أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: منال














المزيد.....

قصة: منال


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4651 - 2014 / 12 / 3 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


حلّت بيننا مثل غمامة صيف ثم غابت كالهواء. كان للغربة وهي تحيا بيننا طعم مختلف، كنا نرى فيها صورة الوطن، وكنا نتأسى عليها لأنها منذورة لموت عصيب، لم نقل لها إننا نعرف كل شيء عن موتها. ولم تقل لنا إنها تعرف كل شيء.
في الصباح المبكر، كانت تأتي إلى مكتب الحزب في شارع باريس، تعدّ لنا كؤوس الشاي، نبادلها المزاح كأنها ابنتنا الكبرى، ثم تجلس إلى الهاتف تخاطب الصحف في العواصم البعيدة، تزودها بأسماء الشهداء، وحينما يستبد بها التعب، تتمدد على الأريكة في الغرفة المجاورة ولا تقول لأحد إن الموت يقترب. تنهمك في قراءة روايتها الأثيرة، وتتمنى أثناء النقاشات الحارة معنا لو أنها كاتبة، لكنها تصمت قبل أن تمعن في التمني، فنقرأ الحزن الخفي على الوجه الصبوح. كانت تصغي بانتباه إلى أحاديثنا المتشابكة، وحينما يغني أحدنا متأسياً على الوطن، تقول في هدوء مرير: إن الغربة موت.
كانت تركب المترو كل يوم من بيتها في الحي الجنوبي، تتأمل وجوه الناس في العربات الصقيلة، تجوب الشوارع الفسيحة ثم توغل في الأزقة الضيقة في الحي القديم وتقول: لشد ما تشتاق نفسي إلى القدس، ثم تجلس في شرفة بيتها في المساء، ترتق جوربها الذي انمزع بعد رحلة مديدة، وتنتظر الموت الذي يعتمل في الأعماق. كنا نعرف أن غربتنا ستكون ممضة من بعدها، وكنا نقول أحياناً ونحن نرقبها من بعيد: لو أننا لم نعرفها، لأن موتها سيكون باهظ الوقع في نفوسنا. كانت تتظاهر بأنها لا تسمعنا، ولا تعرف شيئاً مما نهجس به. كنا نعرف عرضاً وفي أثناء الأحاديث الممتدة دون ضوابط، أنها تكون في مكانين مختلفين في الوقت نفسه، نعرف ذلك حينما يقول أحدنا: أمس في الساعة التاسعة انتهت من تلقين ابنتي الصغرى درس اللغة. فيقول آخر: في تمام التاسعة كانت في المطبخ تساعد زوجتي في إعداد الحلويات الشرقية، فنعجب للأمر لحظة. ثم نكتم السر ولا نغوص في التفاصيل. وفي ليلة الاحتفال بعيد الحزب الشقيق، رقصت في الصالة المكتظة وغنت للوطن أجمل الأغنيات. وكنا نقول ونحن نراقبها في إعجاب: إنها تجعل موتها أصعب في القلوب، ثم غابت منال.
أمشي في شارع باريس، أتجول في الحي القديم، أجوب الأزقة التي كانت تحبها، أركب المترو متجهاً صوب الجنوب إلى بيتها، ثمة صمت مريع في الشرفة وعلى الممر المفضي إلى الباب، أقرع الجرس ولا من مجيب، أدور حول البيت، أرى جورباً منسياً على حبل الغسيل في الشرفة الخرساء، أهم بالعودة من حيث أتيت، فجأة أسمع صوتها يناديني من خلف الباب: غير أنني أمضي غير مصدق أذني، وأبقى حائراً وقتاً غير قليل: هل أقول لأصدقائي إنني سمعت صوتها يناديني بكل جلاء أم لا أقول!
هذا المساء، كنت خارجاً من صالة الشاي الزرقاء. مررت بشارع باريس. كان مكتب الحزب مضاء. وقفت لصق النافذة القصية، سمعت صوتها يرسل أسماء الشهداء للصحف في العواصم البعيدة. لم أجرؤ على الدخول. تسكعت في الشوارع حتى خارت قواي، وبعد منتصف الليل بقليل، كانت منال تغادر بخطى متعجلة شارع باريس نحو محطة المترو، ثم إلى بيتها في الحي الجنوبي حيث الجورب المنسي في الشرفة الخرساء، في ظلام الليل الحزين هناك.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: خروج
- مروان
- قصة: انتحار
- عرض أزياء
- قصة: مرايا
- قصة: بيان
- قصة: كلاب
- قصة قصيرة جدًّا: أرغفة
- قطط
- الاحتفال
- مطر
- زمن آخر
- الطفل ينام
- المرأة والحصار
- حالة
- زجاج
- أين نسهر هذا المساء؟
- عمي الحاج
- الحفلة
- رمل وماء وهواء


المزيد.....




- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...
- دور النشر العربية بالمهجر.. حضور ثقافي وحضاري في العالم
- شاومينج بيغشش .. تسريب امتحان اللغة العربية الصف الثالث الاع ...
- مترو موسكو يقيم حفل باليه بمناسبة الذكرى الـ89 لتأسيسه (فيدي ...
- وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن 70 عاما
- بسررعة.. شاومينج ينشر إجابة امتحان اللغة العربية الشهادة الا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: منال