|
-التقسيم الثاني- لفلسطين!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1949 - 2007 / 6 / 17 - 12:56
المحور:
القضية الفلسطينية
"التقسيم الثاني" لفلسطين!
إنَّها ليست "حرب الأيام الستة" بين "الأخوة الأعداء"، وليست "حزيران الفلسطيني"، أو "حزيران الفلسطينيين"، وليست "النكسة الحزيرانية" وقد أصابت حركة "فتح". ليست "كردستان العراق" بشطريه (أربيل والسليمانية). وليست "باكستان بشطريها الشرقي والغربي". ليس لها مثيل في أيٍّ من ذلك، وإنْ اشتملت عليه في بعضٍ من معانيها.
إنَّها "المأساة" المستمرة منذ 60 سنة وقد تحوَّلت الآن، أو شرعت تتحوَّل، أو أصبح ممكنا أن تتحوَّل، إلى "مهزلة"، فـ "فلسطين الكبرى" قُسِّمَت سنة 1947 بموجب "قرار دولي"، فكانت "المأساة"، أو بدايتها، ثمَّ قُسِّمَت "فلسطين الصغرى (الضفة الغربية وقطاع غزة)" في حزيران 2007 بموجب "قرار" فلسطيني، فكانت "المهزلة"، أو بدايتها، إنْ لم يصحُ الفلسطينيون الآن، وقبل فوات الأوان، ويقرِّروا جميعا اجتياز الهوَّة الواسعة بقفزة واحدة لا غير.
"التقسيم الأوَّل"، الذي حاربه العرب وكأنَّهم يحاربون ضد الحقوق القومية للشعب الفلسطيني، لم يؤدِّ إلى إنهاء النزاع بين طرفيه، أي بين الإسرائيليين والفلسطينيين في تسمية لاحقة، كما لم يؤدِّ إلى قيام "الدولة الفلسطينية ("الدولة العربية"). أمَّا "التقسيم الثاني"، والذي شرع العرب يحاربونه، توصُّلا إلى نتائج مشابهة لتلك التي تمخَّضت عن محاربتهم "التقسيم الأوَّل"، فلن ينهي النزاع بين طرفيه، وإنْ أنهى "ازدواجية السلطة" بما ينهي، أو بما يمكن أن ينهي، الشعب الفلسطيني مع حقوقه وقضيته القومية؛ وغنيٌ عن البيان، بعد ذلك، أنَّه لن يؤدِّي إلى "الدولة الفلسطينية".
وللذين يناصبون "نظرية المؤامرة" العداء؛ لكونها، على ما يزعمون نظرية متهافتة منطقيا، أقول إنَّ ما حدث في قطاع غزة، وما سيَحْدُث للفلسطينيين وقضيتهم القومية انطلاقا ممَّا حدث هناك، لا يمكن فهمه وتفسيره إلا على أنَّه "اللقاح ضدَّ القضية والحقوق القومية للشعب الفلسطيني". وهذا "اللقاح"، وهو من نوعين من "الجراثيم"، هما "جراثيم المؤامرة" و"جراثيم المصالح الشخصية والفئوية الضيِّقة"، التي أراد لها أصحابها أن تعلو المصالح العامة والكبرى للشعب الفلسطيني، أُدْخِل في الفلسطينيين، جسدا وروحا وفكرا، ليَفْعَل فعله ضد دولتهم القومية المستقلة التي طالما حلموا بها، وصارعوا من أجلها.
الكارثة التي طالما حذَّرْنا من مغبة وقوعها لم تقع عندما أُجْرِيَت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي كانت حرَّة وديمقراطية ونزيهة وشفَّافة بما جعلها، بحسب مقياس الديمقراطية النسبي، خير مثال. ولم تقع إذ فازت "حماس" بحصة الأسد من مقاعد المجلس التشريعي الجديد، مع أنَّها أخفقت (وهنا كانت بداية المأساة أو الكارثة) في فهم كثير من المعاني والأبعاد التي انطوى عليها هذا الفوز العظيم والذي فاجأها قبل غيرها، وأكثر من غيرها.
لقد وقعت إذ اختارت وقرَّرت أن تُتَرْجِم فوزها الانتخابي الكبير بنفوذ يعدله في "السلطة التنفيذية (أي على المستوى الحكومي)"، وفي أجهزتها ومؤسساتها الأمنية على وجه الخصوص، من غير أن تستوفي "الشروط السياسية" لـ "إدارة" آلة سلطة ليس للفلسطينيين من سيطرة فعلية حقيقية على شروط وجودها المالية والاقتصادية في المقام الأوَّل.
كان ينبغي لـ "حماس" أن تُدْرِك مُسْبقا عواقب تأليفها لحكومة قبل أن تستوفي شروط "الشرعية الدولية (والعربية)" للسلطة الفلسطينية، حكومةً ورئاسةً. كان ينبغي لها أن تتوقَّع الحصار الدولي المالي والاقتصادي والسياسي، وأن تختار وتُقرِّر، بالتالي، بما يقي الفلسطينيين هذا الحصار، الذي به، وفيه، بُذِر القسم الأكبر من بذور الكارثة التي حلَّت أخيرا بالفلسطينيين، بدءاً ممَّا حَدَث في قطاع غزة.
