أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - احمد معين - احتلال العراق: نتائج وافاق















المزيد.....



احتلال العراق: نتائج وافاق


احمد معين

الحوار المتمدن-العدد: 662 - 2003 / 11 / 24 - 05:23
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


اجرت مجلة (نكاه - الرؤية) وهي مجلة تهتم بقضايا الفكر الماركسي وتصدر باللغة الفارسية في السويد في عددها (12) - آب 2003 ،حواراً مع الرفيق (احمد معين) تناولت الجوانب المختلفة من الاوضاع التي يمر بها العراق. وقد تطرق الحوار إلى اهداف السياسة الامريكية والحرب الذي إنتهت بسقوط النظام والوضع الراهن في العراق وموقف مختلف القوى السياسية والاوضاع التي تمر بها الطبقة العاملة وجملة اخرى من القضايا. وهنا ننشر نص الحوار المذكور.
حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين – العراق
- المكتب الاعلامي -

يعتبر احمد معين من قادة الحركة الشيوعية والماركسيةفي العراق.
اعتقل عام 1977 بسبب نشاطه السياسي, من قبل النظام السابق وحكم عليه لمدة 12عاما حيث قضى عامين و نصف في "ابوغريب" وبدأ نشاطه السياسي من جديد بعد خروجه من السجن.
وفي عام 1982صدر بحقه امر الاعتقال الا انه تمكن من الافلات وواصل نشاطه السياسي بشكل سري حتى اندلاع انتفاضة 1991.
كان احد قادة و منظمي حركة مجالس العمال والجماهير الشعبية في العراق وخاصة في كردستان, بعد الانتفاضة. تمكن مع بعض الحـلقات الشيوعية الاخرى من تأسيس منظمة(اتحاد نضال الشيوعية العمالية) عام 1990وساهم بعدها في تشكيل الحزب الشيوعي العمالي الـعراقي حيث استمر في نشاطه بوصفه عضوا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي و رئيسا لتحريرجريدته باللغة العربية. وبعد نقاشات وخلافات سياسية داخل الحزب ترك صفوفه عام 1997ليساهم في عام 1998, مع مجموعة من كوادر وفعالي الحركة الشيوعية بتأسيس منظمة ((حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين – العراق)) وهو عضو لجنتها المركزية ورئيس تحرير جريدة ((بلاغ الشيوعية)) في الوقت الراهن.
مجلة ن?اه- الرؤية -
* * *
ن?اه-الرؤية: لنبدأ هذا الحوار بنقطة جوهرية. لقد قيل ونشر الكثير حول اسباب الهجوم الامريكي على العراق وإن من منطلقات سياسية وطبقية متفاوتة جدا إلا انه من الضروري اولا معرفة رأيكم حول الاسباب الجوهرية والاستراتيجية للهجوم الامريكي على العراق وان بشكل موجز؟
احمد معين: انطلقت امريكا في هجومها على العراق من دوافع واهداف عالمية و اقليمية علاوة على اهداف تخص العراق نفسه. وللاهداف المذكورة ابعاد استراتيجية فيما لبعضها الاخر سمات سياسية عاجلة.
ان احد الدوافع الاساسية لشن امريكا حربها على العراق هو عسكرة العلاقات الدولية واقرار منطق القوة بهدف تكريس المعادلات العالمية التي انبثق بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وترسيخها بشكل ابدي لخدمة سيادتها.
كان العالم الراسمالي المعاصر يمر خلال 15-20 الاعوام الماضية بظروف إنتقالية, فقد انهارت من جهة منظومة العلاقات والمعادلات العـالمية السابقة بدون ان يحل محله معادلات ومنظومة جديدة ذو ملامح واضحة وجلية. ولا تقدر امريكا حل ذلك لضعف موقعها الاقتصادي اذ ليس بوسعها نيل موافقة القوى والدول الاخرى بأهليتها و جدارتها للهيمنة لضعفها من الناحية الاقتصادية. ان فرض التراجع على الاتحاد الاوربي والوقوف بوجه امتداد الحركة المناهضة للعولمة وتنامي قدرتها وتامين هيمنة امريكا وبدائلها وحلولها في مركز الازمات والتوتر, كالشرق الأوسط وإستكمال المسيرة التي بدأت أواخر ثمانينات القرن الماضي وإعادة بناء وتعريف مجمل العلاقات الطبقية بين العمال والراسماليين على نطاق عـالمي وذلك بإستغلال الحملات التي تم شنها في هذه الجبهة خلال العقدين الماضيين على عمال العالم واعادة تعريف مكانة الراسمالية في الدول المعروفة بالعالم الثالث وكيفية ربط اقتصاد هذه المجتمعات بالدول الراسمالية في الغرب في خضم عملية عولمة الرأسمال وتكريس هيمنة القيم الفكرية والاجتماعية والاخلاقية والثقافية للمجتمع الرأسمالي الامريكي المعاصر في العالم اجمع بوصفها حلقة مكملة لعولمة المنظومة والنمط الاقتصادي ذاته، هي كلها من ضمن الاهداف التي سعت امريكا من اجلها من خلال الحرب على العراق.
واستكمالا للاهداف العالمية المذكورة، تسعى امريكا على صعيد المنطقة ايضا لتحقيق جملة من الاهداف الخاصة تحت لواء الحــرب على العراق.
فاعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة واستكمال المرحلة الانتقالية التي مرت في السنوات10-15 الماضية واجراء اصلاحات سياسية شاملة في منظومة الحكم فيها بشكل يؤمن متطلبات الرأسمال في هذه المرحلة وطرح مشروع رجعي لحل القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي بشكل ينسجم مع الاوضاع والمعادلات الجديدة اضافة الى خلق توازن جديد للقوى في صفوف الحركة الاسلامية لصالح الجناح ((المعتدل !)) فيها كي تتمكن من لعب دورها بعد مرحلة ما بعد 11 سبتمبر هي من ضمن الاهداف التي تسعى امريكا لتحقيقها في المنطقة.
ان امريكا تبذل جهودا مضنية كي لا تظهر لها منافسين كبار في المنطقة الا ان اوروبا و روسيا ايضا عن دور لهما فيها. لقد شنت امريكا الحرب على العراق وقامت بإسقاط صدام حسين كي تكون القوة المهيمنة في المنطقة. و علاوة على ذلك فان الادارة الامريكية على يقين بان الإعتماد على المنظومة السياسية والبدائل الموالية لها في الشرق الاوسط (مثل الانظمة العربية في مصروالمغرب او نماذج دول الخليج) عملية صعبة للحفاظ على المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الامبريالية لها بل يتحتم عليها الحضور العسكري المباشر لحين الإنتهاء من عملية إعادة بناء المنظومة الحالية.
ويمكنني القول بايجاز بان الحرب الامريكية في العراق كانت رمزا لتحقيق حلقة اخرى من الاستراتيجية العالمية الراهنة لامريكا.
وكما ذكرت قبل قليل فان هذه الاستراتيجية تعتبر من احد نواحيها رد فعل على انهيار المعسكر المسمى بالاشتراكي في الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية. وبالرغم من نجاح امريكا في القضاء على ذلك المنافس العالمي وشن اكبر هجمة سياسية وفكرية على الاشتراكية والشيوعية وشتى الافـكار الساعية نحو المساواة والعدل إلا انها لم تنجح في تخفيف تناقضات الراسمالية وخاصة تخفيف ازمتها بل على العكس من ذلك إذ ادت التناقضات المذكورة ومنذ مرحلة سقوط المعسكر السوفياتي الى نشوء ازمة جديدة اكثر رسوخا.
الا انه وبالرغم من كل ذلك فان من السذاجة القول بأن هدف الاستراتيجية الامريكية يتلخص فقط في الرد على المعضلات المباشرة الناجمة عن المعادلات التي ظهرت عقب انهيار العالم ذو القطبين الامريكي- السوفياتي. ان الـقاعدة الاكثر اساسية لتلك الاستراتيجية تتمثل في السعي لإعادة بناء مجمل العالم الراسمالي المعاصر في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل اشمل وكل ذلك طبعا مع الاخذ بنظر الاعتبار الاوضاع الناشئة بعد انهيار المعسكر السوفياتي.
لم تكن الضجة التي تمت إثارتها حول الديمقراطية والسوق الحرة والحملات التي اثيرت في تسعينات القرن الماضي بصدد حقوق الانسان وخرقها من قبل الانظمة التوتاليتارية في اوروبا الشرقية و بعض دول العالم الثالث والحرب التي تم اشعالها في يوغسلافيا والتدخل في البلقان و…الخ إلا جزء من المساعي الامريكية لأجل تعزيز تلك الاستراتيجية. و عندما نضيف الاوضاع التي تلت احداث 11سبتمبر للصورة المذكورة يتبين لنا بصورة اوضح ضرورة واهداف الحرب الامريكية على العراق.
 وبقدر ما يتعلق الامر بالعراق فان امريكا تبحث عن جملة اخرى من الاهداف المحددة. لقد تخلت امريكا منذ امد طويل عن اثارة قضية الدكتاتورية في العراق وطبيعة سياسات و ممارسات نظام صدام حسين. لقد كان جليا للشعب العراقي بان الهدف من الحرب الامريكية في العراق لايتمحور حول تسلط نظام دكتاتوري سافر ابدا. وكان النظام موضع دعم امريكا في ثمانينات القرن الماضي وما اغدقه الامريكان من دعم متعدد الجوانب طوال حربه مع ايران ليس خافيا على احد بل ويعرف العراقيين تماما بان إستيلائهم على السلطة ايضا لم يخل من دعم سياسي و استخباراتي امريكي. كما لا يخفى على احد مدى الترحيب الذي قوبل به الانقلاب الدموي في 1963والقضاء على عبدالكريم قاسم و سلطته. وقد اعترف علي صالح السعدي امين سر قيادة قطر العراق انذاك في حوار مع جريدة (النهار) البيروتية والتي اجراه بعد انشقاقه عن البعث عام 1966بصورة صريحة قائلا (لقد جئنا الى الحكم بقطار امريكي). كما نشرت وزارة الخارجية الامريكية موخرا وثائق حول الزيارة السرية لدونالد رامسفيد في1983، اثناء الحرب العراقية- الايرانية ممثلا شخصيا للرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان و لقائه مع صدام حسين واعلانه الدعم للنظام بل وحتى اعطائه الضوء الاخضر له لاستعمال الأسلحة الكيمياوية سواء ضد ايران او ضد الجماهير العزل في كردستان العراق.
