أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مفيد ديوب - الجيل القومي الثالث .. وإعادة إنتاج الهزائم















المزيد.....



الجيل القومي الثالث .. وإعادة إنتاج الهزائم


مفيد ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1084 - 2005 / 1 / 20 - 10:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1 ـ " سئل أعرابي:أيسرك أن تدخل الجنة, ولا تسيء إلى من أساء إليك ؟
فقال بل يسرني أن أدرك الثأر وأدخل النار "!!

2 ـ" إذا طاف إعرابي بالبيت الحرام دعا لأبيه دون أمه لأنها من"تميم"
بينما هو من " الأزد " !!

3ـ " منذ أن بعث الله نبيّه من مضر, وربيعة غاضبة على ربها " !! *

4 ـ "نجد العربي إسلاميا في عقيدته وعبادته وقيمه الروحية و"عروبيا"
في ثقافته وقيمه الأدبية والفنية00 لكنه قبلي في نزعته وفزعته المجتمعية
السياسية " **



بالرغم من الفشل المرير للمشروع القومي العربي الذي تبّناه وقاده رواد
الجيل الثاني من القوميين العرب في المشرق العربي, وبالرغم من الهزائم التي
منيت بها الأنظمة القومية أمام العدو الصهيوني, وبالرغم أيضا من فشل تلك
الأنظمة في جميع المسائل التنموية والاجتماعية وحتى الوطنية, بدءا من محو
الأميّة مرورا بالتصنيع والاقتصاد, وصولا إلى الحفاظ على حد أدنى من اللحمة
الوطنية أو المجتمعية, ووصولا إلى الفساد وتخريب الأوطان والإنسان
وإيصالاهما إلى أسوء حال 0

وبالرغم أيضا من تحوّل تلك الأنظمة إلى أنظمة فاشية, قمعت شعوبها بوحشية
لم تعرفها العصور الحديثة وربما القديمة, وبالوقت ذاته تحّول تلك الأنظمة
إلى أدوات تقوم بأدوار وظيفية للمراكز الإمبريالية 0

بالرغم من كل ذلك لم يتوقف القوميون العرب في المشرق عند هذا التاريخ
البائس والهزائم التي حصلت لمشروعهم وأنظمتهم, لم يتوقفوا ويمعنوا النظر
ويعيدوا قراءة ذاك التاريخ قراءة نقدية, ويحاولوا اكتشاف مواطن الخلل بذلك
المشروع, والتي أودت إلى نسفه من جذوره, بالرغم مما أتاحت لهم التجربة
الميدانية وبالملموس, والنتائج التي تفقأ العين والعقل معا, وتكشّفت عن الفشل
الذريع لهذا المشروع, في حين لم تتوفر لغيرهم من أصحاب المشاريع فرصة
الاختبار الميداني لمشاريعهم 000 بالرغم من كل ذلك يضع القوميون للأسف رؤوسهم في
الرمل ويتعامون عن الحقائق ويتجهون في دروب الانتحار ثانية , يلعبون لعبة
قمار جديدة بأوطانهم وشعوبهم ومستقبلهم جميعا 0

