أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد العليبي - تونس والدستور الثالث.














المزيد.....

تونس والدستور الثالث.


فريد العليبي

الحوار المتمدن-العدد: 6479 - 2020 / 2 / 1 - 01:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مرت قبل أيام قليلة الذكري السادسة لولادة الدستور التونسي الثاني ، الذي قال عنه وقتها رئيس المجلس التأسيسي أنه أحسن دستور في العالم ، وقُدم على أنه ضامن للحكم الرشيد والحقوق والحريات والديمقراطية الخ ... واذا كانت تلك الذكرى قد جلبت الاهتمام في السابق فإنها مرت هذا العام في صمت ، وعندما سُئل رئيس الجمهورية الحالي عن الدستور الذي كان على وشك الصدور في تلك الأثناء قال جملته الشهيرة : لقد أكله الحمار ، ويبدو أنه كان حاضرا في ذهنه ما ورد في مسرحية غربة لغوار الطوشي ، عندما يسأل معلم جاء للضيعة لتعليم الناس القراءة والكتابة حاكمها : من ملكك رقاب الناس المساكين ؟ فيجيبه: انه الدستور ، ولما أراد الاستظهار به يعلمه أحد حراسه أنه وضعه في " خرج " على ظهر حمار ولكنه أكله ، ويطمئنه بأنه نال جزاءه فقد تم ايداعه السجن ، فما كان من الحاكم الا استغراب هضم الدستور من قبل الحمار .
صدر الدستور التونسي الثاني يوم 27 جانفي 2014 ، في ظرف صعب ، طغى عليه التناحر السياسي داخليا ، الذي وصل حد الاغتيالات السياسية سنة 2013 وتدخل قوى خارجية في استثمار الانتفاضة التونسية وتطويعها لخدمة أهدافها ، ومن ثمة عكس من حيث محتواه ذلك الواقع ، لكي ينتج منظومة سياسية مشلولة فالسلطة السياسية مُبعثرة ، فهي موزعة بطريقة تؤدي إلى غيابها ، فلا أحد من الأحزاب السياسية بإمكانه الزعم أنه يمتلكها كاملة ، لذلك يُرجع اليوم كثيرون الأزمة السياسية أو جانبا منها على الأقل إلى الدستور الثاني إياه ، الذي يُنظر اليه فضلا عن ذلك على أنه ملئ بالثغرات ، فقد وردت فيه بصورة أساسية الحقوق السياسية بينما كان حضور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضعيفا وباهتا ، وهو ما يكشف عن طابعه الليبرالي المُسقط ،مما يعني أن صناعه كانوا خاضعين لإرادة قوى دولية أرادت للانتفاضة التونسية أن تكون مآلاتها ليبرالية ، تركز على الحقوق المدنية بينما تتناسى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية،والحال هذه ليس غريبا تجاهل تلك الذكرى بعد اعتراف أصحابه أنفسهم أنه سبب عجز المنظومة السياسية الحالية دون اخفاء رغبتهم في تنقيحه .
يُضاف الى ذلك مشكلة التطبيق ، فكثيرا ما تكون الكلمات في واد والأفعال في واد آخر ، من ذلك خضوع العملية السياسية الى سيطرة المال السياسي والاعلام الفاسد وتزوير التزكيات خلال الانتخابات ، والتدخل الأجنبي ووجود أحزاب وجمعيات واذاعات وقنوات تلفزية تتمول من الخارج دون أدنى رقابة ، فتحولت الى أذرع لقوى دولية تود الهيمنة على الوضع السياسي التونسي . واذا كانت بنود ذلك الدستور تقر على سبيل الذكر المساواة بين النساء والرجال فإن تلك المساواة معدومة في الميراث ، كما لا تزال المرأة في الريف تتلقى أجرا غير متساو مع الرجل في الأعمال الزراعية وغير ذلك كثير . فالدساتير والقوانين مهما بلغت من تطور فإنه لا قيمة لها اذا لم يستجب لها الواقع .
وفي بلد غارق في الأزمة الاقتصادية الاجتماعية فإن الحقوق تظل كلمات فارغة من محتواها عندما لا يتجسد الحق في الشغل والصحة والتعليم الخ في حياة الناس فقد انتفض الشعب في سبيل الشغل وتحصيل الثروة والعدل الاجتماعي فلم ينل غير فوضى الكلام ، مما عمق احباطه وحفر هوة يصعب ردمها بينه وبين الحكام الجدد ، وهو ما تدلل عليه مرة أخرى نسبة المشاركة الضئيلة في الانتخابات البلدية الجزئية التي شهدتها بعض الجهات مؤخرا .
واللافت أن رئيس الجمهورية الحالي يحكم البلد بموجب الدستور الذي أكله الحمار وهو من دعا الى تغيير القانون الانتخابي الصادر في 26 ماي 2014 ، حتى يتم الاقتراع على الأفراد لا على القائمات ، وتكون الديمقراطية نابعة من القاعدة الانتخابية التي لها الحق في سحب ثقتها من النواب متى شاءت ، تأسيسا للحكم المحلي . غير أن مقترحاته تتطلب تغيير الدستور الحالي ، وهو ما يستدعي موافقة ثلثي نواب البرلمان ، مما يعني استحالة ذلك الآن . ومن ثمة بقاء الرئيس أسير دستور لا يعترف به واقعيا ، وإن أكد خطابيا بعد فوزه بمنصب الرئيس احترامه له وتقيده ببنوده.
واذا كانت هناك من فرصة أمامه للإفلات من ذلك المصير فهي الانتخابات البرلمانية المبكرة ، التي يمكن أن تأتي بجيل جديد من البرلمانيين المقتنعين بفكرته تلك ، فوقتها فقط يمكن للدستور التونسي الثالث أن يرى النور على أن لا يأكله الحمار هذه المرة مثل سابقه .



