أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - رحلة أخرى على شاطئ قرطاج - الجزء الثاني















المزيد.....

رحلة أخرى على شاطئ قرطاج - الجزء الثاني


نضال حمد

الحوار المتمدن-العدد: 274 - 2002 / 10 / 12 - 15:11
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

سبتمبر/ أكتوبر 2002

 

بعد ليلة مضنية لم أتمكن خلالها من النوم بشكل صحيح وسليم ولا حتى اعتيادي, بسبب ضجيج السيارات التي كانت تمر في الشارع الذي يقع فيه فندقنا,بلا انقطاع. وكذلك بسبب سجائر صديقاي ودخانهما الذي لا يجلب سوى العمى كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني.هذا بالرغم من أنهما دخنا سجائرهما على البلكون وخارج الغرفة احتراما لي ولمشاعري ولكي لا يزعجانني. لكنهما ما لبثا أن نسيا كل شيء عندما أتما شرب ما لديهما من مشروبات روحية, جعلاني منذ تلك الليلة اسميها إبليسية. لقد فقدا السيطرة على تحكمهما بالحركة من والى الحمام في الغرفة, ونسيا ولم يعودا يتذكراني بعدائي وحساسيتي من السجائر وما ينتج عنها من رائحة كريهة.وبقي الوضع على تلك الحالة إلى أن أخذ منهما التعب والنعاس فاستسلما وأنا معهما للنوم قبل الساعة رابعة فجرا بدقيقتين فقط.

 نمت بدوري  قليلا, ألا أن ضجيج السيارات وبائع الكاسيتات الموسيقية لم يتركاني بحالي. فقمت من نومي على صوت القرآن الكريم والشيخ يتلو الفاتحة, فتلوتها معه ونهضت من سريري حيث كانت الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحا حسب التوقيت المحلي. في هذه اللحظات قررت أن أعلم صديقاي درسا في الصحو باكرا بعد السهر الطويل والشرب الكثير, فأخذت أكثر من الحركة والإزعاج المتعمد حتى أفاقا من نومهما ونهضا من سريريهما يحلمان بفنجان قهوة الصباح وسيجارة لا يمكن لهما تدخينها في الغرفة,على الأقل إثناء وجودي معهما.

توجهنا ثلاثتنا إلى مقهى قريب حيث شربنا القهوة ومن ثم تابعنا سيرنا إلى مقهى آخر حيث شربنا قهوة إضافية, لكن القهوة تلك لم تكن جيدة, فقررنا أن نذهب ونشتري قهوة وأن نصنع قهوتنا الصباحية والمسائية بأيدينا وفي غرفتنا.

 أثناء تجوالنا في الحي القديم من مدينة سوسة, حيث الأسواق الشعبية العريقة بتاريخها وقدمها, دخلنا إلى سوق الخضار بحثا عن التين لكن موسم التين كان قد أوشك على الانتهاء ولذا لم نجد تينا ولم نأكل كمبوزا كما يسمونه في تونس.

بعد جولة في كافة أسواق المدينة القديمة,عدنا أدراجنا إلى الفندق لنأخذ قليلا من الراحة فترة قبل الظهر, خاصة أن الجو كان حارا جدا وكنا كلنا نتصبب عرقا نتيجة السير تحت أشعة الشمس الحارقة, هذا بالإضافة للإجهاد الذي أخذ منا نتيجة التهرب من الباعة الذين كانوا يلتصقون بنا كما الذباب على موائد الطعام.

في المساء ذهبنا إلى مقهى مجاور يدعى أبو نواس بوجعفر, حيث شربنا عصيرا وقهوة وطلب أحد أصدقائي شيشة كي يعدل نافوخه ويرتب مقامات رأسه حسب جو سوسة الليلي وبحرها الذي أرسل نسيمه المسائي فبرد علينا قليلا وحملنا على ترك المقهى والتوجه سيرا على الأقدام على طول الكورنيش الجميل الممتد من بوجعفر حتى لا أدري أين.

بعد سير طويل صعدنا إلى سيارة أجرة وتوجهنا إلى منطقة القنطاوي حيث اشترينا من أحد الأكشاك صحيفة القدس العربي الصادرة من لندن, ولحسن الصدف أنه كانت لي فيها مقالة " مخسوفة" عن أحداث 11 أيلول في أمريكا. أقول مخسوفة لأن السيد المحرر في الصحيفة لم ينشر منها سوى القليل, لا أعرف لماذا ولم أجرب حتى سؤاله عن سر ذاك الخسوف.

بعد ذلك دخلنا إلى مطعم يقدم وجبات بحرية شهية, في مطعم من الطراز الحديث, يقدم الطعام والشراب على أنغام موسيقى عربية يقوم بتقديمها عازف عود يعزف مباشرة بالقرب من الزبائن,في جو شاعري وموسيقي. قضينا مسائنا في القنطاوي ثم قفلنا عائدين إلى الفندق حيث انتهت الليلة كسابقتها, بسهرة طويلة استمرت حتى الفجر.

