أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - إنها الفتنة ! بالله عليكم.. لا تقولوا أن الوحدة الوطنية بخير















المزيد.....

إنها الفتنة ! بالله عليكم.. لا تقولوا أن الوحدة الوطنية بخير


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1917 - 2007 / 5 / 16 - 11:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من فضلكم.. لا تقولوا أن ما حدث يوم الجمعة الماضى فى قرية "بمها" مركز العياط بمحافظة الجيزة.. مجرد زوبعة فى فنجان، وان الأهالي، مسلمين وأقباط، سمن على عسل.
ولا تقولوا أن هذه الأحداث المؤسفة مجرد "لعب عيال"، أو "طيش شباب"، وان كبار القرية وحكماءها قد تداركوا الموقف ويا دار ما دخلك شر.
لا تقولوا شيئا من هذا القبيل.. لأن هذا هو بالضبط ما تم ترديده من قبل فى كل مرة اندلعت فيها شرارة الفتنة لتشعل حريقا فى نسيج الوحدة الوطنية .
وثبت أن هذا الأسلوب هو شكل من أشكال خداع الذات، وهروب إلى الأمام من اجل التنصل من الاعتراف بالجذور الحقيقية للفتنة. وثبت كذلك أن " ثقافة الأنكار" يمكن ان تخدعنا وتجعلنا لا نرى النار الكامنة تحت الرماد، بينما تعيد هى إنتاج الفتنة مرات ومرات.
صحيح أن وقائع الحوادث المؤسفة التى وقعت فى قرية "بمها" بدأت بتصرفات طائشة لشبان موتورين، ولكن لا ينبغى التهوين من خطورة المسألة نتيجة هذا التبسيط المخل.
فحقيقة الأمر هى أن هذه القرية يقطنها حوالى ستة آلاف نسمة من بينهم أربعمائة مسيحى بينما الأغلبية الساحقة من المسلمين.
هؤلاء " المواطنين " المسيحيين تقدموا بطلب إلى الجهات الرسمية للتصريح لهم ببناء دار للعبادة من اجل ممارسة شعائرهم الدينية . واعترفت محافظة الجيزة باستلامها لهذه الطلب منذ بضعة شهور.
وكالعادة تلكأت الأجهزة الحكومية فى التعامل مع هذا الطلب.
وعندما قام المواطن القبطى مجدى حنا بإجراء توسعات لمنزله لاستيعاب أعداد المسيحيين فى القرية الذين يحضرون درس الأحد كل أسبوع، سرت شائعة عن اعتزام صاحب المنزل تحويله إلى كنيسة دون الحصول على ترخيص. وبناء على هذه الشائعة قامت قيامة بعض المسلمين الذين هاجموا المنزل وأضرموا النار فى بيوت أخرى لمواطنين أقباط واقتحموا محال تجارية لأقباط آخرين وقاموا بنهب محتوياتها. وبطبيعة الحال أصيب البعض فى هذا الشغب الهائل وكان معظمهم من الأقباط .
ماذا تعنى هذه الواقعة؟
تعنى – أولاً – أن هناك "ثقافة موازية" للخطاب الرسمى الذى يتغنى بالوحدة الوطنية . وان هذه الثقافة الموازية هى بصراحة ودون لف أو دوران ثقافة متعصبة ، يكشف النقاب عنها المنشور الذين تم توزيعه عشية هذه الفتنة وتضمن دعوة كل من " يغار على دينه" للتجمع بعد صلاة الجمعة، " فالنصارى يقومون ببناء كنيسة فى القرية غرب البلدة .. ولابد من تواجد جميع المسلمين الذين يغارون على دينهم من اليهود والكفرة بعد صلاة الجمعة مباشرة.. فمن اليوم لا تراخى ولا كسل ولابد ان يغار كل مسلم على دينه وإلا عليه العوض ومنه العوض فى كل المسلمين بالقرية " .
من هذا البيان نرى التحريض على المواطنين الأقباط لمجرد انهم "يقومون ببناء كنيسة فى القرية غرب البلدة.."، فحتى إذا كان ذلك صحيحاً، فانه لا معنى لغضب المسلمين من ذلك سوى وجود ثقافة متعصبة تعادى حرية العقيدة وترفض حقاً أساسياً من حقوق الإنسان!
ونرى كذلك الإساءة الى الأقباط ومساواتهم بـ " اليهود والكفرة" !
باختصار .. انها ثقافة موازية مفزعة متعصبة ومفعمة بالكراهية للأخر .
وتعنى – ثانياً – أن هذه الثقافة المتخلفة ليست حكراً على عدد يزيد او يقل من القرويين فى تلك البلدة، وانما هى جزء من ثقافة سائدة ومنتشرة ، وموجودة حتى فى الأجهزة الحكومية . وإلا فما هو تفسير تلكؤ محافظ الجيزة فى الاستجابة لمطلب أقباط القرية ببناء دار عبادة لهم، وما هو تفسير الصياغة " الطائفية" لبيان رسمى عن الحادث كشف عنه النقاب الزميل أنور الهوارى وجاء فيه بالنص "انه عقب صلاة الجمعة .. وعلى اثر شائعة باعتزام أحد أبناء الطائفة المسيحية بالقرية إقامة دار عبارة بدون ترخيص .. تطور الأمر.. وقد أصيب ثلاثة من أبناء الطائفة