أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عيسى ربضي - مراجعة كتاب نبوة محمد التاريخ والصناعة. مدخل لقراءة نقدية















المزيد.....



مراجعة كتاب نبوة محمد التاريخ والصناعة. مدخل لقراءة نقدية


عيسى ربضي

الحوار المتمدن-العدد: 6388 - 2019 / 10 / 23 - 02:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



انا بالعادة لا اقوم بعمل مراجعات لكتب بهذه الصورة التفصيلية لكني اعتقد ان الكتاب مهم ومن المهم ان نعطي فكرة للقارئ العربي حول محتوياته لذا فهذه اقرب الى مراجعة تعريفية منها الى مراجعة نقدية او حتى تحليلية وان اشتملت بعضاً من هذا وذاك. وقد وضعت بعض ما اضفته (بين اقواس) للتوضيح انها رأيي الشخصي لا غير بينما وضعت الاقتباسات الحرفية من الكتاب بين إشارات تخصيص " ".
الكتاب يتكون من ثلاثة عشر فصلاً تركز على فكرة النبوة ما قبل الاسلام ونبوة محمد التي على اساسها تم بناء الدولة الاسلامية بكل ما فيها من معطيات اولية.
يلفت النظر ان الكتاب وبالرغم من كونه قراءة نقدية الا انه تعامل بموضوعية عالية وابتعد عن الشخصنة والتذاكي التي تنفر القارئ خصوصاً الباحثين عن المعرفة بالرغم من ارتباطهم بعادات واعراف مجتمعاتهم.
يبدأ الكتاب بجملة تقريرية " النبوة موضوع مركزي في اليهودية والمسيحية والاسلام." ورغم اختلاف الاسلام عن اليهودية والمسيحية في لتعامل مع قداسة النبوة لأسباب تاريخية لا يمنع هذا الكاتب من ان يتناول هذا الموضوع – أي النبوة في الاسلام – على اساس ان النبوة هي ظاهرة انسانية صرفة وان الاله الذي تتحدث عنه النبوة او تدعو له هو من صنعته هذه النبوة وليس هذا الاله من صنعها. النبوة صاغت إلهها وصورته وفق حاجتها وبالتالي النبوة هي الشرط الموضوعي الذي أنتج إله النبوة بصوته " التاريخي" المعروف وصفاته المتميزة.
يرى اكاتب ان النبوة نشاط فردي للنبي لكن لا "قيمة" لها بدون ان تكون نشاط اجتماعي لمجتمع النبي وتتداخل مخيلة "النبي" بالمخيلة الشعبية لمجتمعه وهو ما اراد به الكاتب " صناعة النبوة" حيث يغدق مجتمع النبي صفات وافعال تصنع النبي ونبوته منها ما حصل ومنها ما لم يحصل فعلياً.
اعتمد الكاتب على العديد من المراجع التي نهل منها واستدل على ما اراد قوله مثل القرآن بصيغته العثمانية / صحيح بخاري ومسلم، تفسير الطبري والرازي والزمخشري، الطبقات لأبن سعد، سيرة ابن هشام، المغازي للواقدي...
الفصل الأول
ركز على بزوغ النبوة وصعودها مع التركيز على الأساس اليهودي المسيحي لكنه ابتداء بالتذكير بقِدم ظاهرة النبوة وادعاء النبوة في منطقة الشرق الأدنى - الى حد انها اصبحت "احترافاً" يمتهنه البعض- وان النشاط النبوي القديم هو ما منح اليهودية نموذجها الأولي للنبوة. مثل نتائج الحفريات موقع مدينة ماري السومرية بشرق سوريا التي ترجع للقرن الثامن عشر ق.م حيث تكشف النصوص المكتشفة عن نبوة لا تختلف عن النبوة في اسرائيل القديمة من حيث 1- عفوية هذه النبوة بكونها نبوة تلقائية صادرة عن وحي إلهي ومستقلة عن مؤسسة العرافة، 2- نبوعها من حس رسالي جعل الأنبياء يشعرون باستقلالهم عن السلطة الحاكمة و3- الانجذاب ecstasy (أقرب الى التلبس والذي يجع المتلبس يعلم اموراً ما كان ليعلمها لولا هذا الانجذاب). وطبعاً احتوت النبوة على مرسل، رسول، رسالة ومرسل لهم وهذه العناصر انتقلت من النبوة القديمة الى الديانات الشمولية – اليهودية والمسيحية والاسلام.
النبوة اليهودية تناولها بتفسير وتفصيل اقسام الكتاب المقدس الذي صنفه الأحبار لثلاث اقسام: 1- التوراة (التعاليم والشريعة) وهي خمسة أسفار او ما يُعرف باسم اسفار موسى 2- الأنبياء وتتألف من تسعة عشر سفراً لقصص واقوال وكتابات انبياء أعقبوا موسى 3- والكتابات وتتألف من أحد عشر سفراً تحوي الشعر والنبوة والتاريخ. والثلاث معاً يُختصروا باسم ( ت ن ك). (اضاف الكاتب المشنا لاحقاً ووصفها انها التشريعات التي طورها الأحبار اليهود استكمالاً وتفصيلاً لتعاليم التوراة. والهجاداة وهي الجانب القصص من التلمود الذي يكمله الجانب الشرعي المتصل بالقوانين وتحوي عناصر اسطورية وخرافية وفولكلورية وتاريخية)
وبخصوص التوراة يشير الباحثون انها تكونت من تمازج بين 1- المرويات الشعبية القديمة، - حتى ان بعض علماء الاثار يرون ان اصداء طرد الهكسوس مثلا ظلت تتردد في ذاكرة الكنعانيين وخيالهم الشعبي وانعكست لتشكل اطاراً للقصص التوراتي- 2- والكتابة اللاهوتية التي ارتبطت بحركة الصلاح فترة الملك يوشيا و3- المصدر الثالث كهنوتي يرتبط بالمسائل التعبدية والشعائرية. 4- ولكن هناك خاصية اساسية للنبوة وهي التعبير عن ارادة الرب لذا فالنبوة تحتاج مفهوماً محدداً للإله الذي هو إله "مشخصن" من كلمة شخص. 5- ولأن هناك نبوة " كاذبة" بالعُرف لديني ونبوة صادقة فالنبوة تحتاج لدليل موضوعي يثبت صحتها وهنا تبرز اهمية خاصية المعجزة او الفعل الخارق الذي لا يتحقق الا على يد نبي صادق.
ويرى الكاتب ان ثلاث اليات سمحت لليهودية ان تكون ديناً منظماً الية خارجية وهي الدولة في فترة صعود بني اسرائيل وبسط هيمنتهم، واليتان داخليتان تمثلتا بالتوراة والأحبار الذين تداخلت سلطتهم – سلطة النبوة كمؤسسة - مع سلطة التوراة – سلطة النبوة كظاهرة.
ويتناول الكاتب موسى كنبي مؤسس لليهودية والقمة التي تجسد نبوتها. فموسى هو الذي نقل اليهودية لدين مؤسس مرحلة التوراة والشريعة. وهو الذي نقل اليهودية لمرحلتها "اليهوية" نسبة ل يهوه الإله الغيور المحارب والذي هيمن على تاريخ اليهودية وتمدد فيما بعد ليصبح إله المسيحية والإسلام. (إله اليهود إله محلي لم يكن اممياً فأعطاهم حق بمنطقة معينة فقط وليس كل الأرض مثلاً حسب العُرف اليهودي الكلاسيكي وهذا قد يكون نابع من ضيق افق وصعوبة توسيع الرؤية في تلك الحقبة التاريخية أي انعكاس الواقع الحياتي على الواقع الفكري الاعتقادي أي البنى التحتية على البنى الفوقية وهذه بدورها اعادت انتاج تصور الانسان للبنى التحتية وهلم جرا)
اليهودية لم تتجاوز وثنية العبرانيين مرة واحدة ولا بسهولة (وهذا ما حصل لاحقاً مع الاسلام وان اختلفت الظروف والمعطيات بل هذا ما يحدث بطبيعة الحال بأي بُنى اقتصادية سياسية اعتقادية فلسفية بل وحتى قانونية) فالقوانين التي وضعها بنو اسرائيل كثير منها منسوخ عن الكنعانيين. ( وهذا طبعاً بديهي ومفهوم فهم لن يحضروا قوانينهم وتشريعاتهم من بوابة السماء)
النبوة الشعبية التي تميز بها موسى استُبدلت بالنبوة الكلاسيكية او نبوة التوحيد الأخلاقي فظل مسرح النبوة بعد موسى خالياً لتسعة قرون ونصف الى ان جاء صموئيل الذي اعتبر خليفة لموسى والذي كان يوصف ب راءٍ فيستدل الكاتب ان كلمة نبي لم تكن قد استقرت بعد ولم تكن تُستخدم بهذه الدقة التي أصبحت معروفة فيما بعد. ثارت النبوة الكلاسيكية على الطقوس وحاولت التركيز على الأخلاق كجوهر الدين. وظهر عدد من الانبياء الكلاسيكيين بالديانة اليهودية في فترة تميزت بتحولات سياسية اقتصادية واجتماعية كبيرة (لا بد ان هذه التحولات هي التي هيأت لهذه النبوات واثرت بمضمون خطابها). ومما يشير له الباحث التوراتي سوير الى ان رسالة انبياء القرن الثامن قدمت هًم العدل الاجتماعي على مسألة النزعة التوفيقية التصالحية مع الوثنية الكنعانية. فالتمايز الطبقي وانهيار النظام العشائري والاسري لامتلاك الأرض جعل هم العدل الاجتماعي يصبح مادة اساسية للأنبياء في تلك الفترة. بانهيار النبوة مع انهيار المؤازر السياسي المتمثل بالمملكة اخذ الأحبار والكهنة صوت الانبياء وسلطتهم.
اما عن النبوة المسيحية فيشير الكاتب انها تمثل امتداداً لليهودية وانقطاعاً عنها بنفس الوقت (وهذا ما حدث لاحقاً مع الاسلام). والانجيل – اناجيل متى مرقص لوقا ويوحنا المعتمدة بالمسيحية وحسب هذا الكتاب – لا يختلف عن التوراة في موضوع الاصطفاء للنبي ولمجتمع النبي لكنه يضيف عنصر الاعداد الروحي الذي لا نراه بحالة موسى وابراهيم. والاعداد الروحي تمثل بصيام عيسى اربعين يوماً وتجربة ابليس له. ومثل اليهودية (استثمرت المسيحية الذاكرة الشعبية للمرويات) تعتمد على المعجزة والمرويات فتعيد صدى معجزة ايليا في احياء الموتى بمعجزة مشابهة ل عيسى في بيت ارملة. ( وهذا ما يفعله فقهاء الإسلام بإضافة معجزات مشابهة لمعزات عيسى على محمد بل بعضها يكون نفس القصة تماماً باختلاف الأسم، وهي مادة وان خالفت القرآن صراحة الذي أشار بوضوح لبشرية محمد وعدم اجتراحه المعجزات الا انها لقت اقبالاً شعبياً وما زالت وهذ ما سيتناوله الكاتب بالتفصيل لاحقاً) من جهة ثانية وارتباطاً باليهودية وانطلاقاً منها اخذ المسيحيون الأوائل – المشبعون بتراثهم اليهودي- فكرة المسيح واسقطوها على عيسى واضافوا عليها فكرا عودة المسيح فأصبح عيسى هو المسيح وهو المسيح المنتظر. اضافة للمسيح اصبغ المسيحيون الاوائل صفة ابن الانسان على عيسى - وهي ايضاً مشتقة من التراث اليهودي- والذي تداخل مع المفهوم اليهودي الثاني أي ابن الله الذي تحور وتحول الى تجسيد الله في عيسى والذي شكل الانقطاع مع النبوة بمعناها اليهودي. بل تعدى ذلك ليصوغ النبوة اليهودية كلها كمرحلة تحضيرية لظهور عيسى وتحيل فترة ما بعد صلبه الى فترة انتظار عودة المسيح المنتظر (وهنا كأنها ترجع لتتقاطع مع التراث اليهودي)
بعد ذلك طورت المسيحية لاهوتها في مبدأ الثالوث اذي يتكون من ثلاث اقانيم: الأب – الله- والأبن – عيسى- والروح القدس الذي هو ايضاً مفهوم مبهم من التراث اليهودي (طائفة من المسيحية التي اضفت صفة الألوهية على مريم وعبدتها اعطت الثالوث معنى اخر حيث كان الثالوث بعُرفها يرمز الى الأب والأبن والأم بدل الروح القدس)
يقدم الأنجيل صورة لعداء اليهود لعيسى الذي عكسته معارضة الكتبة- فئة الفقهاء المتخصصين في تفسير الشريعة الموسوية- والفريسيين – ممثلي اليهودية بوجهها الشعبي- والصدوقيين – الذين يمثلون كبار الكهنة والارستقراطية وطبقة لأثرياء اضافة لرؤساء الكهنة وجماعة حزب هيرودوس. كان عيسى بنظر الكهنة "نبياً كاذباً" وانه كان يستحق الرجم لأنه مارس السحر واغوى بني اسرائيل ليرتدوا. فقرار ادانة عيسى كان يمثل رد اليهودية كمؤسسة على أكبر تحد واجهتها بعد قفل باب النبوة. الا ان المفارقة التاريخية ان حدث صلب عيسى شكل بداية لميلاد دين جديد استقل عن اليهودية رغم ان جذوره يهودية والهها هو نفسه إله اليهودية ونموذج نبوته هو نموذج نبوة اليهودية. وبهذا انتهى عهد قديم بين الله وبني اسرائيل وبدأ عهد جديد بين الله والبشرية
الفصل الثاني
يتناول فيه الكاتب بيئة محمد ويبدأ بالإشارة الى ان نبوة محمد كذلك استندت على النبوة اليهودية والمسيحية، بل انه لم يكن ممكن للنبوة الاسلامية ان تظهر كما ظهرت بدون الميراث اليهودي المسيحي الذي ساهم بصياغة وعي محمد. اضافة للمسيحية واليهودية كان هناك تأثير الحنيفية دون ان نغفل أثر الوثنية العربية في تكون وعي محمد وتشكيل شكل نبوته.
