أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - قصة قصيرة : شريط الباراسيتول














المزيد.....

قصة قصيرة : شريط الباراسيتول


عبد الرزاق السويراوي

الحوار المتمدن-العدد: 1908 - 2007 / 5 / 7 - 12:09
المحور: الادب والفن
    


لم تكن حرارة الجو قد إشتدت كثيرا , فالوقت ما زال صباحا , إلاّ أنّ ذلك لم يمنع حبيبات العرق من أنْ تتفصّد فوق صفحة جبينه , لينحدر بعضها نحو الأسفل , متجاوزا حاجبيه , حتى أن البعض منها تسلل داخل عينيه اللتين أخذتا تدمعان , ليختلط الدمع بقطرات العرق التي ما زالت ترشح من جبينه , ثم مسح عينيه بمنديل أخرجه من جيبه , فأحس وهو يطبق جفنيه , بحرقة خفيفة تلامس شحمة عينيه , تشبه جرحا لامسه بغتة سائل ملحي . خطواته الآن بدت أسرع مما كانت عليه لحظة دخوله الزقاق الفرعي الضيق الذي إبتلع جسده. كان بين اللحظة والأخرى يتطلع نحو ساعته وقد أوشك وهو يحثّ خطاه , أن يصل الى نهاية الزقاق الذي يفضي الى الشارع الرئيسي , وفعلا , ما إن وصل الى نهاية الزقاق , حتى انعطف يساراً ليجد نفسه محشورا في جوف زحام الشارع الرئيسي , فيما يده اليمنى كانت ممسكة بحقيبته الجلدية . وحينما مال بوجهه عن الساعة , أدرك أن الوقت تجاوز قليلا عن موعده مع صديقه الذي لا شك انه ينتظره الآن في المقهى , لذا حاول ان يسرع في سيره علّه يتمكن من الوصول دون هدر وقت آخر , لكن كثرة البائعين الذين افترشوا معظم مساحة الرصيف , فضلا عن كثرة المارة , شكّلا عائقا أثّر في سرعة سيره . وسط هذا الضجيج و الزحام أحس بالصداع يعاود الهجوم عليه من جديد , بعد أن لازمه في الليلة الفائتة لساعات طوال , لكن الذي زاد من إستياءه , أنه فتّش كثيرا عن حبة براسيتول , لكنه أخفق في ذلك , فظلّ يتململ على فراشه الى أنْ إستسلم للنوم دون أن يدري متى تمّ ذلك . وبعدما إستيقظ في هذا الصباح , كرّر ما قطعه على نفسه في الليل , بضرورة شراء البرسيتول , على أنْ يكون ذلك في أول النهار . وها هو يشعر بالصداع يطرق بمعوله على مقدمة رأسه , فيما صدغاه أخذا ينفحان بشدة . كان متيقنا وهو يحثّ الخطى , أنه سبق وأنْ شاهد صيدلية في المكان الذي وصله الآن تحديداً , وكان حدسه صحيحا , فلم يستغرق في تفكيره كثيرا , إذْ إرتطمت نظراته القلقة والباحثة , بواجهة زجاجية لأحدى الصيدليات, وكانت كما لا حظ , خالية من أيّ زبون , لذا لم يتأخر كثيرا داخل الصيدلية , إذْ خرج وبيده شريطا من حبوب البراسيتول وقد بدا عليه الإرتياح واضحا , وإنْ لم يبتلع بعد , أيّ شيء مما إبتاعه من الدواء , فقد قرر إرجاء ذلك لحين وصوله الى المقهى . لأن جلّ تفكيره , خصوصا بعدما حصل على البراسيتول , كان منصبا في الوصول الى صديقه دون المزيد من هدر إضافي من الوقت . وما إنْ خرج من الصيدلية حتى تطلع مرّة أخرى نحو ساعته وقد تكون هذه المرة هي الرابعة وربما هي العاشرة التي يتطلع فيها الى الساعة , فأيقن تماما , بأنّ الموعد مع