وقد قُلْنا غير مرَّة، وعندما كان ممكنا أن يفيد القول، إنَّ خير خيار هو أن تكتفي "حماس" بما أحرزته من هيمنة برلمانية مع بقائها مستمسكة بـ "ثوابتها السياسية والمبدئية"، فالشعب الفلسطيني كان في حاجة إلى معارضة برلمانية قوية، وإلى ترك "السلطة التنفيذية"، بالتالي، في أيدي المستوفين لشروط "الشرعية الدولية (والعربية)"، فليس بالشرعية الانتخابية وحدها يمكن قيادة الشعب الفلسطيني إلى حيث يمكن ويجب أن يُقاد.
جنين الكارثة تكوَّن إذ اختارت "حماس" أن تحوِّل وزنها الانتخابي والبرلماني إلى وزن حكومي ولو لم تستوفِ الشروط الدولية لدرء الحصار الدولي عن الفلسطينيين، وأن تؤسِّس لها "قوَّة أمنية (القوَّة التنفيذية)"، وأن تقف، قولا وعملا، من شرعية الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية (ولو كانت هذه المنظمة في حال موت سريري) موقفا تُظْهِر من خلاله وتؤكِّد أنَّ هذه الشرعية لا تعدل إلا جزءا ضئيلا من شرعيتها الانتخابية.
ولقد جاء "اتِّفاق مكة" ليُسْقِط جنين هذه الكارثة قبل اكتماله، وليُذلِّل عقبات كثيرة من ثلاث طُرِق: الطريق المؤدِّية إلى إنهاء الحصار الدولي، والطريق المؤدِّية إلى بدء تفاوض سياسي جديد بين الفلسطينيين (والعرب) وإسرائيل، والطريق المؤدِّية إلى إنهاء ازدواجية السلطة من خلال الشراكة السياسية.
المتضرِّرون من هذا الاتفاق، ومن نجاحه، في الطرفين المتنازعين، وهم الذين اغتصبوا سلطة القرار، مغلِّبين مصالحهم الشخصية والفئوية الضيقة على المصالح العامة والكبرى للشعب الفلسطيني، أضرموا النار، التي تولَّت يد المؤامرة الخارجية، والتي هي أكثر من يد، صبَّ الزيت عليها.
وإنِّي أستطيع القول إنَّ السقوط القيادي للقيادة السياسية لحركة "حماس" قد حَدَث إذ أظهرت تلك القيادة عجزا عن إدراك العواقب التي يمكن ويجب أن تترتب على "الانقلاب العسكري" الذي قامت به "كتائب القسَّام" و"القوَّة التنفيذية". لقد حارب المتضررون من "اتِّفاق مكة" في "حماس" خصومهم، أي المتضرِّرون من الاتِّفاق ذاته في "فتح"، في طريقة أثبتوا من خلالها وأكَّدوا أنَّ المصالح العليا للشعب الفلسطيني ليست بذي وزن في ميزانهم، وأنَّ مصالحهم الشخصية والفئوية الضيقة هي المصالح التي لا تعلوها مصالح.
"المؤامرة الخارجية" أؤكِّدها ولا أنفيها؛ ولكنَّها نجحت، أو شرعت تنجح، إذ قرَّرت "حماس"، أو قرِّرت "الرقبة التي تحرِّك الرأس" في "حماس"، "الحسم العسكري" الذي لا يمكن تبريره في أي حال من الأحوال، فأي مبرِّر من مبرِّراته، ومهما عَظُم، أو بدا عظيما، إنًَّما يعدل قطرة في بحر الكارثة التي أنْتَجها وجاء بها.
ولن يُغْفَرَ لقيادة "حماس" إذا ما قالت إنَّ نيَّاتها كانت حسنة، أو إنَّها لم تتوقَّع أن يَحْدُث ما حَدَث، أو إنَّ النتائج قد ذهبت بما توقَّعت، فأقوال من هذا القبيل إنَّما تصلح دليلا على السقوط القيادي لقيادة "حماس".
خيار "الحسم العسكري" الذي أخذت به "حماس" إنَّما هو من نمط الخيارات الذي لا يمكن أبدا الدفاع عنه، وتبريره، في الحال الفلسطينية الغنية عن الوصف والشرح، ولا يأخذ به إلا كل من أصابته مصالحه الشخصية والفئوية الضيقة بالعمى السياسي.
وعلى مؤرِّخي "الكارثة" التي وقعت، والتي ستتناسل إذا لم يُقْضَ عليها وهي في المهد، ألا يضربوا صفحا عن حقيقة أنَّها وقعت إذ اختارت "حماس" الحسم العسكري حلاً.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-حماس- خانت شعبها!
-
حرب إسرائيلية بسلاح فلسطيني وأيدٍ فلسطينية!
-
مناورات على مقربة من -ديمونا-!
-
حل مشكلة -حق العودة- يبدأ من هنا!
-
-النكسة-.. معنىً ومبنىً!
-
-لُغْز- العبسي!
-
أي -عفريت- سيَخْرج من قمقم -البارد-؟!
-
هل هذا ما يقترحه بوش على طهران؟!
-
هل هذا هو -الهدف الكامن-؟!
-
-عين الرمانة- إذ انتقلت شمالا!
-
-مبادَرة إسرائيلية- أم فخٌّ ل -المبادَرة العربية-؟!
-
-ثقافة التميُّز-.. عندنا!
-
أهو عام القضاء على القضية الفلسطينية؟!
-
غزة.. ملثَّمون في حصان طروادة!
-
-العودة-.. حقَّاً وحقائق!
-
-صبيانية- ليفني في القاهرة!
-
رأيٌ في رأي
-
انتخابات أم تذكرة سفر إلى الماضي؟!
-
-الحل- و-الاستقالة- خيارٌ ليس بالخيار!
-
أوهام التفاؤل وحقائق التشاؤم!
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|