الوثنية العربية – رغم ضعف المصادر التي تتناولها – الا ان بعض المعلومات المهمة عنها حفظها القرآن وبعض المصادر الاسلامية الاخرى التي اشارت لها. وقد رأى الكاتب ان " المنهج السليم في التعامل مع هذه المادة ليس قبولها على اطلاقها ولا رفضها على اطلاقها انما الانطلاق منها مع اخضاعها لغربلة نقدية صارمة"
يركز الكاتب على عبادات الوثنية مثل عبادة الكواكب وعبادة الاوثان، ويشير الى الثالوث المرتبط بعبادة الكواكب الشمس التي تقوم مقام الأم والقمر مقام الأب وكوكب ثالث يقوم مكان الأبن ( هنا يجدر الانتباه لأهمية موضوع الثالوث في العبادات في المنطقة اضافة للثالوث الخاص بالأب والام والابن حيث يمكن ان يكون ذلك في مرحلة التحول البطريركي وبدء التركيز على عبادة الإله الذكر بعد ان كانت الآلهة الأم لها ارقى المواقع فحتى اقتران الشمس بالآلهة الأم يدل على عظمة مكانتها لدى اتباع عبادة الكواكب فالشمس اهم مكانة بلا شك من القمر ولا بد ان البشر في ذلك الوقت كانوا قادرين على رؤية الفرق بين قوة الشمس واثرها وقوة القمر واثره وهذا يعبر عنه القرآن بوصف رحلة ابراهيم لاكتشاف الإله في سورة الانعام بحيث يبدأ بالابن ثم الأب ثم الأم أي بكوكب ثم القمر ثم الشمس ويصفها انها اعظم). والثالوث بالوثنية عكس قوة ونفوذ المراكز الحضرية الكبرى اللات والعزى ومناة مثلوا مكة ويثرب والطائف. وعشية بداية الاسلام كان طور صعود الإله الاكبر هبل وهو صعود يعكس صعود نفوذ وقوة قريش التي استطاعت جعل مكة مركزاً تجارياً ودينياً هاماً
شاركت الوثنية العربية وثنيات الشرق الأدنى في خاصيتين أساسيتين: انها كانت وثنية "متألهة" بمعنى انها لم ترفض فكرة وجود إله خلق العالم. بل امنت بعالم ما ورائي تسكنه الجن والملائكة والشياطين (وهي المادة الغنية في القرآن والقصص القرآني وهذه ايضاً تشير الى ان الخلاف مع النبي الجديد لم تكن على أُسس توحيد وشرك بقدر ما كانت صراعات سياسية ومصالحية وقبلية وهذا ما يؤكده سير الأحداث التاريخية مع محمد ببدايات دعوته على الأقل) والخاصية الثانية تجسيد هذه القوى الماورائية في اوثان واصنام وبذا فالأصنام لم تكن في نظر الوثني آلهة في ذاتها انما كانت رموزاً للآلهة ووسيلة للتوسل اليها. ورغم ايمانها بقوة ما ورائية الا ان الوثنية العربية لم تنشغل بصياغة اسطورة خلق لشرح بدء ظهور العالم (هذا كان هاجس مهم للإنسان بل ان اسطورة الخلق وُجدت في كافة الحضارات المعروفة فكيف يمكن ان تستثنيها الوثنية العربية؟ قد يكون انه لا يوجد اسطورة خلق او ان هذه الأسطورة كانت موجودة وانها اُسقطت من المصادر الاسلامية والقرآن فلم تصل لنا او ان هذه القصة كانت شبيهة بما جاء بالقرآن فما كان هناك حاجة لذكرها.)
الوثنية العربية كانت وثنية تعددية تعكس النظام السياسي القبلي وتعدديته. وكانت العبادات عندهم فردية مثل الصلاة والصوم وجماعية كالحج والعمرة.
وتأثر وعي محمد باليهودية حيث تشير الأدلة التاريخية الى قِدم صلتهم بالجزيرة العربية. اليهود عبّروا عن علاقتهم بالعرب من خلال اضفاء صفة ابناء اسماعيل عليهم والإسلام اخذ هذه الصفة وتبناها ليصبح الاسلام واليهودية ابناء عمومة. ورغم ان العداء استبد بين اليهودية والدين الجديد الا ان اليهودية كان لها أثر على عدة مستويات في تكوين وعي محمد: مستوى تاريخي أي أثر اليهود على الواقع الديني والفكري اذ انهم جعلوا مفهوم الاله التوراتي ومفهوم النبوة والاساطير والخرافات في التوراة ومعتقداتهم مثل البعث والحساب والجنة والنار تصبح مفاهيم مألوفة في الجزيرة. ومستوى مباشر تمثل بالمواجهة بين محمد واليهود الذي شكل اساس للتطور في الرؤية القرآنية ومستوى غير مباشر تمثل بالحركة الحنيفية (التي تقاطعت مع اليهودية بموضوع التوحيد مثلاً) بل ان جدالات محمد مع احبار اليهود لعبت " دوراً هاماً في تطوير وتركيز شعوره بنبوته وتوجيه هذه النبوة الوجهة التي اتجهتها". يُذكر ان محمد كان يذهب لدار الندوة اليهودية - المدراش – لمحادثة اليهود ومجادلتهم وقد كانت معرفة وعلم لااحبار اليهود بالمرحلة الاولى على الاقل من الاسلام معرفة يُنظر لها باحترام وتقدير ولعبت دوراً في تشكيل وعيهم ( القصص القرآني مليء بالإسرائيليات والأساطير المنسوجة من الخيال التوراتي اضافة لدور الأحبار الذين اسلموا او ادعوا الاسلام ونقلوا الكثير مما كُتب بالتوراة او ادعوا انه كُتب بالتوراة مثل عبدالله ابن سلام ووهب بن منبه.)
حول المسيحية واثرها على تكوين وعي محمد وشكل نبوته فقد أشار الكاتب الى أنه كان طبيعيا تأثر العرب بدين الدولة الرومانية المتاخمة لهم وكان هناك مذهبان مسيحيان كبيران معروفان للعرب: النسطورية واليعقوبية. والخلاف بين اباء الكنيسة القديمة تركز في الوهية عيسى والعلاقة بين لاهوته وناسوته أي الوهيته وبشريته فظهر تيارين متعارضين المذهب الدوسيتي "الظاهرية" التي ادعت ان عيسى روح لم تتجسد لكنها ظهرت في جسد فترفض بشرية عيسى. وبالمقابل ظهر تيار التبني الذي اكد على بشرية عيسى وانه تميز فقط بأن روح الله هبطت عليه . وامام هذين التيارين كان موقف المسيحية الرسمي برفضهما معاً فاتفقت المسيحية الرسمية على اجتماع البشرية والألوهية معا في عيسى وهو ما مثلته النسطورية وفي مقابلها ظهرت اليعقوبية التي تقول بطبيعة واحدة ل عيسى بحيث تسيطر الطبيعة القوية على الأضعف ( الإلهية على البشرية) وهذان المذهبان هما ما انتشر في الشرق العربي وتبعت هذان المذهبان القبائل العربية التي دانت بالمسيحية بالمنطقة العربية. ويذكر الكاتب القصة المعروفة عن امر محمد بطمس جميع الصور بالكعبة بعد فتح مكة باستثناء صورة مريم وعيسى مقتبساً عن الأزرقي من كتابه أخبار مكة. ( وهو ما يدل -إن صح- على مكانة وتأثير للمسيحية ولنبوة عيسى على محمد على الأقل لحد عودته فاتحاً لمكة اضافة للهجرة المعروفة في بدايات الاسلام لبلاد الحبشة المسيحية ) ويُعتقد ان من كان له اثر كبير على محمد كان ورقة بن نوفل التي تقول المصادر انه قد كان نصرانياً او حنيفياً ( يذهب البعض الى ان محمد تزوج خديجة على تقاليد النصرانية الذي لا تثنية فيه كونها كانت مثل ابن عمها ورقة نصرانية وهو أمر محتمل كونه حدث أصلاً قبل النبوة وقبل تشكل الدين الجديد وبالتالي قبل سن التشريعات الدينية لكن وبسبب القداسة والمركزية التي اصبغها اتباع محمد به خصوصاً بعد وفاته فيبدو ان العديد من هذه الأخبار اما تم تجاهلها او حذفها) وانه كان متبحراً باليهودية والمسيحية ولعب دوراً كبيراً بتعريف محمد بتراثهما.
اما الحنيفية فيُعتقد انها كانت الأقرب لنفس محمد والقرآن والحديث يقدمان لنا صورة تختلف عن الصورة التي يقدمانها لأي عقيدة اخرى بل في سورة الروم يقدمها القرآن انها الدين الأصلي والأول والفطري. والحنيفية هي الديانة التوحيدية المحلية في الجزيرة وقد لعبت دوراً وسطياً بين تيارين من التيارات التي رفضت الوثنية وهما تيار اتباع اليهودية والمسيحية و تيار الدهرية التي هي نزعة فلسفية مادية في الأساس انكروا الخالق والبعث والاعادة وتشير لها بعض المصادر الاسلامية باسم الزندقة. ( من المهم ان نرى تأثير هذه التيارات المادية الفلسفية على تكوين محمد وهو ما لم يشر له الكاتب لكن قد يكون وجود هذه التيارات شكل جزءاً من وعي محمد وكون رفضه او قبوله لبعض مفاهيمهم خصوصاً ان القرآن يشير لهم ولغياب المادة التي تناولتهم يمكن ان يكون البحث اكثر جهداً ومضنياً لمته بلا شك يستحق النبش به والغوص في أعماق هذا التاريخ لكشف جزء مستور من الصورة التي نملكها عن البيئة المكونة لوعي النبي وتشكل الاسلام)
الحنيفية تحمل سمات نظام ديني فيه شعائر وطقوس مثل الصلاة - التي قد تكون اساس للصلاة الاسلامية - وهي كانت في حوارات مع اليهودية والمسيحية (من المهم للراغبين بالتبحر بهذا الشأن ان يفحصوا اذا ذُكر أي شيء بأرشيف الكنائس والمعابد والكنس حول الحنيفية فاذا كانت موجودة ولها حوارات مع اتباع هذه الديانات فلا بد من ان نجد لها ذكراً هنا او هناك. اما بخصوص الصلاة فأن بعض الطوائف اليهودية تمارس شكلاً من الصلاة قريب جداً من الشكل المعروف للصلاة في الإسلام وهذا ايضاً يستدعي مزيداً من البحث للمهتمين) ويشير الكاتب بنهاية الفصل الى احتمالية ان يكون الإسلام بدأ كمشروع ديني حنيفي. ويكمل شرح تأثير الحنيفية على محمد بحيث اعطته رؤية توحيدية ونظاماً شعائرياً وحساً اجتماعياً متعاطفاً مع المسحوقين. بل ارجع الكاتب تأثير الحنيفية عليه في تطوير شعوره القومي بحيث يسأل نفسه لماذا لا يكون للعرب نبياً منهم بدل ان يتبعوا اليهودية او المسيحية. (هنا من المهم ان نسأل انفسنا لماذا محمد بالذات نجح في النبوة بينما فشل مدعو النبوة قبله في اثارة الشعور القومي؟ لا بد الانتباه للظرف التاريخي والحالة الاقتصادية السياسية والاجتماعية في الجزيرة اضافة لتطورات الواقع بعد بدء الدعوة. من جهة ثانية يجب ان لا نغفل إمكانية اننا كباحثين بالعصر الراهن قد نُسقط افكارنا وعلومنا على الماضي وهو امر خطر أي ان الشعور القومي قد يكون أصلا شعورغير معروف وغير ذات قيمة بالمعنى الحداثي للقومية بل يمكن ان يكون تعبير القومي مرادف للقبلي او يكون الشعور القبلي هو الذي كان يسيطر على ممد وغيره ممن مارسوا النبوة في فترة ما في الجزيرة العربية وغيرها)
في الفصل الثالث والفصل الرابع
يتناول الكاتب نبوة محمد من حيث اللحظة التأسيسية ومرحلة دعوته المكية
يشير الكتاب الى خصوصية نظرية النبوة الاسلامية وتميزيها بين الرسول والنبي ومع ذلك فمحمد جمع بينهما. وعلى عكس اليهودية التي كان إلهها قبلي محلي فالإسلام يشابه المسيحية في كون إلهها كان اممياً وبالتالي الرسول او النبي كان مرسل للأمم كلها. نظرية النبوة في الاسلام ركزت على اربعة عناصر اساسية وهي 1- الاصطفاء- اصطفاء شخص ومجتمع الرسالة، 2- دلائل النبوة والتي تركز على معجزات محمد، 3- الواسطة الجبريلية المرتبط بنمط الاتصال بين الله ومحمد 4- والمركزية النبوية فتتعلق بعلاقة محمد بباقي الانبياء وعلاقة الاسلام بباقي الديان. (وهنا يتم التركيز على انبياء التوراة الذين أصبحوا انبياء في الاسلام).
