أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي















المزيد.....

هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1936 - 2007 / 6 / 4 - 11:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثمة مبالغة كبيرة في تأثير هزيمة حزيران على مسارات العرب التاريخية. ينسب إليها أنها حطمت "مشروعا قوميا عربيا"، وأنها كانت بداية انحراف قطار العرب الصاعد عن سكة التقدم التاريخي. بيد أن هذه أسطورة كبيرة أزف أوان نقدها والتحرر منها نهائيا. هذه المقالة تتساءل عن تفكيرنا بالهزيمة و"الخطاب" الذي كوناه حولها، وليس عن أسبابها ونتائجها.
لا ريب، بداية، أن الهزيمة كانت كارثة بشعة، بيد أنها حدث تاريخي وليست خطيئة أصلية من أي نوع.
كانت النظم العربية الأكثر حداثة وتقدما وقومية تتحدث كثيرا عن الحرب ضد إسرائيل وتحرير فلسطين، حتى إذا شنت إسرائيل الحرب لم تحارب. "حرب حزيران لم تقع". هذا هو الشيء المشين. في تشرين 1973 حاربنا وأخفقنا. أما في حزيران فقد أذللنا ومُسحت بنا الأرض من قبل إسرائيل، وكذب علينا واحتقرنا من قبل حكامنا.
على أن فداحة حزيران بالذات تصلح برهانا على أن قطار تقدمنا كان مختلا إلى درجة عجيبة. هنا تناقض يقفز فوقه بيسر مثقفون قوميون. إذا كان ثمة "مشروع قومي" متماسك فعلا، فلا ينبغي لكارثة عسكرية أن تحطمه إلى هذه الدرجة. وإن كانت حطمته فمن غير المعقول أن يكون مشروعا متماسكا. ليست الهزيمة إذا حجة للمشروع بل حجة عليه.
لقد أسهم كثيرون في ترويج دراما المشروع المغدور، إما لسبب جيلي: كانت القومية العربية التحديثية "أسطورة" جيلهم؛ أو لأن ما تلاها يبدو بالغ النثرية يتعذر الخروج منه بفكرة متماسكة أيا تكن؛ أو ببساطة إنقاذا لكرامة الذات. فإذا كان بؤس أحوالنا متولدا عن استهدافنا من قبل أعداء أقوياء، يغدو استبقاء شيء من احترام الذات أمرا ممكنا. وهذا أحد أسباب شيوع نظرية المؤامرة في أوساطنا. الغرض منها يتصل أكثر بالتوازن النفسي لا بالتفسير العلمي، أو إن شئت بإنقاذ المظاهر اللائقة لا بتفسير الظواهر المقلقة.
الواقع أن "المشروع القومي العربي" ولد بعد موته المفترض. ولد كحنين. لم يوجد إلا بعد هزيمة حزيران، ثم بالخصوص بعد موت جمال عبد الناصر.
على أن "المشروع القومي" لم يخترع من عدم. كانت الدعوة القومية التي ارتفع لواءها في مصر والمشرق جذابة لقطاعات واسعة من النخبة العربية، المثقفة والسياسية. اليسار الماركسي ذاته انجذب إليها والتف حولها. وتشكلت منظمات وجماعات في دول الخليج وفي المغرب تعلن ولاءها لها. أي أن الدعوة القومية العربية كما تجسدت في مصر الناصرية، وكما بدا أن سورية والعراق تبرهنان عليها، بدت النموذج الذي يمثل للعرب مستقبلهم. كان ثمة دول تقدمية وطليعية، وكانت بالفعل متقدمة تعليميا وثقافيا واجتماعيا بالمقاييس العربية والعالم ثالثية في الستينات. كانت مصر وكوريا الجنوبية في مستوى اقتصادي متقارب في مطالع ستينات القرن. وظل مستوى الحياة في سورية أعلى من نظيره التركي حتى أواسط سبعينات القرن العشرين.
مصر الناصرية كانت طليعة تاريخية ومركزا سياسيا فاعلا في آن. ويمكننا الكلام على تاريخانية قومية عربية، تجعل من مصر "المستقبل الماضي" للدول العربية الأخرى، تماما كما هو الغرب الأوربي "المستقبل الماضي" للعرب ككل حسب تاريخانية عبد الله العروي. لا غرابة أنه قبل "النكسة" بقليل ظهر كتاب العروي الأساسي، "الإيديولوجية العربية المعاصرة"، وبعدها بسنوات قليلة بلور المفكر المغربي نظريته التاريخانية، التي كان غرضها عقلنة السياسة العربية وإضفاء شيء من الاتساق على "الوعي" المحرك لها. وتسمية هزيمة حزيران بالنكسة تنطوي على "تاريخانية موضوعية" قد يكون العروي أمل أن تعي ذاتها في فكره. وفي الوقت ذاته تقريبا ظهر كتاب نديم البيطار عن مصر كإقليم قاعدة للوحدة العربية.
لقد مثلت الفكرة القومية مخططا إدراكيا يتيح تنظيم الواقع وتوجيه العمل التغييري فيه وتعبئة الناس من أجل هذه المهمة. وكان المخطط القومي التاريخاني هذا يضفي قيمة نسبية ومرحلية على أوجه القصور الوفيرة التي وسمت النظم لقومية، ويتيح بذلك تحملها وبذل التضحيات من أجلها ويمنح التضحيات هذه معنى وقيمة.