كما كانت احد القضايا الاساسية فيها تتعلق بالعراق هو وجود اسرائيل. وبالرغم من انه ليس للعراق حدودا مشتركة مع اسرائيل الا ان العراق كان احد خصوم اسرائيل وكان عائقا بوجه اقامة السلام الذي تنشده امريكا بين العرب واسرائيليين. لقد توصلت امريكا الى نتيجة مفادها بان القضاء على نظام صدام حسين هو الشرط المسبق لاقامة سلام راسخ بين اسرائيل و الدول العربية و بينها وبين الفلسطين. سلام يضفي من جهة صفة الشرعية على الوجود الاسرائيلي بين دول المنطقة كما يضفي الشرعية ايضا على الهيمنة الامريكية ودورها الاساسي في الشرق الاوسط من جهة اخرى.
وفي المقابل لم يكن النظام البعثي و حكومة صدام حسين نظاما بورجوازيا تقليديا. و من المعلوم بان إثارة التوتر الدائم والإخلال بالمنظومة الامبريالية في منطقة تعاني من جملة من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحادة بوسعهه خلق عقبات كبيرة بوجه هيمنة امريكا وسيطرتها فيهه. وكان النظام العراقي تحت سلطة صدام يسعى بشكل حثيث لاقامة علاقات متميزة مع امريكا واوروبا في خضم التناقضات والمعضلات التاريخية والسياسية للنظام الامبريالي في الشرق الاوسط وعن طريق استغلال تلك المعضلات والتناقضات ولم يكن الهدف الكامن وراء ذلك السعي سوى نيل الاعتراف بالدور المحوري للحركة القومية العربية والنظام العراقي في الخارطة السياسية والاستراتيجية للشرق الاوسط واقامة علاقة شبه متكافئة مع امريكا وكانت التوجهات السياسية المذكورة للنظام والتى كان الدافع الجوهري لاشعال الحرب مع ايران واحتلال الكويت تتناقض بشكل سافر مع المخططات السياسية الجديدة لامريكا بصدد المنطقة. وقد رأت امريكا في الظروف التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز الفراغ في منطقة الشرق الاوسط فرصة مناسبة للرد على استراتيجية نظام صدام حسين.
ان ماذكرته اعلاه يوضح بايجاز الاطار الاساسي للصراع بين امريكا والنظام العراقي السابق وهناك بالطبع قضايا واهداف اخرى لعبت دورها ايضا في الحرب.
لقد كان صدام و نظامه موضع سخط ونقمة شعبية عارمة في العراق بدون ان يمتلك اية قاعدة في صفوف شتى مكونات الشعب العراقي. كما كانت الازمة مستشرية في مجمل البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وعلى الرغم من القمع واللجوء الى شتى اشكال الارهاب فان الازمة السياسية لم تتواصل فقط بل كانت تتعمق وتبرز باشكال اكثر وضوحا. وطوال30عاما من عمره وخاصة خلال 10-15عاما الماضية اصبح هيكل النظام العراقي اكثر تمركزا وفي الوقت ذاته كان تطلع الجماهير نحو اسقاطه يتعمق ويترسخ اكثر. لذا كان سقوط البعث خطرا محدقا باستمرار. نظام كان يتعرض من جهة لضغط القاعدة الجماهيرية و لضغط امريكا والمجتمع الدولي من جهة اخرى، نظام معزول بشدة بحيث كان معرضا للسقوط في اية لحظة. و هكذا كانت الآفاق الغامضة للنظام السياسي في العراق والعجز على اصلاحه ودمجه بالنظام السياسي الامبريالي المنشود من قبل امريكا في منطقة مملوءة بالمعضلات التاريخية والسياسية يمثل خطرا جديا لسياسة امريكا و مصالحها. فقد كان من الممكن، على سبيل المثال، سقوط النظام اثر هيجان داخلي او نتيجة لإنتفاضة شعبية كالتي جريت عام1991 او اندحاره وسقوطه اثر انقلاب عسكري غير مدروس من قبل تيارات في الجيش العراقي حيث لم تكن الاشكال المذكورة تتطابق مع الاهداف الامريكية في العراق شكلا و مضمونا ويجعل من الصعب السيطرة على تداعياتها.
وهكذا تم بلورة بديل جديد تجاه العراق. فبعد مرحلة انتقالية تم فيها الاستناد على المعارضة العراقية الموالية لها في مواجهة ازمة العراق تبلورت لدى امريكا استراتيجية جديدة محورها السعي لخلق مقدمات شن الحرب وازاحة نظام صدام حسين والاحتلال المباشر للعراق كي يتسنى حل قضية السلطة السياسية فيهه بدون تداعيات و عواقب داخلية واقليمية و بصورة استعمارية بحتة.
وبعبارة موجزة فان اهداف الهجمة الامريكية على العراق تتمحور حول اقامة نظام سياسي موال لامريكا في البلاد والسيطرة على الثروة النفطية والحيلولة دون انفجار الازمة السياسية والاجتماعية والاستحواذ على السوق العراقية و اعادة بناء البلاد و دمج الاقتصاد العراقي بصورة مباشرة بالرأسمال والشركات الامريكية وتوجيه ضربه قاصمة للحركة القومية العربية التي يعتبر العراق احد مراكزها الاساسية في العالم العربي و حرف نضال الشعب العراقي عن جادة الصواب بالاضافة الى تضييق الخناق على الأنظمة الحاكمة في دول مثل ايران وسوريا و. . . الخ.
 نكاه – الرؤية: بالإستناد على ما ذكرته اعلاه إلى اي مدى يمكن لامريكا التعويل على غزو العراق و((النصر)) في الحرب اللامتكافئة التي جرت، من اجل إنجاح استراتيجيتها وعقيدتها الجديدتين ؟ هل ينجم عن ذلك حل او تخفيف الازمة الاقتصادية للعالم الرأسمالي ؟ هل بوسع الانتصار العسكري في العراق تكريس العنجهية الامريكية وهيمنتها على العالم وترجيح كفتها في المنافسة الجارية مع كل من اوروبا الموحدة واليابان والصين وروسيا ؟ هل تؤدي تداعيات الحرب إلى حل القضية الفلسطينية وفق السبيل الامريكي والاسرائيلي المنشود؟ ام بعكس ذلك تؤدي مع سائر تداعياتها السياسية والاجتماعية الى بدء العد التنازلي لافول الامبراطورية الامريكية ونكسة للاستراتيجية المذكورة؟
 احمد معين: ربما بدت امريكا قوة ظافرة في هذا الصراع على المدى القصير الا انه و على المدى البعيد فإن الانتصار العسكري الامريكي في العراق لا يؤدي الى مأزق جديد فقط بل يسبب اشكالات جديدة للنظام الامبريالي المعاصر ايضا.
 ان البشرية المعاصرة ناقمة بشدة على نزعة التسلط والسياسة الاستعمارية الجديدة لامريكا. فحتى اقرب حلفاءها، اي بريطانيا، تشعر بالرعب والريبة من نزعة الهيمنة والتسلط الامريكي. كما لم تقدر امريكا على حشد ذلك الائتلاف الدولي الذي بلغ تعداد الدول المشتركة فيهه 33 دولة اثناء حرب الخليج في1991مثلما فشل في انتزاع القرار المنشود من مجلس الامن لغرض اضفاء الشرعية على حربها في العراق. وقد إمتنعت سائر دول المنطقة (عدا الكويت وقطر وبصورة مبهمة وخجولة) عن التعاون بصورة علنية في الحرب الاخيرة. لقد هزت الاحتجاجات المعادية للحرب العالم باسره. ولم يبلغ الخلاف في المواقف بين امريكا و اوروبا هذه الدرجة من العمق خلال نصف قرن.
 كما ان القلق والمخاوف من الاهداف الحقيقية للحرب الامريكية في العراق تجاوز باشواط ماكان ذائعا بين العراقيين اثناء حرب1991. وبعد انقضاء عدة اشهر على اسقاط النظام العراقي لم تتمكن امريكا القيام بخطوة تستحق الذكر على طريق اعمار العراق واقامة النظام السياسي المنشود. لقد إنفجرت مجمل تناقضات و معضلات البلاد السياسية والتاريخية وكلها تتطلب حلولا لها ولاتملك امريكا ردا سوى الوعود. كما ان القوى العراقية المعارضة سابقا تشعر بانها تركت في منتصف الطريق بعد استغلالهم من قبل الأمريكيين.
 لقد لعبته امريكا في العراق لعبت خطرة جدا بدون ان تدرك عواقبها وتداعياتها ويصعب عليها اليوم السيطرة على عواقبها المحلية والاقليمية و العالمية. ولم يتحول الانتصار العسكري الامريكي في الحرب إلى عامل مساعد في تكريس المبدأ الامريكي الجديد بل بعكسه اثار تحديات جديدة بوجهه بشكل يصعب مواجهتها والتصدي لها في خضم الازمة الإقتصادية الراهنة والمأزق السياسي الحاد الراهن.
 اما فيما يتعلق بقضية حل او تخفيف الازمة الاقتصادية للعالم الراسمالي فالحرب والانتصار الامريكي فيها اعجز من القيام بذالك الدور.
 تسعى امريكا إلى استغلال الانتصار العسكري في العراق من اجل خفض اسعار النفط والاستفادة من عملية الاعمار الاقتصادي في العراق والاستحواذ على السوق المستقبلية فيهه و استغلال قوة العمل الرخيصة لعمال البلاد. الا ان ما ينبغي ذكره هو إنه وحتى في حالة تحقيق تلك الاهداف بسهولة فانها لا تلعب دورا فاعلا في حل وتحفيف الازمة الاقتصادية التي تواجهها امريكا والعالم الراسمالي. ان الازمة المذكورة لها جذور اعمق. ان اسباب الازمة الاقتصادية للراسمالية المعاصرة تمتد جذورها في عملية اعادة الانتاج الراسمالي الراهن من جهة وفي نمط راسمالية السوق الحرة وقوانينها الخاصة من الجهة الاخرى.
 كما يستحيل حل الركود المزمن للاقتصاد الراسمالي المعاصر والتي يمثل الاقتصاد الامريكي نموذجا حيا له بهذه الطرق.
 لقد كان هدف امريكا قبل شن الحرب يتلخص في تحويل الانتصار العسكري الخاطف في العراق الى عتلة مهمة للتنافس مع اوروباو الصين وروسيا, الا ان طعم الانتصار ذاب بسرعة في افواههم لذا تجد نفسها مضطرة لمنح امتيازات ولو صغيرة لاوروبا وروسيا. وفيما يخص القضية الفلسطينية و النزاع مع ايران و في مواجهة التيارات الاسلامية وحتى على صعيد اقامة النظام السياسي الجديد في العراق, فان امريكا غير قادرة على التقدم خطوة واحدة إلى الامام بشكل جدي بدون التعاون الاوروبي والروسي. 
 اما فيما يخص القضية الفلسطينية فان المشروع المشترك بين امريكاو روسيا واوروبا والامم المتحدة لحل تلك القضية فإنها تواجه تناقضات كبيرة.
فالخطوات الاولية لبوش ولقائاته بالمسؤولين الاسرائيليين و الفلسطينيين وبعض الدول العربية الاخرى لم تكن متفائلة بما يكفي كما اصبحت خريطة الطريق موضع انزجار من الشعب الفلسطيني والقوى الاسلامية والتيارات الصهيونية المتطرفة وبعض الدول العربية واصبحت عاملا لبروز الخلافات بين قادة السلطة الفلسطينية.
 واستنادا الى كل ذلك يمكنني القول بان ((الانتصار)) الامريكي في العراق يفتح الابواب على مرحلة جديدة من الاضطرابات والقلاقل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم المعاصر. عالم يتجه في ظل الازمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة وتداعياتها المختلفة نحو آفاق مظلمة.
 ولربما كان القول بان ذلك يشكل بداية لافول نجم الامبراطورية الامريكية حكما سابقا لأوانه الا اننا نستطيع التأكيد بيقين تام بانها تمثل ليس فقط بداية بل مرحلة مهمة في فضح المضمون الرجعي واللاانساني لمجمل السياسة الامريكية والخط الفاصل لمجمل اشكال الخداع باوهام حقوق الانسان والديمقراطية والسوق الحرة الراسمالية. ان العالم في مرحلة ما بعد احتلال العراق سيكون مليئا بالاضطراب والقلاقل والنزاعات. عالما ليس بوسع امريكا التقدم ولو خطوة واحدة اخرى باتحاه تكريس هيمنتها فيهه إلا عن طريق انتهاج سياسة القمع والاحتلال والاستعمار واللجوء الى التعاون مع اكثر العصابات الموالية لها تخلفا، بصورة سافرة. عالم لامناص فيهه من ظهور بوادر الهيجان و المقاومة واتساع نضالات العمال والجماهير الشعبية والمواجهة الثورية مع امريكا و اهدافها، كحقيقة جلية.
ن?اه - الرؤية: من الاجدر مواصلة الحوار حول القضايا الراهنة في العراق.
ما هي الاوضاع السياسية والاجتماعية في العراق بعد ((الانتصار)) العسكري الامريكي ؟ وفيما يخص بالمخطط العملي والسياسة الامريكيتين ما مدى التقدم الذي تم احرازه ؟ ما هي العقبات التي تحول دون ذلك؟
احمد معين: قبل الاجابة على السؤال من الضروري ذكر مقدمة مهمة:
اولا: يدور حديث بين اركان الادارة الأمريكية حاليا حول غياب قضايا اساسية اثناء التحضيرللهجمة الامريكية وعملية اعداد الخطط للازمة لشن الحرب على العراق و تداعيات اسقاط النظام.
 ثانيا: نظرا لخصوصية تركيبة النظام في ظل صدام فقد تم هضم سائر مؤسسات الدولة البرجوازية الاساسية من قبل الاجهزة الحكومية. كان احد الخصائص البارزة للنظام البائد سمتها اللاتقليدية والدرجة العالية من مركزة اجهزه الدولة. كان النظام يعتمد على اجهزه القمع فقط و حينما سقط النظام ظهر خلاء جدي واساسي في العراق. وعلاوة على ذلك فقد ادت الحرب الى سقوط آخر بقايا الدولة وانهيارها التام ايضا.
 لفد كان النظام تحت حكم صدام حسين عاملا في كبت سائر التناقضات والمعضلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتراكمة في المجتمع العراقي.
 وقد بدأت تلك القضايا بالتراكم منذ 1958. وكانت من جملة ذلك قضايا مثل المطاليب و الشؤون الاجتماعية و الاقتصادية لعمال وكادحي البلاد التي تم كبتها عن طريق القمع وقضايا مثل الفقر والبطالة والسكن والصحة والتغذية والحقوق المنتهكة باستمرار للمراة العراقية و النتائج الكارثية للحصار الاقتصادي وتداعيات انهيار البلاد اثر الحرب العراقية-الايرانية وحرب الكويت والحرب الامريكية الاخيرة وانهيار البنية التحتية الاقتصادية وقضايا انتاج النفط والامور المرتبطة بالتربية والتعليم ومشكلات الشباب و خنق ابسط حقوقهم و تطلعاتهم و التدخل المستمر لدول الجوار والقضايا المتعلقة بمكانة العراق في المجتمع الدولي وفي النظام الاقليمي وآثار القضية الفلسطينية والنزاع العربي-الاسرائيلي و نمط الانتاج والنمو الإقتصادي في العراق والمسالة القومية الكردية و مكانة التيارات السياسية والقضايا المتعلقة بالحريات السياسية و الفردية وسياسة التهجير القسري للبعث في المناطق الكردية او بصدد التركمان او حتى في الجنوب و مستوى تدخل الدولة في الشؤون والقضايا الاقتصادية و العلاقات التجارية للعراق مع العالم الخارجي و دمج عملية انتاج وتراكم الراسمال في البلاد مع عملية العولمة في مرحلة تم فيها عزل العراق ولمدة اكثر من عقد عن العالم الخارجي وكذلك القضايا المتعلقة بالعلمانية والجتمع المدني ومطاليب الجماهير الشعبية والصراع مع التيارات الاسلامية بصدد تلك المطاليب و توازن القوى بين التيارات الاشتراكية و الاسلامية والوطنية والصراع بينهم بالاضافة الى قضايا جديدة اخرى مثل الاعمار الاقتصادي والقروض الهائلة المترتبة على العراق ونوع النظام السياسي ومكانة الجيش والأجهزة القمعية ونمط القوانين التي سيتم تشريعها ومكانة المعارضة السابقة والموقف من حزب البعث وبقاياه والمئات من القضايا الاخرى و التي تحولت الى امور ملحة وقضايا عاجلة تتطلب حلولا سريعة لها.
 لقد شكل النظام السابق عائقا بوجه انفجار تلك المشكلات وبمحض سقوطه وفي ظل الاحتلال انفجرت كلها دفعة واحدة وإتخذت اشكالا متفاوتة من الحركات و القوى السياسية والبدائل والمطاليب وكل ذلك في ظل ظروف قامت فيها قوات الاحتلال الامريكية باستلام البلاد في صورة مهدمة و مفتقرة الى الحد الادنى من متطلبات الحياة الاجتماعية الطبيعية و اجهزة الدولة التقليدية.
 ان مكانة امريكا في وضع لايحسد عليهه في العراق فالمعارضة السابقة عاجزة عن الحكم و خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار التحديات الهائلة الناجمة عن المسائل المعقدة التي سبق ذكرها. ان المعارضة السابقة تفتقر الى الحد الادنى من التوافق اللازم لاعادة بناء سلطة الحكم علاوة على المعضلات الراهنة للمجتمع العراقي و بوسع تلك المعضلات النفوذ الى دول الجوار ايضا. لذا لم يكن بد من وجهة النظر الامريكية سوى الاحتلال المباشر للعراق واضفاء الشرعية عليهه إلا ان لذلك ثمنا كبيرا ايضا. ان المساعي الامريكية للتوصل الى صيغة اتفاق على مجموعة من الخطواط السياسية و الاقتصادية الاولية مع اوروبا و روسيا تمخض عن الاتفاق على القرار المرقم 1483 الصادر من الأمم المتحدة الذي يعتبر احد الحلول التي لجأت اليها امريكا لمواجهة المشكلات الراهنة في العراق.
 ويمكن بايجاز رسم صورة الوضح الراهن في العراق كالاتي:
 مجتمع بأسره يفتقر الى الاجهزة الادارية والخدمية والانتاجية والامنية والى المستشفيات وخدمات النقل والمواصلات والكهرباء والاتصالات وخدمات اسالة الماء. مجتمع بدون مدارس وجامعات ونظام مالي وبنكي وبدون اية قوانين ومقررات تنظم شؤون الحياة اليومية. كما لم يتم دفع اجور العمال والموظفين لشهور. وتم كذلك نهب المستشفيات والمدارس والجامعات والمراكز الادارية او تم تخريبها. لقد قامت احزاب المعارضة واثناء سقوط النظام , من القوى الاسلامية و المؤتمر الوطني العراقي و القوى القومية العربية والاتحاد الوطني الكردستاني و الحزب الديمقراطي الكردستاني بالإستيلاء على المؤسسات والمراكز الحكومية التي بقيت سالمة من ايادي العابثين بها وقاموا بالسيطرة على مجمل الوسائل و الآلات والمطابع والاجهزة الطبية او قاموا ببيعها في الدول المجاورة. (وهنا ينبغي التأكيد بان المدن الكردستانية كانت اكثر هدوء وذلك بسبب سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني على الادارات القائمة منذ زمن طويل وكذلك لأن المنطقة لم تتحول في الحرب الاخيرة الى ساحة قتال مباشرة) كما قامت ميليشيا الاحزاب العراقية بالسيطرة على المدن.