يعتبر الكاتب ان للنبوة وظيفة وبنية خاصة. فبنية النظرية تتركب من ثلاث عناصر: عنصر التصور او الاعتقاد وهو مجموع الافكار والمعتقدات التي تشكل العمود الفقري للنظرية، 2- وعنصر المنطق الداخلي للنظرية وهو مجموع لخيوط التي تربط الأفكار في بنية عامة متماسكة، 3- وعنصر الخيال وهو القوة المبدعة التي تنسج الأحداث التي تدعم الأفكار وتسندها- والخيال ينقسم الى خيل نبوي وخيال اسلامي. (الخيال الاسلامي مبني على الخيال النبوي ويتداخل معه ويأخذ شرعيته من كونه جزء من هذا الخيال النبوي فأحياناً يتجاوزه ليرسم صورة او يعبر عن فكرة ويصبح جزء من الذاكرة والوعي الدين الشعبي المتوارث)
دراسة النبوة في الاسلام تستدعي بالضرورة دراسة محمد التاريخي ومحمد الذي صنعته خيال نظرية النبوة والتداخل بين هذين المحمدين.
يذكر الكاتب عدة امثلة وروايات – من الكلبي والبخاري واخرين - حول طفولة وشباب محمد يشير فيها الى أثر الوثنية فيه وانه كان يتبع دين قومه على الاقل في طفولته وشبابه المبكر بل ان الضحاك في تفسيره للقرآن يشير الى سورة الشرح ويشير الى كلمة وزرك بأنها الشرك الذي كان محمد فيه قبل الدعوة. (إذا صحت الرواية انه تزوج خديجة وهو ابن 25 فيعني انه كان بشبابه المبكر قد تعرف على الاعتكاف والتعبد بشكله الحنيفي أي انه ابتعد مبكراً عن دين قومه. وما اشار له الضحاك يبرز الاختلاف في المصادر الاسلامية حول محمد وتاريخه فحين اشار الضحاك الى شرك محمد قبل الاسلام اصبغت العديد من المصادر الاخرى صفة القُدسية عليه منذ قبل ولادته من خلال قصص عديدة)
جبريل يلعب دوراً مهماً بالنبوة الاسلامية لكن له أصل ايضاً بالديانة المسيحية واليهودية واتصاله بمحمد يشكّل اللحظة التأسيسية في علاقة محمد بالله. واضافة لمحمد وجبريل هناك شخصيتان مهمتان في اللحظة التأسيسية هما ورقة بن نوفل وخديجة. وورقة ذكرنا معرفته لكن خديجة حسب المصادر الاسلامية تقوم بدور الممتحن لجبريل لتتأكد انه ملاك مما يدل - إذا صحت لرواية- على معرفتها ببعض المعتقدات الخاصة بالملائكة في ذلك الزمان. قد يكون اللحظة التأسيسية مع محمد لم تصل لمثيلتها مع موسى وعيسى الذين تجلى للأول الله نفسه لا ملاك مُرسل منه والثاني اعتُبر ابناً او تجسيداً له فكان لا بد للخيال النبوي ومن ثم الاسلامي من ايجاد لحظة عُليا بالنبوة تميز وضع محمد فتضعه فوق جميع الانبياء وتضع الاسلام معه فوق جميع الأديان وهذا ما تم بحادث المعراج والتي يسرد الكاتب تفاصيلها المعروفة.
المرحلة المكية
يركز الكاتب على المرحلة المكية من دعوة محمد ورفض قريش للدعوة الجديدة وبدء مقاومتها وتعذيب ضعفاء المسلمين (واستثناء اغنيائهم وذوي النفوذ الاقتصادي منهم الا ما ندر). فقد نجح محمد في اجتذاب عدد من اصحاب النفوذ الاقتصادي مثل خديجة وابو بكر وغيرهم. وبما ان محمد حمل همين ديني وهم اجتماعي وكان من الطبيعي ان تنعكس هذه الهموم بالخطاب القرآني. وكانت رسالة محمد تشكل تحدياً واضحاً لنظام مكة الديني الاجتماعي.
نتيجة اضطهاد فقراء المسلمين دعاهم محمد للذهاب للحبشة طلباً للحماية (السؤال هل ذهبوا حقاً لحبشة؟ ام ان ذلك قد يكون جزء من الخيال النبوي او الاسلامي لرسم صورة لعلاقة الاسلام بالمسيحية في هذه المرحلة المبكرة من الدعوة الاسلامية؟ ثم لماذا الحبشة بدل الهجرة الى القبائل اليهودية او حتى المسيحية في الجزيرة والتي لم يكن يجمعها – ليس كله على الاقل – تحالفات ومجاورة مع قريش وبالتالي كان يمكن للمسلمين ان يكونوا امنين عندهم؟)
يشير الكاتب الى اشهر قصص التعذيب التي سلطت المصادر الاسلامية الضوء عليها وهي تعذيب آل ياسر وبلال. في القصة ان محمد يمر عنهم ويدعو لهم (لكنه لا يدافع عنهم ولا يحاول تخليصهم) وان ابو بكر يستبدل غلام اسود – على دين معذبي بلال- ببلال (وهنا يبرز فهم الاسلام لموضوع العبودية واستمرار استرقاق الناس من قبل اوائل المسلمين مثل ابو بكر وان عتق العبيد قد يكون فقط للعبيد الذين يعلنون اسلامهم او لسبب اخر يستدعي المزيد من البحث. وهنا تبرز موضوع مُلك اليمين كموضوع اساسي للبحث حول مفهوم العبودية. من جهة اخرى قد تكون هذه الروايات موضوعة اصلا للإشارة لتعرض المسلمين لاضطهاد "الكفار" وبالتالي تبرير تطور الاحداث معهم. فمن واقع وجود التعددية الدينية في الجزيرة والتسامح مع اصحاب الديانات الشمولية وغيرهم يبرز سؤال لماذا هذا الاستهداف المبكر لدعوة محمد بالذات؟ لماذا تم رفضها بهذا العنف والقوة التي يصفها القرىن والسيرة والمصادر الإسلامية؟ اذن قد تكون هذه الروايات موضوعة وليس لها أصل من الصحة او مبالغ بها. خصوصاً انه في الآيات المكية وتحديداً في الأنعام دعوة لعدم سب من يعبدون غير الله أي السير بنفس نمط قبول التعددية كما الوثنية العربية وهذا بدوره لا يشكل تهديداً على قريش ولا عبادتها. ومن هنا أرى ان البُعد الاقتصادي الاجتماعي والصراع على السلطة السياسية هو ما يمكن ان يكون أجج الصراعات مع محمد وأتباعه وان لم يكن بالعنف والقوة التي صورتها المصادر الاسلامية)
وحول ذهاب محمد للطائف يعتبره الكاتب محاولة التفاف على قريش حيث يبدو ان محمد اعتقد بان شعور اهل الطائف بمكانتهم الاقتصادية والدينية سيمكنه من اثارة نزعة التنافس لديهم للانقلاب على مكة وان صلة القرابة البعيدة بينه وبينهم ستؤثر عليهم. ( بالواقع قد يكون هناك تفسير اخر انه قد يكون محاولة للانتقال بالدعوة لمكان اقل حدة في مواجهة دعوته من قريش. قد لا يكون قد تشكلت لديه رؤية الالتفاف على مكة الا بعد هجرته او بعد بلوغ دعوته قوة تسمح لها بمنافسة قريش والوقوف في وجهها عسكرياً كما حدث في بدر لاحقاً التي لم يسعى لها أي لم يسعى للمواجهة الشاملة مع مكة وهذا ما عزه ايضاً لاحقاً موقفه من صلح الحديبية وقبوله بالعودة بدون ان يعتمر بمكة في عامه ذاك).
يرى الكاتب ان الصراع بين الأوس والخزرج وعدم اتفاقهما قد ولد الشعور لديهما بإمكانية ان يكون محمد أكثر قدرة على لم شملهم وتوحيدهم. (مرة اخرى لا اعتقد ان هذا السبب مقنع فمحمد بهذه المرحلة كان في أضعف اوقاته هارب من قريش واتباعه مشتتون فكيف يمكن ان يروه زعيماً قوياً وموحداً لهم؟ بل ان زعيم الخزرج والعديد من اتباعه- وصل لثلث جيش المسلمين في معركة أحد - اتخذ موقفاً عدائيا من محمد جعل المصادر الاسلامية بسببه تطلق عليهم اسم المنافقون. ولماذا يكون محمد خصوصاً انه كان في العرب شخصيات أكثر قوة ومكانة وكانت مقبولة على الطرفين فلو صح حاجة الأوس والخزرج لمن يوحدهم لبحثوا عن شخص ذو قوة ومكانة ونفوذ وسطوة وليس على شخص بمواصفات محمد في لحظة هجرته!!)
ينهي الكاتب الفصل بجملة تقريرية مثيرة اذ يقول " كانت الهجرة هي تلك اللحظة الحاسمة التي غيرت الاسلام من مشروع خلاصي روحي لمشروع التحم فيه الخلاص الروحي بقهر الدعوة وعنفها لأن الاسلام اصبح ايضاً مشروعاً سياسياً" ( اعتقد ان الاسلام قد بدأ كمشروع سياسي بالأساس والبعد الديني ليس الا شكل من اشكال التعبير عن هذا المشروع القائم على اساس قومي قبلي خصوصاً اذا لاحظنا التغييرات في المعتقدات والطقوس الدينية واستبدال بعضها ببعض بناء على ارتباطاتها القومية وليس قواسمها الدينية المشتركة مثل طقوس الحج والعمرة التي شكلت انقطاع مع اليهودية والمسيحية والتزام بالممارسات الوثنية العربية وتغيير القبلة وغيرها من احداث.)
الفصل الخامس والسادس
تكوين وانتصار دولة المدينة
هجرة محمد شكلت اساس لفرض سلطة سياسية ودينية لاحقاً " وهو ما اراده محمد من هجرته وهذا ما استطاع تحقيقه بتحالفه مع الأوس والخزرج." والمجتمع الجديد لم يكن متحداً او موحداً بل كانت تشوبه الانقسامات والخلافات ولم يقبل جميع الأطراف بسلطة محمد فعارضها مثلا عبد الله بن أُبي بن سلال زعيم الخزرج وغيره ممن وصفتهم المصادر الاسلامية المنافقون. والبدء بالتعبير عن امة واحدة من قبل محمد بهذه المرحلة عكس التأسيس لسلطة محمد السياسية واعلان لميلاد امة المؤمنين به.
بداء محمد بتشكيل المشروع السياسي والديني ليعزز سلطته (فكان المشروع السياسي موجه للمشروع الديني ومستفيداً منه او ع الاقل مستغلاً له في مصلحة مشروعه السياسي والاقتصادي). حيث كانت المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين تشمل ان يرث المهاجر الانصاري دون اهله وهو ترتيب نُسخ فيما بعد. (هذا التشريع ونسخه يدل على اهمية البعد الاقتصادي في التشريع الاسلامي. فحين الحاجة لدرء الجوع عن المهاجرين شرع محمد الميراث بين اصحاب المصلحة- الدين الواحد لكن بعد انقضاء هذه الحاجة عاد لأصل التشريع القبلي الذكوري الذي يريد ان يضمن استمرار الميراث في نسل المورث. هذا موضوع اخر يستحق التعمق والبحث فيه)
يرى الكاتب انه بعد تأمين ضهره في المدينة اتجه محمد ل "شن الحرب على مكة واسقاط نظامها، اذ كان واضحاً له ان ظهور الاسلام في الجزيرة العربية لن يتحقق الا بذلك." الاعتبار الأخر الذي جعل الحرب على قريش امراً لا مفر منه هو اوضاع الاقتصادية السيئة للمهاجرين (لا أدرى على أي ساسا بنى الكاتب هذا الاعتقاد لكن يبدو ان هذه قناعة الكاتب التي يكررها بأماكن مختلفة من الكتاب. لكن ذلك لا يمنع وجود احتمال اخر ان يكون محمد اراد الابتعاد عن مكة وتفادي مواجهتها فحتى معركة بدر لم يكن مخططاً لها ان تكون كمعركة بين محمد واتباعه من جهة وقريش من الثانية. حتى اعتباره ان الاوضاع الاقتصادية للمهاجرين جعلت الحرب على مكة امر لا مفر منه اعتقد انها ليست ضرورة خصوصا ان سياسة محمد كانت بالأساس السرايا واعتراض القوافل وليس شن الحرب وهذا الهجوم على القوافل كان يسد جزئياً احتياجات محمد واتباعه. بل ان غزواته على اليهود قد تحل المشكلة الاقتصادية هذه من اساسها رغم استئثار محمد بخُمس الغنائم وتوزيع الباقي)
غزوات محمد وانتصاراته جعلت منه ذو قوة اقتصادية وسياسية لا تضارع. وفرت لدولته الوليدة اساساً اقتصادياً قوياً وامنت وضعه الاقتصادي الخاص كما اتاحت له بناء التحالفات وتحييد الأعداء (بما في ذلك تحييد قريش في حربه على اليهود ضمن مكاسب صلح الحديبية). وتحرك محمد ضد اليهود كان له دوافعه الاقتصادية والسياسية (وهي بلا شك تعبر عن القطيعة مع اليهودية او على الأقل البدء بمقاطعة اليهودية والاستقلال بالدين الجديد.) وشكل اساس للدولة الجديدة وايضاً للولاءات الجديدة التي تجاوزت الولاءات القبلية القديمة.
