أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - ما وراء التوازن















المزيد.....

ما وراء التوازن


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 00:15
المحور: الادب والفن
    


الفصل الأول: صمت الفجر وغرور البدايات
في صباح شتوي يأسر السكون، حيث يعانق ضباب الفجر نسيم البحر المالح، كان ليث يجر لوح ركوب الأمواج عبر الرمال المبتلة. لم يكن البحر مجرد مساحة تهوى اللعب، بل انعكاساً لروحه ومصدر قوته. أحب تلك اللحظات التي تتحدى فيها سرعة الموج قدراته، ويسمح خلالها لنسيم الشاطئ أن يداعب شعره الطويل بينما يخترق المياه بانسيابية. أصبح ركوب الأمواج شغفه، محور حياته ومعناها العميق.

استند ليث بلوحه على صخرة شاهقة وسط الرمال، وألقى نظرة مستطلعة حوله؛ الشاطئ كان خالياً تماماً، وهو ما أثار في نفسه خليطاً من الراحة والفتور. استمتع بالسكينة والسيطرة المطلقة على المكان، لكن في أعماقه اشتاق لنظرات تعكس إعجاب الآخرين بقدرته على ترويض أمواج البحر.

بينما كان يتأمل الشاطئ، أبصر فجأة فتاة تظهر من وسط الضباب الكثيف. أحضرت معها حقيبة ثقيلة، معدات غطس، ولوح أمواج طويل. اقتربت من الشاطئ بخطى واثقة ووقفت على أطراف الماء، فجدف ليث نحوها بخفة، متسائلاً بصوت واثق:

- "البحر في حالة هيجان اليوم... هل تخططين لمجابهة الأمواج أم جئت لتراقبي فقط؟"

ردت الفتاة بابتسامة هادئة وملامح تنبض بالثقة:
- "البحر لا يغضب، بل فقط يرفع صوته أحياناً ليُسمعنا أحاسيسه. أنا نور، وقد انتقلت مؤخراً إلى هذا الحي الساحلي."

رحّب بها ليث وعرفها بنفسه، ثم انتقل سريعاً لاستعراض مهارته على متن لوحه وكأنه يرغب في ترك انطباع لا يُنسى. انطلق بشجاعة نحو موجة جامحة، نفذ حركة التفاف بارعة وتطاير الرذاذ حوله كأنها حبات لؤلؤ تتنافس في وهج الأنوار الخافتة. أما نور، فتابعت مهارته بصمت يعبر عن إعجاب خفي وابتسامة لا تفارق وجهها.


الفصل الثاني: الأستاذ والتلميذة

جلست نور على الرمال بهدوء، وفتحت حقيبتها بعناية لتخرج منها بدلة الغوص والخوذة والواقيات. كان لوح التزلج الخاص بها ملونًا باللون الأزرق الداكن، تتوسطه علامة الهلال والمد، التي رسمت بموجة متقنة تمثل رمزاً أصيلاً أشبه بـ "بوصلة مائية" غامضة. بدا وكأن هذا الشعار لا يقتصر على الزينة فحسب، بل يحمل معان أكبر. ليث، الذي لاحظ تأمل نور للشعار لفترة وجيزة قبل نزولها إلى الماء، ظن أنها تلتمس الحماية من البحر؛ ولكنه لم يكن يعلم أن هذا الهلال يعكس رمزًا لسيطرتها الواثقة على كل ما يحمله المد والجزر من حركات.

نظر ليث إلى اللوح بإمعان وسألها بتردد:
"هذا الهلال الذي على لوحك، هل هو مجرد تصميم جمالي، أم يحمل في داخله معنى أعمق؟"

ردت نور بابتسامة تنم عن ثقة هادئة:
"بل هو تذكير يا ليث. القمر لا يتحدى البحر، بل يهمس له فيُحركه في انسجام. لتُتقن الوقوف على لوح التزلج، عليك أن تكون مثل القمر الذي يوجه مياهه الخاصة برفق."

اقترب منها ليث بشيء من الإحساس الأبوي وقال وهو يشير إلى اللوح:
"إذا رغبتِ، يمكنني مساعدتكِ لتتعلمي كيفية الحفاظ على توازنكِ في البداية."

ابتسمت بإقرار وأجابته بنبرة ودودة:
"أشكرك، سأكون ممتنة للمساعدة."

