أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد معين - هل بتنا في زمن الفتوى ؟















المزيد.....

هل بتنا في زمن الفتوى ؟


احمد معين

الحوار المتمدن-العدد: 1892 - 2007 / 4 / 21 - 11:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بين تعدد المراجع الدينية والمذهبية وتشابكها يحار المواطن العراقي ويتشظى نسيج مجتمعه يوماً إثر آخر . ولا يبدو ضوء ولو خافت في نهاية نفق ظلمتهم . فالتكفير والإحلال بات بديلاً في شؤون حياتهم اليومية عن القوانين الوضعية . لم يعد خيارهم بين تفسيرات مونتسكيو أو هوبز او روسو ، كمشرعين كبار طبعوا حياة المجتمع البشري منذ الثورة الفرنسية الكبرى ، للقوانين التي تنظم شتى مناحي حياتهم بل أصبح الخيار بين فتاوى هيئة العلماء المسلمين ( لاحظوا لفظة العلماء !!! ) أو مراجع النجف . وتخطى الأمر ذلك إذ يتعدد مراجع الإفتاء بين مشيعي المذهب الواحد فآيات الله في النجف وكربلاء ومراجع الشيعة على كثرتهم وتكاثرهم المتواصل مختلفون في فتاويهم المتناقضة مثلما يختلف مراجع السنة التي يتزايد بدورها فيما بينهم وفيما يصدرونه من فتاوى . ولا يقتصر موارد الإفتاء على أمور بات يسمى بدينية أو دنيوية تقليدية بل إتسعت مساحة القضايا التي بات يفتي بها هؤلاء لتشمل أدق التفاصيل الحياتية كالمأكل والمشرب وكيفية حلق الذقون وما يرتديه المرء وكيف ينام وكيف يصحو وكيف يمشي وبإختصار شملت النهي والتكفير والأمر بممارسة طقوس الحياة الروتينية بالصورة التي يراها المراجع الإسلامية مجمل بل سائر جوانب الحياة وزواياها الإجتماعية والسياسية والفكرية . والقائمة في تزايد ومد دائمين مثلما يتكاثر مراجع الفتوى كالفطر يوماً بعد يوم . والآخطر من عملية إصدار الفتاوى كبيان للحكم في قضايا تعرض على أولئك الأشخاص والجهات ، هو الصفة الملزمة للفتاوى الصادرة من قبلهم . كما ينص أكثر الفتاوى على إحلال دم من يخالف شرع الله حسبما يفسرونه هم أو كما هو مذكور في نصوصهم الدينية كالقرآن والسنة . مثلما يلاحظ كثرة فتاوى التحريم قياساً بفتاوى الجواز . ولا يقتصر الأمر على ذلك بل بات الالآف من المراجع ومخولي إصدار الفتاوى يحولونها إلى مهنة يدر عليهم مداخيل لا يدره مناصب وأعمال مرموقة في مكانتها الإقتصادية على أصحابها ، بحيث باتوا عالة على المجتمعات الإسلامية في مهنة أقل ما يقال فيها إنها تبيح القتل والإقصاء الدموي للمئات والالآف يومياً في شتى الدول والقارات أو تخول بها وتضفي عليها الشرعية . وتعقد شهرياً العشرات من المؤتمرات والمنتديات الخاصة بالإفتاء في العراق وكل الدول العربية والإسلامية لغرض الترويج للإفتاء وتوسيع قائمة المحرمات والمواد والحالات المفتى بها أو فيها .
إن النكوص والإنتكاسة الحادة للفكر اليساري والعلماني الحر وكذلك النهج العلمي في البحث والتحليل في العراق وما شهده العالم العربي من مد يميني جارف منذ أكثر من عقدين ربما ساهم في إستفحال هذه الظاهرة السرطانية التي لا تقتصر آثارها على جانب مجتمعي واحد . إلا إن أسباب تصاعد هذه الظاهرة كثيرة ولا تكمن في ذلك فقط .
لقد أصبح الفكر الإسلامي وعاءً وإطاراً تسيج مجمل جوانب الحياة الإجتماعية في المرحلة الراهنة في الدول العربية . إطار يقولب ضمن أطر متخلفة و رجعية مجمل الحراك الإجتماعي في تلك المجتمعات . فبالإضافة إلى عوامل تاريخية عديدة ساهمت في بعث هذه الظاهرة الخبيثة ، بعد تراجعها النسبي قبل عقود خلت ، باتت ظاهرة الإفتاء جزءً لا يتجزء من إنبعاث التيار الإسلامي . ففي أوج مرحلة الخمسينات والستينات وما شهده العراق والعالم العربي من مد يساري وتقدمي وما صاحبها من تحولات عميقة ، لم يتم تصفية الحساب مع التيارات الإسلامية لكي يتم ختم تراجعها آنذاك بحصرها في زاوية ضيقة في الحياة الإجتماعية لتلك المرحلة بل بقياً حياً يرزق ليلملم قواها إثر التحولات الجارفة في نهاية الثمانينات والمد اليميني العالمي الذي رفع لوائه أمريكا .
هكذا أصبحت الحركات الإسلامية ، التي لم يتم مسها جوهرياً من قبل الأنظمة القومية العربية المتلاحقة في العراق والتي نشأت على أنقاض نضالات جماهيرية عارمة تمكنت من طرد القوات الأنكليزية المستعمرة وإنهاء الحكم الملكي ، من التحول إلى وعاء قادر على حشد المد اليميني الذي نما اثر إنتهاء مرحلة الحرب الباردة بل وأصبح التيار الأقوى المستوعب في صفوفها للمد المذكور ورائده.
كما لم يجرؤ الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية وفي ذروة نموها في الخمسينيات والستينيات في الدول العربية على مس جوهر الدين الإسلامي والخطر الكامن آنذاك للتيارات الإسلامية وما يمثله من مخزون رجعي ومعاد لكل أشكال التقدم وحاضنة الرجعية . ويرجع الموقف المتخاذل للتيارات الشيوعية من الإسلام والتيارات السياسية الإسلامية إلى طبيعتها الفكرية اللاماركسية وولائاتها السياسية العالمية آنذاك وترددها من تعمق الحركة الثورية بشكل يخرج عن نطاق فكرهم وسياساتهم .
كما لعبت سياسات النظام البعثي المقبور وإستغلاله للإسلام لخدمة تعزيز أركان حكمه الدكتاتوري بالإضافة إلى الحصار الإقتصادي الأمريكي لأكثر من عقد من السنين وما جره من ويلات ومصائب على الشعب العراقي وما خلفه من إنهيار وتشظي للنسيج المجتمعي السليم في العراق ، في تهيئة التربة الخصبة لتقبل الخرافة والدجل الدينيين وجعلته منبتاً خصباً لتقبل عقلية الفتوى وما يأمر به رجال الدين .
وقد عمقت عملية الإحتلال الأمريكي للعراق والوصفات الطائفية والمذهبية التي جاء بها الأمريكان منذ اليوم الأول لدخولهم العراق ، من قوة التيارات الدينية ومنحت زخماً قوياً للتيارات الإسلامية التي لم تألو جهداً في تسليط السيف الإسلامي على الشعب العراقي وشحذ كل ما في جعبة المؤسسة الإسلامية من أسلحة صدئة ، ومنها سلاح الفتوى ، خدمة لتكريس طموحاتهم في السلطة . ولم يقتصر ذلك على تيار أسلامي واحد ومشيعي مذهب دون غيرهم . كما لم يتأخر الأحزاب اللادينية عن السعي لإستخدام السلاح ذاته ، حيثما تبين جدواه في الحشد والإستغلال السياسي ، في المرامي الدنيئة ذاتها ، أي الإستئثار بأكبر ما يمكن من كعكة السلطة وجعل المواطن العراقي يسير عاجزاً في ركبه . ولكي لا تتأخر عن الركب تمادت الأحزاب الكردية في إستغلال هذه العملة الرائجة حيث بدأوا بالتباري في إحياء ما يسمى ب( إتحاد علماء الدين في كردستان ) حيث تم مؤخراً الإيعاز لهم من قبل سلطات اقليم كردستان بتفعيل دورهم في عملية إصدار الفتاوى حسب الطلب ووفق ما يشتهيه أهل السلطة في الأقليم وما يعزز سطوتهم .
ليست عملية الفتوى إلا إستهتاراً فظاً ليس بعقول ومصائر العراقيين فقط بل هي مؤشر حي على تراجع واضح يتطلب وقفة جادة تجاهها .
لا يمر يوم في العراق دون ان يذهب العشرات ضحايا لمنطق الفتوى والتكفير . إن المنطق والعقل السليم ، ولا اقول أكثر من ذلك ، يتطلب الحظر التام على هذه العملية كخطوة أولى على طريق الفصل الكامل للدين عن الدولة وسائر مؤسساتها . ولا ينخدعن أحد بأن السلطة القائمة في العراق تقوم بذلك وفق مشيئتها بل يتطلب ذلك ممارسة ضغوط عارمة عليها وإرغامها على القيام بهذه الخطوة الضرورية وتثبيتها كقانون وتطبيقها بصورة صارمة .
إن الفتوى بالقتل أو بغير ذلك يمثل جرماً وإن لم يشارك المفتي بها مباشرة في عملية القتل أو غيره من الجرائم . إن الموقف من الدين والفتوى بصورة خاصة لم يعد معياراً يميز بين التقدمي والرجعي بل بات معياراً للتمييز بين القاتل أو شريكه أو مبرره وبين المدافع عن حق الحياة بأبسط معانيه .

