علم العلم-لفصل السابع- المنهج التجريبي

منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 07:27
المحور: قضايا ثقافية
    

ا
1- مقدمة
يعد المنهج التجريبي من أقدم المناهج التي عرفها الإنسان فهو ملازم له منذ أن امتلك القدرة على التفكير. بالملاحظة والتجريب والاختبار أخذ الإنسان يكتشف ما حوله من أشياء وظواهر طبيعية ويمتلكها معرفيا بغرض السيطرة على ظروف وجوده الخارجية والاستفادة منها وفق مشيئته وحسب أغراضه.
لم يظهر المنهج التجريبي كاملاً دفعة واحدة بل أخذ يتطور ويكتمل مع مرور الزمن وتقدم الحضارة البشرية. في الزمن القديم كان الإنسان يراكم ملاحظاته عن الطبيعة بصورة غير واعية وبلا هدف تقريباً أما في الوقت الراهن فهو يلاحظ ما حوله بصورة واعية، وفي ضوء أهداف مقررة مسبقاً واستناداً إلى قواعد علمية معينة [121].
يتفاعل الإنسان مع الطبيعة بصورة مستمرة بطرق مختلفة وبأشكال كثيرة بهدف اكتشافها وامتلاكها معرفياً واستخدامها في صالحه. في سياق عملية التفاعل قام الإنسان بملاحظة الأشياء والظواهر من حوله وكان يجري عليها اختباراته. فعلى سبيل المثال قبل أن يكتشف طرقاً ووسائل لإشعال النار كان قد لاحظها في الطبيعة بصورة من الصور في البراكين أو في أثار الصواعق وفي غيرها. بل ربما أجرى اختبارات على أنواع عديدة من الأحجار قبل أن يهتدي إلى حجر الصوان الذي يمتلك خاصية توليد شرارة نارية بمجرد احتكاكه بغيره، وقد يكون أجرى محاولات كثيرة لإشعال النار عن طريق الاحتكاك أو الحركة الدورانية لقطعة خشب في وسط هشيم. ومما لا شك فيه إن الصدفة قد أدت دوراً كبيراً في حصول الكثير من الاكتشافات العلمية ومنها اكتشاف النار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
121-لمنهج التجريبي، الموسوعة الحرة، https://www.ar.wikipedia.org تاريخ الدخول 21/2/2008، ص1
في العصر اليوناني حظي المنهج التجريبي باهتمام كبير من قبل الفلاسفة والعلماء في ذلك العصر، خصوصا، في مجال تفسير الكون والطبيعة. لقد كان الفيلسوف ديموقريطس(Democritus) وهو من معاصري سقراط أول من قال بأن الطبيعة تتكون من ذرات. وقد اشتهر عنه قوله بأن "المعرفة ينبغي أن تكون يقينية أو مجربة على نحو مطلق"[122]. وللحصول على هذه المعرفة أدرك كارنيدس (Carneddes) في القرن التاسع قبل الميلاد إن المنهج الاستنباطي قاصر عن تحقيق ذلك لأنه لا يستطيع إثبات مقدمات استنتاجاته. لقد طالب كارنديس بالشك بكل المعلومات العقلية المجردة، وهو بذلك، قد أسس للمنهج التجريبي بل وقام بتجربة شهيرة إذ أخذ يكسر البيضات بصورة متتالية لكي يعرف مراحل نمو الجنين فيها [123] .
وساهم العرب المسلمين في تطوير المذهب التجريبي وبرز منهم في هذا المجال العالم الكيميائي جابر بن حيان في القرن الثاني للهجرة، والحسن بن الهيثم الذي اشتهر في مجال علم البصريات وكان أول من طبق الرياضيات في مجال دراسة الظواهر الطبيعية[124]. ولا يمكن تجاهل دور ابن سينا في تطوير المنهج التجريبيمن خلال كتابه" القانون في الطب"، ولا دور أبو بكر الرازي، من خلال كتابه" الحاوي"[125].
يعود الفضل للعلماء العرب والمسلمين، في التأسيس لنهضة أوربا الحديثة، من خلال تغيير مناهج التفكير لديهم، بحسب ما اعترف بذلك كثير من مفكري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
122-لمزيد من الاستزادة حول المنهج التجريبي انظر المنهجية العلمية، https://www.dentarab.com تاريخ الدخول 21/2/2008، وكذلك المنهج التجريبي في علوم المادة https://www. 2 algeria.com تاريخ الدخول 21/2/2008.
123-المرجع السابق ص2
124-المرجع السابق ص2
125-المنهج التجريبي في علوم المادة، https://www.philo.awardspace.com ،ص2، تاريخ الدخول إلى المسار 8/12/2009.
أوربا. يقول جون هارمان رائل" كان العرب في القرون الوسطى يمثلون التفكير العلمي والحياة الصناعية العلمية الذين تمثلهم في أذهاننا اليوم ألمانيا الحديثة. وخلافا للإغريق لم يحتقر العرب المختبرات العلمية والتجارب الصبورة"[126].
ويقول بريفو brifflault " إن ما ندعوه علماً قد ظهر في أوربا نتيجة لروح جديدة في البحث وطرق جديدة في الاستقصاء.. والطرق التجريبية والملاحظة والقياس والتطور في الرياضيات في صورة لم يعرفها اليونان هذه الروح وتلك المناهج أدخلها العرب إلى العالم الأوربي"[127].
خلال القرون الوسطى ساد ظلام دامس في أوربا شمل جميع مناحي المعرفة وتراجع الاهتمام بالمنهج التجريبي ليحل محله المنهج التدريسي الذي فرضه رجال الدين وصبغوه بالصبغة الدينية.
لكن مع بداية صعود أوربا تجدد الاهتمام بالمنهج التجريبي على يد روجر بيكون Roger Bacon ( (1213-1294، الذي ينسب له الفضل في بلورة خطوات هذا المنهج ووضع قواعده المنطقية. لقد استفاد بيكون كثيراً من الروح التجريبية عند المسلمين.
في حوالي عام 1600 أي مع بزوغ فجر العلم الحديث صار للمنهج التجريبي فلسفته الخاصة وقد شيدت على دعائم قوية. في هذا المجال يعد الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون (1561-1626) أول من حاول بلورة منهج علمي تجريبي انطلاقاً من الفهم المادي للطبيعة وظواهرها، ولهذا فهو يعد بحق مؤسس النظرة المادية الجديدة والعلم التجريبي وواضع أسس الاستقراء العلمي. لقد طالب فرنسيس بيكون، بتطهير العقل من الأوهام، والمفاهيم المسبقة، وكان من دعاة النزعة الشكية [128].
126- المنهج التجريبي في علوم المادة، مرجع سبق ذكره، ص2
127- المرجع السابق، ص3
128- أنظر www2algeria.com مرجع سبق ذكره، ص3.

