أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - قسمة















المزيد.....

قسمة


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 03:18
المحور: الادب والفن
    


كانت صباحية جمعة مشؤومة، اليوم الثالث عشر من الشهر، لكنها كانت مجرد بداية لأحداث غيّرت عالم بطلنا سليم. جلس سليم، بعد أسبوع عمل طويل ومُضنٍ، في مقعده داخل الحافلة المتهالكة التي كانت تتأرجح بفعل المطبات، وعقله يخطط لليلته المنتظرة مع صديقه المقرب فرهاد، حيث الضحكات والبيرة الباردة.

نظر سليم من النافذة بعينين شاردتين؛ السماء كانت خليطًا من الغيوم وأشعة الشمس الخجولة، تمنح المشهد غموضًا وجمالًا مهيبًا. وسط هذا التأمل، قفزت إلى ذهنه صورة والده الذي يعيش بعيدًا، في قرية هادئة على سفوح الجبال. كانت القرية أشبه بلوحة فنية، تطل على بحيرة متلألئة تضاعف أشعة الشمس رونقها. والده، العاشق لمزرعته والصيد، كان يعيش حياة بسيطة سعيدة. تساءل سليم بحنين: هل أستبدل صخب الحانة بهدوء البحيرة وجلسة بجوار الوالد وبضع زجاجات من البيرة الباردة؟ لكنه سرعان ما نبذ هذه الأفكار، مؤكدًا لنفسه أن الحاضر هو الأهم، وأن ليلة ممتعة بانتظاره، قد تحمل في طياتها لقاءً جديدًا.

توقفت الحافلة قرب حديقة المدينة النابضة بالحياة. كانت الساعة تشير إلى أن عشر دقائق فقط تفصله عن لقاء فرهاد. في طريقه، لفتت انتباهه رائحة عطر فاتنة من فتاتين سارتا بالقرب منه. رفع حاجبيه متسائلًا ببعض الفكاهة والقلق عن نظراتهما، وهل تُشعره الثلاثينات أنه "قد تجاوز شبابه".

وصل إلى "الكافتيريا السورية" المألوفة، واشترى علبة لبان لينعش رائحته قبل الموعد. بينما كان يبحث عن محفظته، انزلقت منه عملة معدنية تدحرجت على الأرض. ابتسمت البائعة بلطف وقالت بهدوء غير متوقع: "إنه يوم الجمعة، الثالث عشر." شعر سليم بمزيج من الانجذاب والفضول تجاه العبارة العفوية وحضورها الهادئ.

بعد الدفع، وقع نظره على لوحات يانصيب "بخت" الشهيرة. تردد للحظة وهو يرى التاريخ على تقويم الكافتيريا: الجمعة، الثالث عشر! لكنه تجاهل كل الخرافات واشترى تذكرة يانصيب واحدة بضربة حظ عابرة، ومضى بخطوات خفيفة نحو موعده، وكأن شيئًا مثيرًا يوشك أن يحدث.

التقى سليم بصديقه فرهاد في حانة صاخبة تضج بالموسيقى. كان فرهاد قد احتسى كأسه الثالث، وبدأ يتحدث بصوت عالٍ عن مديره. حاول سليم، الذي كان منهكًا وشارداً، التظاهر بالاستماع. فجأة، دفعه فرهاد لطلب بيرة إضافية ثم اقترح "الصيد"، مشيرًا بعينيه إلى فتاتين في إحدى الزوايا. أعلن فرهاد بجرأة أن الشقراء له، وعرض على سليم التعرف على الفتاة ذات الشعر الأحمر.

انطلق فرهاد وجلس مباشرة على طاولة الفتاتين دون دعوة، بينما تمنى سليم لو كانا في مكان أكثر هدوءً يجنبه حوارات "التعارف السريعة". وافقت الشقراء، التي عرفت عن نفسها باسم لينا، على جلوسهما من أجل "التعارف والصداقة". بدأ فرهاد بمغازلة لينا بطريقة مازحة، قائلًا إن سليم هو من سيدفع الحساب. في تلك الأثناء، حيّا سليم الفتاة ذات الشعر الأحمر، سلوى، واعتذر بلباقة عن تصرفات صديقه المخمور.

سألته سلوى بفضول عما يصبح عليه عندما يسكر. أجاب فرهاد بسرعة بأن سليم يتحول إلى "نمر شرس". ردت سلوى بتساؤل ساخر عما إذا كان نمرًا مهددًا بالانقراض، مما دفع فرهاد إلى التعقيب بابتسامة واقتراح الاتصال بحديقة الحيوان. ابتسم سليم بخفوت، لكنه شعر أنه أصبح مادة للسخرية.