* *
*

لقد أنتج مفكرو الجيل الثاني من القوميين فكرا خاطئا في عدة محاور

1-في المرة الأولى عندما قام ذلك الفكر بالاعتماد على فرضية أن القومية
العربية محققة و ناجزة, و أن الحدود السياسية التي وضعها المستعمرين هي التي
أعاقت اكتمال المشروع القومي العربي و تحقيق الوحدة000 و تلك الفرضية
اعتمدت بديهيا أن الشعوب في كل من أقطار الوطن العربي قد حققت مرحلة الاندماج
المجتمعي داخل القطر الواحد, و هي مهيئة للاندماج في فضاء الشعوب العربية
في بقية الأقطار, بينما كان الواقع حينها – و استمر إلى اليوم – غير ذلك,
حيث أن شعوبنا هي بمكوناتها و روابطها و انتماءاتها و ولاءاتها هي قبلية و
عشائرية و طائفية و أثنية, و لم تتمكن إلى اليوم من تذويبها في فضاء الوطن
ـ القطرـ الواحد , و تحوّل جميع الولاءات إلى ذلك الوطن, فالقوميون لم
يعيروا ذلك أية أهمية, و اعتبروا أنها بحكم المنتهية0 و كان الحل عندهم هو
القفز من فوقها دون فهم الآليات و الأدوات التي تمكن من تذويبها و انصهار
الانتماءات جميعها لصالح القطر أولا, و من ثم للعروبة ثانيا0 متجاوزين
الأسس التي وضعها الجيل الأول للقوميين لحل هذه العقدة الحضارية التاريخية, و
التي اعتمدت على ضرورة تحقق الدولة الحديثة ذات السلطات المستقلة عن
بعضها, و التي تأخذ شرعيتها من مشاركة مكوّنات الشعب المختلفة عبر صندوق
الانتخاب, و إشاعة الحريات و إرساء الديموقراطية في القوانين و الحياة0 و بهذه
الدولة الديموقراطية في هذا القطر يمكن أن تؤسس و تجهّز نفسها لمشروع
الوحدة القادم0 إلا أن الجيل الثاني أوقف المشروع القومي على رأسه حيث ألغى هذه
الأولوية و اعتبرها مؤجلة ـ لأنه لم يعيرها الأهمية تستحقهاـ لما بعد
تحقيق الوحدة0 و بذلك سارت الأمور بعكس الاتجاه تماما لما يرغب به القوميين,
فعوضا عن التقّدم باتجاه الوحدة بات الخطر يهدد الأقطار و عوضا عن أحلام
الوحدة و التوحيد بات الواقع يهدد بالتقسيم والتفتت0 وهذا هو بالضبط السبب
الذي أودى إلى هذه النتيجة المأساوية ( بعكس الرغبات و الأحلام )0 لأن
الفكر القومي للجيل الثاني كان فكرا زائفا تضليليا قفز فوق مشكلاته ليسقط في
الفراغ0

و هذا ما تجد تعبيراته لدى النخب القومية الفكرية والسياسية إلى اليوم
000 حيث يولون القضايا القومية الأهمية الأولى , و تتكثّف أنشطتهم و جهودهم
لها عوضا عن معالجة المشكلات الوطنية الداخلية, والتي بدون حلها لن يستطيع
العرب التأسيس أو الوصول إلى مشروعهم القومي , ويكونوا بالوقت ذاته فقدوا
"الأقطار " واحدا بعد الآجر 00

2- في المرة الثانية عندما قام ذاك الفكر بالترويج لفكرة أن حل جميع
المشكلات و التحديات بدءا من محو الأمية مرورا بالتنمية الاجتماعية و
الإنسانية و الاقتصادية و حقوق المرأة و الإنسان و الحريات, هي مشكلات ستحّلها
الوحدة العربية حين تحققها, و بالتالي بات ترتيب الاولويات التي يتصدرها
مشروع الوحدة و المشروع القومي على رأسه للمرة الثانية0 حيث قفز عن المشكلات
الخطيرة التي تستنقع التخلف و توقف التطّور, و التي بدون حلها تتهدد مصير
الأقطار ذاتها و تهدد كل قطر منها بالتفتت إلى أقطار 0

