أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - على شكشك - انتهاك














المزيد.....

انتهاك


على شكشك

الحوار المتمدن-العدد: 4628 - 2014 / 11 / 9 - 16:12
المحور: الادب والفن
    



لم أتعود أن يودعني أو أن يستقبلني أحد، أسافر كلّما كُتِبَ علي ذلك ليس من مكان إلى مكان ربما لأن الجغرافيا هاجسنا ومنفانا وفي خضمّها نخشى أن نفقدها فنتشبثُ بها ونعضُّ عليها .. في حين لا تختلف التضاريس عن تضاريس الكيمياء العاطفية التي حين تلتصق بها تهجرك فتلفظك العواصم كلما آخيتها وتتحول الهوية على حد تعبير درويش إلى حقيبة وحملٍ ثقيل مثل ميلادك، فأين تذهب ولماذا من مكان إلى مكان إذا كانت الأمكنة كلها لا تبادلك التحية وتشترك جميعها في النهايات إلا إذا كانت ضرورة كضرورة تغيير النزل الذي سئم موظفوه رؤيتَك فيه، فانسحبتَ استجابةً لإيماءة خفيةٍ من استدارة الكتف، لذا كان انتقالي دوما من مرحلة إلى مرحلة، كان سَفَراً بين المراحل .. كلُّ سَفَرٍ كان سِفْراً جديداً، كأنك تولدُ ثانيةً في حياةٍ أخرى ليست بالضرورة أجمل ولا أسوأ، لكنها في كل الأحوال كانت على الأرجح بدءاً آخر .. بدءاً ما، كأنني عشت حيواتٍ كثيرة وعايشت أجيالاً .. كنت أعيشها بكامل اكتمالها وبكامل نقصانها، تماماً كما أتقمص الأمكنة، لذا لم يكن أحدٌ في الغالب يودّعني ولم يكن أحدٌ ينتظرني في الحياة الجديدة، كانت وداعات يتيمة كما كانت ولادات يتيمة، هذه المرة كانوا جميعاً في انتظاري، تفحصتهم بغرابة وفضول وتوجّس وتأمّل، خفت من اللحظة، كانوا ينتظرون كلَّ هذا الوقت، بصمتٍ ووجوم، كأنهم فقدوا معانيَهم في سفر الغياب، لم يتحرك أحدٌ منهم ولم يبتسم ل "إطلالتي" .. كانوا ربما ينظرون أن أبدأ أنا، وهكذا فعلت .. وكلي خشية من ردّة فعل أيهم .. إذا لامسته، كنت أخشى بغموض خفيفٍ حبيب مخيف يشبه غموض مشاعري من يوم مولدي الذي كان أيضا بانتظاري وقد تعوّدتُ أن أنساه ربما كآلية نفسية غامضة أيضاً تستجيب للخوف ذاته .. لم أحتفِ به مرة .. ولا نصف مرّة .. كان يحاصرني اقترابه .. ولا اتوازن إلا بعدما يمرّ، أليس هو القوس الأول .. وفي ضميري أنه ليس حدثاً .. إذ بعده تبدأ الأحداث .. كان ومازال يفجر عندي كل الأسئلة التي أخشاها في فرصة الحياة .. وقد امتلأتُ دوما بالرعب من فرصة الوجود، فكيف لي وحقيبتي تثقل كاهلي أن أتحمل ثقلاً آخر .. أحببت دوما شهر تشرين والخريف وأحسّ بزهوٍ خفيف غير مبرر أنني ولدتُ فيه، وأحببت أغنية فيروز عنه وعشقت شحنة الحزن العميقة فيها .. هكذا أراها حزينة .. وأراه شهراً جدلياً أو يجسد جدل الوجود بالمعنى الديالكتيكي المعرفي فكما هو للموت فهو للتبرعم وورقه الأصفر شهيد بكل معاني الشهادة، وضعت حقيبتي وأغلقت الباب، وبتوجّسٍ أشعلت الضوء، كنت أخشى بغموضٍ مبرر أن يكونوا قد قطعوا الكهرباء في غيابي رغم أنني دفعت الفاتورة في وقتها، أشعلت الضوء فاشتعل كأنه كان ينتظرني وأشعلت التلفاز تأملت الكراسي لمست مطفأة الدخان فتحت باب الغرفة الكتب مبعثرة على الأرض تماما كما تركتها، النوفذ لم تتحرك، الغاز سرى في الأنابيب .. أشعلته ليشعر أنني هنا .. ليستدفئ بي، فتحت الحنفية .. حتى الماء كان ينتظر يدي لينهمر .. كأس شاي مكافأةً للأشياء والحياة .. أسرعت الخطى لأتفحص باقي الكائنات التي تنتظرني .. وكأنما دبّت فيها الحياة .. كانت الأشياء تنطق بمجرد أن أراها .. رميت الجاكيت بشبه سعادة وخلعت نعليّ بتعسف واستعجال .. الشبشب في الحقيبة .. تناولتها بهمة وألقيتها على جانبها المريح .. لم تقع عيناي على القفل ذي الرقم السري .. فتحتها بعصبية .. تفقدت أشيائي بجنون .. لقد كسروا القفل .. وأخذوا بنطالي الممزوج برائحتي .. آخر ما بدلت في الصباح قبل انتقالي في الجغرافيا وكذا القميص الأخير فقد وضعتهما على السطح، ليس هذا غيرَ مهم .. لكن الأهمّ أنهم انتهكوا حقيبتي ..



#على_شكشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزيرانُ أسيراً
- أقنعة النكبة السبعة
- معنى آخر
- السلاح النهائي
- أسرى
- صوت فلسطين - صوت الأسرى الأحرار
- رسالة إلى الضمير
- درويش ظِلآ -أنا لست لي-
- شمس إلياس خوري
- انشودة المطر
- شهادة كاتب ياسين و عبد القادر الحسيني
- الانطلاقة....كرامتنا الكاملة
- صيغة نفى
- تسمَّت باسم -الشعب-
- القرار -فكرة الدولة-
- عملية استشهادية
- موشي ديّان 56
- ضمير غائب
- إنهم شهداء
- حقبة جديدة - صوت القدس والأسرى من الجزائر


المزيد.....




- قمصان بلمسة مغربية تنزيلا لاتفاق بين شركة المانية ووزارة الث ...
- “ألحقوا اجهزوا” جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 للشعبتين ...
- الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية.. كتاب -القضية ال ...
- مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم ...
- ركلها وأسقطها أرضًا وجرها.. شاهد مغني الراب شون كومز يعتدي ج ...
- مهرجان كان: الكشف عن قائمة الـ101 الأكثر تأثيرا في صناعة الس ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD ...
- السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
- موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج ...
- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - على شكشك - انتهاك