سألها بلهجة تجمع بين الحماسة والتحدي:
"هل تفضلين أن نبدأ التدرب في منطقة المياه الضحلة أم تودين التدرّب مباشرة في العمق؟"

أجابته بثبات ملحوظ:
"فلندخل إلى العمق."

أبدى ليث دهشته من جرأتها اللافتة وأخذ يتحدث بإرشادات الخبير قائلاً:
"عليكِ أن تتخذي هذه الوضعية بدقة، واحرصي جيداً على تمركز الثقل في المنتصف تماماً. التوازن هنا ليس مرتبطاً فقط بقدميكِ، بل يعتمد على تركيز عقلك أيضاً."

سألته نور بصوت بدا وكأنه يغلبه التردد المصطنع:
"وماذا لو واجهت موجة تفوق حدود عقلي؟"

رد عليها بثقة مطمئنة:
"حينها يمكنك الاعتماد عليّ. سأكون بجانبكِ حتى تشعري بالأمان الكامل."

شرع ليث في تقديم حركات توضيحية حول كيفية القفز والسقوط من اللوح، وكان يراقب نور وهي تتابع شروحه بإعجاب واضح. شعر بالفخر وهو يرى تأثير كلماته عليها وكأنه أستاذ يمهد الطريق لتلميذته الجديدة بكل دقة وحماس.

الفصل الثالث: انكسار الصورة
بعد فترة من التدريب البسيط، توجهت نور نحو منطقة "كسر الأمواج" العالية، وهي المنطقة التي يتجنبها المبتدئون تماماً. صرخ ليث بذعر:
• "نور! عودي! لا يمكنكِ القفز هناك، تلك الأمواج صخرية وخطيرة جداً!"
لكن نور لم تلتفت، وكأنها لم تسمع صوته وسط ضجيج الرياح.
أغمض ليث عينيه خوفاً عليها، وتخيل أنها ستصاب بأذى. لكن عندما فتحهما، تجمد مكانه واتسعت عيناه ذهولاً. لم تسقط نور؛ بل كانت تطير فوق الماء! رآها تشق الموجة العالية باحترافية مذهلة، تلتف وتدور وتؤدي حركات بهلوانية (Air 360) وتعود للماء بكل ثبات. لقد كانت الأفضل على هذا الشاطئ بلا منازع، كانت كأنها ابنة البحر التي تعرف أسراره كلها.

الفصل الرابع: لغة مشتركة
خرجت نور من الماء، ووقفت أمام ليث الذي كان يكسوه بعض الحرج بسبب نصائحه السابقة. نزعت خوذتها وقالت بهدوء:
"أمارس ركوب الأمواج منذ أن كنت في العاشرة، البحر هو موطني الحقيقي."

خفض ليث صوته قائلاً: "كنت أشرح الحروف لمن يكتب المعلقات... أشعر بالأسف، بدا لي الأمر غبياً وأنا أحاول تعليمك."

وضعت نور يدها على لوح التزلج ونظرت إليه بتقدير وقالت:
"لا داعي لأن تشعر بالخجل. امتلاكك للشجاعة هو ما جعلك تقف لتعلمني على الرغم من أنك لا تعرفني. لقد أعدت إلي إحساس الدهشة الذي افتقدته منذ فترة طويلة."

عمّ الصمت بينهما للحظات، قبل أن يسألها ليث بنبرة مترددة: "هل ستأتين غداً؟"

ابتسمت وأجابته: "ربما، ولكن لماذا تسأل؟"

هز كتفيه بحيرة وقال: "أفكر... هل يمكن أن تعلّميني أنتِ شيئاً جديداً هذه المرة؟"

ضحكت نور بخفة وقالت: "اتفقنا، غداً سأكشف لك عن كل أسرار البحر!"


الفصل الخامس: الدرس الأول في بناء الثقة

مع حلول الصباح التالي، تحت سماء مائلة إلى أرجوانية الهدوء، انطلق ليث ونور ليبدآ أولى تدريباتهما الجدية الحقيقية على المياه. كانت النسائم الرقراقة تحمل نسمات باردة، والمحيط يمتد بلا نهاية أمامهما كصفحة مفتوحة تخبئ أسرارها. طلبت نور من ليث أن يجلس بثبات على لوحه الخشبي فوق الماء، وأمرته بنبرة هادئة ولكنها قاطعة أن يغمض عينيه.