* *
*

لقد كانت هزيمة بغداد وسقوطها السهل بيد الغزاة الأمريكيين والبريطانيين
صاعقة للجميع من أبناء أمتنا, كما صعقت النخب الفكرية والسياسية بمختلف
مشاربها ـ قوميون وإسلاميون وماركسيون, وأوصلت الجميع إلى حالة من الذهول
واليأس والإحباط 000 إلا أن أحدا من تلك المذاهب لم يتوقف عند الأسباب
المباشرة والأسباب العميقة ــ باستثناء بعض أللآراء التي غردت خارج السرب ــ
حيث كان الاتجاه العام قد اتجه إلى تحديد أسباب الهزيمة والاحتلال ب
"الخارج " المعتدي والمستعمر, وتفوقه التكنولوجي وأطماعه في ثرواتنا 0 وهذا صحيح
طبعا, إلا أن الذي ليس صحيحا هو عدم التعرض إلى الجبهة الأخرى, وهي
أل"داخل" أو أل"نحن " 0 والبحث فيها عن عللها ومشكلاتها وممانعتها لأي تطوّر أو
إصلاح00

لقد أجاب الجيل الثاني من القوميين على الأسئلة الكبرى إجابات خاطئة ـ
بعكس الجيل الأول ـ لماذا تقدم الغرب بينما تخلف العرب ؟ ومن نحن؟ وما هي
هويتنا ؟ وكيف نبني أسس نهضة جديدة ؟ ونبني أوطان قوية تقف في وجه مطامع
الغرب الاستعماري ؟ فكل ما صنعوه هو حمل إجاباتهم الخاطئه على أكتافهم وإيصال
أحزابهم القومية إلى السلطة بواسطة العنف وإقصاء الجميع , ليس من الحياة
السياسية فحسب بل من الحياة كلها00 وبدأ عدّ الأنفاس بعدما تكثفّت السلطات
بيد الأمين العام لتلك الأحزاب 0وعوضا عن التأسيس لبناء أوطان قوية (
إنسان حر متعلم واقتصاد قوي وعلوم وتكنولوجيا وإزالة معيقات التطور ) تم
التأسيس لجيوش متورمة ودول محكومة بالحديد والنار, ومتصالحة بالوقت ذاته مع كل
قوى الممانعة,(من قوى دينية سلفية والتقسيمات الطائفية والعشائرية
والمذهبية) التي تساهم في تأبيد حكم السلطان 0 لذا مات الشعب وماتت طاقاته وبات
مرتبكا وعاجزا عن التمييز بين ضرر المحتل وبين ضرر حكم الأمين العام "ابن
الشعب البار" ابن القاع الاجتماعي, " القائد الملهم, القائد الضرورة, الذي
لم ولن تلد النساء مثيل له " الذي فاق الخيال 0 فوقف الشعب على الحياد
والسكاكين تنزل في أحشائه00 لم يقف القوميون من أعمال زعمائهم ومجازرهم ومن
مشروعهم برمته موقف الناقد والمعارض لهذه الممارسات الوحشية بل بالعكس
باركوها وما تزال التبريرات والأوهام تملأ رؤوسهم, وما تزال صور أولئك الزعماء
في ذاكرتهم تحظى بصور البطولة ( العروبية)0

وما أن برزت أعمال المقاومة المسلحة في العراق إلى السطح و باتت تتصدر
وسائل الإعلام, وبالرغم من أنها حددت هويتها الاسلاموية الجهادية, وتوضّحت
اتجاهاتها وأهدافها والتي تختلف عن الأهداف القومية, فقد عاد الخطاب القومي
إلى الظهور وعاد إلى تهويماته ومراهناته الخاسرة وأخطاءه القاتلة والتي لا
تقل خطورة عن مجازر الزعماء القوميين00 عاد إلى المراهنة على نهوض قومي
جديد معتمدا نفس المرتكزات السابقة للمشروع القومي دون أي مراجعة لتلك
المرتكزات أو محاولة تفكيكها0 عاد إلى المراهنة على النهوض العربي معتبرا
المقاومة العراقية الحالية ( بمعتقداتها وأهدافها الحالية ) رأس حربة هذا
النهوض00

