أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏السياسة الأمنية للتاريخ الرسمي: قراءة أكاديمية في استعمال التاريخ كأداة سياسية وأمنية ‏















المزيد.....

‏السياسة الأمنية للتاريخ الرسمي: قراءة أكاديمية في استعمال التاريخ كأداة سياسية وأمنية ‏


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 01:28
المحور: قضايا ثقافية
    


‏السياسة الأمنية للتاريخ الرسمي: قراءة أكاديمية في استعمال التاريخ كأداة سياسية وأمنية

‏مقدمة

‏لطالما كانت العلاقة بين التاريخ والسياسة علاقة وثيقة، إذ لا يعكس التاريخ الرسمي فقط الماضي، بل يُستخدم كأداة للشرعية السياسية، الأمن القومي، وتوحيد الهوية الجماعية. تُظهر الأبحاث في مجال سياسات الذاكرة أن الدولة ليست مجرد راوية للحقيقة التاريخية، بل فعل سياسي نشط يدخل في صُنع السرديات التي تخدم أهدافها الأمنية والاجتماعية والسياسية. يصبح التاريخ الرسمي جزءًا من السياسة الأمنية للتاريخ عندما تُستخدم الروايات الوطنية لوضع إطار أمني معرفي يبرر السياسات الحالية ويُهيمن على الوعي الجماعي.


‏1. مفهوم “التاريخ الرسمي” وارتباطه بالسياسة الأمنية

‏1.1 تعريف التاريخ الرسمي

‏التاريخ الرسمي (Official History) هو:

‏ عمل تاريخي ترعاه أو تصدّقه الدولة أو الكيان السياسي، يعكس وجهة نظرها المعتمدة عن الماضي — غالبًا بهدف تعزيز سردية معينة أو تبرير مشروع سياسي محدد.


‏هذه الرواية ليست مجرد تسجيل للأحداث، بل سجل معتمد سياسيًا قد يتضمن تحيّزات أو اختيارات انتقائية في ما يتم تأكيده أو تجاهله من وقائع.

‏1.2 السياسة الأمنية للتاريخ الرسمي

‏عندما تتداخل روايات الماضي مع الأمن القومي، تتحول ذاكرة الدولة إلى أداة استراتيجية. في هذا السياق، لا يُنظر إلى التاريخ فقط كعلم وصفّي، بل كـ:

‏آلية شرعية تُبرر القرارات السياسية والأمنية الراهنة.

‏وسيلة لتغذية السرديات الوطنية التي تُعزّز مُنظور الدولة عن الذات والآخر.

‏أداة لإدارة المخاطر المعرفية والهوية الجماعية التي قد تُهدد استقرار المجتمع.


‏كثير من الدول، خلال مرحلة بناء الدولة أو في أوقات النزاع، تُعيد صياغة ماضيها لتلبية حاجاتها الأمنية والسياسية. يتم ذلك من خلال التعليم، المتاحف، الاحتفالات العامة، ومنشورات رسمية تتضمن نسخًا موثّقة من الأحداث التاريخية التي تُظهر سردية الدولة بشكل إيجابي أو موحّد.


‏2. أُطر تحليلية لفهم السياسة الأمنية للتاريخ

‏2.1 السياسة والأمن والذاكرة الجماعية

‏يرتبط التاريخ الرسمي بنظرية السياسات الأمنية المعرفية (Security Knowledge Policies) التي ترى أن الدولة تسعى إلى:

‏حماية الأمن الأنطولوجي (إحساس الدولة بهويتها واستقرارها الوجودي).

‏استخدام الذاكرة التاريخية لترويج سردٍ يُقلل من التنافر الاجتماعي ويُعزّز الانسجام الداخلي.


‏في هذا السياق، يعتبر التاريخ الرسمي جزءًا من بناء الأمن الجماعي، وليس مجرد توثيق للأحداث.

‏2.2 دراسة “سياسات الذاكرة” كأداة فهم

‏مصطلح سياسات الذاكرة يشير إلى:

‏> النشاطات المُخطّطة للدولة التي تهدف إلى تشكيل وعي جماعي معين عن الماضي لتثبيت قيمٍ محددة، تحقيق الاستقرار الوطني، أو دعم سياسات خارجية.



‏الأدبيات الحديثة تُظهر أن السياسة الأمنية للتاريخ لا تقتصر على داخليّات الدولة، بل تمتد إلى العلاقات الدولية، حيث يُستخدم التاريخ لتبرير سياسات خارجية أو مواجهة روايات مغايرة لأطراف أخرى.


‏3. دوافع الدولة في توظيف التاريخ رسميًا لأهداف أمنية

‏3.1 توحيد الهوية الوطنية

‏واحدة من أقوى دوافع الدولة لصياغة تاريخ رسمي أمني هو تعزيز الهوية الوطنية. ففي مراحل تأسيس الدولة أو مواجهة تهديدات خارجية، تعمل الروايات التاريخية الرسمية على:

‏تأكيد حق الجماعة في الأرض والوجود.

