أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس نادر - الأزمة السورية والحل التقني (مسودة بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية)















المزيد.....


الأزمة السورية والحل التقني (مسودة بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية)


أنس نادر
(Anas Nader)


الحوار المتمدن-العدد: 6660 - 2020 / 8 / 28 - 18:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأزمة السورية والحل التقني
(مسودة بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية )

ما معنى أن يكون هناك ثمة حل تقني لواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، ومفعمة بالأوجاع والأحزان والعذابات والانهيارات الأخلاقية بكل معانيها، فهل يصح التعامل بشكل آلي وتقني ومادي مع كل تلك الوجدانيات البائسة والعواطف الإنسانية المهشمة، أليس من الممكن أن تكون إرادة التغيير الحقيقية والخلاص من نفق مظلم أشد قتامة من دهاليزه المرعبة خلال الأعوام الفائتة دافعاً لإيجاد آلية تحمل في طياتها نوع من الصلف المادي والعنجهية الفكرية في هزيمة المشاعر، وبنفس الوقت قدراً كبيراً من الصفح والغفران عن جلادينا.

مقدمة:
إن المقصود بالمنهج التقني للحل السياسي في سوريا هو آلية توجه فكري محض يترفّع عن الأخطاء السياسية لجميع الأطراف بوصفها مجرد منعكسات واقعية لما هو تشوه كامن في الجوهر، وناشئ عن معاناة ثقافية طويلة المدى نكوصاً جراء أزمة تاريخ ثقافية مزمنة، وينظر عميقاً بالمسببات الثقافية والتاريخية لأسباب الأزمة. وينشد المنهج التقني التجرد من ماهو سياسي لما هو فكري وتاريخي، بناءً على الاعتقاد بأن الخلاف جوهري وعقائدي غائراً في تاريخ مأزوم وأعمق بكثير من مجرد أن يكون سياسي في الجوهر، فالتعثر السياسي للآليات التقنية للاصلاح والتغيير يكمن في تشوهات عقائدية وفكرية مهشمة، فحجم الدمار الحاصل يتماهى صعوداً مع حجم الاستبداد والجمود الإنساني والوطني في الرؤية والمنهج، وهذا السبب الجوهري في تضليل العملية السياسية من قبل أطراف النزاع، أو القوى التي تستثمر بقاء الفوضى، وبالتالي أن التقنية االفكرية المطروحة هي واقعياً مسار تطوري وتصاعدي لكل الجهود والمساعي الرامية للحل السياسي عبر سنوات الأزمة، وذلك بالنظر الى الأصل وما هو أبعد من السياسي مع آلية التبرئة المادية تقنياً لما هو سياسي، والصفح عن كل ماهو ناجم عن عقائد وايدولوجيات غير تقنية تفرق المجتمع السوري، وأن تستوي جميع الأطراف واقعياً على مبدأ الحياد المادي والمصلحي في رؤيتها للخلاص من الوضع الضبابي الحالي بغض النظر عن انتمائها وهواها السياسي فيما كانت مع السلطة او ضدها.
إن هذا الإسقاط التقني هو منهج فكري تقني ومادي يستند على الحقائق والوقائع الموجودة على الأرض ويندرج على كل القضايا العقائدية السياسية بما فيها التحالفات الاقليمية للمعارضة او للنظام، وتوحيد الهدف المباشر بإتجاه المصلحة السورية المحررة من الايديولوجيات والتحالفات، فلا يوجد أي اعتبارات لأي نهج سياسي تبناه النظام القائم أو معارضيه كنظريات المؤامرة و الممانعة وتيارات المقاومة أو الشعارات الدينية والمطالبة بحسم عسكري خارجي واستجداء للقوى الخارجية للتدخل في الشأن الوطني، والنظر بروية وعمق للأسباب الإجتماعية والثقافية والتاريخية العميقة لتحولات الصراع، فلا يمكن الإستمرار بكتابة مستقبل جديد من تاريخ مرحلة انقضت وانصرمت بكل ما لها من حواضن بيئية سياسية وتاريخية أدت إلى إفرازها ونشوئها، وضمن عقلية أمنية اوعقائديات صُممت على مقاس منتصف القرن الماضي على