انتصار دولة المدينة
يتناول كما بالفصل السابق العديد من الغزوات والمعارك ببعض التفصيل المهم للتعبير عما اراد الكاتب الافصاح عنه.
يتناول الكاتب ايضاً صلح الحديبية حيث حاول محمد ان يعتمر فمنعته قريش وقد يكون هدف محمد من العمرة ان يدخل مكة مما سيعني ضمنياً اعتراف قريش به وعندها سيتمكن من اقناعهم بأن الاسلام لا يهدد مكانة قريش الدينية ومكانة مكة كمركز ديني وتجاري ولا يعرض مكانتهم للخطر بل سيعود عليهم بالخير. (وهذا ما يؤكد ما ذهبت له مسبقاً بأنه لا يوجد ما يدعم فكرة ان محمد كان يهدف منذ البداية الى الهجوم على مكة وفتحها. ولم يكن ممكناً له التفكير بفتح مكة وفرض قوته الا بعد تشكل هذه القوة لدى المسلمين وهذا حصل بعد الغزوات على اليهود والسيطرة على ممتلكاتهم التي امنت له قوة عسكرية أصبح لها نفوذها وتأثيرها وهذا ضمنه له صلح الحديبية بدوره الذي ضمن له حيادية قريش بعد فتح خيبر وفداك تطور ما عرفه الكاتب باسم العبودية الزراعية وهذا نقله عن المصادر الاسلامية الاولى وهذا ايضاً عزز نفوذ محمد وزاد قوته وسيطرته.) فتعززت القوة الاقتصادية لمحمد بسبب العبودية الزراعية من جهة والجزية لتي بدأ يفرضها على تيماء.
يتناول الفصل بالتفصيل فتح مكة وموضوع التفرقة في المعاملة بين كبار قريش وأغنيائها بل بين مكة وغيرها من المواقع التي تم فتحها بالعنف والقوة والاذلال فمكة مسقط رأس محمد ولا بد انه كان لها شأن لديه مختلف عن غيرها. بعد تصاعد قوته نقض سياسة العهود مع المشركين وتحول لموقف القضاء على الوثنية تماماً في الجزيرة. وتحولت سياسة الدولة الوليدة تجاه القبائل وتجاه التعددية الدينية (فأصبح الاسلام هو المسيطر فالدين أصبح عند الله الاسلام) وفرض الزكاة على المسلمين والجزية على غيرهم (وعبر عنها بالقوة وهم صاغرون) وبدأ تأسيس النظام الضريبي في دولة المدينة الحديثة.
وينتهي الفصل بنهاية حياة محمد وانسدال الستار عليه كنبي ورسول وقائد مؤسس للدولة الحديثة قبل ان يراها تتمدد خارج الجزيرة.
الفصل السابع
المعارضة في مكة
تناول فيه المعارضة التي كانت تعبر عن مصالح طبقية للطبقة السائدة بالمجتمع المكي ومعارضة دينية تدافع عن الميراث الديني الوثني. وتناول المحاججة الدينية بين محمد واهل مكة بتفصيل معبر ومفيد، واشار لبعض الآيات بأسباب نزولها واسباب تعديل بعض الآيات او نسخها او الاضافة عليها للرد على حجج المشركين
وينهي الفصل بالحديث عن الميراث الوثني في الاسلام
" ان القطيعة الكاملة ليست من طبائع انظمة الاعتقاد وخاصة الأنظمة الدينية، ومثلما تأثرت اليهودية بواقعها الوثني الكنعاني، ومثلما انطبعت المسيحية بالطابع اليهودي فقد كان من الطبيعي ان يتأثر الاسلام بواقعه الوثني." وقد اشار للشهرستاني ومقاربته بين الاسلام وتقاليد العرب التي اقرها الاسلام وهذه التقاليد تتعلق بستة مجالات: 1- الزواج 2- عادات النظافة الشخصية. 3- العقوبات الجنائية 4- شعائر العبادات. 5- طقوس الموت 6- القيم الاخلاقية الحميدة. وهذا الاستمرار شكل عاملاً هاماً من عوامل نجاح الاسلام " اذ ان محمد قدم للعرب الهاً يتكلم بلسانهم العربي وتنسجم وصاياه وتعاليمه وشعائره مع الكثير مما الفوه وتعارفوا عليه."
( ان استمرار الاسلام على العديد من عادات العرب الوثنية ومن اهمها الحج والعمرة والكعبة ومكانتها كلها تعطي فكرة عن كيف يبني أي معتقد- دين على ما سبقه من عادات وتقاليد وهو لا يمكنه الانسلاخ عنها والانقطاع عنها كلياً وهذا ما يشير له تاريخ جميع الديانات الشمولية على الأقل)
الفصل الثامن والفصل التاسع.
يتناول الكاتب في هذان الفصلان المعارضة اليهودية المسيحية لمحمد في المدينة ومعارضة من اطلق عليهم اسم المنافقون. فقد " اختلفت طبيعة مواجهة محمد لليهودية عن مواجهته للوثنية. فبينما رفض الشرك رفضاً تاماً فأن امره مع اليهودية كان مختلفاً، اذ انه انطلق من التوحيد اليهودي والتوراة وتبنى الكثير من مظاهر اليهودية." " بل قبوله على مستوى معين لادعاء اليهود بأنهم "شعب الله المختار". ويستشهد الكاتب بأية من سورة الجاثية (السؤال هنا اذا كان بنوا اسرائيل تاريخياً هم نفسهم اليهود. وكذا التفضيل لم يقتصر بالقرآن على بني اسرائيل او اليهود لكن اعتبار ذلك دليل على اعتراف محمد بأن اليهود هم شعب الله المختار فاعتقد انه اسقاط لما ينسبه اليهود لنفسهم فلو النصارى مثلا ادعوا انهم شعب الله المختار سنجد بعض الآيات والسور التي تدعم هذا الموقف. مع اني اميل للاعتقاد مع الكاتب ان اليهود كان لهم مكانة خاصة لدى محمد ببدايات دعوته وقبل اعلان نبوته او للفترة المبكرة من هذا الاعلان) وكما اشار الكاتب " فقد ادى فشل محمد في اقامة مع اليهود لوقوع <قطيعة توحيدية> شبيهة بالقطيعة بين المسيحية واليهودية." وكان الكاتب قد اشار لأسباب اضافية لهذه القطيعة بفصول مختلفة وايضا هنا اعاد التأكيد على اسباب القطيعة التي تشمل رفض محمد ليكون يهوديا او مسيحياً واصراره على النبوة والاستقلال عما سبقه من معتقدات توحيدية. فأضاف الكاتب ثلاث محاور اساسية للخلاف مع اليهودية تركزت بـ " الكتاب والحُكم والنبوة".
ورغم الخلاف والقطيعة التوحيدية يرى الكاتب ان " محمد كان يحتاج لاعتراف اليهود بنبوته حتى وان لم يدخلوا بالإسلام، ومن غير هذا الاعتراف ما كان من الممكن ان يتعايش مع اليهود في المدينة" (وهنا من المهم ان لا نرى هذا النص بانقطاع عن بقية الكتاب لنفهم رأي الكاتب بهذا الخصوص. فوجود مصالح اقتصادية واعتبارات سياسية اقتصادية كان أكثر الحاحية من اعتراف اليهود بنبوة محمد لكن هذه المصالح والمعطيات لم تظهر الحاجة اليها بقوة الا بعد توطن قوة محمد وأتباعه وامانه جانب قريش بعد صلح الحديبية وطبعاً اعتقاده بأن غنائم الحرب على اليهود ستتمكن من الصرف على الجماعة الجديدة بعد ان شحت مدخولاتها بسبب وقف استهداف قوافل قريش ولو مؤقتاً.)
ويبدو ان التشدد بالأحكام من قبل محمد كان سبب لاتباع بعض احبار اليهود له وايمانهم به خصوصا المتشددين كونه قد أيقظ بعض الاحكام المتشددة من سباتها التوراتي بل واعاد الحياة لبعض المعتقدات الشعبية اليهودية ذات الطبيعة الخيالية والسحرية وقد تحول هذا التشدد في الاحكام الى سمة من سمات الدولة الوليدة.
وقد تناول الكاتب مواقف مختلفة من المحاولات بين اليهود ومحمد لإحراجه واثبات محدودية معرفته باليهودية. ( ان اشارة القرآن لسليمان ك نبي تبتعد عن التوراة التي تراه ملكاً وقد كان هناك تسريبات من قبل بعض اليهود لمحمد بخصوص نبوة سليمان التي كانت تختلف عما هو بالتوراة كنوع من تضليله واحراجه او اختباره على احسن تقدير وقد تبنى هذه المعلومات المخالفة للتوراة بهذا الموضوع وبمواضيع اخرى مثل كون اليهود يقولون ان عزيرا ابن الله وهو ما لا يوجد بالمعتقد اليهودي التوراتي. فبالتالي يبدو ان هناك من كان يدس معلومات مغلوطة ليفحص صدق نبوة محمد او لإحراجه وبالحالتين هذا زاد من الهوة بين الطرفين واعتقد ان البحث في تاريخية هذه الاحداث والمغالطات قد يساعد في فهم تطور الاسلام وتطور العلاقة بين الدينين القديم والوليد في الجزيرة.)
لم تكن الحال مع المسيحية بأفضل منها مع اليهود حسب رأي الكاتب فمن " الثابت تاريخياً هو ان علاقة محمد بالمسيحيين كررت نمط علاقته باليهود، اذ عكست دعوة اولية للتقارب ثم ما لبثت ان انتهت بإعلان العداء والقطيعة. ولقد واجه محمد في حالة المسيحية تحدياً اكثر صعوبة وعسراً اذ كان مطالباً باصطناع لاهوته عن عيسى." فرغم عدم قبول محمد بألوهية عيسى الا انه قبل ولادة مريم له بطريقة اعجازية ووضعها بمصاف أحد أقانيم الثالوث المقدس – سورة المائدة – وان كانت الآية تأتي بصيغة السؤال والنفي. بخصوص الثالوث تبنى القرآن على الأرجح " عقيدة عبرت عنها فرقة الكوليريديين وهي من الفرق المسيحية المبكرة التي كانت تقدس مريم وتعبدها وكان لها اتباع في الجزيرة العربية." اما الموقف من صلب عيسى فقد عبر عن موقف أصحاب مذهب الدوسيتية " الظاهرية" وقد اشار الكاتب لرؤيتان مختلفتان بخصوص موقف الاسلام من عيسى فبينما " كانت آيتا سورة النساء في تأكيدهما ان عيسى لم يُقتل او يُصلب بل رُفع تؤكدان ضمنياً انه لم يمت، فأن آية سورة آل عمران تصرح انه قد مات ثم رُفع"
" وعندما تدهورت العلاقة بين محمد والمسيحيين لتبلغ مبلغ القطيعة كان من الطبيعي ان يطالهم ما طال اليهود" وهذه القطيعة مع الديانتين السابقتين بالتوحيد لم تكن قطيعة غريبة بل استحدثتها التطورات التاريخية والسياسية والاقتصادية وطبعاً كان من الصعب على الديانتين اليهودية والمسيحية ان تعترفا بنبوة محمد بسبب طبيعتهما الاقصائية الفوقية وحصرهما النبوة ببني اسرائيل بحالة اليهودية وايمان المسيحية بإغلاق باب النبوة بعد المسيح وفتح باب انتظار عود ة المسيح. ومن هنا نشأت القطيعة لأسباب مختلفة منها كان السبب الديني لكنه لم يكن السبب الأوحد.