نيسان 2007





#احمد_معين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق : مثلث الإحتلال وسلطة الطوائف وصولات الإرهاب
- العدالة أم الإنتقام في إعدام صدام !
- ذكّرني الريس !
- الحراك في صفوف الحركات الأسلامية
- الهولوكوست الكردي ، هل بات مادة للتندر ؟
- الانتخابات في العراق : بين الوهم والواقع
- المغزى الحقيقي لإعادة إنتخاب بوش
- بوش : حكومة إسلامية في العراق وإن على مضض !
- هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟ بصدد عملية نقل الساطة في الع ...
- نص الافتتاحية التي القاه الرفيق -احمد معين- في الكنفرنس الرا ...
- عبدالعزيز الحكيم, لمن ولائه؟
- احتلال العراق: نتائج وافاق
- فتن العراق : من ايقظها ؟
- الحركة المطلبية وسبل الإرتقاء بها
- التنظيم هي القضية الجوهرية لعمال العراق
- مجلس الحكم الإنتقالي: من يحكم من؟
- حذار من بعض المتعاونين مع الشعب العراقي !!
- أزمة النظام السياسي في العراق
- ماذا وراء دعوة المرأة العراقية إلى إرتداء الحجاب ؟
- الأنفال : تراجيديا الحالة الكردية !


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد معين - هل بتنا في زمن الفتوى ؟