أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد اسماعيل السراي - مدنيتنا المؤنثة.. والمقموعة...















المزيد.....

مدنيتنا المؤنثة.. والمقموعة...


محمد اسماعيل السراي

الحوار المتمدن-العدد: 7764 - 2023 / 10 / 14 - 00:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد ارتبط التمدن باخلاق الاناث، وهذا يعني ان ليس التمدن او التحضر هو الذي انتج اخلاق الاناث بل هذه الاخلاق هي من خلقت التمدن.. انها اخلاق ترتبط بالسلام والانتاج والرفاهية، عكس اخلاق الذكر التي تميل الى القوة والوحشية والعنفوان. وربما اخلاق الاناث هذه هي من صنعت الفن والشعر، لانها اخلاق تميل الى التحليق بالمشاعر والغبطة والبحث عن السعادة في التأمل والخيال. بينما اخلاق الذكر تميل الى تحقيق السعادة من خلال اشباع الغرائز العميقة الملحة بشراهة والى ابراز الفحولة والتلذذ بالغلبة والبطش. ودائما ما تميل اخلاق الذكر الى التعبير عن نفسها بشكل مباشر وفظ وتتوخى اشباع متطلباتها بسرعة وبوضوح وبمباشرة وشراهة، بينما الاخلاق الانثوية تميل اكثر الى الكبت والصبر والتأني والاشباع المقتصد. اخلاق الذكر تميل الى القوة والصراحة الشديدة في تحصيل الغرائز والحاجات بينما تميل اخلاق الانثى الى الحيلة والمواربة، لذلك فالانثى اوسع حيلة من الذكر. ان العصور الحجرية القديمة كانت في اغلبها عصور سادت فيها اخلاق الذكر، بينما عصر الحضارة والتمدن هو عصر سادت فيه اخلاق الانثى. لذلك فمدنيتنا الحالية وحضارتنا هي حضارة انثوية بامتياز، انتصرت فيها اخلاق الانثى وسادت في جميع النواحي الانسانية؛ في القيم والقوانين والتعليم والاقتصاد وغيرها من مناحي الحياة. وعلى الرغم من بعض مظاهر الاخلاق الذكورية التي تحاول التسيد هنا او هناك من خلال الحركات والدول التي تحاول الانعتاق من خلال احياء الروح القومية، الا ان اكثر هذه الحركات القومية تنتهي بالفشل او السقوط او الرفض الاجتماعي ويتم تسقيطها واستهجانها في الراي العام العالمي. ان حضارتنا الحالية هي حضارة مؤنثة، فالاخلاق الانثوية تميل الى الترتيب والتنظيم والتدبير وهذه هي اسس المدنية والتحضر، بينما الاخلاق الذكرية تميل الى العبث واللامبالاة والكسل والبساطة واللامسؤولية وهذه الاخلاق لا تخلق مجتمعا منتجا او مدنيا.
عاشت الانثى في الزمن القديم خلال حقب تاريخية طويلة وهي مكبوتة، لذلك اكتسبت اخلاق الكبت، ومن ثم لما آن لها ان تظهر و تفرض اخلاقها على المجتمع فانها فرضت علينا اخلاق الكبت ، لذلك فحضارتنا اليوم هي حضارة مكبوتة. وقد مورست على الذكر ثقافة واخلاق الكبت وهذا ما جعل الذكور يعانون اكثر من الاناث في ظل المدنية الحديثة، ماعدا الذكور الميالون الى اخلاق الانوثة والدعة والسلام او ممن لديهم استعداد قوي لتشرب هذه الاخلاق والتماهي معها دون مشكلة تذكر فهولاء الافراد لم يعانوا من هذه المدنية، لكن اغلب الذكور الباقين سيعانون من هذه المدنية، خصوصا اولئك الآتين من مجتمعات وثقافات قبلية او قومية. ان حقبة المدنية المعاصرة بالذات، اي المدنية السائدة اليوم، هي من اكثر الحقب التاريخية التي انتصرت فيها الاخلاق الانثوية. لقد رمت هذه الاخلاق بظلالها على كل شيء وعلى جميع نواحي الحياة؛ في الذوق، واللباس، والمظهر، وطراز الحياة، والزواج، والاحتفال، والثقافة، والصحة، والفنون، وغيرها . ان النساء اليوم يبكين وينتحب زورا من انهن يعانين من مجتمع ذكوري مسيطر، بل العكس ان الشكل المسيطر على المجتمع اليوم هو الشكل الامومي الانثوي (المطريركي) ، ان النساء في هذا الجانب يشبهن الطفل المدلل الذي يضربك ثم يبكي مستجديا التعاطف معه وانصافه على حساب الطفل المضروب.
اخلاق العرب عموما هي اخلاق ذكورية، عنيفة، مباشرة، وهي توائم الطبيعة العربية جدا. بينما اخلاق المدنية المعاصرة اخلاق مؤنثة، مرنة ومواربة وغامضة وناعمة ومتأففة من اخلاق الاخر ومستهجنة لها، وهي توائم طبيعة الغرب. ولهذا سيواجه العربي صعوبة كبيرة في تقبل المدنية المعاصرة ويكافحها ما استطاع، انها ببساطة لا تلائم طبيعته النفسية والحضارية والقيمية. وايضا الغربي سيجابه القيم العربية ويرفضها ويستهجنها، فهذه القيم الذكورية الفحولية والمباشرة والفظة والعنيفة، صارت بعيدة جدا عن عقلية ونفسية الانسان الغربي الذي توطنت المدنية في روحه منذ ازمان بعيدة ثقافيا وحضاريا وسلوكيا وتعاطيا يوميا، حتى اندثرت القيم العنيفة والمباشرة والفظة- وهي قيم بشرية اصيلة تاريخيا- في اعماق ذاته البعيدة وفي اعماق دهاليز ثقافته المدنية المعاصرة التي اقصتها بعيدا جدا سواء من خلال التمدين الطاغي والتثقيف او من خلال التربية والتنشئة او السلوك اليومي، لانها ببساطة، اي هذه القيم، لا تلائم طبيعة