 لقد اصبحت المناطق الغربية من العراق و مناطق واسعة من بغداد مسرحا لنشاط عصابات النظام السابق و فدائيي صدام. ومن جهة اخرى تصاعدت النعرات القومية والدينية في كركوك و بغداد و الموصل نتيجة لسياسة امريكا والاحزاب الموالية لها وراح ضحية المواجهات الناجمة عنها مئات الاشخاص. واصبحت المساجد في بغداد و النجف و كربلاء و الموصل و البصرة والعديد من المدن الاخرى في العراق مراكز لاصدار الفتاوي بحق المرأة و الافكار العلمانية والمدنية والاشتراكية كما لم تتواني القوات الامريكية في صب الزيت على نار الخلافات الدينية و العشائرية و القومية بشكل واع وتلعب ايران عن طريق حزب الدعوة و المجلس الاعلى للثورة الاسلامية و تركيا عن طريق تحريض التيارات السياسية الشوفينية التركمانية دورا مخربا بشكل سافر حيث توغل الآلاف من عناصر الحرس الثوري الايراني و افراد المخابرات التركية في المدن العراقية.
 اما فيما يتعلق الامر بامريكا و قواتها فانها تركز جل إهتمامها على جملة من القضايا:
 اولا: اعادة انتاج النفط و خاصة بعد الحصول على الضوء الاخضر من الامم المتحدة الذي يسمح لأمريكا حسب قرارهه الأخير صلاحية السيطرة على انتاج و تصدير النفط و عائداته.
 ثانيا: إعادة تشكيل الاجهزة القمعية والبيروقراطية الادارية - السياسية في العراق عن طريق المجلس الانتقالي على الصعيد المركزي وتنظيم ادارة المدن تحت سيطرتها بواسطة نصب حكام محليين من بين المتعاونين معهم.
 واما بالنسبة للاحزاب المتعاونة مع امريكا فانهم وبعد عقد العديد من الجلسات و تنظيم المؤتمرات و التشاور و ما شهده العراق من التحولات و خاصة بعد تنصيب بول بريمر بدلا من جاي غارنر فقد توصلت الادارة الامريكية (وخاصة بعد حل سلسلة من الخلافات مع روسيا و اوروبا الموحدة بصدد العراق) الى نتيجة اعلنتها بشكل لالبس فيها الا وهي عدم تسليم السلطة السياسية لائتلاف الاحزاب العراقية.
 وقد تنصلت امريكا من وعودها بصدد عقد مؤتمر تموز حيث يدور الجدل في الوقت الراهن حول تشكيل سلطة انتقالية ينحصر دور القوى العراقية فيها بالتعاون والتشاور مع امريكا فقط.
 وكما ذكرت سابقا فان المشاريع الامريكية في العراق تواجه مشكلات عديدة و قد ذكرت جزء منها. وعلاوة على ذلك فان العقبة الاساسية بوجه الامريكان هي إصرار الشعب العراقي على مطاليبه. و تتلخص تلك المطاليب اساسا في :الحريات السياسية, استغلال ثروات البلاد لخدمة شعبه, القيام باصلاحات اقتصادية جذرية و شاملة بوسهعا حل مشاكل الفقر و البطالة والغلاء، اقامة نظام اداري و خدمي عصري وتأمين الامن والرفاه, محاكمة اركان النظام السابق, حل الجيش والمؤسسات القمعية و الاستخباراتية للنظام المخلوع, عدم اقامة حكم اسلامي في العراق, التأكيد على التعايش بين ابناء الشعب العراقي بعيدا عن الحزازات القومية و الدينيةو العشائرية وتحقيق كل ذلك عن طريق إقامة نظام سياسي علماني و مدني.
نكاه - الرؤية: ما هو موقف التيارات السياسية المعروفة في العراق تجاه المشاريع الامريكية و سياستها في العراق؟ما رأي جماهير الشعب العراقي بذلك؟ هل تتطابق آراء و مواقف الشعب العراقي في خطوطها العامة مع آراء ومواقف تلك القوى السياسية؟
احمد معين: لقد جرت و طوال العقدين الماضيين انشقاقات كثيرة في صفوف القوى الاسلامية الشيعية والقوى البارزة في هذا التيار هي المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق و حزب الدعوة الاسلامية و منظمة العمل الاسلامي علاوة على تنظيمات اخرى انشقت عن القوى الاولى. لقد قام المجلس الاعلى خلال السنوات الماضية بالتعاون مع امريكا بشكل مباشر على الرغم من انتقادات جزئية لها حيث شكل المجلس احد القوى الرئيسية الموالية لامريكا.
 لقد رحب المجلس بالحرب على العراق كما يتعاون المجلس بالحرب على العراق حينها كما يتعاون المجلس مع امريكا بشكل وثيق حاليا. ولا يدعو المجلس الى خروج القوات الامريكية من العراق فورا بل يدعون بدلاعن ذلك الى منح المعارضة السابقة وخاصة المجلس دورا اكبر في السلطة خلال المرحلة الانتقالية. و بعد مرحلة طويلة من الدعوة لاقامة حكومة اسلامية في العراق فان المجلس لا يدعو في الوقت الراهن الى إقامة حكومة دينية بحتة في العراق و يؤكد في مواقفه على ضرورة اقامة حكومة وطنية مستقلة لن تكون اسلامية بالضرورة. ومرد ذلك اسباب عديدة منها ما تكشف في تجربة الحكومة الاسلامية في ايران و ماهية ذلك النظام وكذلك قلق اغلبية الشعب العراقي من تشكيل حكومة اسلامية مهما كانت اشكالها بالاضافة الى سعي المجلس المذكور لنيل مجموعة من الامتيازات في ظل النظام السياسي الراهن في العراق تحت السيطرة الامريكية.
 اما بخصوص حزب الدعوة فكان موقفه معارضا للحرب قبل بدئها إلا انه لم يكن يعارض السياسة الامريكية في العراق. كانت الدعوة تنادي بتنفيذ تلك السياسة باشكال اخرى وليس عن طريق الحرب مثل دعم امريكا للمعارضة العراقية و خاصة للقوى الاسلامية. وكان واضحا للدعوة بان الحرب و نتائجها تؤدي الى إضعاف دور المعارضة و خاصة القوى الاسلامية و يمنعهم من تبوأ السلطة. وعلى الرغم من كل ذلك فان علاقات حزب الدعوة و حتى منظمة العمل الاسلامي تطورت بعد الحرب مع امريكا ولم يتورع الدعوة من التعاون مع القوات الامريكية المحتلة و التيارات الموالية لها في العراق. إلا ان الدعوة مثلهه مثل سائر القوى الاسلامية الاخرى يعاتب امريكا من منطلق تملصها من عملية تسليمهم السلطة السياسية او إشراكهم فيها.
 وهناك تيارات سياسية اسلامية سنية ايضا حيث يعتبر(الحزب الاسلامي العراقي)ابرز هؤلاء وقد أبدى هؤلاء ايضا, وبالرغم من ضعف نفوذهم استعدادهم للتعاون مع امريكا.
لكن الخاسر الاكبر من بين القوى السياسية فيما يجري في العراق هي القوى القومية العربية. فعلى سبيل المثال اعلن(حزب البعث العربي الاشتراكي- قيادة قطر العراق) الموالين لسوريا عزمهم على تغيير اسم الحزب وعدم الاستمرار في العمل السياسي تحت مظلة (البعث) ومرد ذلك ما سببته سياسات البعث الحاكم في العراق من جرائم كبرى ارتبطت كلها باسم (البعث).
 والجناح الاخر في التيار القومي العربي هو (الوفاق الوطني) الذي تتشكل قيادته من البعثيين القدامى الذين ارغموا خلال العقديين الماضيين على ترك صفوف السلطة والالتحاق بالمعارضة حيث يرتبط الوفاق بعلاقات وثيقة بالمخابرات المركزية الامريكية. و يفتقر الوفاق الى قاعدة شعبية والسبب الاساسي في ذلك هو تراجع نفوذ التيارات القومية العربية في صفوف الشعب العراقي الا انهم و بسبب تعاونهم لفترة طويلة مع امريكا وتوافقهم التام مع السياسة الامريكية وحربها في العراق و صلاتهم مع بعض اجهزة النظام السابق و قدرتهم للتعاون مع امريكا لغرض ايجاد توازن بوجه القوى الاسلامية, جعلهم موضع اطمئنان الامريكان.
 اما فيما يتعلق بالمؤتمر الوطني العراقي و المعروف بمجموعة الجلبي فانهه وجده اساسا من قبل وزارة الدفاع الامريكية والمخابرات المركزية. ولم يوافق المؤتمر على شن الحرب فقط بل كانوا عاتبين على الادارة الامريكية لعدم شنها الحرب منذ امد طويل. ويعتبر المؤتمر الوطني من القوى الأساسية التي تعول عليها امريكا من بين القوى السياسية العراقية (بالاضافة الى الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديوقراطي الكردستاني).
