أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - رمل وماء وهواء














المزيد.....

رمل وماء وهواء


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4639 - 2014 / 11 / 20 - 01:40
المحور: الادب والفن
    



في لاريسا شيء محبّب، لا يعرف كنهه بالضبط. التقاها أول مرة في المطار. كانت مثل مهرة جامحة، وكان خارجاً للتوّ من رطوبة الزنازين. رافقته لاريسا إلى البحر البعيد تاركة مدينتها الصاخبة. هي تفعل ذلك كل عام، ترافق الضيوف القادمين من ذلك البلد الصغير الذي لم يهنأ يوماً ولم يعش لحظة استقرار، تقضي عدة أسابيع على شاطئ البحر، ثم تعود إلى مدينتها وقد لوّحت شمس الصيف بشرتها، وجمعت في صدرها حكايات جديدة، لم تكن تجد أي حرج في سردها على زميلاتها.
تقول لهن إنها لا تملّ صحبتهم ولا تنفر منهم، يلاطفونها بكلام عذب حيناً، ويعلنون دون مواربة اشتهاءهم لجسدها المكشوف أمام الرمل والماء حيناً آخر، تصدّهم برفق، وتصدّهم بخشونة إذا تمادوا، ولا تشعر بالندم لأنها حسمت أمرها بالبقاء في محيطهم حينما اختارت أن تدرس لغتهم. تقول كلما تعرضت لسؤال عن علاقتها بهم، ثمة شيء محبّب فيهم، لا تعرف كنهه بالضبط.
قالت له في عفوية محببة: سأخلع فستاني. كان مسكوناً بالخجل. أردفت دون تردّد: لماذا لا تخلع ملابسك؟ كان ذلك قريباً من شاطئ البحر. اختفت داخل كابينة صغيرة، لم تلبث فيها سوى لحظات. مشت حافية على الرمل، مشى إلى جوارها، وبدا واضحاً له أن ثمة جسداً ظلّ مخبأ في أردية الشتاء الطويل، يعلن الآن اندلاعه المتهوّر تحت الشمس. ركضت في الماء، ألقت صدرها وبطنها فوق الموج، سبحت مثل سمكة. راقبها وهو واقف على رمل الشاطئ، مشى في الماء بضع خطوات ثم رجع. نادته من بعيد كي يتبعها، لم يفعل. جلس عند الشريط الذي يتلامس فيه الرمل والماء، نهايات الموج تضرب قدميه، وثمة حصى مغسول يجثم ساكناً دون اعتراض.
عادت مبتهجة، عصرت شعرها الذهبي الطويل بيديها، فركت جسدها بالمنشفة، فرشتها فوق الرمل، ليس بعيداً منه، استلقت بأبهة واسترخاء، أغمضت عينيها لتتّقي أشعة الشمس، قالت: لماذا لم تنـزل في الماء؟ كان ذلك هو يومهما الأول قرب البحر.
حدّثها عن معاناته في الزنازين. حدثته عن بعض تفاصيل حياتها. قالت إنها أحبت ذات يوم طالباً من أبناء مدينتها، عرض عليها الزواج، كادت توافق، وحينما عرفت منه أن ثمة من يعرض عليه الهجرة، للإقامة في مستوطنة بعيدة مبنية فوق أرض منهوبة، رفضت الزواج، وأنهت العلاقة معه. قالت إنها وقعت بعد ذلك في حب طالب وعدها بالزواج، اشترط عليها منذ البداية أن تسكن مع أهله في المخيم الذي انتهوا إليه بعد أن طردوا من بلادهم، فوافقت. أنهى تحصيله الجامعي، وعاد إلى المخيم قبل سنتين، وهي تتلقى منه الرسائل بين الحين والآخر، وتنتظر اليوم الذي يأتي فيه ليصطحبها معه إلى المخيم.
يصغي لها وهو مشفق عليها من مفاجأة. ثم تقطع حديثها دون سبب، تجرّه من يده إلى الماء، تشجعه على السباحة، يربكه الموج، يتعلق برقبتها، يدخل صدره في تماس غير مقصود مع نهديها. قضت وقتاً غير قليل وهي تعلمه السباحة، ركضت معه فوق الرمل، دخلت معه في اشتباكات عابثة، تباغته بحفنة من الرمل ترشّها فوق رأسه، ثم تهرب مبتعدة، يتبعها راكضاً، يقبض عليها، يلف ذراعيه حول خصرها، يحملها عالياً بين يديه، ينـزلها على الرمل، تستلقي وهي تضحك، يملأ راحة يده بالرمل، يهدّدها بأنه سينعفه على شعرها، لكنه لا يفعل، يدني قبضته من القناة التي بين نهديها، يسمح لبضع ذرات من الرمل بالتسرب من راحة يده، تشعر بالرمل يدغدغ أطراف النهدين، تمعن في التمنّع والضحك، تفلت منه، تركض، يركض في أثرها إلى أن يحلّ المساء.
ذلك المساء، مدّ يده إلى نهدها بصراحة لا تحتمل التأويل، أيقنت أنه يكرر ما حاوله معها الآخرون. تذكّرت أن عليها أن تصدّه كما صدّت الآخرين، لكنها تلكأت، تلكأت قليلاً، ارتبكت، أغمضت عينيها، وغابت عما حولها من رمل وماء وهواء.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيقاع الحليب
- مقعد بابلو عبد الله
- جدار أكاديمي
- ابنة خالتي كوندوليزا
- عيون موراتينوس
- الوليمة
- مشية نعومي كامبل
- ما بعد صورة شاكيرا
- مقعد رونالدو
- صورة شاكيرا
- ثلاث قصص قصيرة جدًّا
- سميح القاسم الباقي في الرامة
- عهد
- رحلة لم تتم/ فصل من رواية
- خمس قصص قصيرة جدا
- خمس قصص قصيرة جدًّا
- عن رواية جميل السلحوت: -جنة الجحيم-
- محمود درويش.. السيرة الذاتية بأسلوب مختلف
- حيرة وقصص أخرى
- غرف


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - رمل وماء وهواء