لذا تدافعت الشخصيات القومية إلى عقد مؤتمراتها التي تؤيد وتدعم هذه
المقاومة (بعجرها وبجرها)طالما هي تقتل من الجنود الغزاة وتثأر منهم ,واندفعت
أيضا إلى تحالفات مع الاتجاهات الإسلامية لعقد مؤتمرات مشتركة لهذه الغاية0
دون أن يتم الجواب على أي سؤال من الأسئلة التالية :ما هو مشروع هذه
المقاومة؟ وهل تخدم المشروع الوطني العراقي أم تضر به ؟ وهل طريقها يودي إلى
طرد المحتل و تحريره والحفاظ عليه موحدا ؟ أم تشكّل تهديدا حقيقيا على
مكوناته ومستقبله؟ وهل توقيتها ـ أي قبل إجراء الانتخابات العراقية وإعداد
الدستور وعودة مؤسسات الدولة للحياة والعمل ـ هو التوقيت الذي يفيد العراق أم
يضرّ به ؟

لقد اتفق الخطاب القومي مع الخطاب الإسلامي على ثوابتهم القديمة: إن أي
شيء يتم تحت كنف الاحتلال فهو يخدمه من جهة, وهو باطل وعميل ومعادي من جهة
ثانية0 وبالتالي يجب تدمير كل شيء يتم تحت رعايته وإشرافه مهما كانت
النتائج 0 يغيب عن هذا الخطاب أي حساب للمصالح العليا للوطن, والمخاطر التي من
الممكن أن تحدث للوطن في حال الإجابات الخاطئة على أي من الأسئلة المهمة
السابقة 0 أو الاعتماد على مراهنات خاسرة أو مجازفات تقامر بمصير الأوطان,
وكل ما يقوم عليه ذاك الخطاب هو النزوع الثأرية والافتتان بالقوة بمعناها
الفيزيقي ـ ذات المرتكزات السابقة 0 كما أدان ذلك الخطاب مشروع الانتخابات
المزمع إنجازها سلفا قبل أن تتم, ومشروع الدستور الجديد قبل أن يباشر به,
وهو ذات الموقف الذي تتبناه المقاومة الحالية0 بل هي هددّت بنسف مقرات
الانتخابات وقتل العاملين فيها والمرشحين لها0 وهي تقوم يوميا بنسف مقرات
الشرطة ومراكز الدولة 0 بحجة أن ذلك يتم في ظل الاحتلال0 وهي حجة تضليلية
زائفة تخفي عدائهم جميعا للديمقراطية0 وبالوقت ذاته تخفي خوفهم منها لأنها
ستحاصرهم وتفرض عليهم شروطا وآليات عمل مختلفة, سواء على طريق المقاومة أو
في نمط الحياة ذاتها, ولا تتوافق مع معتقداتهم أو عقولهم الإقصائية
والديكتاتورية 0

إن المقاومة حق طبيعي للشعوب ضد الغزاة وهذا من ثوابت الحياة البشرية وهي
ليست محط بحث أو جدل 0لكن المقاومة لم تكن يوما هي الغاية, بل هي السبيل
لطرد المحتل وتحرير الوطن, وخروج الوطن موحدا أرضا وشعبا وبأقل
الخسائر0والوطن ليس جغرافيا فحسب , بل هو الإنسان أولا وقبل أي شيء آخر ,كما أن ليس
بالضرورة أي فعل مقاوم ضد المحتل يخدم مشروع تحرير الوطن وتحرير
الانسان0وهنا يبرز التناقض الشديد بين اتجاهين : الاتجاه الأول الذي يؤيد أي شكل
ونوع من المقاومة ومهما كانت أهدافها وغاياتها , وكيفما كان توقيتها, ومهما
كانت النتائج 0 أما الاتجاه الثاني فهو الذي يحمل برنامجا ومشروع تحرير
وطن والحفاظ عليه موحدا 0 ويعتمد أساسا على احتضان الشعب ـ بجميع مكوناته
دون استثناء أو تخوين أي طرف ـ لهذه المقاومة ودعمه الكامل لها 0ومستخدمة
كافة أشكال المقاومة السلمية والمسلحة 0عندها ستكون المقاومة قاطرة الشعب
بأثره إلى التحرير وإلى الوحدة بذات الوقت0

