أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة رستناوي - زنزانة الحواس و قناع لنبي بلا نبوة















المزيد.....

زنزانة الحواس و قناع لنبي بلا نبوة


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 1947 - 2007 / 6 / 15 - 07:33
المحور: الادب والفن
    



" قراءة في قصيدة الشاعر محمد المطرود زنزانة الحواس*"
هل الحواس زنزانة و سجن و حجاب؟
أم أنها فضاء و نافذة لتلقي التنبيهات البصرية و السمعية و اللمسة و الذوقية , و من ثم هي عبور لمعرفة العالم و الأشياء المحيطة بنا؟
و لكن هذه الحواس بمقدار ما تكون نافذتنا لمعرفة العالم, إلا أنها ذات حدود و استطاعة معينة تحجب عنا معرفة لوجود و عوالم أخرى, و سأتحرى الآثار الصريحة و الإشارية للزنزانة و الحواس , ذلك أن عنوان القصيدة هو دليلنا لاكتشاف عوالم القصيدة و النص
" لحواسنا ما يشبهنا من القسوة
كي تقذف في جب عميق
أو ترقد في زنزانة مهملة
كأنها آخذة من حجر قسوتها
و سمتها/ و ارتجالات يقظتها
و سهوتها في غفوتها
أو مكوثها الأخير " ص30
لقد جاءت كلمة الحواس هنا مضافة إلى الضمير " نا" , و بالتالي فالكلام يخص جماعة المتكلمين, و هؤلاء المتكلمون يشير النص إلى كونهم قساة و لذلك جاءت حواسهم قاسية كالحجر" كأنها آخذة من حجر قسوتها", و لأن الأشخاص القساة يتعرضون أو يعرضون غيرهم لأفعال و سلوكيات القسوة, لذلك قذفت هذه الحواس في جب عميق و أودعت كذلك في زنزانة مهملة, و كلاهما أي الجب و الزنزانة تدل على الإهمال و القسوة و فقد الحرية, فهل الحواس القاسية تشكو من اضطراب تأقلم أصحابها و سؤ اندماجهم في الحياة و المجتمع حتى يكون الإهمال و القسوة و الحجز مأواها؟
لقد وردت كلمة الحواس هنا مشخصة و مؤنسنة و ألحقت بها صفات القسوة ,و من ثم أودعت السجن.
و لكن لماذا حواسنا و ليس عقولنا أو عواطفنا؟
و هل تتماثل الحواس هنا مع الأحاسيس و المشاعر؟
و ما علاقة الحواس بالقسوة؟
فالحواس على اختلافها معنية بإثارة تنبيهات و توليد انطباعات واضحة بصرية لمسية سمعية , و ما لا تستطيع الحواس إيقاظه في دواخلنا يبقى غامضا ًو زئبقيا ً و مشتبه.
الإنسان الحسي ذلك الإنسان المنخرط في الحياة بكل تناقضاتها و قسوتها و ظلمها , و هل يبحث النص عن إنسان آخر لا ينتمي إلى " نا " و كل تداعياتها من حواسنا و قسوتنا و زنازيننا و جبِّنا ؟
إن الضمير في كأنها يعود على " الحواس" و كذلك الهاء في" قسوتها و سمتها و يقظتها و سهوتها و غفوتها و مكوثها " , فما الذي يجمع بين " حجر القسوة و سمتها
و ارتجالات يقظتها و سهوتها في غفوتها
أو مكوثها الأخير"؟
سأحاول إعادة التوتر المرافق لهذه السياقات الشعرية في محاولة ضد شعرية , إذا أخذنا بمقولة أن الشعر هو "فجوة التوتر"
أولا ً: الحواس قاسية كالحجر
ثانيا ً: المقصود في سمت الحواس اتجاهها و زاويتها , أي نحن أمام حواس هندسية تحكمها القوانين الرياضية لا العاطفة و المزاج.
ثالثا ً: الارتجالات تدل على التصرفات الآنية , تصرفات وليدة لحظتها و تعبير " ارتجالات يقظتها" يحمل دلالة مزاجية الحواس
رابعا ً: سهوتها في غفوتها : أي الحواس المعطلة الفعل , أو الهاجعة .
خامسا : ً الحواس المشخصة تمكث هنا للمرة الأخيرة قبل وداع الحياة , أو ربما وداع اللحظة , لحظة ترقب فراق الحواس عنَّا حيث تتركنا كائنات مغلقة بلا نوافذ
بلا مجسات أو مشاعر ارتكاسية , و كأننا نزلاء جب عميق أو زنزانة مهملة.
" أستأذن وجه من أحب
من النساء
و الأشياء
و الأصدقاء.. الآن" ص30
الاستئذان من النساء التي يحبهنَّ و الأصدقاء وارد و مفهوم ,و لكن ما دلالة الاستئذان من " وجه من أحب" ؟
إن الوجه يختزل تعابير الجمال الأنثوي , و الشاعر عاشق الجمال يختزل علاقته مع المرأة إلى عنوان هذا الجمال " إلى وجه من يحب" و أما استئذان الشاعر من الأشياء فيفهم على أن الشاعر يقيم لغة تواصل سريّ مع الجامد و الأشياء في عالمه الخاص إنه يستأذن من يحب في الأشياء.
فالأشياء ذكرى من الذين يحبهم , أو أنها مقصودة الحب لذاتها في إطار نظرية أنسنة الوجود , و ربما وحدة للوجود قوامها الاتصال لا الانفصال ,و الكلمة الختامية ظرف الزمان " الآن" الدالة على الحاضر تنسجم مع استخدام صيغة الفعل المضارع " يستأذن " و كأنه يعمد إلى تجميد اللحظة الهاربة .