لقد تمكن المؤتمر الوطني طوال 10 سنوات وبالأعتماد على الامكانات المالية الهائلة التي وضعتها المخابرات الامريكية تحت تصرفهه اقامة صلاة مع بعض اجهزة و شخصيات النظام العراقي السابق. وكان الدور المركزي للمؤتمر هو تبرير السياسة الامريكية وجعلها اكثر قبولا بين العراقيين وخاصة بين صفوف الجيش والفئات التكنوقراطية والبورجوازية الوطنية العراقية وكذلك القيام بعمليات التجسس والحصول على المعلومات السرية حول برامج التسلح العراقي لتزويدها للادارة الامريكية. ويدعو المؤتمر الى استمرار الاحتلال والدور المركزي لأمريكا في مستقبل العراق كما يطالب المؤتمر بدور محوري في صفوف القوى السياسية العراقية والمؤتلفة مع امريكا. ولكن ليس للمؤتمر الوطني قاعدة شعبية تذكر عدا نفوذ ضئيل بين قلة من المثقفين والبرجوازية العراقية ذوي الميول الغربية او الموالين لامريكا في صفوفهه.
 ويعتبر الديمقراطيين المستقلين احد التيارات السياسية البرجوازية النشطة والتي يرأسها(عدنان الباجة جي) الذي شغل في الستينات منصب وزير الخارجية, وعلى الرغم من تعاون هذه الفئة مع الامريكان والتقارب معهم, الا انهم يطالبون في الوقت ذاته باجراء انتخابات عامة واقامة حكومة ديمقراطية و ليبرالية مدنية. و يعتبر الباجه جي احد الشخصيات النافذة في صفوف القوى السياسية والطامحة لتبوأ السلطة و يتمركز نفوذ هذه الفئة بين التيارات الموالية للديمقراطية و المثقفين والقوى الوطنية العراقية.
 و على الرغم من ابداءهم الاحترام للدين وعلاقتهم الوثيقة مع التيارات الاسلامية الا انهم يدعون في الوقت ذاته الى فصل الدين عن الدولة.
 اما فيما يتعلق بالحزب الشيوعي العراقي بوصفه احد التيارات الاخرى في صفوف المعارضة العراقية فينبغي القول بأن استراتيجية الحزب تتمثل في اقامة حكومة مستقلة وطنية ديمقراطية في العراق. وجدير بالذكر بان الحزب الشيوعي كان من المعارضين للحرب الا انه كان على استعداد للتعاون السياسي الوثيق مع امريكا. وكانت الحرب برأيهم تؤدي الى خراب البلاد لذا كان الأجدر برأيهم العمل لتحقيق اهدافها المبتغاة بوسائل الضغط و استمرار عمل فرق التفتيش التابعة للامم المتحدة او عن طريق هيئات الامم المتحدة الاخرى. كما اشترك الحزب الشيوعي الكردستاني و هو احد اجنحة الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمر لندن الذي انعقد برعاية امريكية على الرغم من غياب الحزب الام حيث تم انتخاب كريم احمد سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني ضمن الهيئة المكونة من 60 شخصا.
 ويسعى الحزب الشيوعي إلى إستغلال الشعور الوطني في صفوف الشعب العراقي و نقمته من نتائج الحرب واحتلال العراق و كذلك من الإنقسام السائد في صفوف المعارضة العراقية السابقة على الاسس الشيعية و السنية والقومية العربية و الكردية لكسب قاعدة شعبية بين العراقيين. وبدأ الحزب مرحلة جديدة من نشاطه بعد سقوط نظام البعث مستفيدآ من التاريخ النضالي للحزب حيث يطالب في الوقت الراهن باقامة حكومة انتقالية و ديمقراطية و فدرالية متشكلة من الاحزاب الاسلامية والوطنية والقومية العربية والكردية برعاية امريكية. ولا يرفع الحزب الشيوعي شعار تشكيل حكومة علمانية في العراق بشكل صريح و إن كانوا قلقين من اقامة حكومة دينية.
 وبعد مرحلة من رفع شعار مناهضة الحرب تخلى الحزب الشيوعي عن مواقفه وبدأ يطالب بعدها وعن طريق التقرب مع احزاب اخرى كالدعوة الاسلامية بعقد مؤتمر وطني عراقي تحت رعاية امريكية. و يؤمن الحزب الشيوعي والدعوة والعديد من التيارات الاخرى في المعارضة السابقة بانه ينبغي ان يكون المؤتمر المذكور القاعدة الاساسية للسلطة بدلا من السلطة الانتقالية الامريكية في الاوضاع الراهنة وليس منح القوى المذكورة صلاحية تقديم المشورة للادارة الامريكية في العراق فقط.
 اما بالنسبة للحزبين الكرديين فينتابهم القلق في مرحلة ما بعد سقوط النظام حيث من المتعذر الاحتفاظ بالامكانات والمكانة الخاصة التي كان الطرفين يحظون بها في السابق بوصفهم جزء من المعارضة العراقية اذ سنحت لهم الظروف الاستثنائية آنذاك بتبوأ السلطة في كردستان.
 ومع التحولات التي جرت من سقوط النظام وتركيز الانظار على القضايا المتعلقة بالسلطة المركزية يتعذر على الطرفين الكرديين موضوعيا لعب دور اساس في تلك القضايا المركزية. وعلاوة على ذلك فان مستقبل كردستان و المكانة السياسية التي ستحظى بها الاطراف الكردية في المخطط السياسي الشامل للعراق يشوبه الغموض. فامريكا لاتبدي رغبة جادة للاعتراف بالمشروع الفدرالي للحزبين الكرديين بل ترفضها من الناحية العملية. (و هي لاتعني، اي الفدرالية، في جوهرها ومغزاها العملي سوى منح جملة من الإمتيازات للطرفين المذكورين).
 كما ينبغي دمج القوى المسلحة للاحزاب الكردية في الجيش العراقي المزمع تشكيله هذا عدا ضرورة حل الادارات الحكومية الخاضعة لهما وقطع كل علاقاتهم الخارجية و. . . الخ.
 الا ان الحزبين يضغطون باتجاه المطالبة بامتيازات هائلة مستغلين في ذلك هيمنتهم على مقدرات الشعب الكردي و بث النزعة القومية الضيقة وتذكير الامريكان بتعاونهم الكامل معهم لسنين طوال والمكانة التي حظوا بها في المرحلة السابقة وتعاونهم مع بعض قوى المعارضة العراقية السابقة.
 كما تعتبر القوتين الكرديتين اكثر تجهيزا و قدرة بالمقارنة مع مجمل القوى الاخرى الموالية لامريكا على الساحة العراقية بالاضافة الى تجربتهم المديدة وصلاتهم الوثيقة بالامريكان حيث تلعب العوامل المذكورة مجتمعة دورها في حظوتهم لدى الادارة الامريكية.
 الا ان هناك فرق شاسع بين مطاليب و اهداف الشعب العراق و مواقف واهداف القوى والاحزاب الآنفة الذكر. فالهم الاساسي لتلك القوى هو الحصول على حصتهم في السلطة السياسية عن طريق التعاون مع امريكا او بدونها, عن طريق اقامة حكومة ائتلافية فيما بينهم وبناء نظام سياسي ينتزع السلطة ويحتفظ بها بعيدا عن متناول ايدي الجماهير لذا فانهم ليسوا موضع قبول من لدن الشعب العراقي.
 وفي الطرف المقابل يطالب الشعب العراقي بالحريات السياسية المطلقة وبحق تنظيم صفوفهم و بفصل الدين عن الدولة و اعمار إقتصاد البلاد والقيام باصلاحات اقتصادية جذرية في حياتهم وذلك ليس عن طريق استمرار او تشديد استغلال الطبقة العاملة و الكادحين اي الوسيلة التي تسعى تلك القوى و الاحزاب لإعادة البناء الاقتصادي من خلالها بل عن طريق إستغلال المصادر والثروات الهائلة للنفط وغيرها.
و فيما يطالب الشعب العراقي بالتعايش بين مكوناته بعيدا عن التعصب القومي و الديني وبحل جذري لمسألة المراة وتأمين كامل حقوقهم وعدم اعادة بناء اجهزة القمع و الشرطة و حملات الاعدام و عدم الاشتراك في او شن الحروب مع هذة الدولة او تلك، تنهمك القوى السياسية المؤتلفة مع امريكا، في الوقت الراهن، ببناء اجهزة القمع مجددا.
 وفي الوقت الذي يتطلع الشعب العراقي نحو إقامة نظام سياسي و اجتماعي علماني وعصري تتسابق اغلبية تلك القوى في التعاون مع رؤساء العشائر والقبائل بل و حتى السعي لاعادة الحقوق لاقطاعيي العراق الذين خسروا إمتيازاتهم بعد عملية الاصلاح الزراعي عام1958.
 اما لماذا لم يتسنى لجماهير الشعب العراقي تحويل تلك المطاليب والاهداف المذكورة الى حركة سياسية شعبية ولماذا لم يتمكنوا من لعب دور اساسي في الصراعات الجارية فإن مرد ذلك جملة من العوامل السياسية والتاريخية والاقتصادية الخاصة.
 نكاه - الرؤية: ما هي العقبات التي تواجه امريكا في المناطق الشيعية لتكريس سياستها؟ مامدى تأثير عودة محمد باقر الحكيم الى العراق على تلك السياسة؟ و ماهو دور ايران في خلق ظروف مناسبة او متطابقة مع سياستها وكيف سيكون ذلك الدور؟
 احمد معين: ينبغي التذكير مسبقا بان عبارة الشيعة و تقسيم الشعب العراقي بين الشيعة و السنة برزت بشكل خاص في مرحلتين تاريخيتين.
 اولهما: بعد انهيار الثورة الايرانية و قيام الحكومة الرجعية الاسلامية و الذي كان له انعكاسات خاصة في العراق. إلا ان هذه الفترة لم تدم طويلا حيث طرأ عليها تحول في سنوات الحرب العراقية - الايرانية لمصلحة النضال المشترك والشامل للشعب العراقي ضد الحرب وسياسات النظام العراقي آنذاك.