وعندما لا يتمكن الشعب بعد من لملمة جراحه واستعادة أنفاسه بعد حرب ومن ثم
احتلال ـ كما حصل للشعب العراقي ـ ولم يتمكن بعد من تشكيل مقاومته الوطنية
التي تعبر عن كل مكونات الشعب تحت راية الوطن الموحد بأرضه وشعبه , تصبح
المهمة الوطنية بامتياز هي العمل على قطع الطريق على المحتل أو سواه لدفع
الوطن ومكوناته إلى الانفراط والتشّظي أو الاقتتال الأهلي, ويصبح العمل على
أي إجراء يضمن سلامة الوطن هو الأهم, تعرض ذلك مع المستعمر أم توافق,
وتصبح المغالطة أو تغليب الرغبات الفطرية والعفوية على حساب العقل والحسابات
المدروسة , هي التي تشكل الخطر الأكبر على الوطن, وهي التي تخدم الاحتلال
أكثر من أي شيء آخر مهما كانت المسميات والادعاءات, لأن الاحتلال سيرحل
اليوم أو غدا, ألا أن الوطن لن يعود إلى وحدته بعد تفتته وانقسامه 00 ومن
هنا تأتي خطر المقاومة الفئوية ذات الأهداف الخاصة والتي لا تتطابق مع مصالح
الوطن وسلامته00

* *
*

ما هي مخاطر الطريق الذي تسير به المقاومة الاسلاموية الحالية على العراق
ومستقبله ؟ إنه سؤال لا يجد عند الاتجاهين القومي والإسلامي أجوبة دقيقة
ومقنعة, وكل ما يجده المرء في خطاب الاتجاهين المذكورين مجموعة من الشعارات
القديمة والجمل التي ليس لها معنى محدد, والمفاهيم العائمة الضبابية أو
الطوباوية, والبنى الاعتقادية ذات الأساس والشحن الأيديولوجي الذي ساد في
منتصف القرن الماضي 0ولإيضاح المخاطر المتوقعة لابد من البحث الدقيق في
مكونات المجتمع العربي عموما والعراقي خصوصا000

يقول د0تركي الحمد "القبيلة والطائفة والأقلية العرقية أو المذهبية
والعائلة الممتدة ما زالت هي الوحدات الاجتماعية السائدة في الكثير من أقطار
العروبة, والتي يستمد منها أفراد ومواطنو هذه الأقطار هويا تهم وإليها تتجه
ولاءاتهم ووفقا لآلياتها يتحدد مجال حركتهم وتفاعلهم الاجتماعي والسياسي,
أما المجتمع الأكبر أو الكيان الأكبر (الذي هو الدولة الوطنية في هذه
الحالة )فانه, وفي أغلب هذه الأقطار ليس إلى شكلا ظاهرا يخفي في جوفه هذا
التشرذم وذاك التشتت 0أما الذي يحفظ هذا الشكل الظاهر من الكيان الواحد فهو
السلطة المركزية, وليس آليات المجتمع المدني كما يفترض أن تكون عليه الأمور "
(الشرق الأوسط :22111992 )

ولا تغيب هذه الحقيقة عن المفكرين القوميين ذاتهم عندما تخّف عليهم وطأت
الأيدولوجيا, حيث يقول قسطنطين زريق في مقالة في الحياة:761991:"أما
العصبيات فهي متفشية في جسمنا القومي, ولا تزال تعمل في تفتته وإفساده, وأهمها
العصبية القبلية 000 وفي الحرب الأهلية اللبنانية نرى أن الطوائف
المتنازعة تصرفت كقبائل وعشائر أكثر منها كوحدات دينية منبثقة من رسالات سماوية
000 كما قد علمنا التاريخ أنه لما عادت هذه العصبية إلى الظهور, وحملها
العرب معهم إلى الديار التي افتتحوها من أواسط آسيا إلى الأندلس غدت عامل مهما
من عوامل تضعضع ملكيتهم 000ومثل العصبية القبلية, العصبيات الدينية
والمذهبية والطائفية000" ****
لقد كشفت الوقائع والأحداث في أكثر من بلد عربي الغطاء الطوباوية والمزاعم
الوحدوية والتوحيدية, وحددت بدقة مكونات مجتمعاتنا العربية الرئيسية
والفاعلة إلى اليوم, والتي لم تتمكن هذه المجتمعات من تفكيك بناها القديمة
وتحقيق الاندماج المجتمعي الوطني 0 وقد ساهم الاستبداد المعاصر في تكريس ذلك
بشدة وفي المزيد من انكفاء المجتمعات إلى مكوناتها تلك والتمسك بها والتعصب
لها00 لذا فهي مهيأة إلى التصدع والاقتتال الأهلي لدى تبدي ضعف الدولة
المركزية أو انهيارها, وهذا هو التخوف والخطر على العراق إذا ما استمرت
المقاومة الحالية بسيرها في طريق تحطيم الدولة ومؤسساتها وإفشال الانتخابات
وإفشال عملية إنجاز الدستور الجديد الذي سيشكل صيغة التعاقد الاجتماعي الجديد
الذي سيؤمن قبولا بالعيش المشترك تحت سقفه, وسيمنع بالوقت ذاته من انفراط
البنى الاجتماعية القائمة وتشظيها أو اقتتالها وبالتالي تقسيم شعب العراق
وأرضه 00

وهذا ما حذّر منه وبحثه عام الاجتماع العراقي د0علي الوردي بما يخص العرب
عموما والمجتمع العراقي تحديدا:

" نجد الشعب العراقي واقعا بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية ,قيم
البداوة ألآتيه من الصحراء المجاورة ,وقيم منبعثة من تراثه الحضاري القد
يم ,والمتوقع في مثل هذه الحالة أن يعاني الشعب صراعا اجتماعيا ونفسيا على
توالي الأجيال ,فهو لا يستطيع أن يطمئن إلى قيمه الحضرية طويلا لأن
الصحراء تمده بين كل آونة وأخرى بالموجات التي تقلق علية طمأنينته الاجتماعية
,وهو من الناحية الأخرى لا يستطيع أن يكون بدويا كأبن الصحراء000 وقد نصف
الشعب العراقي بأنه شعب حائر,فقد انفتح أمامه طريقان متعاكسان وهو مضطر أن
يسير فيهما في آن واحد ,فهو يمشي في هذا الطريق حينا,ثم يعود ليمشي في
الطريق الآخر حينا آخر 000 والواقع إن هذه الحيرة النابعة من ازدواجية
التكوين والنسيج المجتمعي بين نمطين من النظم والقيم لا يقتصر على الشعب العراقي
وحده وإنما تشمل العرب جميعا بل هي أكثر من العراق القديم التحضر000 وحقا
إن جدلية "البادية ـ الحاضرة "هي من أقوى الجدليات وأسبقها وأخطرها في
صياغة القاعدة السوسيولوجية للمجتمعات العربية وتوجيه مجرى التاريخ العربي
,والحاضر العربي إلى حد كبير , وخطورتها أن المجتمعات العربية التي تبدو
عليها مظاهر التحضر ولها تراث قديم منه ,داخلتها ومازجتها مؤثرات البداوة
والقبلية بشكل خطير ومقنعّ "***