في الصباح نهضت من نومي باكرا لكن دون طقطقة وإزعاج وكثرة غلبة, غسلت وجهي ولملمت حاجاتي وحملت حقيبتي الصغيرة, بعدما كتبت على وريقة صغيرة ملاحظة بأنني وكما اتفقنا مسافر للقاء أصدقائي في تونس العاصمة. تركت لهما أيضا رقم هاتفي وكذلك هاتف صديقي أبو إبراهيم. توجهت إلى محطة القطارات ولحسن حظي وجدت القطار الذي يسافر إلى العاصمة على أهبة الاستعداد للانطلاق, اشتريت بطاقتي وصعدت إلى القطار الذي أخذ يتقدم ببطء ثم بسرعة وهو يشق الأرض الحبلى بالزيتون والصبار والنخيل, والأشجار المثمرة التي تمتد على طول الطريق من سوسة إلى تونس حيث كان عبد القادر في انتظاري في محطة القطارات. في القطار معروف للجميع أن التدخين ممنوع في المقصورة, أما من يرغب بالتدخين فعليه مغادرة المقصورة والقيام بجريمته بحق جسده وصحته في المكان الفاصل بين المقطورة وأختها. لكن كان يجلس بمكان متقدم وقريب لمكاني رجل في نهاية العقد الخامس من عمره, لم يأبه هذا الرجل بكل الجالسين في المقصورة وأخذ يدخن سيجارته بشكل استفزازي وسخيف, اضطرني معه لتوجيه ملاحظة له بأنه ليس وحده هنا وبأن التدخين ممنوع, وبما أنه رجل كبير عليه الالتزام بالقانون لكي يكون مثالا وعبرة للشباب والأجيال القادمة. كلامي هذا لم يرق للرجل, وسرعان ما شن علي هجوما عنيفا باللهجة التونسية , فهمت منه أنه يتهمني بقضاء الوقت في السكر والتحشيش, بينما أنا هنا أتفلسف وأتكلم بما لا يعنيني. تجاهلته ولم أعيره اهتمامي,فكنت قد رأيت المفتش يتجه نحونا فأخبرته بالحادثة. وبعد توبيخ للرجل المسن,وصلنا إلى محطة القطارات في العاصمة تونس حيث انتهت رحلتي بسلام.

بعد عناق حار مع صديقي العزيز عبد القادر توجهنا معا إلى منزله فذكرني بزوجته التي كنت اعرفها منذ كنا لازلنا صغارا في المخيم, وكان عبد القادر يحرس حبه بمزيد من الحب لحبه. شربنا القهوة في منزله ثم توجهنا إلى منزل الصديق ياسين,رفيق المسيرة المعقدة وأيام الجوع لأجل استمرار العقيدة متوهجة بشعلتها النضالية المضيئة, من أجل فلسطين طبيعية كاملة الأوصاف والأحلام والأماني والحقائق. كان اللقاء به لقاءا حميما وحارا زاد من حرارته الجو التونسي الحار جدا.

 في ضيافة الصديق ياسين تعرفت على الكاتبين المرموقين,الفلسطيني توفيق فياض والعراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي, حيث أهداني كل منهما بعضا من أعماله الروائية والقصصية.

قرأت رواية مجموعة 778 لتوفيق فياض, هذا الكاتب الموهوب, الذي أعادتني روايته إلى زمن الفدائي الفلسطيني الأول, فدائي القواعد والمخيمات والقناعات ومبادئ والنضال الحقيقي, بعيدا عن المحسوبيات والشعارات الزائفة وعيشة الأسياد والخدم والمماليك والسلاطين,و قريبا من قلب فلسطين,حيث تنبض الرواية بالكفاح وبالأماني التي استطاعت مجموعة 778 تحقيقها في زمن قصير وبتقنية عالية وتفاني كبير,كانت الريادة فيه لأبطال تلك المجموعة التي أكتشف أمرها فيما بعد, حيث أعترف ضابط المخابرات الإسرائيلي أهرون الذي كان من حيث لا يدري يعمل مخبرا لحساب فوزي قائد مجموعة 778,بأن أفراد المجموعة المذكورة أثبتوا فعلا تفوقهم ورجولتهم, ولا بد من التذكير هنا بأن الرواية انتهت باعتراف أهرون  لفوزي :

 كنتم رجالا وإنني أعترف... كلنا أمل بأن توفيق فياض سوف يتحفنا بالجزء الثاني من 778.

لقد قرأت أول جملة من رواية مجموعة 778 في مقهى يقع في منطقة البحيرة. وهذه المنطقة كانت في الماضي, عبارة عن بحيرة مهجورة أو مناطق مائية تابعة للبحر, لكن بلدية تونس قررت ردمها وبناءها من جديد بحيث تصبح منطقة سياحية كاملة, فيها الملاهي والمطاعم والمقاهي والمنتزهات, بالإضافة لكورنيش طويل وجميل يشبه كورنيش مدينة صيدا في الجنوب اللبناني.