اما المنافقون فكان الوضع معهم مختلف. بداية اطلق الكاتب اسم المنافقون تبعاً لما يطلقه القرآن وكونه الاسم الاكثر شيوعاً لهذه الفئة من المسلمين الذين اسلموا ظاهرياً كما يصفهم كتاب السير والتاريخ بالرواية الاسلامية. فكما هو معروف لم يدخل جميع الأوس والخزرج بالإسلام وبعضهم دخل متظاهراً بصدق اخلاصه للدين الجديد وللنبي الجديد. وقد ارتبطت حركة المنافقين بإسم عبدالله ابن ابي بن سلول زعيم الخزرج وقد كانت هذه الحركة امتداداً لزعامته وتعبيراً عن طموحاته السياسية. فقد كان على شفى ان يتوج ملكاً قبل هجرة محمد وكن من الطبيعي ان ينافسه او يناؤوه كونه احس بتهديد لمكانته وسلطته السياسية فقد كان " واقع ما بعد الهجرة، واقعاً تخلخلت فيه البنية السياسية القديمة وبدأت في التصدع وصعدت فيه سلطة محمد والمهاجرين وحلفاءه من الأنصار. وكان صعود سلطة محمد هو ما افرز ظاهرة النفاق لأنه تلازم مع قهر المسلمين لمعارضيهم." " فأن خوف المنافقين على اسرهم ومالهم من اعتداء المسلمين هو ما حدا بهم للتظاهر بالإسلام وتبني موقف النفاق" ( اعتقد ان قهر المسلمين لمعارضيهم جاء بعد فترة من الهجرة وتوطد قوة المسلمين العسكرية ونفوذهم الاقتصادي ولكن ما سُمي بالنفاق بدأ قبل ذلك واعتقد انه نتاج للصراع السياسي للسيطرة وفرض السلطة اكثر من كونه رد فعل على قمع المسلمين لمعارضيهم. وما ذهب له الكاتب في بداية الحديث عن بن سلول وصراعه مع محمد القائم على تنازع السلطة والسلطان والنفوذ السياسي ولا بد ان لهذه السلطة اثرها الاقتصادي وهذا ما يظهر مثلاً من خلال توزيع الغنائم فيحصل محمد لوحده على الخمس واقتطاع بعض نتاج الغزوات لنفسه وهذا ما يشير لبعض المكاسب الاقتصادية التي لا بد ان بن سلول وغيره كان يود منازعة محمد بها. وما يؤكد طبيعة التنافس السياسي والمصلحي ان حركة بن سلول كان بها من الأوس ومن اليهود وغيرهم ممن تقاطعت مصالحهم مع مصالح هذه الحركة اما بخصوص قوة هذه الحركة فتظهر ببعض الأخبار التي تشير الى ان ابن سلول انسلخ بثلث جيش المسلمين في أُحد وهو ما يشير الى قوته ونفوذه الذي ما زال صعب على محمد تحديه او تجاوزه. وقد يكون في خبر موت بن سلول واصرار محمد الصلاة عليه – رغم انه حسب الاخباريين فأنه كان يراه منافقاً ووصل حد التفكير بإقصائه او قتله لكنه عدل عن ذلك – فقد صلى محمد عليه مخالفاً رأي بعض كبار صحابته مثل عمر والأهم مخالفاً نص قرآني صريح يحظر عليه الصلاة على المنافقين وقد فعل ذلك بناء على قوة تأثير بن سلول حتى بموته حيث عبر اتباعه عن حزنهم عليه بينما وجدها محمد فرصة لكسبهم لصفه بدل خوض مواجهة معهم وابراز شخصيات جديدة لتقودهم) " لم يكن المنافقون مؤمنين ولكنهم كانوا مسلمين اسلاماً ظاهرياً عصم دماءهم وأموالهم بإزاء عنف الاسلام واستباحته لدماء واموال الكفار. وبحكم اسلامهم هذا شارك المنافقون في غزوات المسلمين وبذا ساهموا في عنف دولة المدينة وهي تؤسس لسلطتها وتتوسع." ( وهنا مرة ثانية تظهر قوة المنافقين وخصوصا بن سلول حيث ان اقناع ثلث الجيش بترك الغنائم والعودة وبهذا اصلا تحدي لسلطان محمد وسيطرته.)
مما اثاره الكاتب ويستحق البحث فيه اكثر ما اطلق عليه اسم النفاق العام، " ففي مقابل تظاهر المنافقين بقبول سلطة محمد وقبول الاسلام كان لا بد لمحمد والمسلمين من الاعتراف الظاهري بإسلام المنافقين وعدم الاعتداء عليهم" " وقد كان واقع النفاق العام هذا مرآة لواقع التوازنات السائدة حينها...واقع تعايش متوتر عكس ادراك كل من الطرفين لحدود سلطته"
من جهة اخرى واجه محمد تشكيك المنافقين بسلطانه من خلال التشكيك باهل بيته في القصة المعروفة بحادث الافك التي كانت محورها عائشة. وبعد طول توتر وضغط ابرأ القرآن عائشة - التي استغربت نفسها ان تكون برأتها محور من محاور النص القرآني – وما يهمنا بهذه الحالة ان محمد اقام الحد على عدد ممن اثاروا الشبهات على عائشة بينما استثنى بن سلول رغم مشاركته بإثارة الاشاعات عليها. ( هذا يدل بقوة على موقف الاسلام البراغماتي حيث راعى القوة والنفوذ - كما حصل بفتح مكة وراعى القرابة من جهة والمتنفذين من جهة مثل ابو سفيان رغم عداوتهم الشرسة للإسلام – فلم يقم بالتعرض لأبن سلول وهو – أي محمد – المعروف بتشدده ومواقفه المتصلبة في الأحكام.) وكذا تناول الكاتب موضوع مسجد الضرار وموقف محمد الصارم منه كونه لم يشأ ان يكون للمنافقين فضاءاً خاصاً بهم. ( فهذا على ما يبدو كان يؤرق محمد الذي كان يخشى الخوض في الصراعات الداخلية ويؤجج اتباعه ضد عدو خارجي من يهود او روم وفرس او قريش حتى انه في احدى الحوادث اخذ اتباعه في مسيرة يومين فقط ليمتص نقمتهم وينهي الصراعات الداخلية بينهم.)
وقد اشار الكاتب الى موقف القرآن المعادي للمنافقين بوضعهم بمرتبة ادنى من مرتبة المشركين وهناك عديد الآيات التي كانت تحذر وتنذر (مما يعكس ضيق محمد منهم وبهم ورغبته في قصاصهم اذا لم يتوبوا ويصدقوا الله ويتبعوا رسوله. ولا أدرى إذا كان هناك امل ان يقتنع محمد بتوبة المنافقين وما سيكون ما يقنعه بذلك)

الفصل العاشر والحادي عشر
تناول فيهم الكاتب مسألة الرسالة
حيث تناول اهم ملامح رسالة محمد وركز على عناصر هذه الرسالة : 1- الشعائر او العبادات 2- القانون 3- التنظيم الاجتماعي 4- الأخلاق 5- الأسطورة والقصة 6- العالم غير المنظور 7- الجحيم والعذاب 8- الجنة والنعيم
1- العبادات:
"رسالة محمد في مرحلتها المكية احتوت على عناصر طقسية تعبدية وعناصر اخلاقية وكان لها بعدها الاجتماعي الذي تحدى النظام الطبقي لمكة. وعندما نأتي للمرحلة المدنية فسنجد انها لم تكن حاسمة على المستوى السياسي فحسب ونما ايضاً على المستوى الديني. كانت هذه هي الفترة التي بدأ فيها الإسلام ينصبغ بصبغته المؤسسية "
وكما هو مشهور فقد بُني الاسلام على خمسة: الشهادتان والزكاة الصلاة والصوم والحج
بخصوص الصلاة:
يبدو ان نقاشاً قام حول اسلوب المناداة على الصلاة ويشير الكاتب ان النقاشات استبعدت البوق والأجراس لأنها اساليب معروفة لليهودية والمسيحية واستقر قرارهم على المناداة للصلاة. وقد اشار الكاتب الى اعطاء اولوية لصلاة الجماعة ( يبدو ان الدين الجديد سعى مبكراً للخلاص من اليهودية والمسيحية والابتعاد عن طرق صلاتهم كون الصلاة من اول الأمور التي اهتم بها محمد وكونها كانت شكل من اشكال تمييز الهوية الدينية لجماعة الاسلام حديث الولادة. يبقى ان نتساءل هل كانت المناداة طريقة مبتكرة ام انها كانت طريقة للدعوة للصلاة من قبل دين او طائفة معينة؟ واذا كانت النقاشات قد دارت حول اساليب المسيحية واليهودية فهل تم نقاش عدد اخر من الأساليب ان وجدت؟). لكن المهم ان الصلاة وخصوصا الجماعة كانت تتيح لجمهور المسلمين الاجتماع وتداول امورهم.
ويبدو ان عدد الصلوات اختلف من 3 الى 4 الى 5 صلوات يومية واختلفت القبلة من القدس الى الكعبة بعد عام ونصف من الهجرة. والقبلة نفسها ليس استحداثاً اسلاميا بل اخذه عن اليهودية والوثنية العربية. فالمشركين كانوا يتجهون بصلاتهم صوب مكة واليهود صوب بيت المقدس. وببداية الاسلام استقبل المسلمون القبلتان دون حرج فقد فرضت الظروف تعايش القبلتان معا. بخصوص توجيه القبلة تجاه القدس فيبدو ان السبب وراءه كان سياسياً بغرض التحالف مع ليهود " وعندما تداعى حلم لتحالف التوحيدي مع اليهود وانهار" فقد ادرك محمد أهمية القبلة لتحقيق استقلالية الدين الجديد. " ورغم ان الكعبة هي مكان هبل وأوثان العرب ومحجتهم الكبرى والرمز المركزي لدينهم، الا ان محمد فضل اختيارها على اختيار بيت المقدس." وقد استند على اعتباريين اساسيين: اعتبار رفض اليهود واعلان القطيعة معهم واعتبار توجيه طاقة المسلمين < وخاصة المهجرين منهم> لانتزاع مكة واستردادها من المشركين"
الزكاة:
) قد تكون احد اشكال اعلان ولادة الدولة فرض الزكاة ووضع قوانينها فهي كانت العنصر الوحيد غير التعبدي من عناصر اركان الاسلام الخمسة) " الزكاة التي كانت انفاقاً فردياً ارتبط بمفهوم الصدقة في الفترة المكية لتصبح ضريبة مؤسسة ارتبطت بإنفاق الدولة"
( اعتقد ان الكاتب لم يفرز حيزاً كافياً لتوضيح الية استخدام الزكاة كعنصر اساسي لبناء الدولة الاسلامية فكما كانت استقلالية هوية هذا الدين الجديد مهمة لنموه بعيداً عن الأديان التي سبقته وشابهته، الزكاة كانت اساسية لضمان استمرار الدولة بالقيام بواجباتها تجاه مواطنيها بل كانت مهمة لضمان قيام الجماعة بدورها تجاه افرادها قبل ان تتحول الى دولة. وقد بينت سورة التوبة كيف ستوزع اموال الزكاة على الأقل بالفترة الأولى للإسلام وهذا ساعد بتوضيح الدافع وراء هذه الضريبة وان كن هناك جدال حول احقية هذه الفئة او تلك وجدال حول اليات التوزيع خصوصاً بمراحل متقدمة من حياة الدين الجديد.)
الصيام:
كغيره من العناصر مر بتغييرات فقد كان من المعتقد ان الصيام لم يكن بالبداية امساك عن الطعام والشراب فقط انما عن الكلام كذلك وهذا من سمات الحنيفية, اما وقت الصيام فقد كان فرض الصيام بعد الهجرة بيوم عاشوراء المقدس لدى اليهود " الا ان الخلاف والصراع مع ليهود ما بث ان ادى الى اسقاط صيام عاشوراء كفرض واستبداله بفرض صيام رمضان. واختيار شهر رمضان ارتبط على الأرجح بحنيفية محمد" ( لم يتم التطرق الى صيام بعض اهل الجزيرة ومناطق اخرى التي كان هنالك اعتقاد بتأثيرها على فرض صيام رمضان مثل صيام اهل نجران فالمهتم بالموضوع يمكن ان يتعمق به من مصادر اخرى.)
الحج:
" الحج شعيرة قديمة من شعائر الوثنية العربية، ويمثل اهم عنصر استمرار بين الاسلام والوثنية العربية." " ولم يصبح الحج شعيرة رسمية الا بعد فتح مكة. ولقد اعتمد محمد على مناسك الحج الموروثة من الوثنية مع بعض تعديل لتصبح مناسك اسلامية." ( مرة اخرى اختصر الكاتب لضرورات البحث لكن من المهم الاشارة الى الاستمرار بين الاسلام والوثنية العربية التي بنى عليها ونما في رحمها. وهذا مثال على الاستمرار والانقطاع بينهما في نفس الوقت. فالحج كان لأماكن قدستها الوثنية العربية فاستعمل الاسلام هذه القدسية وصبغها بصبغة اسلامية ليحقق امرين اساسيين على الأقل، كسب مركز قوة ونفوذ اساسي جمع العرب من ناحية ومكسب مالي كبير من خلال الانشطة الاقتصادية المرتبطة بالحج. لكن هنالك ايضاً ضمان علو ونفوذ الدولة الوليدة السياسي الذي سيحقق لها الانتشار والتوسع وسيؤسس للدولة الاسلامية لاحقاً والتي ان لم يعش محمد لرؤيتها لكنه اسس لها وقد يكون حلم بها خارج حدود الجزيرة.)
2- المعاملات
لم يقتصر الاسلام الدين على الشعائر التعبدية بل ادخله بكل مناحي الحياة " وهكذا اصبح الدين دولة وأصبح اساسً للأخلاق والتشريع والتحليل والتحريم." " وهكذا اصبح طموح محمد في فترة صعود رسالته وانضاجها أن يقدم لأتباعه نظاماً شاملاً يناظر النظام الشامل الذي قدمته اليهودية ...وكان هذا هو ما وضع اساسه المتين في فترته المدنية ليكمل الفقهاء مشروعه بعد وفاته < مثلما اكمل الربانيون مشاريع الانبياء في اليهودية>"
" وان كان الجانب الطقسي او العبادات تأسيساً للعلاقة بين المؤمن والله، فقد كان لعمليه التأسيس جانب اخر مهم هو جانب ما عُرف بالمعاملات أي العلاقة بين الناس والدولة من ناحية وبين الناس في علاقاتهم وتصرفاتهم بإزاء بعضهم من ناحية اخرى. ومثلما أخذ محمد في تأسيس العبادات من اليهودية وميراثه العربي فأنه اخذ من هذين المصدرين في تأسيسه لقوانين المعاملات." ( فالمعاملات هي ايضاً جزء من بناء الدولة المرجوة. لا يمكن الجزم ان رؤية هذه الدولة كانت بخيال محمد كما اصبحت بعد وفاته لكن لا شك انه كان يحلم بسلطان للدولة الحديثة وسيطرة على حياة الناس وليس فقط امتداداً جغرافياً)
الحدود : وهي ما عُرفت بحقوق الله ارتبطت بطائفة من الجنايات.