شكل حركات تحررية رومنسية نتيحة تذوق طعم الحرية بعد أزمة تاريخ كامل لشعوب المنطقة منذ سقوط الدولة العباسية وانهيار حضارتها، فالمنطقة عملياً تحت سيطرة قوة غريبة تعاقبت في السيطرة على شعوب المنطقة وفرضت سيطرتها منذ ترهل العهد العباسي، من سلاجقة وزنكيين ومماليك أتراك وشركس وعثمانيين ثم أتت القوى الغربية بعد الحرب العالمية واستمرت حتى عام 1946، ومن ثم مخاض الحرية التي وِلدَت شعاراتها من رحم أوجاع تلك الفترة التاريخية وطبيعة الانكسارات والنكبات لشعوبها ودولها، ومنذ عام 1946 حتى عام 1970 اي ما يقارب 24 عام كانت سوريا للمرة الأولى تُحكَم من قبل مواطنيها حتى وصول الرئيس حافظ الاسد الذي استمر حكم عائلته ونظامه السياسي حتى هذه اللحظة عبر ابنه الرئيس الحالي الذي عقبه في تولي السلطة بشار الأسد، أي أن عائلة الأسد حكمت سوريا الى الآن لمدة خمسين عاما، أي ما يزيد عن ضعف تاريخ سوريا المستقل منذ أفول الدولة العباسية حتى الآن، وبالتالي الأزمة السورية ليست أزمة سلطة سياسية فقط، بل انها أزمة تاريخ وفقدان هوية ثقافية تاريخياً، وجمود فكري وعقائدي وسياسي بالمعنى المعاصر والحداثي، وحتى الطبيعة السياسية لسورية بعد الاستقلال اتسمت بالفوضى وبفوران قومي وعروبي ووطني حالم أدى إلى نفور من الدول الغربية ذات الطبيعة الرأسمالية والبراغماتية والتي تقاسمت حكم المنطقة وسلب خيراتها، وبالتالي كان البديل الإيديولوجي الطبيعي لشعوب المنطقة هو الفكر الإشتراكي الثوري الذي يتمثل بالمعسكر الإشتراكي المجابه للقوة الرأسمالية، وهذا ما أدى إلى استنساخ شخصية ستالين الصارمة والقيادية على معظم الدول العربية في سوريا وليبيا واليمن والعراق ومصر وغيرهم، وللأسف تبدت هذه الأزمات التراكمية في شعوب المنطقة في مرحلة صفرية زمنيا وحضاريا حيث لم يعد بالامكان التماشي مع الانفتاح الاقتصادي والسياسي للعالم، والاستمرار بهذا النهح الظلامي لحكومات استبدت بشعوبها كنتيجة لغياب حضاري وثقافي شبه كامل لشعوب المنطقة عن الانتاج المعرفي سوى التغني بأمجاد تاريخ منصرم استخدمته الحكومات الاستبدادية كموروث حقيقي وعقائدي للشعوب بإستثمار هذه العقائد كمسلَّمات ثابتة قُدسيّة وعِلوية لا يمكن المساس بها كالقضية الفلسطينية والمقاومة والممانعة والعداء التاريخي والديني لليهود وغيرها من المسلمات العقائدية والدينية لشعوب المنطقة، وبالتالي لا قضية تعلو هذه المسلمات ما أدى الى التغول بالاستبداد والجمود الفكري والسياسي.
وضمن هذه الرؤية لابد من تسطير تاريخ جديد للمنطقة ومن الافضل بكثير ان يَخط هذا التاريخ ابناؤه وليس المنتفعين السياسيين، ومن اجل ان يتم ذلك لا بد من التحرر من أوحال الماضي والانعتاق الفكري من كل القضايا والتيارات والاتجاهات والتحالفات، فإن الفكر التقني هو توجه وادراك للإزمات، والحلول العملية لما تعانيه المنطقة والشعوب، ولا بد من امتلاك الشجاعة اللازمة لمواجهة الحقيقة والاعتراف بالاخطاء والتحلي بالمسؤولية، فإن الفكر التقني السياسي للأزمة لا يُعنى بحل الأزمة السياسية فقط بل يندرج على مرحلة تأسيس تُعلي من شأن المواطنة والهوية والمصلحة السورية الخالصة، وهذا لا يعني التخلي عن القضايا االمصيرية للمنطقة، ولكن لتحقيق القضايا العظيمة لا بد من الحصول على جيل واعي ومؤسَس وطنيا وثقافيا حتى يستطيع ان يكون قادراً على مواجهة الأزمات والتقلبات الثقافية والحضارية والإقتصادية.
لذاك تنضوي خارطة الطريق للجنة التقنية على خطوات واضحة وعملية بعيدة عن المراوغة والمزاودة، كما يجب أن تتسم بالوضوح ضمن خارطة
طريق واضحة المبادئ والتوجه.

