جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1854 - 2007 / 3 / 14 - 05:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الذي نضح من معطيات حول الاستراتيجية الامريكية الجديدة في العراق يؤشر الا حقيقة مفادها ان خطة بوش الجديدة ما هي الا اسعافات معكوسة لاعادة ترتيب وصياغة الاولويات ثم دمجها لتتكامل بذات التوجهات السابقة والتي اتبعتها الادراة منذ اتخاذها قراراحتلال العراق ، حيث بشر بوش كل دول المنطقة بقدوم شرق اوسط جديد منطلقه بغداد وهو قادم منها !
الذي حصل ان قطار بوش قد تعطل قبل ان ينطلق مما جعله يعيد النظر بموضوعة من ـ والى ، وخطته الان هي زيادة لعدد قواته مع اقامة حلف "للمعتدلين" داخل العراق وفي محيطه الجغرافي حتى يساهم الجميع بتصليح العطب وتشغيل ماكنة قطاره ، فالشرق الاوسط مطالب بان يساعد قطار بوش على الانطلاق ليواصل خط سيره كما كان مخططا له !
لقد قالها بوش صراحة وهو يخاطب حكومات دول الشرق الاوسط الحليفة لواشنطن : ليعلم الجميع ان فشل امريكا في العراق سيهدد كل دول المنطقة المعتدلة فالتطرف سينتقل اليها دون رادع !
انه يدعو هذه الدول ـ الخليجية والاردن ومصر تحديدا ـ للعب دور اكبر في العراق لانجاح المشروع الامريكي فيه ومساعدتها للتصدي للنفوذ الايراني فيه !
حلف بغداد جديد غير قابل للحياة :
بغداد هي الهدف وهي المنطلق وهي مركز للتحول الامريكي المراد له ان يعم على المنطقة كلها ،
معنى هذا ان بغداد هي العقدة والحل ، فهل خطة بوش الجديدة ستحقق ما عجزت عنه خططه السابقة ؟
ان الاستناد على تحالف رباعي بين الحكيم والهاشمي والبارزاني والطالباني للاطاحة بغير ـ المعتدلين ـ من كل الاطراف وخاصة التيار الصدري حزب الفضيلة بعض شرائح حزب الدعوة هيئة علماء المسلمين وبطبيعة الحال كل الفصائل المقاومة !
عليه فان بقاء حكومة المالكي سيكون على كف عفريت لانها بنيت على توازنات ما قبل قيام حلف المعتدلين ، حيث يرجح ان يلحق المالكي بسلفه الجعفري ليخلي كرسي رئاسة الوزراء الى واحد من اثنين اما اكرم الحكيم او عادل عبد المهدي ، اما على الصعيد الاقليمي فان حلف بغداد للمعتدلين سيكون عسيرا في بدايته لافتقاد الاتساق بين عناصر الحلف الداخلي والخارجي فاذا كان دافع التحالف هو مواجهة النفوذ الايراني فان وجود عناصر فاعلة في حكومة بغداد محسوبة على النفوذ الايراني يجعل الحلف الاقليمي غير فاعل لانه يفتقد لنفوذ حلفاءه التقليديين في مواجهة نزعات التوسع الايراني .
لقد عكس بوش الاية بخطته الجديدة حيث سيذهب المعتدلون الى بغداد لمواجهة المتطرفين هناك ومن ثم ينطلق قطار التغيير الشرق اوسطي ! ! فهل سينجح بوش بذلك ؟ الامر لا يتعلق فقط بمقدار القوة العسكرية المضافة لتقليم اظفار المقاومين والمتطرفين في بغداد والانبار ولا يتعلق بالانفتاح على القوى السنية واحتوائها تحت يافطة مواجهة ايران ، لان مالم يتحقق عندما كان حجم القوات 140 الف لا ضمان لتحققه بزيادة 20 الف ، وليس كل من يعادي النفوذ الايراني في العراق من العراقيين مستعدا للتحالف مع الامريكان ، فالمقاومة والفصائل الوطنية الاصيلة تعي جيدا انه لولا الاحتلال لما كان للايرانيين والاسرائيليين وغيرهم نفوذا في العراق .