القصاص: " في حالة القصاص استند موقف محمد لتشريعي على التشريع التوراتي من ناحية وعلى العُرف العربي الموروث من ناحية اخرى." بينما اخذ عن العرف العربي " ارتباط مؤسسة القصاص بالمكانة الاجتماعية للقاتل والقتيل"
اما الزنا فإن مفهومه في الاسلام يتداخل مع مفهوم امتلاك الرجل للمرأة، اذ انه يشمل كل جماع جنسي بين رجل وامرأة خارج اطار الملك الشرعي للمرأة....فأن تحريم الزنا وعقابه ليس فقط حفظاً لحق الملكية فحسب بل هو حفظ للأسرة ايضاً." ( مع تأكيد وجود احاديث تعفي القاتل والزاني من العقاب فلو صحت هذه الاحاديث لخالفت ما نُص عليه هنا.)
القذف: ارتبط بالزنا. (مهم الانتباه لموضوع تعمق ملكية الزوج للزوجة وهذا يتجلى بشكل واضح مثلاً في سورة النور حيث استعيض عن الشهادات الاربعة في حالة زنا الزوجة بشهادة الزوج وحده. ولا يمكن المرور عن موضوع القذف دون استذكار تبرئة عائشة من حادث الافك وما صاحب هذه القصة من حيثيات)
السرقة والحرابة: " هناك اعتداء اخر حرصت الشريعة على حماية الناس منه وهو الاعتداء على المال او السرقة." حيث تم تأكيد عقوبة السارق كما كانت لدى العرب فترة ما قبل الاسلام. واختلف نقاش موضوع السرقة حسب السارق والمسروق ومكانة كل منهما او وضعه. (وطبعاً كما هو بديهي لم تكن السلب وقطع الطريق وسلب الغنائم تعتبر سرقة او اعتداء على المال خصوصاً ان اصحاب محمد بهذه الحالة سيكونون اول المدانون بها) " ولقد ادى نشوء دولة محمد وصعودها لتطور اخر كبير بشأن المال وهو تكريس مؤسسة السلب والغنيمة." وهو بذلك استمر على عهد العرب ما قبل الاسلام في التفريق بين السرقة وسلب الغنائم رافضاً الاولى ومبيحاً الثانية.
" وكما رأينا ونحن نتابع صعود دولة محمد فإن الغنائم لعبت دوراً حاسماً في تعبئة من انضموا لغزواته، ...وقد اتاح له ولدولته الناشئة قوة اقتصادية وسياسية لا تضارع" ( ان السلب وقطع الطريق لم يكن فعلاً جديداً لكن استخدامه من قبل اتباع محمد وفر له القدرة على استمرار دعوته وازدياد اتباعه، بل رأينا ان بعض الاتباع للدين الجديد اتبعوه من اجل الغنائم وللحصول على حصة من الكعكة)
والحرابة التي ترتبط بقطع الطريق على القوافل فقد كانت ممارسة شائعة وسط العرب شكلت خطراً كبيراً على الحياة والمال.... وهكذا لأن المسلمين استخدموا هذا السلاح فأنهم كانوا مدركين لخطره وفعاليته، وكان من الطبيعي ان تتحسب الدولة الاسلامية له وتحاول ردعه بأقسى العقوبات" ( فقد تم مأسسة عقوبة الحرابة للحفاظ على الناس لكن ايضا ًللحفاظ على سلطة ونفوذ الدولة الحديثة. فحتى فعل البغي الذي ارتبط بالثورة على الدولة لم يكن يواجه بشديد العقاب الا حين يرتبط بالحرابة وتهديد اقتصاد الدولة والمتنفذين بها)
الخمر والردة: هما جنايات حدود اضيفتا لجنايات الحدود، وقد كان لعمر موقفاً متشدداً من هاتين وهو موقف عكس شعوره بالدور الاجتماعي للدولة. ( اعتقد ان موقف عمر ينبع اكثر من رغبته بفرض سلطان مؤسسة الدولة من خلال استعراض عضلاتها بكل المجالات الحياتية للإنسان اكثر منه وعي بالدور الاجتماعي للدولة، فاستخدام الدور الاجتماعي للدولة هنا اراه اسقاطاً للحاضر على الماضي ولا اعتقد ان موضوع الدور الاجتماعي للدولة كان قد تبادر للأذهان وقتها بعد)
اما الردة فهي ردة المسلم عن الاسلام أي رجوعه عنه. ومع ان القرآن لا يذكر عقوبة حدية للردة الا ان عقوبتها اصبحت الموت ( وهو ما يشير بوضوح الى رغبة المشّرع بعد محمد بالحفاظ على انجازات الدولة ومنعها من التفكك والانهيار بعد وفاة مؤسسها، وتشير شدة العقوبة الى تخوف المشرع من فعل الردة الذي لم ينتبه له فيما يبدو محمد ولم ينص على عقوبة رادعة له القرآن. وان كان المشرع استند على حديث منسوب لمحمد تبيح قتل من بدل دينه.)
3- التنظيم الاجتماعي
المرأة والأسرة: " كان موقف العرب من المرأة شبيهاً بموقف الشعوب السامية الأخرى في منطقة لشرق الأدنى الذين اعتبروا منزلتها اقل من منزلة الرجل وعدّوها تابعة للرجل، خاضعة لسلطته." وقد كان بعض العرب يقومون بوأد ابنائهم – ذكوراً واناثاً- لكن يبدو ان العادة طالت الاناث اكثر وكانت بين طبقات اكثر من غيرها وبين قبائل اكثر من غيرها فجاء القرآن بإدانة هذا الوأد وتحريمه. ويبدو ان الاسلام لم يكن اول من حرم الوأد فالحنيفية قبله اتبعوا نفس النهج ( ويمكن ان تحريم الاسلام للوأد جاء كسلوك حنيفي اتبعه محمد قبل اعلان دعوته)
من الطبيعي كان ان يهتم محمد بالأسرة كونها تنظم تبعية المرأة للرجل " وأساس تصور محمد للأسرة لا يختلف عما ساد مجتمعه اذ انها اسرة ذكورية ....لاعتبارين: اعتبار تفضيل طبيعي اسبغه الاله على الرجل واعتبار تمييز اقتصادي." " ومثلما تبنى الاسلام البنية الذكورية للأسرة، تبنى ايضاً مبدأ تعدد الزوجات الذي كان سائداً في المجتمع العربي، وان عدله وحدّ من عدد الزوجات... دون ان يمس امتيازاً اخر من امتيازات الذكر، وهو حقه في امتلاك أي عدد من الإماء والاستمتاع بهن جنسياً بالإضافة لزوجاته".
وكذا اشار الكاتب الى انشغال القرآن بنساء محمد او ما اسماها < الاسرة المقدسة> وقصة عائشة وهي تبادر في سؤال محمد < يا رسول الله ما ارى ربك الا يسارع في هواك> قصة مشهورة بالتراث الاسلامي لكن هذه لم تكن المشاكل الوحيدة بين نساء محمد فقد كان هنالك مشاكل ارتبطت بالبعد الاقتصادي المتمثل بالنفقة وكذا موضوع فرض الحجاب على نساء الرسول ومنع ان ينكحهن من بعده أي شخص. ( ان موقف الاسلام من المرأة موقف بلا شك جذب الاف الباحثين لدلو اراءهم فيه مع او ضد ومثلهم من اهتم بموضوع استعباد المرأة وتشكل المجتمعات الذكورية وترسيخ هيمنة الرجل البطريركية في مجتمع الاسلام والذي لم يكن جديداً لكنه جزء من اليات استمرار الدين الجديد مع مجتمعه القديم الذي ولد من رحمه. فكان من الضروري – الطبيعي- ان يكون هناك ضحية او ضحايا ولا بد ان تكون المرأة في مجتمع ذكوري اكثر المتضررين من الضحايا. اما بخصوص نساء الرسول وخصوصا موضوع فرض الحجاب عليهن واعتبارهن امهات للمؤمنين وتحريم نكاحهن بعد محمد فهو يدخل ضمن عقلية المجتمع التي سادت في فرض مُلكية الرجل للمرأة فكيف اذ يكون رسول الله والوسيط بين الله ومجتمعه)
العبيد ومؤسسة الرق: وهذا الموضوع الشائك ايضاً عرفه العرب ولم يروا بممارسته عيباً اخلاقياً. وكانوا يقومون بتأمين العبيد ن مصادر داخلية وخارجية: فداخلياً حروبهم وغزواتهم حيث كان الانسان يتعرض للاسترقاق اذا ما فشل بمفاداة نفسه (وهو ما لم يستطعه فقراء المتحاربين فكان من الطبيعي ان يكون المستعبدون هم الأكثر فقراً) اما المصادر الخارجية فارتبطت بتجارة الرقيق الأبيض والأسود. " ولم يختلف موقف الاسلام بإزاء الرق عن موقف اليهودية والمسيحية اذ اعتبره ممارسة مقبولة ومشروعة. ومثل اليهودية والمسيحية، حضّ الاسلام المالكين على حسن معاملة من يملكون.... وبالمقابل ركز الاسلام على ضرورة طاعة العبد لسيده" (فلم ينهي الاسلام الرق والعبودية بل قننها ووضعها بإطار اخلاقي معين وحدد اساليب ممارستها. وهذا طبيعي إذا اخذنا بعين الاعتبار المجتمع الذي ولد ونما فيه الاسلام حتى أصبح دينا ودولة.) " فعندما جاء الاسلام كانت مؤسسة الرق مؤسسة ذات جذور اجتماعية ضاربة ولها اعرافها وتقاليدها الراسخة، وكان من الطبيعي ان يبني الاسلام تقاليده واعرافه بشأن الرق على ما ورثه من واقعه التاريخي. ومما ورث الاسلام من العرب أعرافهم في العتق، اذ عرف العرب العتق بحافز الدين، أي العتق كعمل من الأعمال التي يتقربون بها لآلهتهم...ولقد اقر محمد ضمن ما اقر التدبير والمكاتبة وشجع على العتق كعمل من اعمال التقوى الدينية وخاصة في حالة الكفارات" وطبعا ممارسة محمد لامتلاك العبيد جعلت هذا السلوك يستمر بأن يكون مقبولاً فقد عُرف عنه انه امتلك العبيد وانه اهداهم بل كان " يعامل الرقيق كمال يتم امتلاكه وبيعه وشراؤه وهبته ووراثته"
" لم يكن حظ الأرقاء في ظل الاسلام بأفضل من حظهم في ظل انظمة الرق الاخرى اذ تعرض الرجال والنساء للاستغلال الغليظ القاسي والقهر المحٍطّ الذي داس على انسانيتهم"
4- الأخلاق
" ارتبطت رؤية محمد الأخلاقية بمفهوم الحساب، لذا لم يكن الحافز على الفعل الأخلاقي هو الفعل ذاته، أي ان الفعل الأخلاقي لم يكن غاية في نفسه وانما كان وسية لإرضاء الله تجنباً لعقابه وكسباً لثوابه." ومع ان كلمة اخلاق لا ترد بالقرآن الا ان هناك كلمات تعبر عن الاخلاق مثل الخيرات والمعروف والصالحات وكلمة مثل الصالحات تتعدى معنى الاخلاق لتشمل افعال ذات طبيعة تعبدية وشعائرية. ويعبر القرآن عن مفهوم المسئولية الجماعية " ويعبر القرآن عن هذا المفهوم من خلال مفهوم الأمة. والأمة هي جماعة البشر التي تتلقى رسالة الله عبر رسوله" ... " ومثلما وضع اليهود أنفسهم في موضع الصدارة الروحية والأخلاقية واعتبروا انفسهم < شعب الله المختار> فإن الأمة الجديدة وضعت نفسها في موضع الصدارة الروحية والأخلاقية."
" وهكذا يمكننا تلخيص الواقع الأخلاقي للقرآن بأنه واقع عكس بشكل عام واقع الصراع مع المشركين ومرارة هذا الصراع ولم يتجاوزه لأفق اخلاقي أكثر رحابة".
5- الرسالة: عوالم الخيال
الأسطورة والقصة: “ مثلت الاسطورة والقصة عنصراً اساسياً من عناصر رسالة محمد.... وعندما ننظر للمادة الأسطورية والقصصية في القرآن فإننا نجد ان مصدرها الأساسي هو التوراة،...ومصادر مستمدة من تراث الشرق الأدنى الشعبي < خاصة التراث اليهودي> والتراث الشعبي العربي" وقد اشار الكاتب الى فهمه لمعنى الاسطورة بأنها القصص التي ترتبط بالمفهوم القرآني لما اسماه القصة الخلاصية للإنسان " وهذه الأساطير والقصص تقدم لنا < تاريخاً> متخيلاً او اسطورياً يشكل العمود الفقري للرؤية الاسلامية < واليهودية والمسيحية بالطبع> الذي تفقد تماسكه بدونه. والسمة الغالبة في اسلوب القصة القرآنية هو انها لا تنقل القصة التوراتية نقلاً وانما تخضعها لتحويرين أساسيين: فهي من ناحية تضيف عناصر جديدة لا نجدها في القصة الأصلية، ومن ناحية اخرى تُخضع القصة التوراتية لأغراض القرآن اخضاعاً مباشراً. ونعني بأغراض القرآن الأغراض المألوفة للدعوة من ايمان بالله وحث على العمل الصالح وترهيب وترغيب." (حيث يقوم القرآن بإسقاط الواقع الحلي لزمنه على القصص القديمة لخدمة هدف الرسالة) وقد ذكر الكاتب امثلة مثل قصة نوح التي اضاف اليها القرآن جدل نوح مع قومه وهو ما يشابه جدال محمد مع قومه، وفي قصة صالح اشار الى ان من امنوا به هم المستضعفين ومن عارضه المستكبرين من سادة قومه وهو ما عكس رؤية محمد لذاته في بداية دعوته بمكة.