المدنية ابدا. ولكن هذا لا يعني عدم تسرب قيم المدنية الحديثة- الاخلاق المؤنثة- الى المجتمعات العربية، او تناولها وممارستها من قبل شرائح كبيرة في هذه المجتمعات العربية ومنذ فترة بعيدة، لكن خصوصا في حقبة المدنية الحديثة والغزو الثقافي والاعلامي لمجتمعاتنا من خلال الاعلام الرقمي ووسائل التكنولوجيا والاتصال والتواصل الاجتماعي المعاصر. وايضا فان اخلاق الذكور، المتمثلة في شهوة العنف والمباشرة والصراحة الشديدة حد الفظاظة والاشباع المتطلب، لم تبارح روح الانسان الغربي نهائيا. نعم هي محبوسة هناك بعيدا جدا في روحه، ولا مجال لها للظهور في السلوك اليوم، وهي بعيدا تثقيفا وتنشئة عنه، وهي مكبوتة جدا ومستهجنة ومرفوضة بسبب القوانين الغربية التي تمنعها اساسا والثقافة الغربية التي تحاربها. لكن مع ذلك هي تظهر في اوقات معينة وفي حالات خاصة، واحيانا يريد الغربي او يبتغي انتهاجها على الاقل على مستوى التفكير لكن تكبته سريعا قوة القوانين والأعراف السائدة والثقافة السائدة في الغرب المدني الثقافة بصورة خانقة. لكن ممكن ان يتعاطى الانسان الغربي هذه القيم الذكورية التي تداعب -ومهما يكن، وبشكل خفي ربما- الاعماق البشرية لجميع البشر اينما كانوا، لانها ببساطة قيم من القوة ومن الوراثة التي اكتسبتها من خلال تاريخ بشري طويل من العنف والفطرية والحرية الطاغية، وهذا التاريخ هو تاريخ مشترك لجميع المجتمعات البشرية الحالية، او لنقل لجميع ابناء النوع البشري اي نوع الهومو سابيان وريث تاريخ جنس الهومو برمته. فنقول يتعاطاها الانسان الغربي احيانا من خلال طرق مشرعنة وقانونية من خلال الحرب مثلا والتي تشن على العدو الخارجي حيث يستطيع الغربي- الجندي- التنفيس عن كل رغباته الذكورية المكبوتة والعميقة من خلال هذه الحرب، او حتى من خلال الحروب الداخلية التي يمارسها الغربي- الشرطي- في تعامله مع الجريمة والمجرمين. او حتى ان تظهر هذه القيم الذكورية من خلال المجرمين ذاتهم، وما يمارسونه من جميع انواع الجرائم خصوصا جرائم العنف كالقتل والاغتصاب والسرقات والتي تعبر عن رغبات ثقافة ذكورية مكبوتة في جوانب روح الانسان الغربي بعيدا فلا يستطيع هذا الانسان ازاء طغيانها عليه الا اطلاق العنان لها فيحرر ذاته من سجنها الذي فرضه عليه المجتمع المتمدن بقسوة كبيرة. اليوم، فان مثال ظهور داعش وانخراط عناصر بشرية وثقافية مختلفة في هذه المنظمة الارهابية هو خير دليل على كون العنصر الذكوري العنيف لازال يداعب روح كثير من الافراد الغربيين المكبوتين حضاريا. حيث استغرب الكثير منا انخراط افراد من دول الغرب في هذه المنظمة الارهابية، لكن انا ارى ببساطة ان هذه العناصر الأجنبية والافراد الغربيين، وحتى المسلمين من الشرق وآسيا، وحتى العرب انفسهم انما هم وجدوا وسطا اجتماعيا باذخا يستطيعون من خلال تفريغ كل الغرائز والقيم الذكورية المكبوتة بكل حرية وحماية بل وبشكل مشرعن دينيا. فمارسوا الاغتصاب على نساء الكفار-بمعتقدهم- او ممارسة الجنس المطلق حتى مع عناصر النساء المنتميات لداعش او المؤمنات بطروحات داعش، وكذلك مارسوا القتل على نطاق واسع وبشكل كبير وحر ومشرعن على اعتبار انه قتل ديني. ومهما يكن، وحتى وان لم يكونوا اصلا يؤمنون بان هذا القتل هو قتل شرعي وديني فان ذلك لايهمم اصلا، فان القتل والعنف اساسا هو مشرعن لديهم مهما كان والي اي كان يوجه، سواء لاعداء دينين او غيرهم وسواء شرعنه او حرمه دين داعش وغيره، فهم فقط يبحثون عن مساحة حرة وقوية وحماية من عصابة ما كبيرة، وهذا ما وفره مجتمع داعش بامكاناته ليمارسوا القتل والذبح بما يشفي غليلهم ويفرغ المكبوت الذي كبتته الحضارة المدنية في مجتمعاتهم، وايضا مارسوا السلب والسرقة والاستحواذ على الاموال التي يرغبون وكيفما شاءوا بما تقره وتشرعه قوانين حرب داعش من استباحة جميع اموال الكفرة، وبالتالي فالجميع غير داعش هم كفار او مشركين او ضالين او عملاء. الانسان الغربي المكبوت في وطنه ومجتمعه المدني الشديد المدنية، والذي يتمتع بقوة القوانين والسلطة والذي يحارب هذه الافعال جدا ويعتبرها جريمة قصوى، اليوم سيجد في هذا الوسط، بين جماعات داعش، وسطا مثاليا لممارسة كل رغباته وشهواته المكبوتة والمقيدة؛ المساحة الجغرافية- الوطن المزيف المؤقت- والسلاح بأنواعه والجنس والنساء بانواعها، والاموال والطعام والشراب، والمجتمع المحلي الصغير الذي يبادله نفس الافكار والقيم ويسمح له باظهارها ويدعمها. انه الوسط المثالي جدا الذي يبحث عنه الانسان الغربي المكبوت حضاريا، لذلك انتمت هذه العناصر الاجنبية لداعش ليس ايمانا بداعش او بدين داعش، بل لانها وجدت الوطن او المجتمع او الجماعة المنشودة التي ستمارس من خلالها كل غرائزها وقيمها ومشاعرها المكبوتة.



#محمد_اسماعيل_السراي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الانسان كائن اخلاقي؟ هل ان اخلاقنا اصيلة وتكوينية ام طارئ ...
- عن العائلة البشرية قديما..
- الصور الذهنية.. وآلية اشتغال الدماغ البشري..
- احفاذ الشمبانزي، واحفاذ الاورنجاوتان( انسان الغاب)
- الانسان.. ذلك الحيوان النرجسي، والتافه..
- الأنسان العراقي.. الديموغرافيا والتاريخ....
- مقولات
- الهويات الفرعية ومعضلة الهوية الوطنية العراقية
- آلية التفكير البشري.. الاسطورة.. واصل الحقيقة..
- الصراع الوجودي للانسان.. ببن اصالة الشر وصناعة الخير
- شر الانسان.. مابين الظرف الطبقي والحضاري والشخصي
- مثول الماضي في قعر شخصية الفرد العراقي..ما الاسباب؟
- الشريحة المتوسطة من اصحاب الكفاءات والخبرات المتوسطية، واسبا ...
- تكالب وقتال على عرش النبي المتوفي
- سسيولوجيا الشر..
- تبدل القيم..
- متى نتخلص من معضلة ازدواجية اللغة في مجتمعاتنا العربية؟
- السجين..بين نير العقاب ونعمة الإصلاح..
- البدو والحضر..وظاهرة تقديس الاضرحة والمزارات...
- دائرة الحمار المفرغة، بين خدمات قطاعية حكومية بائسة واسعار خ ...


المزيد.....




- تصريحات سابقة لمحمد بن سلمان تثير تفاعلا بعد إعلان تفاصيل قض ...
- مراسلة RT نقلا عن مصادر في الجيش السوري: سماع دوي ضربات مدفع ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 10 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي عن ...
- الحوثيون: لدينا مليون مقاتل جاهزون
- الجيش الروسي يتقدم.. وواشنطن تشكك بفعالية الدعم لأوكرانيا
- نتنياهو: لن نرضخ لمطالب حماس
- مراسلة RT نقلا عن مصادر في الجيش السوري: سماع دوي ضربات مدفع ...
- صادق خان يحتفظ بمنصب عمدة لندن
- الباحث المصري وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة ...
- اعتصام طلابي في جامعة أدنبرة يطالب بقطع كامل للعلاقات مع إسر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد اسماعيل السراي - مدنيتنا المؤنثة.. والمقموعة...