أولاً:
إن أهمية الرؤية التقنية للحل والحاجة الملحة في اللجوء الى المصلحة الوطنية السورية المَحضة تقنياً، هي القناعة بأن النظام السياسي الحالي والمعارضة السياسية والعسكرية كلاهما جسمين سياسيَين غير مؤهلين لقيادة الدولة السورية ( على مستوى التكتلات السياسية وليس على المستوى الشخصي) وذلك بعد تجربة أكثر من تسع سنوات من الحرب المروعة التي أدت الى فشل الدولة بشكل كامل وتشريد أهلها، واذا كان النظام السياسي ومعارضته يأنفا بأن يُحاسبا نفسَيهما فعلى الأقل التنحي جانبا وإعطاء الفرصة لدماء جديدة تضُخ الحياة في هذا البلد المنكوب، مع امكانية الإنفتاح على الجميع دون مزاودات وطنية، وتقبُّل الإمكانيات التقنية من أي جسم تابع للنظام السياسي القائم او معارضته. وبالتالي يتأتّى الخلاص من السجال والمزاودة السياسية والوطنية التي يُغالي بها الطرفان من ناحية، وتحفظ ماء الوجه كذريعة وسطيّة للانسحاب من مأزق الطرفين من ناحية أخرى، فالنظام الحالي غارق بأزمته الإقتصادية وبتبعيته السياسية التي مَزقت صفوفه، والمعارضة تائهة بدون وجود أو أي إعتراف من أي قوى سياسية او حتى شعبية.
ان كل ما حصل في هذا البلد من دمار وتشرد وتهجير لم يستطيع أن يغير كلمة واحدة من خطاب النظام الحاكم، كما أنه وبنفس الوقت لم تنتج المعارضة اي فكر حقيقي او طرح موضوعي للخروج من هذه المأساة أو حتى فكر سياسي يحمل هموم السوريين جميعا حتى هذه اللحظة، واكتفت بتحميل النظام كل المسؤولية والاستجداء بقوة الخارج لإزالته من جذوره مع عجزها الكامل عن إنتاج ثقافة بديلة او حتى طرح فكري يحظى بحاضنة وقبول شعبي، وكانت بشقها العسكري كقوة ظل للجبروت القائم وشريكاً حقيقياً بالخيارات غير الوطنية التي أفرغت الدولة من مواطنيها واستقدمت بديل أجنبي له مطامع لا تنتهي، وبالتالي لم يستطع الصالحين من المعارضين السياسيين بلورة رؤية تخدم قضية التغيير بسبب تضارب مصالح القوى السياسية المستثمرة للأزمة، والانفصام بين الخطاب السياسي المثالي وما يمثلهم من قوى عسكرية على الأرض مرتهنة لأجندات خارجية وخطاب اسلاموي غير مدني وحقوقي كالذي تصرح به المعارضة السياسية في المحافل والمؤتمرات الدولية، مما أفقدهم المصداقية ووضعهم في حالة عجز تفتقر للموضوعية بين ماهو حقيقي ومستحَق وما هو قابل للتطبيق، أما القوى الشابة الثورية المثقفة اللذين خرجوا عفوياً لتأسيس مستقبل سياسي جديد لهم، فقد قضوا نحبَهم في السجون والمعتقلات والتهجير القصري او تحت قسوة ظروف الواقع القاهرة.
اننا لا ندَّعي أن هناك ثمة مشروعا مُنزَّها عن الخطايا والعثرات لهذه الرحلة القاتمة والمؤلمة، فإن ما حدث في سوريا هو طفرة قد تحصل مرة واحدة في تاريخ كل بلد، ولا احد يَعلو على المصير والقدر والواقع المرير البالغ التعقيد والأسى.
إن الحل وفق الرؤية التقنية يقوم برعاية فريق تقني التوجه فكرياً من صفوف المعارضة و النظام السياسي القائم دون صفة سياسية، أو تجريده من صفته السياسية إذا كان يقوم بعمل سياسي قبل قبوله بعضوية اللجنة، ويجب أن يصادق هذا الفريق على أن لا يكون جزءاً من مستقبل سوريا السياسي لاحقاً، وبذلك يستطيع أي شخص من جميع الأطراف أن يكون عضواً في اللجنة التقنية حتى لو كان الرئيس بشار الأسد نفسه، او أي شخص من قادة أي جسم معارض سابق أو حالي بهدف الخلوص إلى صيغة سياسية تقود إلى لجنة حكماء مدنية معنية بتشكيل برلمان سوري جديد، أو ما تراه اللجنة وفق المقررات الدولية والمخاض السياسي خلال التجربة المنصرمة في فترة السجال السياسي السابق، وتعديل الدستور الحالي وتشكيل لجنة عسكرية تقنية من جميع الأطراف لتطبيق مخرجات اللجنة التقنية وإعادة الهيكلة العسكرية والأمنية لاحقا.
إن اللجنة التقنية تكون بمثابة طرف ثالث لأنها ليست جزءا من الجسم السياسي القادم لسوريا ولا يستطيع أي من أفرادها تسلم سلطة سياسية أو تنفيذية لاحقاً، وتقوم بإنتقاء لجنة حكماء مدنية من النظام القائم والمعارضة وتكون معنية بتعديل الدستور وبالإشراف على تشكيل برلمان جديد والتأسيس لانتخابات رئاسية لاحقة، كما أن المجلس التقني العسكري يتكون من طرفي النزاع ويحرص على تنفيذ مخرجات اللجنة التقنية ومجلس الحكماء المدني لاحقا.