اما اكثر القصص سيطرة على القرآن فهي قصة موسى " وسبب ذلك يعود في تقدير الكاتب "الى المكانة الخاصة التي احتلها موسى في تصور محمد لنبوته." فقط انطلق محمد ببداية رسالته من نموذج اسماه الكاتب نموذجاً ابراهيميا أي حنيفي تتداخل فيه التقوى الدينية بحس اخلاقي عالي، ثم تحول الى النموذج الموسوي الذي "تتداخل فيه النبوة بالتشريع ليصبح فيه النبي مشرعاً وسياسياً ورجل دولة وبانياً لأمة ذات كيان ديني وسياسي"
وكما احتوت المادة القرآنية قصصاً يمكن اعتبارها واقعية، احتوت اخرى اعتبرت خرافية مثل شق البحر وحديث سليمان مع النملة والهدهد وكل ذلك في سبيل توظيف القصة والاسطورة توظيفاً فعالاً واخضاعها اخضاعاً تاماً لأغراضه.
العالم غير المنظور:
" امنت الوثنية العربية، مثلها مثل وثنيات الشرق الأدنى، بوجود عالم غير منظور تسكنه الملائكة والشياطين والجن ويتداخل مع العالم المرئي ويؤثر عليه. ولقد ورث محمد معتقدات مجتمعه هذه وأصبحت جزءاً من البنية الاعتقادية للإسلام.... الا انه اعاد تشكيلها بما ينسجم مع مجموع رؤيته"
اشار الكاتب الى ان القرآن حرص على نفي صفة بنات الله عن الملائكة على اعتبار ان الاناث كانوا يعتبروا اقل مرتبة من الذكور فكيف يكون الملائكة اناث؟ (الملائكة لم يكونوا ذرية الله بل خدمه واتباعه وبالتالي فأن حديث القرآن عن ان الله لن يخص نفسه بالإناث – الأقل مرتبة – يبدو احتمال ضعيف وقد يكون رفض القرآن لهذه السمة هو من باب منازعته مع الوثنية وافكارها بما في ذلك اطلاقها على الملائكة اسم بنات الله. من ناحية ثانية ممكن مراجعة كتاب الكاتب زكريا محمد " عبادة ايزيس واوزيريس في مكة الجاهلية" حول مفهومه بربط بنات الله بآلهة الوثنية في مكة ويشير الى ان تسمية بنات لم تكن لصبغ تحديدا جنسياً بل كانت اسماء ترتبط بنجوم حزام الجوزاء وهي تطلق على الملائكة والاصنام والنجوم الصغار. اذن فمن الممكن ان بنات الله تعني الثلاثي المكي الشهير اللات والعزى ومناة وقد رفضها القرآن من هذا المنطلق. انصح بقراءة كتاب زكريا محمد للمعنيين لما فيه من تفصيل وتحليل عميق من هذه النواحي)
ابليس او الشيطان والشياطين يولد في القصة القرآنية مع ميلاد ادم، "اذ انه يتحول في لحظة رفضه السجود لأدم من ملك الى شيطان. ومنذ هذه اللحظة يصبح ابليس القطب المقابل للإله، وهو بهذه الصفة عنصر اساسي في القصة القرآنية تفقد بدونه معناها وتماسكها.... بل هي ايضاً لحظة ميلاد عقد بين الاله وابليس" (منذ هذه اللحظة يولد الشيطان والشياطين ويصبح له نفس قدرة الاله في الوسوسة للناس أي انه يصبح مضاهي للإله. ورغم كثافة موضوع ابليس وخلقه وكل القصص التي ارتبطت به لن ندخل ف بالتفاصيل كما لم يفعل الكاتب الا بما يخدم هدفه من لبحث وهو توضيح دور العالم غير المنظور بالعقيدة الاسلامية) وطبعا الكاتب يشير الى قدرة ابليس بالوسوسة حتى للأنبياء مستشهداً بمثل الآيات الشيطانية او الغرانيق الشهيرة.
يشير الكاتب الى الاله الذي يصوره القرآن بأنه شبيه باله التوراة خصوصا من حيث انه اله منتقم – لكن القرآن يضيف له سمة المحارب وله ملائكة محاربون وبما ان ابليس هو الند لهذا الاله فهو بالضرورة شيطان محارب وله شياطين محاربين ( موضوع الندية هنا اشبه بصراع بين الهين- كائنين كما في الملاحم الميثولوجية القديمة حيث يكون ندان اقوياء ولهما نفوذ وقدرة على احداث التغيير وقلب الأمور. لكن هذا لا يجب ان يفوت على اصحاب الدعوة الذين وان أبدوا وجود ابليس بوجود الانسان فأنه يجب ان يكون خاسراً بالنهاية ويفوز الله وحزبه وجنده على ابليس وحزبه وجنده ومع ان هذا الفوز لا يبدو يقيناً بالقصص القرآني حيث يستمر الشيطان بلعب دور القائم على عذاب الكفار بينما يتمتع المؤمنون بجنات النعيم. أي ان ابليس بدوره خالد خلود عذاب الكفار وخلود الند الاله وهذا بالضرورة يعكس ازمة منهجية من الضروري ان يتم فحصها والتعامل معها بمنطق بحثي ميثولوجي وانثروبولوجي على الأقل.)
اما الجن فهم يقابلون البشر ويتماثلون معهم فمنهم الكافر ومنهم المؤمن ولهم تاريخ ولهم رسل ومنهم من سيدخل الجنة ومنهم من سيدخل النار. " وتعكس مادة الحديث حضوراً واضحاً وكثيفاً للجن في وعي محمد" (وهذا امر بديهي وطبيعي على اعتبار ان الجن والعالم غير المنظور كان له تأثير عميق على بيئة محمد لكن هل كان للجن تأثيراً أكثر عمقاً؟ في مادة الحديث التي يستشهد بها الكاتب الكثير من الأدلة لكن انا شخصياً اميل للاعتقاد بمبالغة مادة الحديث بكل شيء فلن يكون موضوع الجن وتأثيره بمنأى عن هذه المبالغة.)
الجحيم والعذاب: ارتبطت رؤية محمد الأخلاقية بمفهوم الحساب. " وان يوم القيامة هو يوم حساب الانسان الذي يتتبع فيه الله دقائق اعماله ليعاقبه بالعذاب في النار او يثيبه بالتنعم بالجنة. ان القرآن هو اكثر الكتب تفصيلاً بين الكتب المقدسة للأديان الكبرى في وصف العذاب وتفاصيله وأهواله،...فأستمد مما سبقه من الكتب فكرة الاله المعذب وصور من مظاهر عذابه وأضاف لها صوره." ومع ان العذاب قد وقع بالماضي حسب القصص القرآني الا انه قد توقف بالدنيا منذ مجيء عيسى برسالته " اذ ان عدم ايمان اليهود به لم يؤد الى صب عذاب عليهم مثلما ان عدم ايمان المشركين بمحمد لم يؤد لتعذيبهم رغم تحديهم لمحمد...وتركيز القرآن الأساسي في مخاطبته للمشركين ينصب على ما ينتظرهم من عذاب في العالم الآخر عقب بعثهم ومحاسبتهم يوم القيامة." (من البديهي ان يكون العذاب بالنار لطبيعة بيئة الجزيرة والمجتمعات التي كانت تقطنها. ومن الطبيعي ان يتم التركيز على العذاب بعد البعث والقيامة خصوصا ان محمد قد بنى دعوته على اليهودية والمسيحية المعاصرتان والحاضرتان بالجزيرة فكان موضوع العذاب بالدنيا اشكالي للدعوة الاسلامية بحل نفاها اليهود والمسيحيين وكان الأصعب تبرير عدم تكرار الاله لعذاب الأقوام الذين لا يؤمنون به بالدنيا وهو ما اعتقد لم يتم تسليط الضوء الكافي عليه.) اما بخصوص كون الاله إله منتقم فقد شار الكاتب لملاحظة جديرة بالاهتمام من حيث ان كون إله القرآن إله منتقم فبالضرورة العذاب هو عذاب انتقامي وليس تعليمي أي لا يوجد مجال للمخطئ- الكافر من ان يعيد حساباته بعد العذاب فيتوب. (ويمكن هنا ان نستشف ان منع الإله للعذاب بالدنيا قد أفقد البشر فرصة التعلم والارتداد عن الخطاء!! فهل هذا لكونه إله منتقم؟ فماذا عنه كاله عادل وغفور ورحيم؟)
" ورغم ان وصف القرآن للعذاب وصف عام يشمل صنفاً عاماً هو صنف الذين كفروا بالله او لم يطيعوا رسله ويشمل بذلك بخطابه كل من يتلقى لقرآن، الا ان القرآن يخرج عن هذا النهج في سورة المسد ليحدثنا عن عذاب شخصين من معاصري محمد" (وهذه الآيات ان خلدت ابا لهب وزوجته في الذاكرة الشعبية والخيال الاسلامي لكن السؤال المشروع هو ماذا لو اسلم ابو لهب بعد هذه السورة؟ وطبعاً لن يهتدي الا بمشيئة الله فاذا كان ابو لهب لن يهتدي لأن الله قد فرض مشيئته عليه فهل كان مخيراً بعدم الأيمان؟ وهذه الحلقة تقودنا للسؤال الفلسفي القديم الجديد هل الانسان بالقرآن مسير ام مخير؟ فاذا كان ابا لهب مسير فلا ذنب له بكفره وإذا كان مخيراً فهل كان اسلامه لو حصل سيقلب موازين كبرى بالنص القرأني ام كانت سورة جديدة او اية جديدة ستنسخ سورة المسد؟؟)
ختم الكاتب بملاحظة اخرى جديرة بالاهتمام. " رغم ان القرآن يقدم مفهوماً شاملاً للعذاب يدخل فيه البشر والجن والشيطان والشياطين، الا ان الخيال القرآني يقصر وصفه لصور العذاب بشكل أساسي على عذاب البشر.... ويرتبط هذا بتقديرنا بغلبة الطبيعة الحسية على المفهوم القرآني للعذاب.... وهذه الحسية والجسدية لا تقتصر على المفهوم القرآني للجحيم فحسب بل تمتد لتشمل المفهوم القرآني للجنة" ( وان كنت لا اميل للوقوف عند الغلبة الحسية على اهميتها لكن من المهم للباحثين المهتمين التعمق بمسألة غياب بقية عناصر العالم غير المنظور من الجحيم والجنة أي من الحساب.)
الجنة والنعيم: يبدو ان التراتبية والطبقية تستمر بعد الدنيا بالأخرة " ومثلما ينقسم المعذبون لدرجات فإن متنعَّمي الجنة ينقسمون لطبقة المقربين وطبقة من يصفهم المفسرون ب< سائر أهل الجنة>. ومثلما ينقسم الجحيم لدرجات < او دركات> فإن الجنة تنقسم لدرجات" (يبدو ان تأبيد الطبقية والتراتبية الاجتماعية في الواقع المحيط بمحمد عكست نفسها في رؤية انعكاسها في الجنة والنار فالأقربون في اعلى درجات الجنة التي صعدها محمد ماراً بسبع درجات والنار تضمن للكفار الأشد كفراً مقاعدهم في أدني دركاتها. ان انعكاس هذه التراتبية كما يتخيلها العقل الديني بالضرورة تعكس طريقة تفكير الناس في هذه المجتمعات وما كان يؤثر بهم لكن لا أدرى إذا ما كان هذا التشبيه ما زال امعاناً في التماهي مع الرسالة الموسوية – لأننا رأينا مسبقاً ان العرب لم تعرف الحساب والأخرة بمفهومه المعروف لدينا اليوم لكن اليهودية من عرفته ونشرته وتابع الإسلام السير بنفس الدرب. والمصيبة الأكبر فيما سيأتي من حديث حول ما الذي سيجده المؤمنون بالجنة ) "وهي بالأساس متع تخاطب بالدرجة الأولى شهوتي البطن والفرج" (وتستمر انعكاسات البيئة الصحراوية بالإسقاط على نِعم الجنة ومتعها فنرى الغلمان ايضاً من ضمن الوعود التي يقدمها الاله للمؤمنين مكافئة لهم على ايمانهم وعملهم الصالح والدفاع عنه – هو الاله المنتقم المحارب -) " اذ تدل عبارة < غلمان لهم> على ان طبيعة العلاقة بين المتنعمين والولدان الذين يقومون على خدمتهم هي علاقة امتلاك يحاكي استرقاق السيد لعبده" ويتعمق الكاتب بمزيد من الأمثلة على النعم مقدما الحور – من النعم التي على مستوى الفرج – اللواتي عرفهن المفسرين انهن النقيات البياض مما يجعل القرآن يميل للون الأبيض مجدداً في بيئة صحراوية يغلب عليها اللون الأسود او الغامق. وكما هو متوقع وبديهي فقد لاحظ في مسألة حور العين " ان اهتمام القرآن ينصب في واقع الأمر على متعة الرجل الحسية. ومن الطبيعي ان يثير هذا تساؤلا عما سيحدث للنساء اللاتي سيدخلن الجنة: ما هو مظهر متعتهن الحسية؟ إن الملاحظ ان القرآن يسكت عن هذه المسألة ولا يذكرها" ( ان الاهتمام بالمتع الحسية للذكور في مجتمع ذكري بلا شك موضوع بديهي، تغييب المرأة في مجتمع يفضل الأقوى اقتصادياً ، الأكثر قدرة على المساهمة في الحرب، الأعلى شاءناً اجتماعياً بأعراف المجتمع الحاضن للإسلام بلا شك كلها تجعل السكوت عن متع المرأة الحسية امراً بديهياً – ولا أقول طبيعياً او ضرورياً الا بمعنى تعبيره عن الواقع الاقتصادي الاجتماعي المُعاش. لكن من البديهي كذلك ان تتساءل النساء – ولو من باب الغيرة والحسد – لماذا يمكن ان يفضل الاله الذكور عليهن؟ وهو ما ناقشته مادة الحديث و"العلوم" الدينية بلا شك ولكن مجال بحثه لم يدخل ذمن اهداف الكاتب البحثية.)
