عبد الرزاق السويراوي
الحوار المتمدن-العدد: 1538 - 2006 / 5 / 2 - 11:42
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لا شك أن المنعطفات الكبيرة التي تمر بها المجتمعات , تترك بصماتها الواضحة على منظومتها الإنساقية , السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية وغيرها . ومن المؤكد كذلك أن مثل هذه التغييرات , سوف لا تطال شريحة دون أخرى من شرائح المجتمع , بما في ذلك طبعا , طبقة النخبة , هذه الطبقة التي يفترض بها ــ بناءا على ما تمتلكه من خلفية مفترضة لإستقراء الواقع بكل متغيراته ــ ان تكون على مقربة من هذه التغيرات ,وبما يتيح لها الإستفادة من المعطيات الجديدة للواقع الجديد, وهذا يعني ايضا ,أن المجتمع بكل مكوناته سيجد نفسه في خضم وقائع وأحداث تتسارع وتائرها على أكثر من إتجاه . وهذا ما شهده العراق بعد الإطاحة بالسلطة الدكتاتورية في 9/4/2003 ولحد الآن . ما نريد قوله بعد هذه المقدمة البسيطة , أن الشرائح الإجتماعية بكل مستوياتها والتي تمثل الغالبية في المجتمع العراقي , إضافة الى طبقة النخبة من المثقفين والأكاديمين ورجال السياسة والفكر وغيرهم , واجهوا سيلا عارما من الظروف الإستثنائية المعقدة وقد تحركت فيها الأحداث يمينا وشمالا , بحيث أمستْ عملية الرصد والمتابعة لما جرى ويجري , وما سيحدث مستقبلا بناء على المعطيات غير المستقرة , أمستْ غاية في الصعوبة فضلا عمّا يتخللها من أخطاء , كل ذلك سينسحب بالتأكيد على نوعية الرأي العام , بمستوييه , الشعبي والنخبوي , نظرا لإنطلاقه من صلب التطورات الجارية , وهذا يعني ان الرأي العام سيتبلور وفقا لهذا المسار ليكون بصدق , بمثابة المرآة العاكسة لجدلية الأحداث وتطوراتها ,وبما يحصن بدرجة ما من الإنجرار وراء التمظهرات الخادعة التي تقوم على تزييف الوعي . إذن فالرأي العام قابل لإنْ يكون متأثرا ومؤثرا في الوقت عينه , طالما هو فن له أخصائيوه المطلعون على خفاياه وهم في الغالب من رجالات الأعلام الأكفاء الذين تمرّسوا في التأثير على الرأي العام وهم يعملون في معظم الأحوال تحت تأثير أجندة السياسيين المحترفين . لكن هذا القول لا يعني بالضرورة أن الرأي العام يقع دائما تحت قبضة قنوات الأعلام , فأن بعض الحقائق ربما تتسرب الى المتلقي حتى وأنْ تسترتْ عليها كل شبكات الإعلام في العالم .
ولكي لا نبتعد عن موضوع الرأي العام في العراق ما بعد السقوط والى الآن , يجدر بنا التمييز بين رأي النخبة ورأي الغالبية من الشعب , وإن كان الفصل بين هذين المفهومين , قد يثير إشكالا معينا , خاصة إذا ما نظرنا من كون مجتمع النخبة , يكون في ظروف محددة وتحت تأثير عوامل معينة , محط أنظار الشارع العام , وخاصة عندما تتخذ التطورات لنفسها أشكالا تحتاج معها الى من يتقن فن المناورة والمتمثل بالنخب طبعا , فضلا عن أن هذه النخب , إنْ لم تكن جميعها , لها قواعدها التي تؤيدها في ما تذهب اليه من رأي , وإنْ كان هذا لا يتخذ صفة الإطلاق , إذْ أن هناك نوعا من الإنتقائية تمارسها جماهير هذه الحركة أو ذلك التيار . وهنا بالإمكان أن نطرح بعض التساؤلات في ضوء ما تمخضت عنه النشاطات السياسية طيلة هذه الفترة : هل تمكنت طبقة النخب , وخاصة السياسية منها والفكرية , من أن تستقطب قواعدها الشعبية , فضلا عن عموم التيارات الشعبية , من أنْ تستقطبها و بما يتيح لها , بلورة رأي عام حول كل ما دار ويدور من تطورات على أرض الواقع , وبالشكل الذي يستقرأ الواقع بمعطياته ويتسم بالموضوعية البعيدة عن روح التطرف , وذلك على ضوء مجمل التطورات الحاصلة , مع الأخذ بنظر الإعتبار ما يتميز به الشارع العراقي من مكونات متنوعة لا تخلو من بعض التباين حتى وإنْ كان هذا التباين مرحليا ؟؟ وهل استطاعت هذه النخب الفاعلة من أنْ تستفيد من هذا التباين في الرؤى , على إعتبار أن الأختلاف في الرأي أو في وجهات النظر أو حتى في الطروحات السياسية والفكرية , هو مظهر حضاري إذا ما أُحسن التعامل معه ؟ أقول هل إستطاعت هذه النخب من أنْ تبلور رأيا عاما عن الأوضاع السائدة لتجّيره لصالح المصلحة العليا والوحدة الوطنية للبلد ؟ ومن المفارقة حقا أن تصحّ الإجابة عن التساؤل الأخير , نفيا وإثباتا , إذ يمكن القول ومع الأسف الشديد أننا إذا شئنا الدقة في الإجابة , فأن بعض الرموز ومن بعض الأطراف السياسية تحديدا , أخفقت في إستغلال بعض التباينات الطفيفة لتأتي النتائج على عكس ما هو مأمول منها , حيث تسببت وبمستويات معينة بنوع من التشظي في بلورة الرأي العام العراقي حتى وإن كان هذا التشظي بمستويات دنيا , وليس بعيدا عنّا أيّام شروع الدكتور ابراهيم الجعفري أبان تشكيل حكومته وما رافق ذلك من خلاف وهو معروف للجميع , وكذلك ما عشناه الآن في أيامنا هذه وعلى مدى أربعة أشهر تقريبا مضت على إجراء الأنتخابات ولم يحسم بعد أمر تشكيل الحكومة نهائيا وهو أمر ينشده ويتطلع إليه بفارغ الصبر , الرأي العام العراقي , وإن كان هذا الأمر قد مورس في الغالب على نطاق فردي وشخصي أكثر منه جمعي لكنه كما قلنا إستطاع التأثير سلبا على الرأي العام العراقي .على كل حال ان التوصيف الآنف سوف لا يصمد كثيرا أمام المتتبع الواعي إذا ما إسْتقْرأ مسار الحالة العراقية , إذْ أنّه سيجد الذات العراقية الصميمة هي أعمق من أنْ ترفع راية الإستسلام لمثل هكذا تشظيات مفتعلة , ولا أحسب أن هذا الأمر هو من التفاؤل الخادع الذي ينتجه الوهم النفسي , بقدر ما هو قراءة صحيحة وواعية لمزيّة الأصالة المتجذرة في باطن الذات العراقية , ولمن ينشد الإستدلال على صحة هذا الرأي فليس بعيدا عنه حالة التوحد التي تستبطنها نفوس العراقيين وذواتهم إزاء الكبريات من الأحداث , من قبيل رفضهم القاطع لكل الدعوات المضللة لتقسيم العراق وإستهداف وحدته الوطنية , وأيضا رفضهم لما تراهن عليه الأبواق المنحرفة عن إحتمال قيام حرب أهلية وأنها إن لم تكن على الأبواب فأنها قائمة كما صرح بذلك رئيس أكبر دولة عربية , فضلا عن ما شاهدناه كثيرا من تبادل المعونات العينية والمادية من قبل الشيعة والسنة إحداهما للإخرى و و و غيرها وأعتقد أن هذا هو الرأي العام العراقي الصحيح الخالي من تلوث انفلونزا السياسة والاعيبها , ولرب قائل ينظر بعين واحدة يقول : إذا كان هذا هو الرأي العام العراقي كما ترى , فماذا عن مسلسل العنف والتفجيرات والقتل على الهوية , أقول لا يمكن إنكار ذلك ولكنها ممارسات دخيلة على العراقيين , وهي لا تعبر أبدا عن إصالة الهوية العراقية ..
#عبد_الرزاق_السويراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