مفيد ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1393 - 2005 / 12 / 8 - 11:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
اقتربت السلطة الشمولية السورية من نهاية مشروعيتها " الثورية" من زاوية نظر الشعب السوري لها, ومن درجة ومستوى الترابط بين الحامل الاجتماعي الكبير الذي شكل قاعدتها الاجتماعية والسياسية, وبينها0بعدما أيقنت أغلب هذه القاعدة الاجتماعية بأن هذه السلطة لم تعد تمثلها0 في حين أن هذه السلطة فقدت معنى وجودها الاجتماعي والسياسي منذ أمد بعيد, منذ أن أهدرت الثروة الوطنية وباتت عاجزة عن تقديم الحقوق والخدمات, وبعد مصادرتها الحريات واحتكار السياسة والسلطة ومنع ممارستها في الحياة0 وباتت عاجزة عن إقناع أحد بشعاراتها الوطنية والقومية الزائفة 0
إلا أن القمع و الرّهاب وارتباط الناس بالسلطة عبر ربط لقمة عيشها بعد أن تحولت إلى دولة مطعمة ,وعبر الضخ بواسطة المؤسسات التربوية والإعلامية والأيديولوجية المحتكرة من قبلها خلال عدة عقود جعلت الناس بحالة قبول مقنّع, واستعداد لتحّمل بقاءها وتحّمل مظالمها, كل ذلك وهم مندفعين إلى مكوناتهم الطبيعية " التحت وطنية " كشكل من أشكال تأمين الحماية للأمن وللحقوق, بعد أن غاب القانون وأفسد القضاء,و متجهين إلى دور العبادة كشكل تعويضي لممارسة السياسة وشكل من الدفاع عن الهوية في ظل غياب البدائل الوطنية الأرقى والحريات ,وهذا ما سهل مهمة اللاعبين بالمكونات الاجتماعية إلى مزيد من الاحتقان الطائفي والعرقي والعشائري 0
تفاقم الحال أكثر بعد اندلاع العنف في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وقيام السلطة بحملات القمع الذي طالت المجتمع و الحركات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, وكان من ضمنها الحزب الديني(الأخوان المسلمين) الذي مارس العنف ضد السلطة تحت مظلة اعتبار النظام من الطائفة العلوية وقام باستهداف رموز السلطة العلويين بالاغتيالات مما أثار غضب ومخاوف أبناء الطائفة العلوية , وبذلك حقق الأخوان المسلمون خدمة كبيرة للسلطة , وهي أن تماهي نفسها مع الطائفة, وتصبح مصلحة أبناء الطائفة وأمنهم مرتبط مع بقاء هذا النظام على سدة الحكم , كما أدى ممارسة العنف من قبل الأخوان إلى إخافة أبناء الطائفة السنية ذوي الاتجاهات المعتدلة, وإلى إخافة بقية الطوائف الأخرى, و الاتجاهات العلمانية واليسارية التي اضطرت إلى( نقل البندقية من كتف إلى الكتف الآخر)0
لم يكن الحال أفضل كثيرا في الشمال السوري حيث يتواجد قسم كبير من الأكراد السوريين,فقد حاولت السلطة استخدام الورقة الكردية كورقة إقليمية, وإعطاء التيارات المستخدمة امتيازات أفضت إلى حساسية بينهم وبين العشائر العربية المقيمة هناك ,وعند انتهاء الدور المطلوب تحولت الامتيازات بالاتجاه الآخر مما زاد الأمر تعقيدا 0
بدأت تظهر هذه الاحتقانات المختلفة جليا على السلطة بدءا من أحداث السويداء و القامشلي وأحداث مصياف والقدموس 0 وبات الجميع يخاف الجميع, وتزايدت مخاوفهم وقلقهم أكثر من حصول الفراغ الأمني السياسي ,مع بقاء تماهي السلطة و بقاء حالة التعايش وكأنها هي الضامنة لهذا التعايش 0
بعد سقوط بغداد واحتلال العراق وتدمير الدولة وسقوط النظام الديكتاتوري وحصول حالة الفراغ وتعميم حالة الفوضى وانعدام الأمن, كل ذلك وفّر الشروط المناسبة للجماعات الإسلامية الزرقاوية ومكنها من الإفادة من هذه الشروط والفوضى لتقوية حضورها وفاعليتها, وباتت نتائج أعمالهم أشبه بحرب على الشعب العراقي ومكوناته أكثر ما هي ضد الاحتلال بدرجات كبيرة0 وهذا ما أسس و يؤسس لحرب أهلية في حال استمرارها وتنامي فعاليتها, وبات حصول مجزرة في كل يوم أمرا مألوفا لكنه مرعبا للجميع بمن فيهم السوريين, إذ بات الخطر ماثلا للعيان وهو قائم