‏تقديم أبطال تاريخيين ورموز تُوحد الجماهير.

‏تحفيز السرديات التي تُبرر التضحية والصمود في مواجهة الخصوم.


‏هذه العملية لا تهدف فقط لحفظ الذاكرة، بل لبناء إطار أمني داخلي موحّد يُعزّز التماسك الاجتماعي في مواجهة التحديات الحالية.

‏3.2 شرعنة القرارات والخيارات السياسية

‏تاريخ الدولة المستخدم رسميًا كثيرًا ما يُوظَّف لتبرير سياسات:

‏داخلية (مثل قوانين استثنائية، أو قمع الأقلية).

‏خارجية (مثل الحروب، العلاقات الدولية، أو التوسّع).


‏هنا يصبح التاريخ أداة شرعية خلفية تدعم مواقف الحكومة أمام مواطنيها والمجتمع الدولي.

‏3.3 إدارة الصراعات الداخلية

‏في المجتمعات متعددة الثقافات أو الهويات، يُستخدم التاريخ الرسمي لتجنّب النزاعات المحلية على الذاكرة الجماعية. في بعض الأحيان:

‏يتم تجاهل روايات أقلية قد تُشكّل تهديدًا للهوية السائدة.

‏تُبرز روايات تختزل الماضي بطريقة تبسّط التعقيدات التاريخية لصالح الاستقرار السياسي.


‏تظهر هذه العملية في العديد من الحالات حول العالم، حيث تعمل الحكومات على الاستفادة من التاريخ لتعزيز وحدة اجتماعية محدّدة.


‏4. أدوات السياسة الأمنية للتاريخ الرسمي

‏4.1 المناهج التعليمية

‏المدارس تُعدّ من أهم منصات تثبيت التاريخ الرسمي. مناهج التاريخ غالبًا تُنتقَى أو تُعاد صياغتها لتعكس:

‏ما تعتبره الدولة أهم مراحل في تاريخها.

‏كيفية تفسير تلك الأحداث بما يتناسب مع الأهداف السياسية والأمنية.

‏تعزيز قيم الولاء والانتماء.


‏4.2 الاحتفالات والنصب التذكارية

‏الأعياد الوطنية، الاحتفالات، والنصب التذكارية كلّها تعمل كـ:

‏مشروعات ذاكرة مرئية تُعيد إنتاج السردية الرسمية للحدث.

‏تعزيز الذكرى الجماعية التي تربط الماضي بالهوية الوطنية.


‏4.3 القوانين الخاصة بالذاكرة (“memory laws”)

‏بعض الدول تعتمد قوانين تُجرُّم إنكار أحداث تاريخية معيّنة أو تُقيّد عرض سرديات تاريخية بديلة. مثال على ذلك:

‏قانون روسيا ضد إعادة تأهيل النازية الذي يُجرّم المعلومات التي تُعارض الرواية الرسمية عن الحرب العالمية الثانية.


‏هذه القوانين تُظهِر كيف يمكن أن يتداخل القانون مع السياسة الأمنية للتاريخ، لتحصين السردية الرسمية من النقد أو التغيير.


‏5. تجارب وتطبيقات عالمية

‏5.1 أوروبا: قوانين الذاكرة وصراع التاريخ

‏أوراق بحثية توضح أن تفعيل قوانين الذاكرة في أوروبا غالبًا يُستخدم كأداة سياسية متصلة بالهوية الوطنية — مثلاً القوانين التي تُجرّم إنكار الهولوكوست أو غيره من الأحداث التاريخية الكبرى.

‏5.2 توظيف التاريخ في العلاقات الدولية

‏الدولة تستثمر سرديات تاريخية لتعزيز مكانتها الدولية أو مواجهة روايات دول أخرى. تظهر السياسات الأمنية للتاريخ أيضًا في:

‏المفاوضات الدبلوماسية.

‏النزاعات الإقليمية.

‏الحملات الإعلامية الدولية.


‏6. الانتقادات والآثار المعرفية

‏6.1 مخاطر التحيّز والتمثيل غير الموضوعي

‏يواجه التاريخ الرسمي انتقادات أكاديمية لكونه:

‏يُهمش الروايات غير المهيمنة.

‏يولّد ذاكرة مجتمعية جزئية غير معتمدة على مصادر متعددة.

‏يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الأحكام المسبقة أو التوترات الاجتماعية.