بإصابات سطحية" . وبصرف النظر عن الوقائع التى تضمننها البيان فان الأهم هو صياغته التى جعلت الهوارى يتوقف عند كلمة " الطائفة المسيحية" التى وردت مرتين. وهو على حق تماما حين يقول "دون أدنى مزايدة على أحد ودون اصطياد فى الماء العكر، نحن هنا أمام كارثة سياسية كبرى : بيان رسمى، يعود بنا إلى العصور الوسطى ، إلى عصور الطوائف والملل والنحل، إلى عصور ما قبل الدولة الحديثة، إلى ظلمات ما قبل دولة القانون. نحن هنا أمام ردة سياسية تحمل فى طياتها انتكاسة حضارية تدعو للحزن والآسي" ثم أن " هذه الطائفية التى يعبر عنها بيان رسمى، هى أول انتهاك للمادة الأولى من الدستور"مادة المواطنة".
وتعنى – ثالثاً – ان الأحزاب جميعها – بما فيها الحزب الوطنى – غائبة عن الريف المصرى تماما، ربما اكثر مما هى غائبة عن المدن، بدليل ان هذا "الوعى المشوه" الذى عبرت عنه هذه الفتنة يبدو وحيدا فى الساحة بدون منافسة من برامج الأحزاب ، وبدون اى تأثير من ثقافتها السياسية الحديثة على هذه الثقافة المتخلفة التى تسيطر على قطاع من المصريين وتحولهم إلى قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر فى اى وقت، يدمرون أنفسهم ويدمرون معهم مستقبل الوطن والأمة.
وتعنى قبل ذلك كله تلكؤ الحكومة فى نزع فتيل هذه الفتنة النائمة، والتى حذر كل العقلاء من خطورة انفلاتها من عقالها.
فالكل يعلم أن هناك مشكلة متعلقة ببناء الكنائس، لأن بناء الكنائس مازال محكوماً بشروط "لائحة العزبى باشا"، والعزبى باشا هذا ليس سوى وكيل وزارة الداخلية عام 1934. أى ان هذه اللوائح التى وضعها "العزبى باشا" منذ ثلاثة وسبعين عاماً مازالت هى التى تتحكم فى بناء أى كنيسة. والشروط العشرة التى تضمنتها هذه اللائحة مجرد قرار إدارى بالى وليست قانونا ومع ذلك فان الحكومة مازالت متمسكة بها ونحن فى بداية القرن الحادى والعشرين.
وإلى جانب لائحة العزبى باشا، يوجد "الخط الهمايونى" الصادر من عهد السلطان عبد الحميد عام 1856، وهذا الخط الهمايونى كارثة فى حق الوحدة الوطنية وحرية العقيدة.
ومن غير المعقول أن تظل مسألة مهمة مثل بناء الكنائس مقيدة بلائحة العزبى باشا والخط الهمايونى. ولذلك طالب عقلاء هذه الأمة بإصدار قانون موحد لبناء دور العبادة. ومشروع هذا القانون موجود فى مجلس الشعب منذ سنوات لا يتحرك بينما هناك قوانين يتم سلقها فى دقائق!
فلماذا التلكؤ فى إصدار هذا القانون الذى يحل هذه المشاكل التى ما إن تنطفئ نيرانها هنا حتى نفاجأ باشتعالها هناك؟
إن هناك تفسيران لهذا التلكؤ كلاهما أسوأ من الأخر:
فإما أن المسألة تعبر عن إهمال بيروقراطى وعدم حساسية سياسية لخطورة المسألة.
وإما أن النفوذ الفكرى لثقافة التعصب أقوى من كل المطالبة بدولة مدنية عصرية تكفل حرية العقيدة وتفصل الدين عن السياسة.
إن موضوع الفتنة الطائفية ليس ملفاً أمنياً، ولا يجب الاستمرار فى معالجته كقضية أمنية فقط.
صحيح أنه مطلوب الضرب بيد من حديد على أيدى العابثين بالوحدة الوطنية، والتطبيق الحازم والحاسم والسريع للقانون على كل من تسول له نفسه بث رياح الكراهية ببن المسلمين والأقباط .. لكن ليس بالأمن فقط، أو بالقانون وحده، يمكن حماية شجرة الوحدة الوطنية.
بل المسألة فى جوهرها سياسية وثقافية، يجب وضعها فى قمة جدول أعمال الأمة، من أجل إلغاء التشريعات البالية التى تعرقل حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية لأتباع جميع الأديان دون تمييز، وسن تشريعات ديموقراطية وعصرية تكرس حياد الدولة تجاه جميع المواطنين على اختلاف دياناتهم، وجعل المؤسسات التعليمية بوتقة لصهر المواطنين من مختلف الملل ولاعلاء قيمة المواطنة على ماعداها من هويات مذهبية، وحث الإعلام على قيامه بور تنويرى ضد خفافيش الظلام الذين "يناضلون" من أجل تفكيك "الأمة" وإعطاء أولوية الانتماء لـ "الملة" فى سباحة عكسية ضد المنطق والتاريخ والمصلحة الوطنية.
باختصار .. المسألة أكبر كثيراً من شباب طائش هنا أو هناك وأوسع مدى من قرية "بمها" ، ومركز العياط، ومحافظة الجيزة.
إنها- ببساطة – مصير وطن ومستقبل أمة.