ثانياً:
عدم النظر إلى شخصيات السلطة القائمة والمعارضة ورموزهما كأطراف قامت بتدمير البلد من أجل الصراع على السلطة، بل النظر اليها بعين عملية ومادية كتجربتين فاشلتين ولا بد من جسم سياسي بديل لهما، وبالتالي لا يحاسَب أي منهما محاسبة قانونية لفشل تجربته وذلك مقابل القبول بحل تقني وطني يرضي جميع الأطراف ويخدم المصلحة الوطنية السورية العامة.

( وعلى الرغم من القسوة التقنية في هذا البند والصلف المادي والفكري تجاه رهافة تضحيات من قضوا في هذه الحرب، إلا أن من أفضل السبل لتحقيق أحلام جميع من رحلوا خلال هذا النزاع الدموي هو الإنتقال في البلد إلى عهد سياسي جديد يحفظ ويحترم حقوق الجميع، وتتحقق فيه المواطنة والكرامة والعدالة والقانون، وهذا هو السبب الأساسي التي ضحّى الجميع بأرواحهم من أجل تحقيقه على مختلف معتقداتهم وتأويلاتهم للواقع والحقيقة، وتقنياً، أن تحقيق العدالة المثالية أمر غير قابل للتطبيق إسقاطا على التداعيات السياسية والتاريخية الآنفة الذكر أعلاه، ومرتكبوا الجرائم ليسوا سوى أداة عبَّرت عن ثقافة تسلطية وموروث قمعي لا مكان فية لرأي أو شريك آخر ضمن شرعية البقاء لمن يمتلك القوة في معركة وجود، ولا تَصُح ثقافة الانتقام او انتظار القصاص المثالي في مثل هكذا مخاص سياسي واجتماعي تراكمي كامن في التاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي والوجداني للشعوب في حين ان البلد تذوي وتترهل نحو الانهيار الكامل ولا تحتمل التوقف عند محاسبة الجُناة كفكرة في المثالية الميتافيزيقية العِلويّة الذي يشعر بها من بقي على قيد الحياة كحق مستعاد لمن رحل، كما أنه لا يمكن تقنياً أن يقبل أي طرف بحل سياسي يُفضي إلى محاسبته، وأنه مايزال هناك آلاف من نخبة الشباب والمثقفين والثوريين مغيبين قصرياً في غياهب السجون يستحقون محاولة حقيقية وجادة لإطلاقهم، والآلاف الآخرين مهددون بموجة نزوح وتهجير أخرى، ناهيك عن الفقر والمجاعة والقهر والتشرد والظروف المذلة لجميع السوريين في الداخل والخارج، وكل هذه العوامل في انتظار حل سياسي يقبل به الجميع ويسترجع البلد من الوصايات ويؤسس لمرحلة جديدة تحث الجميع على النظر عميقاً بما هو في الصالح الوطني لهذا البلد، وأنه بدون حل سياسي حقيقي البديل هو لا محاسبة ولا دولة ولا مواطنة ولاتحرير للمعتقلين ولا تحقيق لأي شيء سوى المزيد من اجترار الأحلام والمزاودات الفوقية سواء على من بقى أو رحل من هذه البلد) .