#فريد_العليبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطة أردوغان العربية
- ماذا يريد أردوغان ؟
- تونس : حكومة المخاتلة .
- تونس : حكومة مرتقبة .
- تونسوخطر الحرب الأهلية .
- التونسيون ومدرسة التاريخ.
- تونس : اشتدي أزمة تنفرجي.
- وادي الدمُوع وقصر القُبل .
- اتحاد الشغل والغول .
- حكومة الرئيس وبرلمان الشعب.
- لمن تُشحذ السيوف ؟
- الانتخابات التونسية : هزائم وانتصارات .
- ظاهرة قيس سعيد .
- مُؤامرات تونسية .
- السياسة والعدل.
- تونس : فضيحة التزكيات .
- فوضى انتخابية .
- صديقي الفلسطيني وطريق جهنم .
- تونس والرئيس القادم .
- تونس : في عيدها الجمهورية تفقد رئيسها.


المزيد.....




- نتنياهو يعلق على قبول حماس وقف إطلاق النار والسيطرة على الجا ...
- لوكاشينكو: العالم أقرب إلى حرب نووية من أي وقت مضى
- غالانت: عملية رفح ستستمر حتى يتم التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح ...
- الرئيس الجزائري: لا تنازل ولا مساومة في ملف الذاكرة مع فرنسا ...
- معبر رفح.. الدبابات تسيطر على المعبر من الجانب الفلسطيني مع ...
- حرب غزة: هل يمضي نتنياهو قدما في اجتياح رفح أم يلتزم بالهدنة ...
- اتحاد القبائل العربية في سيناء.. بيان الاتحاد حول رفح يثير ج ...
- كاميرا مثبتة على رأس الحكم لأول مرة في مباراة الدوري الإنكلي ...
- بين الأمل والخوف... كيف مرّت الـ24 ساعة الماضية على سكان قطا ...
- وفود إسرائيل وحماس والوسطاء إلى القاهرة بهدف هدنة شاملة بغزة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد العليبي - تونس والدستور الثالث.