نظرة سريعة إلى واقع العرب الراهن تظهر الفرق. ليس ثمة فكرة أو مشروع أو مبدأ من أي نوع وراء طغيان أنظمة ما بعد 70. ولم يعد ثمة مركز فكري أو سياسي تنجذب نحوه وتتوحد قطاعات مهمة من "الانتلجنسيا" العربية. لم يعد ثمة اتجاه للتاريخ أيضا. ولا قيم نستند إليها لنقد الواقع الذي نعيش. ولن يبدو الواقع إلا عناء مطلقا لا يطاق في غياب مخطط يسبغ عليه معنى مقبولا.
لعله هنا سر التمسك بالمخطط القومي الذي سينظم بمفعول راجع ما قبل حزيران، مضفيا عليه طابعا نسقيا لم يتحل به في الواقع. أتاح هذا المخطط نقد الأوضاع التي تلت الهزيمة وإدانتها، لكنه جعل من الهزيمة ذاتها بدءا مطلقا "للزمن العربي الرديء"، ورفعها إلى مرتبة مبدأ تفسيري لا يقبل هو ذاته التفسير. ضمن هذا المخطط، أي السرد القومي، حزيران تفسر ما بعدها لكن لا تفسير لها بما قبلها. ستتكون تاريخية معكوسة (التعبير لعزيز العظمة)، تنجذب إلى حزيران 1967 وتجعل منه سقفا لانحدار عربي مستمر.
لم تقوض هزيمة حزيران "مشروعا"، الأصح أنها "أنتجت" المشروع. ولن يعيش هذا من دون استعادتها الدائمة، كما لن تعيش هي وتدوم إلا فيه. بعبارة أخرى، لن يكف "المشروع القومي" عن إعادة إنتاج هزيمة حزيران كانفعال وذكرى حارقة و"معرفة". لذلك تحولت هزيمة حزيران من واقعة تاريخية عارضة، مهما تكن فظيعة، إلى شرط ثقافي دائم.
ولذلك هي خالدة، ومعاصرة لنا طوال هذه السنوات الأربعين.
وستقع كوارث أكبر من هزيمة حزيران في دول المشرق العربي، لكن "النكسة" احتفظت لنفسها بدور الخطيئة الأصلية في السرد القومي. ويلزم لا أقل من تبديد هذه الأسطورة لندرك أن ما حصل في سورية مثلا بين عامي 1979 و1982 كان أكبر من كارثة حزيران، وأن حروب صدام كانت أفدح وأشد تدميرا من تلك الحرب التي استمرت 6 أيام. وكان يمكن لتلك الوقعة الصاعقة أن تكون حدثا عابرا ونسبيا جدا لولا أن هياكل السلطة والمعرفة التي تسببت بها لم تتعلم منها أي شيء. هذه الهياكل هي 5 حزيران مستمر.
وزبدة القول إن هناك 3 حزيرانات. حزيران كحدث تاريخي لا يختلف عن غيره من حيث المبدأ، وحزيران كأسطورة أو خطيئة أصلية يرعى خلودها سرد "قومي عربي"، وحزيران كنظام سياسي وثقافي مستمر، أنتج كوارث أشد هولا من ضياع الجولان وسيناء. الحزيرانان الأخيران ما انفكا يعيدان "كسب" الحزيران الأول وحراسته.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في شأن الطائفية والدولة والمثقف: تعقيب على موريس عايق
- في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السوري ...
- تأملات في السلطة الدينية والسلطة السياسة ومعنى العلمنة في عا ...
- بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء
- ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة
- ملحوظات أولية في شأن اللغة والطائفية
- في العلاقة بين الأوليغارشية والطائفية
- أقليات وأكثريات: هويات ثقافية، علاقات اجتماعية، أم عمليات اج ...
- أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة
- نمذجة تاريخية مقترحة للنظم السياسية المشرقية
- -ميدل- إيستولوجية-: في شأن المعرفة والسلطة و.. العدالة!
- انتخابات نيابية في سورية أم موسم لصناعة العصبيات؟
- شاذ، استثنائي، وغير شرعي: المعرفة والمعارضة في سورية
- ديمقراطية، علمانية، أم عقلنة الدولة؟
- في أصول التطرف معرفيا وسياسيا، عربيا وكرديا
- اعتزال الحرب الباردة الجديدة
- عوالم المعتقلين السياسيين السابقين في سوريا
- الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية
- عناصر أولية لمقاربة أزمة الدولة الوطنية في سوريا
- تأملات في أحوال الهوية الوطنية السورية وتحولاتها


المزيد.....




- حزب أردوغان يرد على وصف رئيس بلدية إسطنبول -حماس- بـ-الجماعة ...
- مظاهرة حاشدة في هامبورغ لوقف موجة الكراهية ضد المسلمين والسل ...
- قبيل توجهه لإسرائيل.. بلينكن يحض حماس على قبول مقترح الهدنة ...
- جورجيا.. القوات الخاصة تستخدم الرصاص المطاطي لتفريق احتجاجات ...
- -هذا لاقانوني ولاأخلاقي ومثير للاشمئزاز-.. محتجة مؤيدة لفلسط ...
- الجيش المالي يعلن قتل قيادي في تنظيم -داعش- هاجم القوات الأم ...
- جامعة السوربون تحاصر طلابا مؤيدين لفلسطين
- -انطلقت ووصلت إلى هدفها-..الحوثيون يعرضون مشاهد من استهداف س ...
- الولايات المتحدة تواصل تشييد رصيف بحري عائم على شاطئ غزة
- الخارجية الأمريكية تصدر بيانا بشأن مباحثات الأمير محمد بن سل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي