أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد اسماعيل السراي - ((الهامش الحضري المنهار: نموذج تطبيقي من الواقع العراقي))














المزيد.....

((الهامش الحضري المنهار: نموذج تطبيقي من الواقع العراقي))


محمد اسماعيل السراي

الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 02:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يمكن فهم بعض أنماط العنف في المجتمع العراقي المعاصر بوصفها سلوكيات فردية أو انحرافات طارئة، بل ينبغي النظر إليها ضمن بنية اجتماعية آخذة بالانهيار، يمكن تسميتها بـ «الهامش الحضري المنهار»؛ وهو ذلك الفضاء الاجتماعي الذي فقد شروط المدينة، دون أن يستعيد تماسك القرية أو الجماعة التقليدية، فظلّ معلقًا في فراغ قيمي وأخلاقي.
ضمن هذا السياق، تكتسب حادثة الاعتداء على متطوع إنساني كان يوزّع مساعدات في إحدى المناطق الشعبية المدقعة بأطراف بغداد دلالةً تتجاوز الحدث نفسه. فالعنف الذي وُجّه ضد فعل إحساني، وتحت أنظار كبار الجماعة من دون تدخل رادع، لا يمكن تفسيره بمنطق الامتنان أو الجحود، بل بمنطق انهيار العقل الاجتماعي.
١. الهامش بوصفه فضاءً بلا معنى
في الهامش الحضري المنهار، لا تعود القيم تعمل بوصفها منظومة ناظمة للسلوك، بل تتحول إلى بقايا خطابية معطّلة. الفرد هنا لا يشعر بأنه جزء من عقد اجتماعي، ولا يرى في المجتمع كيانًا حاميًا أو منصفًا، بل قوة غامضة تركته خارج التاريخ. ضمن هذا الفراغ، يُعاد تعريف الأفعال لا بحسب معناها الأخلاقي، بل بحسب أثرها النفسي المباشر.
المساعدة الإنسانية، في هذا السياق، لا تُقرأ بوصفها تضامنًا، بل بوصفها كشفًا فجًّا للهشاشة، وفضحًا علنيًا للعجز المتراكم. إنها لا تمنح الأمان، بل تستحضر الإهانة الرمزية.
٢. العنف كآلية لاستعادة السيطرة
حين يفقد الفرد في الهامش كل أشكال السيطرة على حياته ومساره، يصبح العنف آخر ما تبقّى له من أدوات الفعل. الاعتداء هنا لا يكون موجّهًا ضد الشخص المتطوّع بصفته الذاتية، بل ضد الصورة التي يمثلها: صورة الخارج، صورة القادر، صورة من يملك ما لا يملك الآخرون.
العنف، في هذه الحالة، ليس انفعالًا غريزيًا، بل استراتيجية بدائية لاستعادة الإحساس بالقدرة، ولو بشكل وهمي ومؤقت. وهو ما يفسر مشاركة الشباب والصبيان، بوصفهم الفئة الأكثر إحساسًا بالإقصاء وانعدام الأفق.
٣. صمت الكبار وانهيار الردع القيمي
أخطر ما تكشفه هذه الحادثة ليس فعل الاعتداء نفسه، بل صمت الكبار وشيوخ المنطقة. فهذا الصمت يدل على تفكك السلطة الأخلاقية داخل الجماعة، وانهيار دور الضبط الاجتماعي غير الرسمي. حين تعجز الجماعة عن ردع عنف يُمارَس باسمها وأمام أعينها، فهذا يعني أن القيم لم تعد فاعلة، وأن الجماعة فقدت قدرتها على إنتاج معنى مشترك للسلوك المقبول والمرفوض.
٤. من المدينة إلى الجماعة البدائية
الهامش الحضري المنهار لا ينتج مواطنين، بل أفرادًا معزولين داخل جماعة مغلقة. ومع غياب الدولة، والعدالة، والأفق، يحدث ارتداد صامت نحو منطق الجماعة البدائية، حيث تُدار العلاقات بالقوة، وتُفهم الرسائل عبر العنف، لا عبر القانون أو القيم.
بهذا المعنى، فإن الاعتداء على الفعل الإنساني لا يمثّل تناقضًا مع منطق الهامش، بل انسجامًا داخليًا معه.

خلاصة:
إن حادثة الاعتداء هذه ليست شذوذًا اجتماعيًا، بل علامة إنذار على مرحلة متقدمة من تفكك البنية الاجتماعية في بعض الهوامش العراقية. وهي تكشف أن الفقر، حين يقترن بانهيار المعنى وغياب الدولة، لا ينتج الامتنان، بل ينتج العنف؛ لا يولّد التضامن، بل الريبة؛ ولا يصنع الجماعة، بل يحوّلها إلى كتلة غريزية تبحث عن السيطرة بأي ثمن.
ملاحظة.. تم إنجاز هذا النص بمساعدة أداة رقمية..



#محمد_اسماعيل_السراي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفضيلة؛ مشروع بشري لم يكتمل بعد..
- الاخلاق ترف بشري.. ورداء يُخلَع عند الضرورة..!!
- بطل الحكاية
- محاولة اغتيال صدام حسين.. المجهولة..
- الشخصية العراقية.. واسباب ظاهرة التمرد والقلق، والتي طبعت هذ ...
- عن الشعر الشعبي العراقي.. المعاصر...
- الانسان.. وإشكالية الخير والشر..
- المُتَهيِئون.. ام.. المتَوَهِمون..؟
- هل لدينا طبقة وسطى في مجتمعنا العراقي حاليا!!؟
- مدنيتنا المؤنثة.. والمقموعة...
- هل الانسان كائن اخلاقي؟ هل ان اخلاقنا اصيلة وتكوينية ام طارئ ...
- عن العائلة البشرية قديما..
- الصور الذهنية.. وآلية اشتغال الدماغ البشري..
- احفاذ الشمبانزي، واحفاذ الاورنجاوتان( انسان الغاب)
- الانسان.. ذلك الحيوان النرجسي، والتافه..
- الأنسان العراقي.. الديموغرافيا والتاريخ....
- مقولات
- الهويات الفرعية ومعضلة الهوية الوطنية العراقية
- آلية التفكير البشري.. الاسطورة.. واصل الحقيقة..
- الصراع الوجودي للانسان.. ببن اصالة الشر وصناعة الخير


المزيد.....




- -أكره ظهورها-.. شاهد أول تعليق من ترامب على أحدث الصور المنش ...
- بالتعاون مع السعودية.. شرطة سلطنة عُمان تُحبط تهريب مخدرات ل ...
- الولايات المتحدة تطارد ناقلة نفط تقترب من فنزويلا
- العثور على 12 جثة في 3 أيام قرب مدينة غواتيمالا
- هزيمة ساحقة للاشتراكيين في الانتخابات الإقليمية الإسبانية
- مصرع سائحة إيطالية في تصادم مركبين سياحيين بجنوب مصر
- اليابان تستعد لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية في العالم
- إدارة ترمب تنفي محاولة التستر على قضية إبستين
- أحكام -قياسية- بالسجن على المئات من أعضاء عصابة في السلفادور ...
- تركيا: لا يبدو أن -قسد- لديها نية للاندماج مع دمشق


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد اسماعيل السراي - ((الهامش الحضري المنهار: نموذج تطبيقي من الواقع العراقي))