#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحة المصريين... وروشتة الجبلى (2)
- أمريكيون أكثر من الكونجرس الأمريكي!
- ساركوزى دخل الاليزيه بفضل أسامة بن لادن!
- أمريكيون أكثر من الكونجرس الأمريكي
- ساركوزى دخل الاليزيه بفضل أسامة بن لادن
- (صحة المصريين .. وخطة الجبلى (1
- مسلمون بالإكراه
- نوبة دوت كوم
- .. وأخيراً تحدث أحمد عز!
- وصف مصر.. بالأرقام 5
- وصف مصر.. بالأرقام 3
- الإسرائيليون يحاولون إعادة احتلال سيناء.. بالاستثمار
- لوغاريتمات راجى عنايت!
- وصف مصر .. بالأرقام 2
- وصف مصر .. بالأرقام 1
- الحكومة تفضل وضع نفسها موضع الشبهات!
- أمين »الإنسان« وأباظة »الوزير«
- قتل الإبداع.. القاسم المشترك الوحيد بين العرب!
- كعب داير .. للبروفيسور الذى داس على ذيل الحمار
- هل الإعلامي .. صديق الإرهابي؟


المزيد.....




- ليس صحيحا أن المدرب الإسباني بيب غوارديولا رفض مصافحة مسؤول ...
- شاهد كيف بدت الحرائق في شمال إسرائيل بعد شن حزب الله هجومًا ...
- بعد -تصريحات متناقضة-.. قطر: لم نر -موقفًا واضحًا- لإسرائيل ...
- الطلاب المتدربون في قناة RT Arabic يختبرون مهاراتهم في دور م ...
- مصر تقر أكبر موازنة في تاريخها بعجز فاق 26 مليار دولار…ما ال ...
- بعد محاولات حضره.. ترامب يفتتح حسابا له على منصة التيك توك
- تمثال الإصبع في بغداد يقسم آراء العراقيين ويفجر جدلا حادا حو ...
- بايدن: هناك أسباب للاعتقاد بأن نتنياهو يطيل أمد الحرب في غزة ...
- أمطار غزيرة تُغرق الشوارع وتتسبب بفيضانات كارثية جنوب ألماني ...
- أردوغان: الإنسانية جمعاء تُقتل مع الأطفال الفلسطينيين في غزة ...


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - إنها الفتنة ! بالله عليكم.. لا تقولوا أن الوحدة الوطنية بخير