أما مجموعة قصص وروايات عبد الرحمن الربيعي, فقد قرأت منها لغاية الآن رواية الوشم و مجموعة قصص السومري.رواية الوشم هي بحق واحدة من الروايات المميزة والممتازة, أن كان من حيث المضمون أو الصيغة أو حتى القصد والمعنى والدلالة. أنها رواية النضال الوطني العراقي الذي كان, كما كتب لي عبد الرحمن في إهداءه على أول صفحات الرواية.  لقد قدمت لنا الوشم ,الناس كل حسب أفعاله و أعماله و إنجازاته وانتكاساته وعفويته وقدرته على التحمل والصمود والاستمرار, في واقع السجن الصغير, الضيق والمغلق, وكذلك في السجن الأكبر المفتوح على الذاكرة والنسيان, وعلى الكفر والأيمان وتبدل الإنسان بفعل أخيه الإنسان, وبفعل انكسار الطموح وأنعدام الوضوح فيه وفي كل ما حوله.وفي حصار الندم والأسف والخوف من انهيار الذات في مهاوي التراجع والضعف والانتظار في حيرة وعدم استقرار. أو من خلال التمثل بالنجاح والتغلب على الصعاب بالعودة لما قبل التوغل في الحياة الفكرية والحزبية والسياسية,عبر الصلاة والصوم والحج لبيت الله الحرام و إعلان البراءة من القنا عات السابقة وكل ما يمت للماضي الفكري بصلة,تارة برسالة خطية وأخرى بتعهد مكتوب, ويبقى كلاهما في النهاية كابوسا يلاحق صاحبه ويطارده إلى يوم الدين.

عبد الرحمن الربيعي نجح حيث فشل الذين توخوا الهرب يوم أحتاجهم الوطن ويوم اشتدت مظالم شعبه بفعل أخطاء الداخل وحصار الخارج وكبر المؤامرة وعنجهية الأقوياء في زمن الغبن والأغبياء.

 صاحب الوشم أمس والذكريات اليوم,لم يدع بلير لدخول بغداد على برج دبابة مثلما فعل أحدهم في قصيدة متحضرة على الطريقة الأمريكية و البريطانية. أن الوشم سيبقى وشمنا جميعا,عراقيين وعرب,مناضلين هنا وهناك وأينما حطت رحالنا.كما أنه سيبقى يلازم و يلاحق الذين تخلفوا بالأمس والذين تأمركوا و تخلوا عن بلدهم  اليوم ...

 

نهاية الجزء الثاني

 * باحث سياسي فلسطيني مقيم في أوسلو

 

 



#نضال_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة أخرى على شاطئ قرطاج - الجزء الأول
- الإرهاب في كلام الإرهابيين من قادة إسرائيل الإرهابية
- السابع من أكتوبر تاريخ فلسطيني جديد
- نابلس 106 أيام من منع التجوال والحبل على الجرار..
- الى الطفل الشهيد محمد الدرة في يومه المشهود, يوم الطفل العرب ...
- هل أصبح العرب أكثر شعوب العالم عجزا؟
- تظاهرة في أوسلو
- الإرهاب الصهيوأمريكي لازال مستمرا
- الانتفاضة الثانية تسير واثقة الخطى
- شعب فلسطين أكبر من أن يهان..
- رابين كان إرهابيا محترفا ومات هكذا..
- من مجزرة إلى مجزرة ,إلى متى ؟
- العراك لأجل العراق
- 11 أيلول يوم الضحية والجلاد..
- الوزير اليحيى وعقاب الرجم بحجارة فلسطين..
- إلى الشهيد المجهول عفيف الحنفي
- في الذكرى الأولى لرحيلهأبو علي مصطفى باق وأن غابت طلته..
- ناجي العلي والمقام العالي..
- تموز 1987 ناجي العلي المقام العالي
- الصهيونية شكل من أشكال العنصرية, مع سبق الإصرار..


المزيد.....




- صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة ...
- مقتل صحفيين فلسطينيين خلال تغطيتهما المواجهات في خان يونس
- إسرائيل تعتبر محادثات صفقة الرهائن -الفرصة الأخيرة- قبل الغز ...
- مقتل نجمة التيك توك العراقية -أم فهد- بالرصاص في بغداد
- قصف روسي أوكراني متبادل على مواقع للطاقة يوقع إصابات مؤثرة
- الشرطة الألمانية تفض بالقوة اعتصاما لمتضامنين مع سكان غزة
- ما الاستثمارات التي يريد طلاب أميركا من جامعاتهم سحبها؟
- بعثة أممية تدين الهجوم الدموي على حقل غاز بكردستان العراق
- أنباء عن نية بلجيكا تزويد أوكرانيا بـ4 مقاتلات -إف-16-
- فريق روسي يحقق -إنجازات ذهبية- في أولمبياد -منديلييف- للكيمي ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - رحلة أخرى على شاطئ قرطاج - الجزء الثاني