 اما ثانيهما: فقد تزامن مع الهجمة العالمية الرجعية المنظمة التي شنتها امريكا و الرأسمالية العالمية ضد الشيوعية و الإشتراكية حيث اتخذ ذلك في العراق اطارهه المحدد من خلال شن الحرب عام 1991 بذريعة تحرير الكويت. ففي الوقت الذي اتخذت الهجمة الرجعية الفكرية والسياسية الامبريالية في منطقة البلقان اطار الصراع القومي العرقي و بروز النزعات الليبرالية والنزاع بين القوميات في الاتحاد السوفياتي السابق فقد اتخذت تلك السياسة الرجعية للامبريالية العالمية في العراق و نتيجة لعوامل سياسية و تاريخية خاصة علاوة على الدور الذي لعبته امريكا و المعارضة الرجعية العراقية آنذاك، شكلا ملموسا الا وهو الانقسام الديني.
فعلى سبيل المثال اتخذت ((انتفاضة)) عام 1991 في جنوب العراق شكلها المحدد في إطار نضال الشيعة لتحقيق ((حقوقهم المهضومة)) و مثل ذلك خداعا وكذلك تضليلا سياسيا و دعائيا وان كان يحتوي بشكل ما على بعض الحقائق. وقد تمثلت تلك الحقيقة في وضع قائم اذ واثر هيمنة الرجعية السياسية والفكرية والاجتماعية والتي اتخذت ابعادا عالمية واقليمية ايضا، تم حرف نضال الشعب العراقي و اصبح خاضعا للظروف المذكورة.
 الا ان العقد الماضي شهد نتائج سياسية اخرى في صفوف الشعب العراقي.
 لقد ادرك الشعب العراقي بصورة موضوعية سواء اثناء ((الانتفاضة)) او السنوات التي اعقبتها مغزى السياسة الامريكية بشكل اكثر دقة حيث تبين بشكل ملموس بان كنه السياسة المذكورة لاتتجاوز مجموعة من الاهداف الرجعية كايجاد بديل موال لامريكا ليحل محل البعث و السيطرة على النفط العراقي و تغيير معادلات المنطقة لصالح اسرائيل. كما اختبر العراقيون الحصار الاقتصادي الذي تجاوز ضحاياه مليون شخص. ان الدور الامريكي من وجهة نظر الشعب العراقي لم يكن يقل عن الدور الذي لعبه نظام صدام حسين في خلق الفقر و البطالة و الجوع. لقد ادىكل ذلك الى تدنى مستوى الاوهام التي كانت شائعة بين العراقيين بصدد امريكا و المتعاونين معها من القوى العراقية. الا ان الشعب العراقي لم يتمكن من اتمام تلك العملية ليصل بها الى حد القطيعة الكاملة مع تلك القوى و الاطراف و المواجهة العملية مع امريكا و النظام في آن واحد. لذا لم يكن من المستغرب ان يختار الشعب العراقي موقفا محايدا في الحرب الاخيرة على الرغم من قلقهم العميق من السياسة الامريكية.
 و عودا الى بدء، تحاول القوى الاسلامية الشيعية في العراق استغلال الاوضاع القائمة من اجل تبوأ السلطة او المشاركة فيها. الا ان الظروف السياسية الخاصة في العراق و تعقيدات الوضع فيها يحول من جهة دون استيلاء التيارات المذكورة على السلطة و اقامة نظام اسلامي ومن جهة اخرى لاتشكل تلك التيارات القوى الرئيسية بين سكان جنوب العراق. لذا ينحصر مساعي القوى المذكورة كالمجلس الاعلى و حزب الدعوة في استغلال نقمة الشعب العراقي من اجل فرض مطاليبهم على الامريكيين. الا انهم يعلمون قبل الجميع بان الشعب العراقي قلق من التيارات الاسلامية والاهداف والبدائل التي تسعى من اجلها اكثر من امريكا. لقد ادت الازمة التي ولدها الاحتلال الامريكي للعراق الى خلق الارضية لمرحلة جديدة من نشاط الاحزاب الاسلامية. واذا كان الخيار يعود الى الشعب العراق فإن اكثريتهم سوف يطالبون بفصل الدين عن الدولة و اقامة نظام علماني وعصري. لقد دلت الاستطلاعات القليلة التي تم القيام بها من قبل مجموعة من المؤسسات الاعلامية المستقلة مؤخرا بان مايتجاوز 66% من الذين ادلوا بآرائهم يعارضون اقامة نظام اسلامي ويطالبون بحكومة علمانية بدلا عنها.
 يتخذ موقف القوى الشيعية في جنوب العراق حول امريكا سمة الوحدة و الصراع في الظروف الراهنة. فهم يحاولون ممارسة اكثر مايمكن من الضغط عليها مستغلين في ذلك اوراق عديدة كورقة المقاومة و النقمة الجماهيرية او العلاقة مع ايران و كذلك المأزق السياسي الامريكي في العراق من اجل كسب امتيازات من امريكا و الادارة الانتقالية المؤقتة في العراق.
 ان المعضلة الاساسية التي تواجه امريكا في العراق تنجم عن سياستها ذاتها وليس عن الدور الذي تلعبه القوى الشيعية في جنوب و وسط العراق. و تنبع تلك المشكلات من التناقض بين الاهداف الامريكية من جهة والمطاليب و التطلعات التي تجيش في صدور العراقيين و التي تتناقض تماما مع تلك الاهداف من الجهة الاخرى.
 ولم تتمكن عودة محمد باقر الحكيم و مارافقه من ضجيج هائل من حل المأزق الذي تعاني منه القوى الاسلامية و الآفاق المسدودة بوجه تلك القوى.
 كما لم يتمكن المجلس الاعلى من استغلال مسألة عودة الحكيم الى العراق في حشد فئات من الشعب العراقي سوى لمدة اسبوع واحد. ويمر محمد باقر الحكيم الآن بظروف صعبة إذ ينظر اليه الشعب العراقي بوصفه من رجالات الحكومة الايرانية حيث لايحظى دوره المذكور بالقبول لامن قبل الشعب العراقي و لامن قبل الامريكيين. و لذر الرماد في اعين الجماهير سعى الحكيم في جولته في بعض المدن العراقية لبعث رسالة إلى العراقيين مفادها بانه و حزبه ليسوا تابعين لايران و لا يسعى لإقامة نظام اسلامي في العراق و استحالة تطبيق النمط الايراني في العراق. كما كان الحديث عن تمتعهم بالإستقلال عن ايران واقامت نظام غير ديني في العراق محور احاديث الحكيم والقوى الاسلامية في تلك الفترة. و من جهة اخرى فان تزايد الضغوط الامريكية على ايران وعلى القوى الاسلامية في العراق ادى الى تضاؤل دور اولئك وتفاقم مشكلاتهم. و تحاول امريكا وعلى الرغم من استغلال تعاون التيارات الدينية منح اقل مايمكن من الامتيازات لتلك التيارات مستغلة في ذلك قلق و مخاوف الشعب العراقي من اقامة النظام الاسلامي و من القوى الاسلامية. و استكمالا لذلك النهج فقد تم اختيار شخصين فقط من بين الاحزاب الاسلامية الشيعية ضمن المجلس المكون من 25 شخصا.
 اما فيما يتعلق بقدرة ايران او عجزها عن لعب دور فاعل في التأثير على الاوضاع الجارية في العراق وفقا لمصالحها, فان ذلك مرتبطها بجملة من العوامل مثل :مدى نفوذ ايران او البديل الاسلامي بشكل عام في صفوف الشعب العراقي و المكانة التي تحظى بها التيارات الاسلامية الشيعية بينهم او في السلطة السياسية المستقبلية و في ائتلاف القوى العراقية والعلاقات التي تربط بين ايران و امريكا و مستقبلها و كيفية حل خلافات الطرفين سواء حول العراق او حول القضية الفلسطينية او الشرق الاوسط و جملة من القضايا الاخرى. واستطيع التأكيد بشكل موجز بان التدخل الايراني في العراق سينقلب في نهاية المطاف على اصحابه و سيتحول الى عامل اضافي في تشديد ازمة النظام الايراني.
نـــكاه - الرؤية: ماهو رأيكم حول كردستان العراق و التحولات التي تشهدها و مستقبل تلك المنطقة؟ ما هو المشروع الامريكي لكردستان العراق و ما مدى توافق او خلاف الاحزاب و القوى الاساسية في كردستان بصدد ذلك وهل سيستمر الهدوء هناك مع تقدم السياسة الامريكية او بعكسه سوف نشهد تصاعد الاحتجاجات الشعبية المناهضة للامريكان؟
 احمد معين: لقد انفصلت كردستان العراق عمليا عن بقية العراق من الناحية السياسية منذ عشر سنوات. و مع التحولات التي شهدها العراق اثر الحرب الامريكية الاخيرة وسقوط النظام العراقي تواجه كردستان العراق ظروفا جديدة تماما. فالمسألة القومية تتطلب حلا حيث لايمكن التهرب من حلها كما كان يجري سابقا بذريعة بقاء النظام على دست الحكم. و في هذا الصدد ليس لدى الاحزاب الكردية شيئا جديدا سوى مشروع الفدرالية والتي تحول على ايديهم من الناحية العملية الى وسيلة لكسب امتيازات اكثر ليس إلا, هذا عدا مضمونها الرجعي. كما إن امريكا و على الرغم من اعتمادها على الاتحاد الوطني الكردستاني و الحزب الديمقراطي الكردستاني الا انها لاتقبل مشروع الفدرالية على اساس جغرافي او قومي كما تم الاعلان عن ذلك صراحة.
 ان حل القضية القومية, كما يريدها جماهير الشعب في كردستان العراق اي حل عادل و انساني لها وفق قاعدة التعايش المشترك مع سائر الشعب العراقي بشرط اقامة عراق ديمقراطي، علماني و عصري وحل التبعات التي نجمت عن 25 عاما من الاضطهاد القومي المسلط على جماهير كردستان من قبل النظام العراقي, اصبحت بمثابة احدى العقد السياسية في العراق باسره.
 تسعى الاحزاب القومية الكردية في العراق لتحريف جوهر هذه القضية العادلة و جعلها وسيلة لتشديد الحزازات القومية ضد المواطنين العراقيين من العرب و التركمان.