صديقه , مضى عليه بعض الوقت , لابدّ له أن يسرع أكثر في سيره ... لذا فضّل النزول الى الشارع بدلا من الأستمرار في سيره على الرصيف ,المزدحم بالباعة والمارة , فأخذ يمرق من بين السيارات التي بدت لشدة تلاصقها ببعضها , كأنها ُربطتْ الواحدة بالاخرى بحبل وهمي , هذا التغير الطفيف في اختياره السير على الشارع مباشرة بدلاً عن الرصيف , لمس فائدته في الحال , حيث اوشك الان على الوصول الى السوق المزدحم هو الآخر , والذي تقع المقهى في بدايته .غير أنّه بالتأكيد قد إحتاط لمسألة التأخير عن الموعد , بأنْ هيّأَ العذرالذي سيرمي به بوجه صديقه ,إنْ هو إستعلمه عن سبب التأخير أوإذا وجه اللوم له , إذ كان يتوقع ذلك منه ... ولكن ينبغي عليه قبل ان يصل المقهى أن يجتاز الساحة المكتظة عادة بالسيارات وبالباعة ايضا , وها هو يصلها ليسير بموازاة المحلات التي شكلت ما يشبه القوس الذي يحيط بجهتها اليسرى .. عاود النظر الى ساعته بينما شريط الدواء لم يزل ممسكا به ودون ان يضعه في جيبه , وفي اللحظة التي حاول ان يشيح بوجهه عن الساعة بعدما عرف الوقت , إرتفع صوت إنفجار هائل جدا , هزّ المكان برمته , فاختلطت في الحال أشلاء الاجساد المتقطعة والمحترقة بحطام السيارات وبضاعة الباعة والزجاج المهشم . وثمة الى جانب احد الاعمدة الكونكريتية الاسطوانية التي تنتصب امام أحد المحلات التي تحطمت واجهتها الزجاجية , كان قد سقط للتو, جسد رجل على الرصيف , وكانت كفه اليمنى ما تزال قابضة على حقيبة جلدية , وكان سقوطه بعد أن أستقرت الجثة , على جنبه الايسر , وهناك على مبعدة ثلاثة امتار تقريبا عن الجثة , ارتطم رأس لآدمي بواجهة احد المحلات ويبدو ان سقوط هذا الراس , تزامن تقريبا مع سقوط الجثة التي كانت بدون راس , وقد أستقر الرأس على جهة الصدغ الايمن, بينما الدخان كان يتصاعد من بعض ما تبقى من الشعر, فبدا الدخان بلون رمادي قاتم , فيما تناثرت الى جانب الرأس المقطوع , حبوب الباراسيتول التي تحوّل بياض لونها الى اللون الاسود الفاحم .



#عبد_الرزاق_السويراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتلة الصدرية تخوّل المالكي إختيار الوزراء وفقا للكفاءة وال ...
- قصة قصيرة:موكبان
- الأسلام والديمقراطية :توافق أم تقاطع؟؟
- المخبول : قصّة قصيرة
- النخب السياسية العراقية :وحرية التعبير عن الرأي
- لجنة بيكر :والملف الأمني العراقي
- الحالة العراقية : من يقود من؟ السياسة أم الأحداث ؟
- تساؤلات عن مصير لجان التحقيق الحكومية
- أمنيات ليستْ مستحيلة
- الراي العام العراقي بين الولاء للنخبة وسخونة الاحداث
- مجلة ( مدارك) في عددها الثاني
- ازمة المجتمع العربي في رؤية الدكتور برهان غليون
- قصّة قصيرة - صور جامدة
- (مقاربة فكرية بين( د. سميرأمين ) و( د. برهان غليون
- قراءة في مفهوم الأرهاب
- ( ليْلتان )


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - قصة قصيرة : شريط الباراسيتول