تحدث ليث بنبرة حافلة بنفاد الصبر والقلق، قائلاً: "نور، هل نحن نهدر الوقت؟ أليس من الأفضل أن نبدأ فوراً بتدريبات القفز؟"

ردت نور بثقة لا تخلو من تعليم مبطن: "أغمض عينيك أولاً، واستشعر حركة الماء من حولك. الأمواج تحمل قصصاً، وإذا أصغيت جيداً، ستفهم إشارتها قبل أن تظهر أمام عينيك. دع نفسك تنتظر النبض الذي يتوافق مع إيقاعك الداخلي."

امتثل ليث لكلماتها أخيراً، وأغمض عينيه بشيء من التردد. للمرة الأولى، بدأ يشعر بالبحر ككيان حي يتحرك بهدوء. برودة المياه تغلغلت إلى جلده، واهتزاز اللوح تحوّل في وعيه إلى نبض متناغم يشبه إيقاع قلب مسترخٍ. عندما اقتربت موجة جديدة، لم يحاول السيطرة عليها كعادته أو كبح جماحها بعنف، بل سمح لها بأن تأخذه معها مثلما تتبع الريشة مهب الرياح. قفز في اللحظة المناسبة، وفي تلك الثواني القليلة المعلقة بين السماء والماء، تذوق إحساساً نادراً من الخفة المطلقة، شعوراً يجعل الروح تعانق الهواء في انسجام صافٍ.

عندما استعاد توازنه وعاد إلى المياه بثبات مدهش، صرخ مفعماً بالفرحة والانتصار على تردده: "لقد فعلتها! شعرتُ بالهواء يحتضنني!"

ردّت نور بابتسامة مفعمة بالرضا وحكمة ترافق خطواتها: "اليوم لم تحارب البحر يا ليث. بل اخترت أن تستمع له. وأخيراً بدأت تتحاور معه."

جلس الاثنان بعدها بهدوء على الرمال الذهبية التي باتت دافئة تحت أشعة شمس الصباح المتألقة. هناك، بين سكون الأمواج وامتداد الأفق أمامهما، أدركا أن هذه ليست سوى البداية لمسيرة طويلة مليئة بالتعلّم والمغامرات، ليس فقط مع البحر، بل مع أواصر صداقة جديدة تمنح حياتهما إيقاعاً مختلفاً كإيقاعِ الموج ذاته.

مالمو
2025-12-21



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو خطاب إنساني جامع في فضاء الكتابة بالعربية
- قسمة
- دفاعاً عن ماركس في وجه العقاد
- معارض الكتاب بين القيمة الاقتصادية والتأثير الاجتماعي
- أنشودة السرو المتصاعد
- الحزب الشيوعي العراقي والافراط في الوطنية
- ترامب والتناقضات الهيكلية في الديمقراطية الليبرالية الغربية
- -التفوق الزائف-: كيف يفرّغ العنصريون إحباطهم العالمي في حقد ...
- وهم الحضارات الكبرى: تفكيك الأسس الدينية والثقافية للتمايز ف ...
- ترامب يفقد السيطرة: هل هذه بداية النهاية؟
- الفردوسي ودوره المحوري في سياق التاريخ الثقافي الإيراني
- الترجمة الأيديولوجية: بين أفيون -الشعب- و -الشعوب-
- التباين الجمالي بين الشعر العاطفي والسياسي
- فجر الاعترافات
- التأطير الأحادي للإبداع -2
- التأطير الأحادي للإبداع -1
- الأزمة الهيكلية في بلدان الشرق الأوسط
- الترجمة العربية: تحريفات لأسباب إيديولوجية
- أسباب ضعف السلع الاستهلاكية في الاتحاد السوفيتي
- الأهمية المستمرة لكتاب -رأس المال- في عصر الرقمنة


المزيد.....




- مدينة أهواز الإيرانية تحتضن مؤتمر اللغة العربية الـ5 + فيديو ...
- تكريمات عربية وحضور فلسطيني لافت في جوائز -أيام قرطاج السينم ...
- -الست- يوقظ الذاكرة ويشعل الجدل.. هل أنصف الفيلم أم كلثوم أم ...
- بعد 7 سنوات من اللجوء.. قبائل تتقاسم الأرض واللغة في شمال ال ...
- 4 نكهات للضحك.. أفضل الأفلام الكوميدية لعام 2025
- فيلم -القصص- المصري يفوز بالجائزة الذهبية لأيام قرطاج السينم ...
- مصطفى محمد غريب: هواجس معبأة بالأسى
- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...
- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - ما وراء التوازن