 ومن جهة اخرى فان سيطرة اجواء الانفراج السياسي في كردستان و حضور الحركة الراديكالية الشيوعية و الجماهيرية خلال العقد الماضي عامل مهم في رفع مستوى النضج السياسي في اوساط جماهير كردستان.
 ولم يكن التدخل و الوجود الامريكي في هذه المنطقة بمأمن عن المشاكل إلا ان الفرق يكمن في ان جماهير الشعب العراقي تواجه للمرة الاولى مرحلة ما بعد صدام و نظامه فيما تخطت الجماهير في كردستان العراق تلك المرحلة منذ امد بعيد.
 ان حل المسألة القومية وتلبية المطاليب السياسية والاقتصادية للشعب ومعالجة قضية المهجرين والمرحلين وحل قضية المرأة وازالة آثار الحصار الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي والاقتصادي وحظر التدخل التركي والايراني في الشؤون الداخلية لكردستان العراق و اقامة نظام علماني و عصري و... الخ هي من القضايا الملحة التي تواجه امريكا في كردستان و بدون حلها سوف تتحول تلك القضايا إلى الميادين الاساسية للنضال و الصراع السياسي في المرحلة المقبلة. ولكن ذلك يجري بينما لاتملك امريكا جوابا لتلك القضايا. كما لا تتجاوز دور الاحزاب القومية الكردية غير السعي للسيطرة على نضالات الشعب الكردي و الحيلولة دون تصاعد حركتهم المطلبية الى تحرك سياسي شعبي بوجه امريكا.
لقد كان الامريكان يؤكدون دوما بأن دور الاحزاب الكردية لا ينحصر فقط في التعاون العسكري لأجل اسقاط نظام الطاغية صدام بل يتجلى دورهم الاساسي في اضفاء الشرعية على السياسة و التدخل الامبريالي الامريكي و صد اية محاولات تجري لتصعيد النضالات الشعبية و جر الجماهير الشعبية نحو المظلة الامريكية, اي بكلمة اخرى, حرف نضالهم عن وجهته الصحيحة، وقد ادت الاحزاب المذكورة دورها في هذا المجال و تقاضوا ثمن ذلك من الطرف الامريكي، الا ان تبرير ذلك الدور يستحيل إذ سقطت ذريعة بقاء النظام العراقي السابق و ليس من السهل تبرير استمرار تلك السياسة بذرائع اخرى ايضا.
 تسعى الادارة الامريكية في العراق لحل المسالة القومية في كردستان عن طريق مشروع اقامة نظام لامركزي في العراق تتمتع فيه المحافظات بجملة من الصلاحيات، بدلا من قبول فكرة الفدرالية على اساس قومي او جغرافي وهذا يعني تمتع المدن العراقية المختلفة مثل السليمانية او اربيل او البصرة او الموصل بصلاحيات ادارية و قانونية خاصة امام السلطات المركزية، على سبيل المثال وفقا للافكار الامريكية المطروحة الآن. و معلوم بأن تلك الافكار لاتتناقض مع الحل الديمقراطي و الانساني للاضطهاد القومي في العراق فقط بل تختلف بشكل جذري حتى مع المشروع الفدرالي للاحزاب القومية الكردية ايضا. إلا ان امريكا لاتبدي استعدادا لمنح امتيازات اكثر للاحزاب القومية الكردية في النظام المركزي و السلطة لاسباب و عوامل كثيرة.
 وأدى كل ذلك بالاحزاب الكردية الى عدم الاصرار على مشروع الفدرالية و السعي لنيل امتيازات اكثر على الصعيد المركزي بدلا عنها.
 ان المشاريع الامريكية, سواء ما تتعلق منها بكردستان او العراق, تزيد الصراعات و القضايا القديمة تعقيدا مثلما تثير قضايا و مطاليب جديدة في اوساط الشعب العراقي. وسوف ترتبط برأينا، المطاليب الشعبية في كردستان في المرحلة المقبلة بتطلعات الشعب العراقي باسره وتتعزز العلاقة بينهم بشكل اكثر. وفي المرحلة المقبلة سوف تحتل قضايا مثل البطالة والفقر والحاجة الفورية الى السكن والقضايا المتعلقة بالحريات السياسية والمدنية وكذلك قضايا المهجرين والمشردين والتربية والتعليم وحقوق المرأة والاجور وظروف العمل والقضاء على جذور وتبعات النظام المخلوع صدارة الاولويات بالنسبة لجماهير الشعب العراقي.
 كما انه ليس من الصحيح بأن الجماهير الشعبية في كردستان صامتة في هذه المرحلة اذ تختلف الاساليب النضالية هنا مع بقية انحاء العراق. فالتجمعات الشعبية واقامة الندوات واللقاءات والصحافة والنشر هي الاشكال الاكثر بروزا هناك. الا انه ينبغي ان لا ننسى الدور السلبي والمخرب الذي يلعبه الاتحاد الوطني و الديمقراطي الكردستاني لتخدير جماهير الشعب و حرف مطاليبهم عن جادة الصواب و شل ارادتهم و تحركهم.
نكاه - الرؤية: ما مدى نفوذ التيارات التي تعمل بإسم الشيوعية في العراق في صفوف العمال وماهي الاسس و التوجهات السياسية التي تتبعها؟ وهل تحظى مسألة تنظيم مؤسسات السلطة الشعبية وأخذ زمام الامور بيد جماهير الشعب في مواجهة السياسة الامريكية والرجعية المحلية اينما وجدت وخاصة في المراكز والاحياء السكنية، بأهمية ما في النشاط السياسي الراهن لتلك التيارات ومنها منظمتكم؟
احمد معين: فيما يتعلق بنا تحظى قضية العمل الهادف إلى تنظيم وتوعية الطبقة العاملة وتوحيد صفوفها في ظل الصراعات السياسية الجارية وضرورة فهم المضمون الرجعي لمجمل البدائل البرجوازية وفضح المحتوى الحقيقي للسياسة الامريكية في العراق بأهمية ملحة في نشاطنا.
 إن نشاطنا في سائر الميادين يخضع لمبدأ شيوعي اساسي الا وهو ضرورة دفع الطبقة العاملة لتتحول إلى قوة سياسية وحركة إجتماعية قوية.
 إن تأمين متطلبات تحول الطبقة العاملة العراقية إلى قوة ذو ثقل على الصعد السياسية والتنظيمية بحاجة لبذل جهود و مساعي شاقة. لقد كنا ومنذ بدء تأسيس منظمتنا لعلى قناعة راسخة بأن العمل الشيوعي لا ولن يستقيم بدون التغلغل بين صفوف العمال عامة والعمال الشيوعيين بشكل خاص. كما يشكل ذلك احد خلافاتنا السياسية الجوهرية مع الحزب الشيوعي العمالي العراقي.
 إلا إننا وعندما نتجاوز ذلك الإطار العام نواجه ظاهرة محددة بإسم الطبقة العاملة العراقية والمجتمع الرأسمالي في العراق حيث نقف هنا وجها لوجه مع قضية اكثر تحديدا.
 إن التنظيم هو القضية الجوهرية لعمال العراق. فلم تتمكن هذه الطبقة ومنذ 35 عاما من تنظيم صفوفها على الصعيد الإجتماعي على الرغم من المساعي التي بذلها قادة ونشطاء عماليين هنا وهناك لأجل إقامة التنظيم العمالي. وعلى الصعيد التاريخي، اي عندما سنحت الظروف كي تقوم الطبقة العاملة العراقية بتنظيم صفوفها، وخاصة بعد 1958، فقد كانت التيارات الإصلاحية الموالية سابقا لموسكو، هي التي كانت تحدد اطر المنظمات العمالية بل وحتى مفهوم التنظيم العمالي في العراق.
 وفي الظروف الراهنة ونتيجة لتحول الطبقة العاملة في العراق إلى ضحية لاحد اكثر هجمات الرأسمالية العالمية وحشية على عمال وجماهير العالم، اي النظام العالمي الامريكي الجديد من جهة، وكنتيجة لحملات الإبادة والقمع الوحشيين الذي تعرض له مئات الآلاف من عمال العراق من قبل النظام الدكتاتوري العراقي، فإن الطبقة المذكورة، أصيبت، بكل المقاييس، في الصميم.
 فعلى سبيل المثال وحتى قبل بدء الحرب الامريكية الأخيرة في العراق وما تبعه من نتائج كارثية، بلغت البطالة المطلقة في صفوف العمال طبقا لإعترافات مسؤولي النظام السابق 60 % كما لم تبلغ الاجور 3 - 5 دولارا امريكيا. وكان الوضع المعيشي للعمال وسائر الشعب العراقي في الميادين الاخرى اكثر وخامة حيث إن نسبة التشغيل والبطالة لا تمثل إلا احد معايير الوضع المعيشي للعمال. ومن المعلوم بأن الوضع اسوء الآن.
 اما فيما يخص اسس وقواعد نشاطنا السياسي فإن المسألة التي تحظى لدينا بأهمية اكبر هو التنظيم الجماهيري للعمال. فليست امريكا ولا السلطة المقبلة قادرتين، على الأقل في القريب العاجل، الحيلولة دون نضال وحركة جماهير الشعب والعمال في العراق. إن امريكا تبذل بالطبع جهودا مضنية من اجل إسكات العمال والشعب العراقي ودفعهم للسكينة إلا إن ذلك ليس سهل التحقيق لأن الشعب العراقي يطالب بالحرية وليس من الممكن ومهما كانت الذرائع دفعهم للتخلي عن المطالبة بحقوقهم.
 وهناك ميول ونزعات فكرية وسياسية متضاربة في صفوف عمال العراق إلا إن النزعة الإشتراكية لازالت قوية وخاصة في صفوف قادتهم.
 إننا نعتقد بضرورة التحرك في ميدانين مهمين بصورة متوازية وفي علاقة عضوية:
 اولا: التحرك من القاعدة وتأمين متطلبات التنظيم العمالي الجماهيري بالاشكال العلنية والقانونية وغير القانونية.