ثالثاً:

الإعلان عن بيان يتبنى حركة التيار التقني والمتحرر من جميع الأجندات والتحالفات والإيديولوجيات العقائدية والسياسية والانتماء الكامل لحل وطني سوري عملي تقاني متحرر من آثام التاريخ وأزماته، ومن الشعارات والتحزبات المؤدلجة وطنياً، والشد بإتجاه الواقعية العملية للحل السياسي، والتأسيس لهيكلة دولة مدنية تقوم على أساس المواطنة ومتحررة من جميع الإثنيات والأعراق والطوائف والأخذ بالمنحى التقني المَحض بعيداً عن خطاب القوى السياسية المتصارعة على السلطة من نظام ومعارضة والحفاظ على مسافة واحدة من الجميع، وتوجيه الخطاب لكل من المعارضة والنظام بمسافة واحدة دون المزاودة أو التخوين أو تحميل مسؤولية الدمار لأي طرف والشد بإتجاه توحيد الرؤية للخروج من حالة الارتهان والتشظي للتأسيس لبناء سوريا جديدة تخلو من العثرات السابقة على المستوى السياسي والثقافي والتاريخي.

رابعاً:
تحديد مهمام الهيئة التقنية والمنهج التقني في تشكيلها بشكل واضح كطرف ثالث غير معني تنفيذيا بالمستقبل السياسي السوري، ولا يحق لأي من أعضائه القيام بدور سياسي حتى البدء بالانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيساً لسوريا الجديدة، مع المرونة والانفتاح على دعم دولي عربي من دول متضررة من الفوضى والأزمة السياسية السورية او الغير مستفيدة منها، والاستفادة من المسار السياسي خلال الأزمة ومن المخرجات والقرارات السياسية للمؤتمرات الدولية خلال الفترة المنصرمة.

خامساً:
إن مهمة اللجنة التقنية الأساسية هي انتقاء لجنة حكماء تقني مدني يكون بمثابة حكومة مؤقتة تضم الكفاءات من جميع الأطياف والمعنية بهيكلة الجسم السياسي الجديد من تعديل الدستور والتأسيس لبرلمان جديد.
انتقاء اللجنة التقنية العسكرية من كافة الأطراف وبمنهجية تقنية متوازنة للحفاظ على اتزان كفْة الصراع وتجنب الولاءات والمحسوبيات لتستطيع القيام بدورها التقني المجرد من الانتماءات لأي سلطة كانت، كما أنه يحق لأي عضو من لجنة الحكماء المدنية الترشح للانتخابات الرئاسية الذي يقره البرلمان لاحقا أو القيام بأي دور سياسي على عكس اللجنة التقنية واللجنة العسكرية، شريطة منح الحق الانتخابي لجميع السوريين في الداخل والخارج وبرعاية واشراف أممي ودولي.

سادساً:
إن من أهم الثوابت التقنية والمادية التي تُسقط الهيئة التقنية ثوابتها عليه هي الهوية السورية وهي القادرة على إلغاء كافة الانتماءات العرقية والإثنية والطائفية دونها، والتركيز على المصلحة المباشرة لحامليها. لذلك يجب أن تُقرأ التقنية السياسية بأنها طرح فكري تطهيري للأزمات الثقافية كمرحلة عبور شبيهةً بمطهر بين الجحيم والفردوس، وليس آلية في المنهج والتطبيق وحسب، وهذا يتطلب الكثير من الشجاعة والتصميم والعمل لتأسيس لموروث ثقافي جديد لا يقوم على نزعات الانتقام والمغالات في المثالية لتحقيق العدالة القدسية.