لم يصمد حلف بغداد الاستعماري الذي هندس له السياسي الداهية نوري السعيد رغم انه كان تحصيل حاصل لتوازنات القوى في منطقة تعج بتأثيرات وتوازنات الحرب الباردة وقتها والتي كان الحلف نفسه احد اهم ضحايا تغيراتها ، فهل سيصمد حلف بغداد الجديد في عاصمة تفتقد للتوازنات وتلفح حرارة المقاومة فيها اي توازن مفتعل قد يقيمه بوش اوغيره ! حتما ان هذا الحلف سيسيح على نفسه لشدة
المتحولات والمتغيرات المخلة بالتوازنات ولكثرة البواريد والنفوط والاحتكاكات غير المتوازنة بين كتلها وكتل جيرانها وتوازناتها الهشة !
بين بوش وبغداد ماصنع الحداد !
يمكن ان نسمي استراتيجية بوش الجديدة سياسة التصعيد ورفض الاقرار بالفشل ، اضافة الى وصفها بانها خطة للانتقام من بغداد التي اعجزته عن تحقيق النصر الذي طالما تغنى به وطالما وعد شعبه بتحقيقه لكنها بغداد هذه العاصمة العنيدة والعصية والجامحة هي السبب الاول والاخير لمنعه من الوصول لما كان يخطط له ، والان على نتائج هذه المواجهة القادمة والتي قد تطول حتى نهاية حكم بوش سيتقررالمصير ، ليس مصير بغداد فقط ، او مصير العراق كله فقط ، اومصير المنطقة ، وانما مصير بوش نفسه وتاريخه هو !
عندما يخصص لها فقط 17 الف جندي اضافي وهو يعرف مقدما انه لا وجود لجبهات قتالية محددة يمكن اجراء منازلات ميدانية فيها فانه يعني مايريد اي ايقاع اكبر حجم من الاذى باهلها وماتبقى من عمرانها ، وعندما يحرك ميليشيات البيشمركة التي تتقنع بزي الجيش العراقي لتدخل بغداد وتكون كشرطة عسكرية تحت امرته ويستعين بفرقة طائفية قوامها يعتمد على اطاعة اوامر من يدفع المرتبات فانه قد خطط لمواجهات دموية تجعله يتشفى باهل بغداد الذين اسمعوه مرارا انهم لا ولن يحترموه لانه كان بالنسبة لهم اسوء بربرية من هولاكو !
حتى خارطة بغداد عصية على الامريكان فقد استغرق وضع خارطة لتحرك القوات وتمييز مناطق الخطر عليها وقتا طويلا تخللته تجارب فاشلة في اثناء تنفيذهم للخطة الامنية الاولى والثانية ويفترض الان انهم قد درسوا خريطة بغداد ونوعية مخاطر مناطقها بشكل جيد خاصة وانهم قد اعتمدوا على بعض نصائح الطائفيين في حكومة المالكي التي قدمت لهم تصورات طوبغرافية منسجمة مع عمليات التهجير الطائفي والعزل الطائفي في مناطقها !
لقد قسمت بغداد الى تسع مناطق عسكرية وحددت احياء الثورة والفضل وباب المعظم والاعظمية والكاظمية والحرية وابوغريب والتاجي والشعلة وبغداد الجديدة كمناطق غير أمنة وهي تتوزع على ضفتي النهر اي تقع في الكرخ والرصافة ويصعب فرزها طائفيا او امنيا على اساس موقعها من النهر او موقعها من مركز بغداد مما عقد المهمة ومازالت المهمة اصعب بالنسبة للميليشيات الطائفية حيث لا قاعدة طبيعية لتقسيم بغداد على اساس طائفي ، فاذا نظرنا الى بيروت مثلا نجد ان التقسيم الطائفي سهلا وقت الحرب الشرقية للمسيحيين والغربية للمسلمين ! لكن الامر متشابك ومتداخل ولا قياس جغرافي او عمراني يفصل بين الطوائف في بغداد رغم كل محاولات التطهير الطائفي المتبادل .
لم ينجح بوش في خططه السابقة وسوف لن ينجح في خطته الاحقة انه لم يستبقي لنفسه رصاصة الرحمة بل سيقامر بها هاربا الى الامام بمواجهة قد تتداخل مع حرب جديدة لا اعتقد ان نتائجها مهما كانت ستعوض بوش ما خسره وسيخسره في العراق وقلبه النابض بغداد .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