* *
*

إن هذه المقاومة الحالية ( الظاهرة على السطح إلى الآن ) هي مقاومة فئوية
وهي في صميم معتقداتها إقصائية و الغائية وعنفيّة تجاه الآخر المختلف في
المعتقد أو المذهب أو العرق أو الجنس, وهي تكفّر الآخر المختلف وتبيح سفك
دمه حتى ولو كان ذلك بين التيارات المتشابهة, وهي لن تلقي السلاح ـ مهما
ادعى المدعون الواهمون الحالمون ـ بعد تحرير الوطن بل ستعمل لاستخدامه من
أجل فرض شروطها على الآخر المختلف وإن عجزت عن ذلك ستعمل على اقتطاع البقاع
التي تهيمن عليها0 وربما الانفصال بها من أجل أن تفرض أو تطبق مشروعها
العقائدي الخاص ـ الغير وطني ـ حيث لا يعني لها الوطن سوى أنه ساحة الحرب
المناسبة ضد (الأعداء) وكما يقول دعاتهم:إن الله منّ عليهم بنعمته لأنه أرسل
لهم الكفّار إلى ديارهم هم ووفّر عليهم عناء السفر إلى عندهم ومخاطر ذلك
00 فالمقاومة ليست متعلقة بالوطن وتحريره أو مصالحه بل بمقاتلة الكافرين
أينما كانوا سواء في بلادهم أو في أي مكان آخر 0

وهكذا تتبدى مظاهر العجز والتهتك في الثقافة العربية وفي الفكر عموما
والفكر السياسي خصوصا, عندما لا تستطيع الوصول إلى عمق مشكلاتها وأسبابها
من ناحية, ولا تستطيع بالوقت ذاته إبداع الحلول لها, وهنا تظهر مظاهر
العجز واضحة عندما يندفع الكارهون للمحتل والمعتدي إلى تأييد الطرف الخصم له
مهما كان نوع هذا الخصم, بل تنسج الخيالات أوهاما خادعة عن هذا الخصم حتى
ليبدو وكأنه النقيض الوطني الذي يعيد الأوطان حرة وموحدة, وهنا مكمن الخطر,
حيث يقوم الفكر بدور تضليلي خطير عندما يحول الظاهرة المرضية إلى ظاهرة
صحية وبذلك يقطع الطريق على تشكل الظاهرات الصحيحة وهذا ما حصل لأغلب النخب
الفكرية والسياسية العربية عندما فاجأهم احتلال العراق والمقاومة الحالية
وباتوا مطالبين بموقف منها0

إن هذا الارتباك والاضطراب الحاصل في الرؤيا الفكرية السياسية له أسبابه
العديدة ليست هنا موضع بحث إلا أن أحداها ـ وله صلة بموضوعنا هذا ـ هو
الخلط الحاصل بين الدولة ومؤسساتها (القضاء والدستور00إلخ) من جهة وبين
السلطة السياسية التي تدير شؤون الدولة من جهة ثانية, فتاريخنا العربي لم يعرف
حدودا فصلت هذا عن ذاك, حيث كانت السلطة السياسية تبتلع الدولة وجميع
أنواع المؤسسات والمجتمع أيضا وتهضمهم جميعا وتعيد إنتاجهم بما يخدم بقاءها
على رأس الهرم السلطوي, ومن هنا تبدي مظاهر العداء للدولة ومؤسساتها
وللدستور أيضا عندما بات واضحا دعم المحتل ـ الذي نعاديه ـ السلطة المؤقتة
والمتشكلة بظل الاحتلال ليطال أيضا الدستور والدولة برمتها دون أن ندرك الأهمية
البالغة للدولة والدستور وبشكل خاص كما هو الحال في العراق واللذان يشكلان
الضامن شبه الوحيد لتجنب حرب أهلية ولتمزيق العراق وشعبه 00