وبينما كان سليم يغرق في الملل وشبح الشيخوخة، لمح بطاقة اليانصيب في محفظته. لمعت في ذهنه فكرة كشطها، ربما كطريقة لتحسين الجو أو مفاجأة الجميع. حذّره فرهاد بصوت خفيض من "الجمعة الثالث عشر"، لكن سليم بدأ بالكشط ليكتشف أرقامًا توحي بفوز كبير: 500، 1000، ثم مليون. ومع ظهور الرقم "مليون" للمرة الثالثة، تأكد الفوز؛ لقد أصبح مليونيراً!

صرخ فرهاد بحماس وطالب بالشمبانيا للاحتفال، معلنًا للجميع أن سليم أصبح مليونيراً. حاول سليم تهدئة صديقه وينكر الأمر للنادل، خوفًا من الفوضى والاهتمام الزائد الذي قد يجلبه هذا الإعلان.

غادروا الحانة حوالي الساعة الثانية صباحًا، ودفع سليم ثمن المشروبات. كان الظلام يلف المكان، لكن الهواء كان دافئًا ورائحة العشب الأخضر تملأ الأجواء. سمع صوت طائر الشحرور من الحديقة. كانت لينا تسير بهدوء بجوار فرهاد. أخبرت سلوى سليم أنها بحاجة للإسراع للحاق بآخر حافلة ليلية. أدرك سليم أن سلوى أصبحت أكثر ودًا بعد فوزه، لكنه شعر أنها لا ترى فيه سوى "المليون" الذي ربحه، وقرر ألا يطاردها، مفضلًا أن يحلم بفرصه السعيدة بمفرده. أعطته سلوى رقم هاتفها قبل أن تلوّح له وتغادر على عجل.

انصرف فرهاد ولينا، وظل سليم يسير وحيدًا، غارقًا في بهجة الثراء والانتشاء. اختار مقعدًا على ضفاف القناة، حيث بدأت أحلام الثراء تتدفق في ذهنه: منزل فاخر، زورق جديد أفضل من زورق والده. قرر في النهاية استقلال سيارة أجرة للعودة إلى المنزل.

لكن قبل أن ينفذ قراره، فوجئ بشخص يهجم عليه فجأة ويمسكه بقوة، يجرّه للخلف ويطالبه بشيء ما. صُدم سليم عندما تعرف على المهاجم: إنه الشاب "مرتدي القميص المربعات" الذي لاحظ حديثه عن الفوز داخل الحانة. هاجمه الرجل بعنف، باحثًا في جيوبه. نشب عراك عنيف، وتخللته صرخات الرجل مطالبًا ببطاقة اليانصيب. تمكن المهاجم من سحب محفظة سليم وانتزاع البطاقة منها، ثم ألقى المحفظة بوجهه ولاذ بالفرار.

لم يستسلم سليم، وهرع خلفه، وتمكن من اللحاق به وإسقاطه أرضًا. في العراك، استعاد سليم البطاقة، لكنها أفلتت من بين أصابعه وسقطت في مياه النافورة، لتُجرف بعيدًا وتختفي في أعماق القناة. قبل أن يستوعب سليم الصدمة، تلقى ضربة مفاجئة أردته فاقدًا للوعي.

استيقظ سليم، والدم متخثر على وجهه، ينزف من أنفه، ومطر خفيف يتساقط عليه. المحفظة بجانبه، لكن النقود والبطاقة مفقودة. شعر أنه أفقر مما كان عليه، وضاع المليون الذي امتلكه لساعات قليلة. كانت الساعة الخامسة صباحًا، والشمس بدأت تشرق. تساءل عما إذا كان الغوص قد يعثر على البطاقة، وقرر أنها "جديرة بمحاولة أخرى". خلع ملابسه ووقف على حافة القناة مترددًا. في هذه الأثناء رن هاتفه رسالة نصية تعاجز عن فتحها وقراءتها.

وبينما يهم بالقفز، سمع صوتًا صارخًا: "توقّف! لا تفعل هذا!". أمسكت يد بذراعه، لكنه كان قد خطا وسقط في الماء البارد، يسعل بعنف. وقفت امرأة على الرصيف مذعورة، وأسرعت لإحضار طوق النجاة. شعر سليم بالغباء. غطس بحثًا عن البطاقة، لكن الماء كان مظلمًا ومليئًا بالقمامة، وأدرك أن الأمر ميؤوس منه.