ويوجد مكان إضافي لا هو جنة ولا هو نار يسنيه القرآن الأعراف. وطبعاً اجتهد المفسرون لتعريف هذا الأعراف مثل ان يعتبروه مكاناً للذين استوت حسناتهم وسيئاتهم فهم لا بجنة ولا بنار لكنهم بالغالب سيدخلون الجنة (فكأن الأعراف هي الفرصة التي يمنحها الاله المنتقم للعبيد الذين لا تكون سيئاتهم كبيرة جداً فهي مساوية لحسناتهم " الا ان القرآن لم يطور هذا المفهوم مثلما طور مفهومي الجحيم والجنة"
" ان الواقعين المتخيلين للنار والجنة يمثلان المشهدين الختاميين للقصة الخلاصية في الإسلام حيث ينحسم الصراع بين الله وابليس وينحسم مصير الانسان"
الفصل الثاني عشر+ الفصل الثالث عشر.: صناعة محمد: من البداية الى الكلمة
أشار الكاتب – محقاً- الى ان " نبوة محمد أعظم وأجّل حدث في تاريخ العرب" والتي أسست لقيم الإمبراطورية العربية (متوسعة على حساب الامبراطوريات التي بدأت تتحلل وتقترب من نهايتها فلعبت الصدفة التاريخية دوراً مهماً في ضمان إمكانية قيام امبراطورية إسلامية - عربية حيث كانت الامبراطوريات المحيطة من روم وفرس وغيرها في مراحل الانهيار والتراجع والا لما تمكنت ثلة من المقاتلين ان تواجه جيشاً امبراطورياً منظماً وقوياً. فالموضوع – أي النبوة- نجحت مقابل العديد من النبوات والمشاريع السياسية الدينية التي فشلت وسقطت من تاريخ المنطقة.)
وما يميز هذا الدين انه كان دين ودولة معاً " لم يكن مشروع من حملوا السيف فقط من محاربين ورجال دولة وانما كان ايضاً مشروع من حملوا الدين من العلماء. كان خلفاء محمد منذ البداية مدركين كل الإدراك ان ميراثه الديني هو ركيزة دولتهم الفكرية ومصدر شرعيتها. وكان التحدي الأول ولمباشر على مستوى الميراث الديني هو اخراج الإسلام من مرحلة الذاكرة الدينية الشفاهية لمرحلة الدين ذي الذاكرة المدونة أو المكتوبة، أي ان يصبح الإسلام ديناً كتابياً ومنظماً ومؤسساً شأنه في ذلك شأن اليهودية والمسيحية." (فما زال الإسلام يبني ويتمم على ما سبقه من الأديان وان كانت الحنيفية التوحيدية المحلية قد اثرت بمحمد الا ان تجربة اليهودية والمسيحية الطويلة وتجربة المسيحية في التحول بين الدين والدولة – الإمبراطورية الرومانية – حيث لا انقطاع كامل بين الدين الجديد والأديان التي بُني على أثرها وخطاها وقصصها وحتى إلهها.) " ووضعت الدولة الأساس الكتابي للإسلام والأساس الموضوعي لدين مؤسس ومنظم له مرجعية وهوية نصية يشار لها بالبنان." وطبعاً هذا مهد الطريق لجمع ( ونحل احاديث قالها او يُفترض ان محمد قالها) فقد اتضح مبكراً لعلماء الدين (ان جاز اطلاق هاتان الصفتان مجتمعتان :علم ودين) " ان المادة القرآنية غير كافية، وأنه لا بد من توظيف مادة الحديث لأنهم احتاجوا لتفاصيل اوفى...وإن اصبح القرآن والحديث المصدرين الأوليين للإسلام فإن جسم العلوم الإسلامية الضخم الذي أنتجه هؤلاء العلماء ما لبث أن اصبح مصدراً ثالثاً لعب دوره الحاسم في تشكيل رسالة الإسلام " ( وطبعاً احتاج علماء الدين والمشرعين والمفسرين لما يدعم افتراضاتهم وتفاسيرهم للقرآن التي خالفت القرآن نفسه احياناً او تعارضت معه!!) وما أشار له المؤلف بوضوح ان الإسلام الذي نعرفه اليوم شكله أولئك المفسرين بالاستناد على المصدرين الأساسيين من قرآن وأحاديث مفترضة او موضوعة او حقيقية. وأشار الكاتب الى ما أسماه العلوم الإسلامية وصولاً لتناول موضوع مركزية الإله في الإسلام مقارنة بمركزية النبي مشيراً – محقاً – الى ان النبي هو الذي تبوء مركز الصدارة معبراً عن صوت الإله وممثلاً له على الأرض. وكما فعلت المسيحية أعاد الإسلام فتح باب النبوة الذي كانت اليهودية والمسيحية قد اغلقتاها وكما فعلت اليهودية والمسيحية اغلق الإسلام باب النبوة من بعده وجعل محمد خاتم الأنبياء كما فعلت اليهودية بموسى والمسيحية بعيسى. (فمن الطبيعي ان يفترض كل دين جديد انه اوصب رسالة إلهه وانه لا داعي لنبي بعده وتزداد هذه الضرورة بانتقال النبي من بيئة لبيئة او من أصل لأصل اخر فكيف يمكن لبني إسرائيل ان تقبل نبياً من خارجها – حتى انها لم تقبل مسيحاً من بين ظهرا نيها ونفس الشيء يُقال على المسيحية والإسلام اللذان ايضاً اعتبرا انهما قدما رسالتهما كأخر رسالة من إلههم ولا داعي للمزيد. وإذا كان هنالك من يقول ان الدين انتهى فإذا كان يقصد انه لم يعد ممكناً بظل التطور التكنولوجي ان ينجح أي مدعي نبوة ان يحقق نجاحاً كالذي حققه انبياء الأديان الشمولية وان نجح وما زال العديد من مدعي النبوة في جمع العشرات او المئات حولهم لكنهم لن يتمكنوا مجدداً من تأسيس دين بهذه الفرص بالانتشار والاستمرار)
يدخل الكاتب بتفاصيل نظرية النبوة الإسلامية التي وجد فقهاء الإسلام أنفسهم <مضطرين> لتطويرها لمواجهة التحدي اليهودي المسيحي (وان كنت اعتقد ان تطور نظرية كهذه فرضتها الضرورة الواقعية لضمان البقاء والاستمرار أي ان صراع الوجود بين هذه الأديان فرض عليها تطوير ذاتها كما أصبحت) " ولقد تمت صناعة محمد في إطار هذه النظرية" وقد تركزت عناصر هذه النظرية الرئيسية في 7 محاور: 1- البداية النبوية 2- الجسد النبوي 3- اللحظة النبوية 4- الكلمة النبوية 5- الفعل النبوي 6- المناقب النبوية 7- الخصوصية النبوية. وقد فصل الكاتب كل من هذه العناصر بتتمة الفصل الثاني عشر وفي الفصل الثالث عشر. (وبما ان هذه العناصر مرت بالكتاب فلن اعيد تلخيص اهم بنودها لكن للمهتمين بالموضوع هناك ضرورة لإعادة بناء رؤية الكاتب لكل نقطة. لكني سأضع بعض الاقتباسات فيما يلي لبعض القضايا التي لم يتطرق بعد لها الكاتب او تطرق له بطريقة مختلفة مسبقاً بغرض القاء الضوء عليها)
تساءل الكاتب حول موضوع الاصطفاء " ما الذي يضع قريشا في موقع خير القبائل وهم الذين قادوا المعارضة ضد دعوة محمد وحاربوه وحفل القرآن بصور تهديدهم؟ "
في محور اللحظة النبوية وبعد وصف ما يعتري محمد من تغيرات اثناء تلقيه الوحي أشار الكاتب الى انه " كانت هناك لحظات تظهر فيها على محمد كل علامات معاناة اللحظة النبوية من غير ان تكون ثمرتها قرآنا." (هذه اللحظات قد تكون ما دفع بعض الباحثين افتراض اصابته بمرض عصابي او نفسي له هذه المؤشرات. ومن الجدير ذكره انه ايضاً احياناً كان يتلقى قرآناً بدون ان تظهر عليه هذه الاعراض. وذكر الكاتب في غير مكان موضوع نسي بعض الآيات او ضياعها حيث أشار محمد انه نسيها او تم التغيير بها مثل ما مر في فصل لاحق. فالآية من سورة البقرة التي تقول ما نسخ من اية او نُنسها.... وهذا ما شرح أسبابه الحسن البصري بقوله “ان نبيكم أُقرئ قرآناً ثم نسيه)
بخصوص الكلمة النبوية فقد ميز الكاتب بين 3 أنواع من الكلام النبوي: القرآن ككلام إلهي جاء بوساطة جبريل، والثاني أحاديث قدسية ككلام إلهي جاء بدون الوساطة الجبريلية والثالث الأحاديث ككلام منسوب لمحمد. وأشار الى تساؤل وحوار بين الباحثين إذا كان القرآن كلام الله باللفظ والمعنى؟ فبرزت 3 اتجاهات للجواب الأول جعل القرآن لفظاً ومعنى كلام الله. والثاني جعل جبريل ينقل المعنى لمحمد الذي بدوره يعبر عن هذا المعنى بالعربية والثالث يعطي مهمة تحويل المعنى الى لغة لجبريل فيقدم المعنى الذي أعطاه إياه الله الى محمد جاهزاً بقوالب لغوية عربية. " وما لبث ان انتصر وساد الاتجاه الأول الذي يجعل القرآن كله لفظاً ومعنى من الله."
مما أشار له الكاتب ان معاصري محمد لم يجدوا كل ما قاله محمد كلاماً نبوياً واستحضر امثلة مثل رفض عمر لقرار صلح الحديبية الي رأى ان محمد اتخذ قراراً خاطئاً به ولم يعتبر قراره كلاماً نبوياً.


خاتمة الكتاب
اعتقد انه من المهم قراءة الخاتمة حيث انها تلخص الأفكار الرئيسية للكاتب لكني سأختم بفقرة قصيرة من هذه الخاتمة:
" النبوة دعوى تقوم على ادعاء الاتصال بالإله. وعندما يدعي الانسان النبوة فإنه يدعي في واقع الأمر ان صوته قد أصبح صوت الإله، وإن الإرادة التي يعبر عنها عي إرادة الإله. والنبي بهذه الصفة ليس ظل الله في الأرض انما هو تجسيده في الأرض والجالس على عرشه، والممسك بصولجانه، والحاكم المتنفذ باسمه < ومن يرث النبي ويلبس عباءته يصبح ظل الله في الأرض>"



#عيسى_ربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمل وفائض القيمة: قراءات مبسطة في كتاب رأس المال
- قراءات في كتاب رأس المال. اطلالة على مفهوم القيمة
- نقد الاقتصاد السياسي : قراءات مبسطة في كتاب رأس المال. مدخل ...
- إطلالة على المدارس والنظريات المثالية والمادية حول الدين
- حول ماهية الدين. مدخل تأسيسي لتعريف الدين والمقدمات التي أسس ...
- الأحزاب اليسارية والفعل الجماهيري
- من اجل التكامل بين الوطني والتنموي: المطلوب رؤية تنموية استر ...
- -ديمقراطية- بالعربي
- تهافت التهافت
- في أسباب تفشّي -ظاهرة- الفردانية في العمل السياسي
- عوامل بروز ظاهرة الناشطين الفردانيين
- حول الشكل التنظيمي لأحزاب اليسار
- ناشطين فردانيين مقابل أحزاب ثورية
- مهماتنا: الجزء الثاني التجربة الفلسطينية
- مهماتنا: الجزء الأول المجتمع المدني
- نحو تشكيل جبهة يسارية ثورية
- مهمات اليسار في ظل الحراك بالشارع العربي
- ازمة اليسار من سوريا
- الحزب، اليسار واليسار المهادن
- اليسار والثورة وما يسمى بالربيع العربي


المزيد.....




- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف هدف حيوي صهيوني ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن قصفها هدفا حيويا في إيلات ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف هدف حيوي إسرائيل ...
- استقالة -مدوّية- لموظفة يهودية بإدراة بايدن لدعمه إسرائيل
- المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان: منع الرموز الدينية بالمدارس ...
- -إف بي آي- يستجوب -مؤرخا يهوديا-!
- الفيلسوف الإيطالي أندريا زوك: الحرب على غزة وصمة عار والإسلا ...
- الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تعلق على اتهام وزير الداخلية الإ ...
- دولة إسلامية أكبر مستثمر في جمهورية تتارستان الروسية
- بناء أول كنيسة للمسيحيين الأرثوذكس الإثيوبيين في الإمارات


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عيسى ربضي - مراجعة كتاب نبوة محمد التاريخ والصناعة. مدخل لقراءة نقدية