في الجوار, واحتمال تكرار المشهد في سورية0 وبات المشهد متوقعا أكثر بعد تزايد الضغوط على النظام السوري الذي ارتكب الأخطاء الكبيرة في لبنان التي شكلت ذرائع مهمة ومجانية0 بدءا من التمديد للرئيس اللبناني ,واستمرار التعاطي مع المسألة اللبنانية بنفس الطريقة الأمنية والذي أفضى بدوره إلى تنامي التناقض بدرجة عالية بين مشروع الدولة الأمنية اللبنانية, وبين مشروع الدولة الليبرالية المدعومة عربيا وعالميا, وكان من نتائج تصادم المشروعين مقتل الرئيس الأسبق للوزراء اللبناني رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام إلى النظام السوري ومن ثم فتح ملف التحقيق الدولي وصولا إلى القرار 1636 وما يستتبعه من نتائج ستشكل ضربات إنهاكية لقوى وركائز النظام الأمنية وإضعاف هيبته أمام الشعب السوري 0
كل ذلك ساهم و يساهم أيضا في زيادة المخاوف لدى السوريين كلما اقتربوا من الفراغ الأمني السياسي الذي يفضي إليه تهتّك الدولة الشمولية الاستبدادية وغياب البدائل ذات الحضور والثقل الشعبي والسياسي 0 كما يضاف إلى تلك المخاوف فقدان الثقة بالذات الفردية والجمعية وبقدرتها على إنتاج البدائل وعدم الثقة بها حتى لو تم إنتاجها 0
إن الشعب السوري ينتظر اليوم مرعوبا من المستقبل و من بعضه, مستسلم لليأس وحالة الشلل التي يعيشها, وهو أشبه بالذاهب إلى مذبحه دون أية ممانعة 0 وفي المقلب الآخر تبدو المعارضة هزيلة في قدراتها الفعلية وهزيلة أكثر في قدراتها على توحيد جهودها وطاقاتها الموجودة, وهزيلة أيضا في قدرتها على تقديم تنازلات " مؤلمة " على صعيد مفاهيمها ومعتقداتها الأيديولوجية والسياسية التي تشربتها في مرحلة الحرب الباردة وزمن الخمسينات0 لذا باتت عاجزة أيضا عن التقاط المهمات الضرورية, وباتت عاجزة عن قراءة الواقع الموضوعي الذي يحيط بها و بمجتمعها بصفته واقعا مستقلا عن رغباتها وإراداتها وأفكارها وخطابها الأيديولوجي 0 الذي يحاول قسر الواقع وتفصيله على مقاس مفرداته وشعاراته 0
لذا بات تقديم التنازلات المؤلمة بدءا من حقل الأيديولوجيا وصولا إلى حقل السياسة0 وبات التقاط المشكلات وإدارة الأزمات بالسبل العملية والتفتيش عن المشتركات وتوسيع دوائرها كي تتقدم إلى المجتمع بشكل مقبول يشجع على كسب الثقة وعودة المجتمع إلى حقل السياسة و سدّ الفراغ أمرا بالغ الأهمية 0
إن أهم التنازلات المؤلمة المطلوبة من النخبة السياسية
ـ1 هي التنازل عن النخبوية, وإدراك حجم المخاوف القائمة وإرسال الرسائل التطمينية باللغة الدالة الصريحة للمشكلة إلى جميع مكونات المجتمع ( الخائف من بعضه) هذا من جهة, وتحديد اتجاه البوصلة الصحيح من جهة ثانية 0
2 ـ التنازل من قبل التيارات الرئيسية ( القوميين والاسلاميين واليساريين العالميين) عن مشاريعهم " الفوق وطنية والقافزة من فوق الحدود الوطنية السورية ,والرجوع إلى الخلف إلى المربع الأول مربع الوطنية السورية قبل أن يضيع هو الآخر تحت رايات الشعارات الكبرى الزائفة ويصبح الجميع قبائل وعشائر هائمة على وجهها بدون وطنا يضمها ويحميها 0 إن عدم الدخول في خيار التنازلات هذه يدفع للإعتقاد إلى أن الجميع ما زالوا يفكرون ويعملون وفق القاعدة الذهنية العربية القديمة الجديدة " إما كل شيء وإما لا شيء " و ربما هذا ما يفسر تصلب الأيديولوجيا وطغيانها على السياسة ,وتصلب الأفكار إلى درجة الجمود العقائدي 0
إن الوطنية السورية وهي في أخطر مراحلها تضع أبناءها السوريين على المحك : هل ينتمون إلى سورية أولا ويمارسون ذلك قولا وفعلا ؟ أم أنهم ينتمون إلى مشاريع أخرى وليس لديهم الاستعداد للتراجع عنها لصالح إنقاذ الوطن السوري ؟ هذا المحك هو الذي سيقرر وطنية المشاريع والاشخاص وليس شيئا آخر 0
#مفيد_ديوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