صرخت المرأة عليه: "خذ هذا. الحياة حلوة. هذا وعدٌ مني لك." وفي عجلة منها، فقدت توازنها وسقطت في الماء هي الأخرى. أدرك سليم أنها ظنت أنه يحاول الانتحار. اتجها نحو سلم قريب. تسلق سليم أولًا، ثم تبعته المرأة، وهي ترتجف من البرد. أخبرته أن خالها مات منتحرًا، ولهذا ظنت أنه يحاول الانتحار، وأكدت له أنها تصدقه عندما أنكر محاولته الانتحار، وأنه "هناك الكثير من الأشياء الجديرة بالحياة".

ناول سليم معطفه للمرأة حتى تشعر بالدفء، ولاحظ بشكل غير متوقع وجود عقب سيجارة قديم ومبلل عالق في خصلات شعرها. لم يستطع كلاهما مقاومة الضحك على هذه الصدفة الطريفة. بعد لحظات من المرح، أخرجت المرأة قلماً وكتبت رقم هاتفها على راحة يده، وأوصته بلطف أن يتصل بها إذا شعر بالحاجة إلى التحدث أو طلب المساعدة.

لاحقاً، وبينما كان سليم يتفحص هاتفه، وجد رسالة نصية وردت من والده. كانت تحمل خبراً صادماً: أخبره والده أن وزارة الداخلية أصدرت أمراً بإخلاء مزرعتهم لإفساح المجال لشق طريق جديد يصل إلى مصيف يقع فوق السفح الجبلي المقابل لقريتهم. الطريق الجديد الذي يُفترض أن يربط القرى المجاورة بالمصيف سيحوّل المزرعة التي طالما كانت مصدر رزقهم وموضع ذكرياتهم إلى مجرد ذكرى. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أضاف والده أن هذا القرار لن يحرمهم فقط من المزرعة، بل سيقضي أيضاً على متعة الجلوس بجانب البحيرة الصغيرة التي طالما كانت متنفساً لهم وقبلة لأرواحهم المتعبة بعد ساعات طويلة من العمل الشاق. كان الطريق إلى المصيف، الذي يبعد ساعتين سيراً على الأقدام عن قريتهم، يعني بالنسبة لسليم وعائلته بداية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والمجهول.

عاد سليم إلى المنزل سيرًا على الأقدام، يشعر بالدفء والتعب، ويفكر بضياع المليون بسبب كشط البطاقة في الحانة. استحم ونام، واستيقظ في منتصف النهار بوجه متورم ومجروح. شعر بالغضب تجاه فرهاد، معتقدًا أن صراخه هو السبب في سرقة البطاقة.

اتصل سليم بفرهاد، الذي أخبره متثائبًا أنه استمتع بوقته مع لينا، مما زاد من غضب سليم. ذهب سليم إلى شقة فرهاد، الذي صُدم من هيئته وتفاجأ بسرقة البطاقة. اتهم سليم فرهاد بأنه المذنب لأنه صرخ بصوت عالٍ في الحانة. غادر سليم شقة صديقه، متسائلاً عما يهم فرهاد حقًا.

مشى سليم لوقت طويل، يشعر بالفراغ والحزن على ضياع المليون وأرض والده وكل حياته. حاول تذكر رقم هاتف سلوى الذي كتبته على ورقة لكنه أدرك أنه ضاع في الغسيل. تذكر كلام المرأة على القناة: "لا تستسلم، ثمة أشياء كثيرة يمكن أن تعيش لأجلها". عاد يفكر في الزورق ووالده. تلقى رسالة نصية من فرهاد يعتذر فيها عن البطاقة ويدعوه لشرب البيرة على حسابه. رد سليم بـ "أوكي" واتجه نحو الحانة.

وصل سليم إلى الحانة أولاً وجلس في الشمس، وطلب كوكاكولا. لاحظ فجأة رجلاً بنظارات شمسية يجلس قريبًا منه. كان متأكدًا أنه الشاب ذو "القميص المربعات" الذي سرقه. هاجم سليم الرجل وكسر نظاراته. تشاجرا، وصرخ الناس. تدخل آخرون وسحبوا سليم. اتهم الرجل سليم بأنه تحت تأثير المخدرات، واتصل أحدهم بالشرطة.

اقتادت الشرطة سليم إلى التوقيف. لم يصدقوه عندما قال إن الرجل سرقه، وأخبره الشرطي أن صاحب الحانة هو من قدم البلاغ. قضى سليم مساء السبت في زنزانة ضيقة، يتألم من جروحه. رأى رقمًا ممسوحًا على راحة يده – رقم المرأة الذي كتبته على القناة. شعر بالحاجة إلى التحدث مع أحد.