‏6.2 تحديات الحرية الأكاديمية

‏هناك جدل بين المؤرخين بشأن حدود تدخل الدولة في كتابة التاريخ، خاصة عندما يؤدي تقييد البحث العلمي أو تطبيق قوانين الذاكرة إلى منع التحقيق الحر في الماضي. مبادرة Appel de Blois تُعارض قوانين تقييد التاريخ تحت ما يسمى بـ “شرطة الذاكرة” في أوروبا كتهديد للبحث التاريخي الحر.


‏خاتمة

‏السياسة الأمنية للتاريخ الرسمي ليست مجرد محاولة للدولة لإعادة سرد الماضي، بل هي جزء من إستراتيجية معرفية وسياسية تهدف إلى:

‏تثبيت الهوية الوطنية.

‏شرعنة السياسات الحالية.

‏إدارة النزاعات الداخلية والخارجية من خلال إطار معرفي محدد.


‏التاريخ الرسمي عند هذه الدرجة يتحول إلى أداة قوة لا تقل أهمية عن الأمن العسكري أو الاقتصادي، إذ يُشكل قاعدة معرفية لاستقرار الدولة وهويتها في مواجهة الصراعات والنزاعات.


‏مراجع مختارة

‏1. Official history: تاريخ رسمي تنتجه الدولة وتُنظر إليه باعتباره ذا صبغة سياسية مع إمكان التحيّز نحو وجهة نظر الدولة.


‏2. Sierp, A. “The Politics of Memory: Between History, Identity and Conflict” — دراسة حديثة تُبيّن كيف يدعم تصاعد سياسات الذاكرة استراتيجيات صراع سياسي داخلي وخارجي.


‏3. Politics of Memory — توضيح مفاهيمي لكيفية استخدام الدولة للتاريخ لتشكيل الهوية والسياسة.


‏4. Koposov, N. “Historians, Memory Laws, and the Politics of the Past” — تحليل لقوانين الذاكرة واستخدامها في السياق السياسي.


‏5. Law Against Rehabilitation of Nazism — مثال على memory law تُستخدم لتعزيز سردية تاريخية وطنية.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف المقدّس: قراءة تاريخية نقديّة
- ‏تنمية الذاكرة المجتمعية: مقاربة أكاديمية في المفهوم والآليا ...
- مخاطر الخطاب الطائفي على السلم المجتمعي والوطن
- ‏مدونة سلوك متقدمة للشركات النفطية
- ‏في دولة الفساد: التجاوزات بحجم الصمت
- أشكال الفساد العصرية المواكبة للتكنولوجيا وعصر المعلومات
- التداخل بين الكوميديا والمأساة في مسرحية «البخيل» لموليير
- ‏هل مهد الفكر الإغريقي لظهور الأديان؟ دراسة تحليلية ‏
- ‏المذاهب الفلسفية لإخوان الصفاء وخلان الوفاء
- التعامل مع الشخصية النرجسية
- ‏دراسة معمقة لمسرحية -الضفادع- لأريستوفانيس: الأفكار والرسائ ...
- ‏التسول الإلكتروني وأشكاله: دراسة تحليلية أكاديمية ‏
- إيّاك ومعاشرة الأحمق… فإنّه حين يريد أن ينفعك يضرّك
- ‏التعامل مع الشخصيات الصعبة ‏
- ‏هل يتميز التعامل مع النساء بعدم اليقين؟
- ‏الدعارة الإلكترونية وأشكالها: دراسة أكاديمية تحليلية
- ‏الاستراتيجيات والأدوات والأطر المفاهيمية اللازمة لإدارة الم ...
- كيف تؤسّس إسرائيل لذاكرة بصرية مكانية لليهود
- الوساطة وتسوية النزاعات
- ‏الخروج من الأزمات الطائفية: طبيعتها، مظاهرها، وآليات معالجت ...


المزيد.....




- رئيس الحكومة السودانية: نسعى للسلام ونرفض نشر قوات أممية في ...
- هل تحلل ألمانيا أم بريطانيا الصندوق الأسود للطائرة الليبية ا ...
- كأس أمم أفريقيا 2025: المغرب يتعثر أمام مالي ويؤجل التأهل لث ...
- سلسلة طعن في مترو باريس والشرطة توقف المشتبه
- عاصفة ثلجية تربك السفر في أميركا وتُلغي ألف رحلة طيران
- دول ومنظمات تدين اعتراف إسرائيل بـ-أرض الصومال-
- عودة التوتر إلى حلب.. استهداف حاجز أمني وإسقاط مسيّرات لقسد ...
- ترامب: الضربات ضد المتطرفين في نيجيريا -هدية عيد الميلاد-
- الصومال ردا على اعتراف إسرائيل بـ-صومالي لاند-: -لن نقبل أبد ...
- إصابة ثلاث نساء بجروح في عمليات طعن في مترو باريس وتوقيف مشت ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏السياسة الأمنية للتاريخ الرسمي: قراءة أكاديمية في استعمال التاريخ كأداة سياسية وأمنية ‏