 إن القيام بتأمين المتطلبات المذكورة ذو دلالات إيجابية وسلبية معا وهي تعني إزالة العراقيل والموانع الفكرية والسياسية والعملية امام عملية تنظيم العمال علاوة على طرح الشعارات والبدائل والسبل الملموسة.
 فعلى سبيل المثال ونظرا لشيوع البطالة بين العمال بشكل واسع إضافة إلى توقف عجلة الإنتاج فإن العمل في الأحياء العمالية والتجمعات الإجتماعية للعمال في الأحياء يحظى بأهمية عاجلة وإن كان من البديهي بأن العمل في المصانع والمعامل والسعي لتنظيم صفوف العمال هناك ذو اهمية اكبر في ظل الاوضاع الطبيعية.
 ومن جهة اخرى فإن العمل والتنظيم العمالي في القطاعات الاساسية مثل النفط والغاز وامثالهما، التي تشكل العمود الفقري لإقتصاد البلاد بل وحتى لإدارة السلطة، هي من اولوياتنا الاساسية.
 ثانيا: التحرك من فوق وتسهيل عملية تنظيم القادة العماليين والعمال الشيوعيين وذوي النفوذ سواء على صعيد المحافظات او على صعيد البلاد بأسرها.
 وهنا ينبغي التذكير بأن الجماهير تنظر برؤية إيجابية لدور الشيوعيين في العراق حيث إرتبطت اكثر مراحل التقدم السياسي والنضالات التاريخية فيها بإسم الشيوعيين ويمثل ذلك عاملا مهما لتوسيع النفوذ السياسي و التنظيمي لمنظمتنا وللشيوعية بشكل عام بين الجماهير.
 اما فيما يخص الجزء الأخير من السؤال فإن احد الأشكال المهمة لتحرك العمال والجماهير في هذه الفترة هو السعي لتنظيم السلطة الشعبية لاجل اخذ مقدراتهم بأيديهم وخاصة في الاحياء السكنية ومراكز العمل التي لم يشملها الإغلاق وفي الإدارات والمراكز التي قامت امريكا بتشغيلها حيث يسعى رفاقنا للمشاركة في تلك التحركات.
 علاوة على ذلك فقد تم في الاول من ايار تنظيم تجمعات بهذه المناسبة في مناطق عدة تخليدا لذكرى تلك المناسبة وللتشديد على المطالبة بالحقوق السياسية والإقتصادية العاجلة للعمال والجماهير الشعبية وخاصة في بغداد وكركوك والتي كان اخذ زمام الامور بيد جماهير الشعب احد المطاليب التي تم رفعها في تلك المناسبة من قبل العمال والمشاركين فيها.
 نكـاه - الرؤية: في ختام هذا اللقاء كيف ترون إلى مجرى النضال الطبقي ومستقبل الشيوعية والطبقة العاملة والعراق بشكل عام؟
 احمد معين: سوف تشتد في المرحلة المقبلة الصراعات الإجتماعية في العراق. فبموازاة إعادة بناء الدولة والسلطة في العراق سوف تتحول مسألة إعادة البناء الشاملة لمجمل القاعة الإقتصادية والاشكال المحددة للإنتاج ولعمل الإقتصاد العراقي, من وجهة نظر سائر التيارات السياسية ومجمل الطبقات والفئات الإجتماعية إلى احد التحديات الملحة والعاجلة.
 إن ذلك يستلزم إعادة بناء المجتمع العراقي برمته. وكما هو معلوم فإن إعادة البناء الإقتصادي لا يعني سواء من وجهة نظر البرجوازية المحلية او امريكا، سوى إعادة تشغيل ماكنة إستغلال العمال والجماهير وسلبهم حقوقهم ويتطلب ذلك بالطبع إنبثاق المؤسسات البيروقراطية والقمعية معا.
 وتتفق سائر التيارات السياسية مع امريكا, بالرغم من وجود خلافات عديدة بينهم بصدد السبل الملموسة لإعادة البناء الإقتصادي والإداري والسياسي للبلاد, على قاعدة مشتركة الا وهي: تطبيق نمط إقتصاد السوق الحرة كما هو جار في بلدان مثل الارجنتين او في دول جنوب شرق آسيا وإختبارها في العراق وإبعاد الطبقة العاملة والجماهير عن حلبة الصراع على السلطة السياسية.
 اما في الطرف المقابل فإن العمال والجماهير يشدد على المطالبة بإجراء إصلاحات إقتصادية وإجتماعية وسياسية جذرية. فالعمال يطالبون بجملة من الحقوق العاجلة ولا يتساهلون إزاءها بسهولة مثل: الحل العاجل لمشكلة البطالة والغلاء الفاحش وازمة السكن وتوفير الخدمات الصحية والتربوية والخدمات العامة الاخرى كالكهرباء والماء والإتصالات والنقل والمواصلات وإحداث تغيير جوهري على الأجور لصالحهم وتحسين ظروف العمل وخاصة إذا اخذنا بنظر الإعتبار عسكرة قطُاع العمل في ظل نظام صدام وكذلك الإقرار بتمثيل العمال ومندوبيهم فيما يخص مسائل العمل والظروف الإجتماعية بالإضافة إلى مجموعة اخرى من المطاليب السياسية والقانونية
 وسوف يتحول التيارين المذكورين اي سعي البرجوازية المحلية وامريكا نحو إعادة بناء البلاد والقيام بجملة من الإصلاحات الشكلية ومطالبة العمال وتشديدهم في المقابل على المطاليب المذكورة والسعي من اجل نيلها، في خضم الازمة الإجتماعية وعجز امريكا والقوى السياسية المحلية عن تأمينها، إلى العامل الجوهري في تحديد الصراعات المقبلة. كما إن إستمرار الصراع المذكور وعمق الأزمة الشاملة في المجتمع الرأسمالي في العراق سيؤديان ليس فقط إلى إستمرار الأزمة بل وإلى إستفحالها.
 وهنا من الاهمية بمكان التأكيد بأنه وفيما يتعلق الامر بالطبقة العاملة والحركة الإشتراكية فإن المسألة الاساسية هي قدرة الحركة العمالية والشيوعية ومنظمتنا في تأمين المستلزمات اللازمة للتقدم إلى الأمام في المجرى العام للصراع المذكور وفي حلقاته و مفاصله المختلفة
 إنني لعلى ثقة بأن امريكا والبرجوازية المحلية تواجهان مصاعب جمة ومنها موانع موضوعية (علاوة على إصرار العمال والجماهير على حقوقهم) فيما يخص حل الأزمة المذكورة وإعادة تسيير وتعريف المجتمع العراقي الذي اصابه إختلالات هيكلية.
 إن الأزمة الراهنة للمجتمع الرأسمالي وسلطة البرجوازية في العراق لها خصائص متميزة إذ يتحتم إعادة بناء المجتمع بأسره. ولا ينتابنا شك في معنى إعادة البناء من وجهة نظر البرجوازية. اما طريق (إعادة البناء) من وجهة نظرنا ومن منطلق مصالح عمال العراق فيتقوم اساسا في سبيل واحد: إستيلاء الجماهير على السلطة السياسية وإقامة الحكومة العمالية كمقدمة نحو قلب مجمل البنية الإقتصادية للرأسمالية. كما إنني متفائل بأن عمال العراق سوف لن يذعنوا للحلول الأمريكية مثلما ارى إمكانية تصاعد النضالات العمالية وتحولها إلى احد التيارات المهمة في الميادين السياسية والإجتماعية في البلاد.
 ويرتبط مستقبل الشيوعية بداهة بذلك اي بفهم جلي لهذه المرحلة التاريخية في حياة المجتمع العراقي وتأمين رد صائب لمجمل القضايا المرتبطة بالمجتمع والحركة العمالية راهنا ومستقبلا واداء الدور الطليعي على صعيد الممارسة والعمل وتأمين مستلزمات تصاعد ونمو الحركة العمالية في مجمل الميادين وتحولها إلى القوة المحررة المنقذة لذاتها وللمجتمع العراقي بأسره من شتى اشكال الظلم والإستغلال الفظيع للرأسمالية ورموزها المختلفة كصدام والبعث وبوش ورامسفيلد والجلبي والحكيم وغيرهم.

 



#احمد_معين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتن العراق : من ايقظها ؟
- الحركة المطلبية وسبل الإرتقاء بها
- التنظيم هي القضية الجوهرية لعمال العراق
- مجلس الحكم الإنتقالي: من يحكم من؟
- حذار من بعض المتعاونين مع الشعب العراقي !!
- أزمة النظام السياسي في العراق
- ماذا وراء دعوة المرأة العراقية إلى إرتداء الحجاب ؟
- الأنفال : تراجيديا الحالة الكردية !
- نسوة العراق :-من يفتح باب الطلسم-؟
- عن فهد الذي لم يُحتَفى به!


المزيد.....




- حظر بيع مثلجات الجيلاتو والبيتزا؟ خطة لسن قانون جديد بمدينة ...
- على وقع تهديد أمريكا بحظر -تيك توك-.. هل توافق الشركة الأم ع ...
- مصدر: انقسام بالخارجية الأمريكية بشأن استخدام إسرائيل الأسلح ...
- الهند تعمل على زيادة صادراتها من الأسلحة بعد أن بلغت 2.5 ملي ...
- ما الذي يجري في الشمال السوري؟.. الجيش التركي يستنفر بمواجهة ...
- شاهد: طلاب جامعة كولومبيا يتعهدون بمواصلة اعتصامهاتهم المناه ...
- هل ستساعد حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة أوكرانيا ...
- كينيا: فقدان العشرات بعد انقلاب قارب جراء الفيضانات
- مراسلنا: إطلاق دفعة من الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة ...
- -الحرس الثوري- يكشف استراتيجية طهران في الخليج وهرمز وعدد ال ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - احمد معين - احتلال العراق: نتائج وافاق