ويبدو أن من يقع في فخ هذا الخلط ويضع البيض الفاسد والصالح في سلة واحدة
معادية, لا يضيع عقله(00هذا إن كان له عقل ) فحسب, بل يضيع ذاكرته أيضا إن
كان لدية ذاكرة 00 فقد نسي هذا الرهط تاريخ نضال الشعب في كل البلدان
العربية التي احتلت, وكيف ناضل أهلها ضد المستعمرين في جميع الميادين بدءا من
العصيان والممانعة مرورا بالانتخابات والمعارك الوطنية تحت قبب البرلمانات
التي أحدثها المستعمرون ذاتهم مرورا بخوضها في كافة المحافل الدولية التي
كانت تتاح لهم وصولا إلى استخدام العنف وانتهاج الكفاح المسلح لتحرير
الأوطان0 0 لقد نسي أولئك أن أعظم الشخصيات الوطنية في سورية والذين نصبت لهم
النصب والتماثيل في أهم الساحات وفي أهم المدن أولئك الذين خاضوا معاركهم
ضد المستعمرين داخل جلسات البرلمان وأثناء الانتخابات أمثال:سعد اللة
الجابري وشكري القوتلي وعبد الرحمن كيالي وفارس الخوري وإبراهيم هنانو وهاشم
الأتاسي (من الكتلة الوطنية, انتخابات 1930), ود0 عبد الرحمن شهبندر زعيم
حزب الشعب الذي طوّق بيته عام1936ومن ثم اغتياله عام 1940 ورفاقه
القياديين الذين هربوا إلى مصر أثر مطاردة الفرنسيين وذلك لنضالاتهم من اجل
الاستقلال وفي جميع الميادين 00****

لقد اثبت الآباء والأجداد كفاءتهم في مقاومة المحتلين وبعد نظرهم في
ابتداع الأساليب المناسبة هذا من جهة, و حرصهم بالجانب الآخر على الوطن بأن
يبقى سليما وموحدا أرضا وشعبا, أو بأقل الخسائر0 لأنهم كانوا يأملون بتشييّده
وبنائه هم أو أولادهم 0 بينما يفتقد هؤلاء الأولاد إلى (عقيدة )

البناء, ويحتفظون فقط بعقائد الهدم والثأر بعد أن ضللتهم الأيدولوجيا
الزائفة, وأعادتهم ثانية إلى محرقة الضحايا الأغبياء00

ــ ــ ـــــــ ــــــــــــ ــــــــ
ــــــــ ــــــــــ

* ـ د0محمد جابر الأنصاري: كتاب العرب والسياسة

** ـ المصدر السابق

*** ـالمصدر السابق

**** كتاب الأيديولوجيا والقضبان هاني نسيرة

*****ـ ـ كتاب أكرم الحوران حمدان حمدان


مفيد ديوب 1512005




#مفيد_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انشطا ر العقل العربي, وفشل المشروع القومي, ولعنة الثنائيات
- الأخوان المسلمون.. والديمقراطية,والحوار الدائر
- ما بين العقدة من الغرب ومن الشرق .. ضاعت حدود الأوطان
- المعركة ليست في الفلوّجة الفلسطينية.. بل في القاهرة
- إعاقات العمل الوطني الديمقراطي المشترك
- مانديلا سوري .. يحكم عليه بالسجن عاما جديدا
- العودة إلى السياسة.. مهمة وطنية بامتياز
- الخوف من الديموقراطية.. الخوف من المستقبل
- المدنية العربية .. بين الموجات الرعوية والموجات الريفية
- الديموقراطية.. العصية على العقل العربي
- المعّوقات والإعاقات .. المتجددة
- المعّوقات والإعاقات .. المتجددة
- الديموقراطية.. العصية على العقل العربي
- حول ورقة الموضوعات المقدمة إلى المؤتمر السادس للحزب الشيوعي ...
- متى يرزقنا الله بأفضلهم...؟ مفارقات صادمة .. وجلد الذات
- ثورة الحجاب
- حلب ... يا مجمع الأحرار


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مفيد ديوب - الجيل القومي الثالث .. وإعادة إنتاج الهزائم