في صباح الأحد، أخبره الشرطي أنه يمكنه الذهاب بعد أن سحب صاحب الحانة شكواه، ثم لامه وقال له إنه مدين للشاب بالشكر. خرج سليم إلى الشارع. رأى رسالة نصية من فرهاد وأخرى من والده لكنها مرسلة قبل أسبوع، يطلب منه المساعدة في زرع شتلات جديدة ونادرة في المزرعة. قرر أن رحلة القرية هي بالضبط ما يحتاجه.

توجه سليم بخطوات متثاقلة نحو محطة الحافلة، وصعد الحافلة عاقدًا العزم على النزول عند حديقة المدينة. هناك، حيث الهواء النقي والهدوء، قرر قضاء بعض الوقت بجانب الدكان الصغير الذي يديره "مام كانبي"، بائع الشاي الذي يحمل في قلبه ذكريات عميقة عن والده. وقف سليم لحظة أمام الدكان، متأملاً عبق الماضي وأيام الطفولة، قبل أن يتقدم لتحية صاحب المكان. استقبله مام كانبي بابتسامة مشرقة مليئة بالدفء والترحاب، ملاحظًا على الفور علامات الإرهاق البادية على وجهه. لم يستطع كتمان سؤاله عن سبب هذا التعب الظاهر، فرد عليه سليم بأسى أن النوم لم يكن حليفه منذ عدة أيام.

عادت ذكريات مام كانبي بسرعة إلى الوراء وهو يستمع لكلمات سليم، ليذكره بأيام نضال والده، ذاك الرجل الذي لم يعرف الكلل أو الملل، وكان يمثل قيادة حقيقية بمسؤولياته الحزبية. لم يكتفِ بذلك، بل استمر في منحه نصائح أبوية مليئة بالحكمة، محذراً إياه من رفقة السوء ومشدداً على أهمية طاعة والده واحترام قراراته. رفع مام كانبي صوته باعتزاز قائلاً إن والد سليم إنسان عظيم بكل المقاييس، رجل لو خطت يده على التراب لجعلته ذهبًا، واليوم ندر من هم بمثل معدنه النقي.

لكن حديث سليم عن أمر الإخلاء الذي استلمه والده بشأن منتجعه قلب الموازين، حيث خيم الحزن على وجه مام كانبي وانعكس الألم في نبرات صوته. لم يستطع تصديق أن الأمر يتعلق فقط بشق طريق جديدة، ملمحًا إلى احتمالات أخرى لا تخلو من الطمع والمصالح الشخصية. قال متنهداً إن مكان المنتجع ظل لسنوات محطة استراحة للمفارز الشيوعية، بل وعلى مقربة منه كان يتمركز فوج لقوات النظام السابق دون أن يطلب أحد الإخلاء. فما الذي طرأ لتتحول الأمور هكذا الآن؟ تساؤلات عالقة لم تجد جواباً شافياً. وبعد استراحة قصيرة واحتساء كوب من الشاي المنعش الساخن ودع سليم مام كانبي الذي حمله تحيات وسلام إلى والده.

بتعب واضح ارتسم على ملامحه، اقترب سليم من النافورة التي وقفت شامخة وسط الحديقة. غمس راحتيه في مياهها الباردة وغسل وجهه عَلّه ينتشل نفسه من دوامة الأفكار المتشابكة. لاحت عيناه نحو يده ولاحظ الرقم الموشوم عليها يكاد يختفي ويتلاشى، وكأنه رمز لماضٍ تسلل كي ينسى. سار بعدها بخطى متمهلة نحو "الكافتيريا السورية"، المكان المرتبط بذكريات أخرى ووجوه مألوفة. هناك أراد شراء علكة بسيطة لكنه تذكر فجأة أنه لا يملك المال الكافي ليستقل حتى التاكسي للعودة إلى المنزل. ومع ذلك، اختار أن يسد رمقه بما تيسر له، فملأ كوبًا من القهوة وأخذ كرة صغيرة من الخبز.