و يبرر فعل الاستئذان بالعبارة التالية " حتى أنعت حواسي بالعتمة
إذا أبت إليهم روحي"
فالرحيل الوشيك للأحباب يبرر للشاعر انطفاء حواسه و اختفائها في العتمة,
و لكن روح الشاعر تأبى الرحيل , مما يأزم الموقف , و يبرر حالة القلق المتولدة من المفارقة بين الاستئذان و هو فعل حسي كلامي مهذب و بين تعبير " أبت روحي " و هو فعل حسي كلامي رافض و محتج عليه. و لنتابع نفس المقطع:
" حتى أنعت حواسي بالعتمة
إذا أبت إليهم روحي
خائبة من غير يوسف
يفصح عنه النص
أو قميصا ً يدل عليه"
فالروح خائبة من غير يوسف, فيوسف بلسم الروح و مؤنسها الأثير طالما أن هذه الروح مأواها الجب العميق إلى جوار يوسف النبي و هنا تتقاطع سيرة يوسف الشاعر مع سيرة يوسف النبي, القميص يدل على يوسف النبي و النص يدل على يوسف الشاعر, فالقميص النبوي تحول عند " المطرود" إلى قميص لغوي و إلى نص, و قرينة إثبات لجريمة الأخوة و الآخرين
و قرينة براءة عند اليوسفين
" أعرف كم أنا يوسف
و إخوتي هم أخوة يوسف
في السيرة البعيدة للبئر
يزينون للذئب طيب الحمى"
يتماهى هنا يوسف الشاعر مع يوسف النبي, فلا نكاد نعثر على يوسف الشاعر أمام سطوة القصص المقدس و إعادة إنتاج هذه السطوة.
لقد ظل يوسف النبي كما ورد في التوراة أو القرآن ملهما ً للشعراء الحداثيين العرب فكان قناعا ً لما يريدون قوله
و لكن هل وفّق المطرود في إنتاج يوسفه الخاص؟!
لنتابع النص
" كأن هناك ما أقوله أيضا ً
قبل أن يعيدني خجل البكاء"
فالكتابة فضيحة و الكاتب إنسان لا يخشى الفضيحة , فالكتابة تعبر عن لحظة ألم هاربة , تعبر عن اغتراب إنساني يترافق ببكاء معلن أو بكاء خفي, فيوسف الشاعر سجين حبه مقيد الحواس محجوب المسارب المودية إلى داخله, يتضخم الإحساس بالخيبة و الاغتراب الإنساني لدى يوسف الشاعر فيعمد إلى التذكر,
لذلك جاءت صيغة القول في الزمن الماضي
" و ظلّيتُ يوما ً ذليلا ً"
" و ظلّيت المكسور و الناقص بمأثرة الخيبات
ألف بساطا ً يجر من تحتي
و أنا الملك تخذله تيجانه
و أنا النبي بلا نبوة" ص35
يوسف الشاعر نبي بلا نبوة , نبي معذب غير معني بنشر نبوته و انذار عشيرته و تبشير الآخرين , إنه نبي لنفسه يعيش النبوة دون أن يكون له فعلها, نبي أوصد البئر حواسه, قهرت الزنزانة إرادة الحياة و متاعها لديه , فلم يعد لديه من ملجأ سوى القصيدة في لحظة الهروب
"عندما تمر قصيدة هاربة
فاتحة باب سجنها الصغير"
إن المشروع الذي يؤكد عليه الأنبياء , يتحول في عرف الشعراء إلى انكسار و خيبة و عبث " فالآخرون هم الجحيم " وفق سارتر
" يزينون للذئب طيب الحمى"
" دهاء أهلي مشبها ً بالجراد"
فيوسف الجميل المثير لامرأة العزيز , و النسوة اللواتي قطعن أصابعهن , يوسف الذي أكله الذئب , قميص يوسف الدليل إلى البراءة من الاتهام و الدليل إلى شفاء عمى أبيه
يوسف النبي الحسي ّ يفترق عن يوسف الشاعر المغترب المتوجس من الآخر , الفاقد الأمل , الزاهد في النساء الموكل لنفسه بلا ضوضاء
على غير عادة الملوك و الأنبياء.
.......................
* من مجموعة الشاعر" سيرة بئر " الصادرة عن دار التكوين- دمشق2004



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديمقراطية كان يا ما كان
- هواجس منتصف الليل
- المهدي قراطية
- عيد العطالة العالمي
- مستقبل الشعر بين السوق و التكنلوجيا
- من هم أعداء التجربة الديمقراطية في كفر بطيخ؟
- مسلمين... يا عيب الشوم ؟
- على هامش الاسلام هو الحل
- مقدمة للحوار بين الأديان و الطوائف
- جيل التسعينيات الشعري و الرومانسية الجديدة
- الحوار بين الأديان : حوار يحتاج إلى حوار
- عناقيد الملائكة
- إطلاق الحملة الوطنية للقضاء على الطريزينات في محافظة إدلب
- لا للمظاهرات و البيانات ...نعم لهيفاء وهبي
- الاسلام السياسي بين الفصام و الحيوية
- عرب ال48 ليسو أقلية و ليسو أكثرية
- الشاعر طالب هماش في أيقونة المراثي
- تجليات عشتار في مجموعة الدائرة للشاعر عايد سعيد سراج
- من أجل جوكندا عربية إسلامية
- ملكوت الزبالة الوطنية


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة رستناوي - زنزانة الحواس و قناع لنبي بلا نبوة