إن هذا الطرح في الواقع هو نتاج تطوري لما مر به السوريون من فئات شعبية وسياسية ومعارِضة، ولا أعتقد أنه يختلف كثيرا عما دأب الكثير من السوريين من مختلف الفئات لتحقيقه على مستوى الجهود التقنية في تعديل الدستور أو الحبكة السياسية للخروج من الأزمة وإيقاف نزيف الدم السوري، إلا بكونه تقني التوجه الفكري أي بالنظرة المادية البحتة لسياق الواقع غير مُنزْهاً من خطايا وأزمات التاريخ الثقافي الكلي، ومطهّرا للأسباب الكامنة وراء الافراز العنفي والسلطوي، وبذلك محاولة الدفع برؤية تُعنّف وتُبرّئ الجميع على كافة المستويات الشعبية والسياسية بكونهم ضحايا لعنف هذه الجدلية التاريخية أكثر من كونهم مسببين لها.
وهنا يأتي السؤال الحاسم هل ممكن أن يتقبٍل النظام السياسي القائم في دمشق طرح يحمل في طياته عزله عن السلطة، كون المعارضة قد تكون أكثر تقبلا لأنها لا تتمتع بالسلطة السياسية التي يحظى بها النظام!
ومن هنا أعتقد أن السلطة السياسية في دمشق تعاني من تصدُّع شديد في بنيتها الأساسية وهي مدركة لحجم المأزق الذي تعانيه رغم التظاهر بالزهو والعزيمة اللَّذان لا يبدوان واضحين إطلاقاً في الظاهر والمخفي لسلوكه في العموم، وأن مبادرة سياسية جادة لا تحمل آليات فضح لكل الخزي الذي حصل في سوريا من جميع الأطراف وتُظهر الجميع عملياً وتقنياً وواقعياً كضحايا ومصلحين وكجزء أساسي في عملية التغيير وكقوة اصلاحية موازية لمعارضيه، فستكون هذه المبادرة جديرة على الأقل بالنظر في ثناياها ولما تحمله من جهود وطنية وبأيد سورية للخروج من الأزمة الحانقة.
وأخيراً أريد أن أنوّه إلى أن البنود التقنية المذكورة أعلاه قد تحتاج للكثير من الجهود والخبرات في المجال السياسي التقاني، ومن أشخاص أكثر كفاءة بالمحافل السياسية والدولية لبلورتها وصقلها بما يخدم مصلحة السوريين بشكل أفضل زيادةً أو نقصاناً أو تعديلاً، بما لا يمس الجوهر الفكري للرؤية التقنية.



#أنس_نادر (هاشتاغ)       Anas_Nader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة السورية والحل التقني (بيان مشروع الحل التقني للأزمة ا ...
- بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية
- أضواء المدينة
- خمس سوناتات شعرية
- المادية الماركسية والشيوعية الثورية المثالية
- الله والجنس
- الموروث المقدس (هل تؤمن بالله؟ )
- فينومينولوجيا الموت ( الجمال الغامض )
- أصنام الفكر وأنانية الروح
- سحر الجمال وريبة الخلق
- مخادع الفضيلة
- رقة التاريخ وعشق الأمم
- التدين في الحضارة ( بين الإستبداد الإستبداد والفساد السياسي ...
- أسرار جنائزية ( مقطوعات نثرية شعرية )
- لعنة الجسد وغواية الحضارة ( دراسة فلسفية ونفسية في تأثير الج ...
- ملاحم الخطيئة
- سوريا - المآلات العملانية وطهرانية الهزيمة
- الرماديون ( قراءة في سيكولوجيا الجماهير )
- عن رواء العزلة - شعر نثري
- أناشيد أرض السوسن-مقطوعات نثرية


المزيد.....




- ما خطط جنازة رئيسي ومن قد يتولى السلطة في إيران؟.. مراسل CNN ...
- بلينكن: على إسرائيل أن تقرر إذا كانت تريد التطبيع.. وهذا شرط ...
- كاميرون: لندن لا تستبعد إمكانية اتخاذ إجراءات جديدة بخصوص ال ...
- مقتل 16 سيدة وفتاة على الأقل بعد سقوط حافلة كانت تقلهم للعمل ...
- أول عرض أزياء لملابس البحر في السعودية يثير جدلا
- واقعة سرقة عملات أجنبية في مطار القاهرة تثير جدلا والداخلية ...
- إبراهيم رئيسي.. تعزية إيران بوفاة رئيسها ورفاقه تقسم المواقف ...
- محمد صلاح يلمح إلى البقاء في ليفربول بعد تعيين المدير الفني ...
- الاتحاد الأوروبي يعتمد قانونا رائدا للذكاء الاصطناعي
- إيران بعد مصرع رئيسي.. هل من تغييرات جوهرية في الأفق؟


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس نادر - الأزمة السورية والحل التقني (مسودة بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية)