ. غَثَرَتِ الأرضُ بالنباتِ، فهي مُغَثْرِيَةٌ: مادَتْ به.
وربما على صلة بالكتمان والتغطية أَجْفَرَ الشيءُ: غاب عنك. وعلى صلة بالتغطية والستر أيضا خفر: الخَفَرُ،: شِدَّةُ الحياء.خَفِرَتِ المرأَةُ .تَخَفَّرَتْ: اشْتَدَّ حياؤها-استتار وتغطية الوجه-.التَّخْفِيرُ: التَّسْوِير.خَفَرَ الرجلَ: أَجاره ومنعه وأَمَّنَهُ- ستر وتغطية-.
الحناء وطقس الزواج
ترتبط الحناء بطقس الزواج الذي لا يزال دارجا في المشرق بغض النظر عن المعتقد السماوي، وهو الطقس الذي تمدد شرقا ليشمل السيخ والهنود. ومن الصعب الجزم بعلاقة الحناء مع طقس الزواج المقدس الذي زاوله قدماء الملوك في بلاد الرافدين، ولكن الصلة ربما تجد طريقها من خلال القرابة اللفظية بين كلمة kpr الاوغاريتية وكلمة قيفار ĝipar ( gipar) التي تعني دير او مكان إقامة الكهان، وترادف في الاكدية قيفارو gipāru وتعني مكان اقامة كهان الربة انانا (عناة) enu وentu؛ جزء من بيت خاص؛ مرعى ومرج؛ ممنوع ومحظور تابو. القيفار ĝipar هو مكان يتبع لمعبد إنانا Innana، يقوم الملك بالسفر اليه لعقد مراسيم الزواج المقدس على عروس تمثل Innana، - قارن الكُفور ما بَعْدَ من الأَرض عن الناس فلا يمرّ به أَحد. قفر: القَفْرُ والقَفْرة: الخلاءُ من الأَرض- مكان الاديرة في الخلاء عادة. وزواج الملك بالقديسة هو خلوة. قَفَرَ الأَثَرَ: اقْتَفاه وتَتَبَّعَه- السفر الى حيث القديسة. وبابدال القاف (الكاف ) خاء، خَفِيرُ القوم مُجيرهم الذي يكونون في ضمانه ما داموا في بلاده - مكان القديسة هو بيت الربة وهو دار عبادة لا تنتهك كما لا يزال العهد بهذا العرف قائما. الخَفارَةُ: الذِّمَّةُ، وانتهاكها إِخْفارٌ- الطقس ذمة وانتهاكه نكران.وفي بعض الحديث: الدموع خُفَرُ العُيون؛ الخُفَرُ جمع خُفْرَةٍ، وهي الذمة أَي أَن الدموع التي تجري خوفاً من الله تعالى تُجِيرُ العيون من النار- الطقس يجير من تقليد التضحية البشرية- ولا يشار اليها سوى بـ nugig أي بغي. ويعتقد بأن هذا الطقس كان يمارس في الالف الرابع قبل الميلاد حسبما تشير اليه جرة( مزهرية) عثر عليها في اوروك(الوركاء) كجزء من مهام الملك؛ واحد هؤلاء الملوك اسمه تموز الذي يتشخص زوجا للربة Innana. الطقس يفسر تدرج انتقال السلطة المطريركية للبطريركية. فالمرأة من صاحبة سيطرة مطلقة الى مُسيطر عليها- قارن- التَّكْفِير: هو أَن ينحني الإِنسان ويطأْطئ رأْسه قريباً من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه.التكفير: تتويج الملك بتاج إِذا رؤي كُفِّرَ له. التكفير أَن يخضع الإِنسان لغيره كما يُكَفِّرُ العِلْجُ للدَّهاقِينِ-. وعلى الارجح ان هذا الطقس يجد تفسيره في اسطورة تموز الكفارة العظمى التي كان يقدمها الذكور قبل الحضارة من خلال الاتحاد الجنسي لتحفيز الالهة على منح الخصب والازدهار. وتتوضح الصورة من خلال ارتباط طقس الزواج المقدس مع تقويم السنة الجديدة نحو الأول من نيسان الذي ورثنا منه ما بات دارجا وهو اول كذبة نيسان ذات الصلة بانتزاع سلطات الملك صوريا وفي ذات الوقت التي كانت بالاصل تعني تتويجا لملك ينتخب صوريا يمثل تموز ليتزوج بالكاهنة الرب أي عشتار او الام الكبرى ثم تجري التضحية به لان الاستمرار هو للربة الأصل. ولكن الانقلاب الذكوري غير مسيرة الطقس بتشبث فعلي للملك الممثل لتموز بالحياة وصوريا يتجرد من القابه الملكية ولكن الكاهن يعود للتأكيد بتجدد النيابة الالوهية للملك .وفي الطقس يتم تزيين العروس وتهيئتها. ويتم اللقاء على اغاني الحب والاحتفالات، وتتم المواقعة على سرير الخصب العظيم وقد تناثرت عليه الاعشاب. وينتهي الطقس بوليمة كبيرة احتفاء بالقران. وبالنظر لصعوبة تقبل التحول الثوري التاريخي لسلطة الرجل والغاء التضحية بتموز ، فقد بدأ الانقلاب بمفهوم الكفارة الدنيا التي لا تزال دارجة كثمن للخطيئة. والدليل أن الملك يحتفظ بتراث سلطة الأم الكبرى فهو يتنازل ويسافر الى حيث العروس (القديسة) في ديرها النائي. واما سفره اليها شامخ الرأس وكأنما هو المحبوب المنتظر وليس المتوسل لها، فهو بمثابة تأكيد تدريجي على توطد سلطة الرجل التي تسلحت بقوة الارتقاء للربوبية. بحد ذاته فإن الطقس الذي يقوم به الملك ايضا هو كفارة عن التضحية البشرية التقليدية بتموز.
واما سيناريو هذا الزواج الذي يحاكي قصة زواج تموز فلا يزال قائما في طقس الزواج الذي ينتحل فيه العريس دور تموز المتوج ملكا، حيث يطاف به (كناية عن الرحلة الى المعبد) بمصاحبة الاغاني والاهازيج الى حيث العروس مجللة بالحجاب في مكان مستور ومنعزل. ولا تزال الاسرة الفارهة والزهور مقرونة بعقد القران، وبات العريس يفتدى بذبح الحيوانات في هذه المناسبة ككفارة.
الحناء وطقوس التجدد وانتصار الحياة على الموت
التجدد وانتصار الحياة على الموت على صلة وثيقة بالخصب، ولذلك ترتبط الحناء عند اليهود بعيد الفصح لنجاتهم من مصر، وبعيد المساخر(البوريم) الذي يسبقه يوم صوم استير وهو العيد الذي اقنتعت به استير احشويروش بعدم تنفيذ وزيره هامان بن همداثا الاجاجي-اعتقد انه من عمليق العرب البائدة- ابادة اليهود.وترتبط لدى المسلمين بعيد الفطر والمولد النبوي الشريف. وفيما يوحي باقتراض اسطورة عناة وبعل فإن الحناء ترتبط بعيد ديوالي -عيد الانوار- الهندوسي الذي ينتصر فيه النور على الظلام. وايضا عيد كارفا شوت في شمال غرب الهند ولدى السيخ في البنجاب الذي تحتفل به المتزوجات الهندوسيات بالصوم تضرعاً للإله سوريا وآلهة القمر من أجل سلامة وصحة وطول عُمر أزواجهن، كما وتصومه بعض النساء العزابى لاجل الخطيب او عشما بزوج منتظر. وترتبط الحناء لدى الزرادشتيين بعيد راس السنة الفارسية وهو ما يوحي بامتداد للثقافة البابلية والصلة بين طقس الزواج المقدس والسنة الجديدة في نيسان.
بتقديري ان اغلب الطقوس ذات الصلة باللون الأحمر الذي تمثل مع الزمن بالحناء ترتبط بموروث احتفالات الخصب المصادفة رأس السنة في نيسان. والتي ورثنا منها ما يسمى بخميس البنات او النبات وخميس البيض او الأموات وخميس الموسم وخميس البقرات. واما خميس البنات (النبات) فيوحي غسل البنات بشعرهن بالزهور المنقوعة بصلة مع الحناء لأن لهذا الاعتقاد علاقة باستحثاث الزواج وللاشارة فثمة من الاعتقادات الشعبية ان اصطباغ العانس بالحناء والطواف حول الكعبة يعجل من زواجها وكذلك يفضي لحمل العاقر. واما تلوين البيض فله صلة بالخصب والتجدد وعودة تموز للحياة بعد ممات ولا استبعد أولوية صبغ البيض بالأحمر قبل ان يتطور لفنون والوان أخرى وتتضح صلة الاعتقاد بعودة الأموات للحياة زيارة الأموات مع البيض الملون والفطائر في الخميس الثاني وربما لخميس الموسم صلة بطقس الزواج المقدس وتأكيدا على الصلة بالخصب القيام بصبغ حيوانات المرعى في الخميس الرابع خميس البقرات بالمغرة الحمراء.
ولا استبعد ان العوذة او التميمة او الحجاب بالعامية -قارن الترادف بين حجب وكفر kpr بمعنى التغطية والستر- المسماة لدى بعض الباحثين بـ دم ايزيس Tiet او Tyet أو Tet أو (عقدة ايزيس) التي كانت تشمل اسم الميت وتصنع من اليشب او العقيق الأحمر او الزجاج الأحمر واحيانا من سيراميك الفاينس المصري الأخضر ما يعطي الانطباع بصلة مع الانبعاث للحياة. تتعدد التفسيرات لهذه العوذة فمنهم من يعتقد انها ترمز لرحم الربة او لقضيب الاله- العضو الذي نقص لابتلاع سمكة او ان ذاته هو مفتاح الحياة عنخ. ثمة من يعتقد ان لون التعويذة الأحمر له صلة بالدم اثناء الولادة ومنهم من يربطه بالاستحاضة ومنهم من يرى فيها الخرقة التي تضعها المرأة اثناء الحيض الى من يعتقد انها خرقة تولج في المهبل لمنع الاجهاض بمعنى حماية حورس اثناء وجوده بالرحم. يستنتج من فكرة دهن دم المراهقة الحائض لأول مرة كما ورد في بردية ايبيروس بثدي وبطن واوراك امرأة ممتلئة الاثداء بالحليب يهدف الى ديمومة الافراز دون عواقب على المرضع للقول " لادرار بعده لا يعود بعواقب عليها" ويعتقد ان دهن الأطفال بذلك الدم يحميهم من السوء وهو ما يثير الاعتقاد بأن عوذة ايزيس ربما تطورت من ذلك لحماية الشخص منذ الطفولة من السوء.



#علي_احمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزبانية في القرآن والقراطب السومرية
- اسطورة قصر الخورنق وبرس النمرود(برج بابل) والمعتقد الصابئي ا ...
- ادريس رسول المعرفة الالهية الخالد وتناسل اسطورته في الانبياء ...
- ادريس رسول المعرفة الالهية الخالد وتناسل اسطورته في الانبياء ...
- الانسان عجينة خميرتها الاسطورة -الاله عنك (عنق) ENKI الذي شي ...
- مصطلح أكد وبغداد (بيت اغادة)
- مصطلح سومر(شومر): -ارض- ثمر (النخيل)
- ميثولوجيا أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية -يوم الجمعة
- ميثولوجيا أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية -يوم السبت
- ميثولوجيا أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية -يوم الاربعاء
- ميثولوجيا أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية -يوم الخميس
- ميثولوجيا أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية -يوم الثلاثاء
- ميثولوجيا أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية -يوم الاثنين
- ميثولوجيا أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية -يوم الاحد
- اسم الشمس في السومرية خنس وكسف
- فقه اللغة: تشرين الثاني- حرث واشباع للمخازن
- فقه اللغة: تشرين الاول/ربيع الاول : سرعة في البدء والجمع وال ...
- فقه اللغة: شهر ايلول وربته عشتار
- فقه اللغة-شهر آب اللهاب
- فقه اللغة: شهر تموز: لغز دورة الحياة والموات


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي احمد - الحناء والاصباغ الحمراء وعلاقتها بالخصب والانبعاث بعد ممات