بينما ينقر الطاولة بأنامله متأملاً الحال والغد المجهول، لمح امرأة تقف وهي تدير ظهرها نحوه. باندفاع غريب قطعه صوت قهقهة حزين على حاله وهو يروي لها بصوتٍ خافت كيف تحول إلى مليونير للحظة عابرة، ثم خسر كل شيء بعد أن تعرض للسرقة. كلمات سليم كانت مزيجًا من المرارة والسخرية على واقع أحلامٍ تبنيها الحياة لتقلبها الرياح سريعًا، بينما يستمر هو في السعي دائمًا نحو غدٍ جديد تحمل معه الحافلة القادمة.
بين نقرات أنامله على الطاولة، رفع سليم عينيه ورأى المرأة الواقفة خلف المنضدة. شعر بالصدمة، لكن الهدوء الذي يحيط بها كان مألوفاً بشكل غريب. لم تكن عينا قسمة الخضراوان مجرد نافذة، بل كانتا مرآة عاكسة لهدوء البحيرة التي كان يحن إليها.
سليم: "هذه أنتِ. البائعة... و... ومنقذتي."
قسمة (ترتدي وشاحاً أخضر باهتاً، وتمرر يدها على بطاقة يانصيب معروضة): "أنت لم تترك لي خياراً آخر بوجودك على حافة القناة. هل لهذا إذن قفزت في الماء؟ أردت الغوص بحثاً عن القسمة التي بعتها لك؟"
سليم (يتلعثم): "بعتِها لي؟ أنتِ... كنتِ أنتِ..."
قسمة: "نعم. أنا البائعة التي تذكرتك بالجمعة الثالث عشر. كل شيء له ثمن في هذا اليوم." ابتسامة هادئة ارتسمت على شفتيها.
سليم: "أنا ذاهب للقرية... لمساعدة والدي في المزرعة، سنجني العسل النقي."
قسمة: "عسل الجبال. سمعت أنه الأكثر نقاءً. رحلة سعيدة."

مد سليم يده ليصافحها، وأخبرها بأن اسمه "سليم". قالت له مصافحةً إياه: "قسمة. التي تعرف القسمة الجيدة من السيئة." ضحك سليم وشعر أن كل شيء على ما يرام.
أومأت المرأة برأسها. ضحك سليم وشعر أن كل شيء على ما يرام بوجود عطر القهوة، والشمس، ووالده، وقسمة. سألها إن كانت تحب صيد السمك، فأجابت: "لا أعرف، لم أجرب قط". رد سليم: "ليس بعد".
كتبت قسمة رقم هاتفها على راحة يده اليسرى مرة أخرى، ونبهته إلى وصول حافلته. هُرع سليم نحو الباب، وأخبرته قسمة أنه يمكنه الدفع في المرة القادمة. استدار ليحيّيها، وهو يبتسم، مدركًا أن الحياة، في يوم الجمعة الثالث عشر، قد منحته "قسمةً" أجمل بكثير من أي مليون.
مالمو
2025-12-14



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعاً عن ماركس في وجه العقاد
- معارض الكتاب بين القيمة الاقتصادية والتأثير الاجتماعي
- أنشودة السرو المتصاعد
- الحزب الشيوعي العراقي والافراط في الوطنية
- ترامب والتناقضات الهيكلية في الديمقراطية الليبرالية الغربية
- -التفوق الزائف-: كيف يفرّغ العنصريون إحباطهم العالمي في حقد ...
- وهم الحضارات الكبرى: تفكيك الأسس الدينية والثقافية للتمايز ف ...
- ترامب يفقد السيطرة: هل هذه بداية النهاية؟
- الفردوسي ودوره المحوري في سياق التاريخ الثقافي الإيراني
- الترجمة الأيديولوجية: بين أفيون -الشعب- و -الشعوب-
- التباين الجمالي بين الشعر العاطفي والسياسي
- فجر الاعترافات
- التأطير الأحادي للإبداع -2
- التأطير الأحادي للإبداع -1
- الأزمة الهيكلية في بلدان الشرق الأوسط
- الترجمة العربية: تحريفات لأسباب إيديولوجية
- أسباب ضعف السلع الاستهلاكية في الاتحاد السوفيتي
- الأهمية المستمرة لكتاب -رأس المال- في عصر الرقمنة
- الشوفينية الفارسية أمام تحديات العقلانية والأممية
- حقبة الركود السوفيتية


المزيد.....




- قصة قصيرة: ما بعد الحادية عشرة ليلا
- لم يتراجع شغفه بالكوميديا والأداء.. الممثل ديك فان دايك أتمّ ...
- سوريا تنعى وزير ثقافتها الأسبق رياض نعسان آغا
- -إعلان باكو- يعزز الصناعات الإبداعية في العالم الإسلامي
- -بين الطين والماء-.. معرض تركي بالقدس عن القرى الفلسطينية ال ...
- هل حُلت أزمة صلاح وليفربول بعد فيديو الفنان أحمد السقا؟
- من الديناصورات للتماسيح: حُماة العظام في النيجر يحافظون على ...
- انطلاق الدورة الـ36 من أيام قرطاج السينمائية بفيلم فلسطيني
- أيام قرطاج السينمائية تنطلق بعرض فيلم -فلسطين 36-
- بعد تجربة تمثيلية فاشلة بإسرائيل.. رونالدو يتأهب للمشاركة في ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - قسمة