أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - عدت حاملة رأسي














المزيد.....

عدت حاملة رأسي


نبال شمس

الحوار المتمدن-العدد: 1945 - 2007 / 6 / 13 - 05:12
المحور: الادب والفن
    


دخلت الحديقة حاملة رأسي, نعم انه رأسي, نفس العيون والأنف والفم والأسنان. الناس من حولي نظروا إلي باستغراب واشمئزاز وتساؤلات كثيرة رأيتها في عيونهم. تهامسوا بصوت خافت عن سبب قطع رأسي, ومن الذي قطع لي رأسي, افترضوا الافتراضات وتحدثوا عنها, فمنهم من اتهم والدي ومنهم من اتهم أخي ومنهم من الصق لي التهم, فلم أفهم ما دار حولي ولماذا أخي قطع رأسي, هل أراد الانتقام مني لأني ضربته مرة لكمة على ظهره فسقط على الأرض وانكسر سنه؟

الحديقة كانت في مكان بعيد عن المدينة, حديقة صغيرة فيها بعض أشجار السرو, وعلى جوانبها بعض العشب المعمّر والزجاجات الفارغة, المكان كان غريبا بالنسبة لي فقد ظننت أني سأنعم قليلا برائحة زهر الربيع لكن بول القطط لم يبق أزهارا ولا رائحة للأزهار, وفي الوقت ذاته عرفت أني دخلت هذا المكان سهوا, فأنا لم اقصد هذه الحديقة.
إني اسمعهم وأراهم, أمشي وأتنفس, لكن بدون رأس, الصحفيون وأصحاب المنابر تجمعوا على مدخل الحديقة مع كاميراتهم وأقلامهم يريدون تصوير الحدث المجنون والحديث عنه ونقله إلى العالم, حفلة إعلامية لا بأس فيها, لامرأة مقطوعة الرأس وجدوها في حديقة عارية الشجر والزهر, لا يأوي إليها الأناس العاديون المحترمون, حديقة تفوح منها رائحة المشروبات الروحية والمسكرات.
الروح كانت لا زالت في جسدي, وكنت في كامل وعيي وإدراكي, لكن أحدا من المارة لم يعرض المساعدة أو يستدعي سيارة إسعاف لنقلي لأحد المستشفيات, فقد رمقني الجميع بنظرات ازدراء واشمئزاز وربما انتظروا أحدا ليسحب جسدي إلى مثواه الأخير.
كلامهم رّن في أذني عندما اقترب إلي شاب في الأربعينات أراد أن يطلب لي مساعدة: " كيف تساعد امرأة رميت في مثل هذا المكان, امرأة مقطوعة الرأس, فمن يدري ماذا فعلت أو بماذا تورطت....فلماذا تريد توريط نفسك وهي إنسانة مجهولة الهوية, غامضة الأمر", لم استغرب كلامهم أو همسهم في الوقت ذاته أردت أن اشرح لهم سبب تواجدي هنا, لكني لم انجح فانا بالنسبة لهم كنت احتضر.
أردت أن انفي الاتهامات الباطلة التي الصقوها لي, كوسام سلبي, لكنهم ابتعدوا عني وصدّقوا أنفسهم وصدقوا ما افترضوه, فادعاءاتهم كانت أضخم من الكلمات التي أردت شرحها.
كنت كالمشاهدة التي تشاهد مسرحية حية تعرض لأول مرة في حديقة عامة, فلم افهم ما حدث بالضبط ولماذا أثيرت تلك الضجة.
تساءلت عن طلابي اللذين كانوا معي, فقد كان علي إرجاعهم إلى بيوتهم قبل المساء وإلا فصلت من عملي كمعلمة.
تساءلت عن مكان تواجدهم, فهل قطعت رؤوسهم مثل رأسي, أو هل حملوا رؤوسهم وذهبوا إلى حديقة أخرى؟
بيني وبين نفسي أدركت أني دخلت حديقة للمارة المتسكعين, ولسكارى الليل اللذين لا مأوى لهم في المدينة.
فجأة دخل طلابي من بين الناس وسيارات الصحافيين, دخلوا واحدا تلو الآخر, دخلوا بوجوههم الحمراء وعيونهم المتسعة دهشة واستغرابا لوصولنا لهذا المكان.
جلسوا حولي يتهامسون ويتضاحكون: لقد هربنا منك عمدا لنجعلك تقلقين علينا, نحن لم نبتعد فقد كنا خلف أشجار السرو مختبئين لك.
لم انه حديثي مع طلابي وإذا بثلاثة أطباء وسيارة إسعاف وصلوا إلى المكان,والصحافيون تفرقوا مع سياراتهم. فجأة رأيت الذين كانوا مجتمعين حولي يقولون للطبيب: المسكينة لقد ضربتها الشمس أثناء رحلتها مع طلابها.
تغيرت الامور وانعكست الأشياء. تبرأ أبي من تهمة قطع رأسي, وتبرأ أخي من تهمة قتلي, وتبرأت أنا من تهمهم, وكل ذلك دون أن أتكلم أو أنبس ببنت شفة, فافترضوا وتكلموا وتهامسوا وصدقوا أنفسهم حسب رغباتهم, حسب المكان وحسب الزمان .
جمعت طلابي وخرجت تاركة الرأس المقطوع لهم, بينما كان الجميع يستعد لتقديم المساعدة لي.



#نبال_شمس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خوله ونبوة المتنبي
- أطواق_الجزء4
- أطواق_الجزء 3
- أطواق_الجزء2
- أطواق- الجزء 1
- أريد الكتابة, لكني لا اريد ان اصبح قاصة , شاعرة او روائية
- صديقتي والمتنبي
- حمامة, هاوية ونص
- كوني كما أنت
- علميني ما لا تعلمين
- الدخول من النهاية
- محاولات للتعالي عن أناها
- لغة الروح
- رثاء لرجال الثامن من اذار
- هل أنا ميتة فعلا؟؟
- ثلاثة ذكور من ضلع امرأة
- عشرة رسائل قصيرة, وثرثرة نسائية غير محمودة
- تداخلات وانتظارات
- جاك، جوليبير وحمار جحا
- سر -الجمعية لحماية الحمير-


المزيد.....




- اعلان 2 الأحد ح164.. المؤسس عثمان الحلقة 164 مترجمة على قصة ...
- المجزرة المروّعة في النصيرات.. هل هي ترجمة لوعيد غالانت بالت ...
- -قد تنقذ مسيرته بعد صفعة الأوسكار-.. -مفاجأة- في فيلم ويل سم ...
- -فورين بوليسي-: الناتو يدرس إمكانية استحداث منصب -الممثل الخ ...
- والد الشاب صاحب واقعة الصفع من عمرو دياب: إحنا ناس صعايده وه ...
- النتيجة هُنا.. رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 ...
- عمرو مصطفى يثير تفاعلا بعبارة على صورته..هل قصد عمرو دياب بع ...
- مصر.. نجيب ساويرس يعلق على فيديو عمرو دياب المثير للجدل (فيد ...
- صدور ديوان كمن يتمرّن على الموت لعفراء بيزوك دار جدار
- ممثل حماس في لبنان: لا نتعامل مع الرواية الإسرائيلية بشأن اس ...


المزيد.....

- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - عدت حاملة رأسي