بهذا الشكل أخذت تترسخ دعائم المنهج التجريبي شيئا فشيئا عبر مساهمات كثير من الفلاسفة والعلماء الذين لم تقتصر مساهماتهم على المنهج التجريبي النظري بل تعدته إلى المنهج التجريبي العملي.
ينبغي لفت الانتباه إلى وجود فرقين جوهريين بين المنهج التجريبي النظري والمنهج التجريبي العملي هما:
الفرق الأول وهو إن المنهج التجريبي العملي يطلب من الباحث أن يقوم بصنع الظاهرة وإخضاعها لشروطه. وهو بذلك يكون قد حيد الظاهرة عن المؤثرات خارجية وحال دون تشويشها لكشفها على حقيقتها وتحديد العوامل الحاسمة المؤثرة فيها غير أن نتائج البحث التجريبي في هذه الحالة سوف تبقى مشروطة بشروط التجربة.
أما في حالة استخدام المنهج التجريبي النظري فإن الباحث يدرس الظاهرة في حالتها الطبيعية خارج سيطرته وتوجيهه، ولهذا يصعب على الباحث فرز العوامل الحاسمة من غير الحاسمة، بالنظر إلى تعدد المؤثرات الخارجية واختلاف وضعياتها. رغم ذلك فإن نتائج التجربة قد تصلح للتعميم في الظروف المشابهة.
الفرق الثاني يكمن في إن التجربة العملية تتطلب من الباحث بذل مجهود أكبر على عكس التجربة النظرية وتتطلب أيضاً نفقات مادية كبيرة في أغلب الأحيان. في حال التجربة العملية يقوم الباحث ببناء التجربة بالكامل أما في حال التجربة النظرية فإن الطبيعة ذاتها تكون ميدانا للتجربة.
2-مفهوم المنهج التجريبي.
ورد في لسان العرب: جرب، مجرِّب: عرف الأمور، وجربها، وبالفتح: جربته الأمور وأحكمته"[129].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
129-لسان العرب لابن منظور، مادة "جرب"، ص398
وفي الاصطلاح عرف المنهج التجريبي على إنه" المنهج المستخدم حين نبدأ من وقائع خارجة عن العقل، سواء أكانت خارج النفس إطلاقا أم باطنة فيها"[130]. أو هو المنهج " المستخدم حين نبدأ من وقائع خارجة عن الفعل سواء كانت خارج النفس، أم باطنة فيها لتفسيرها بالتجربة دون اعتماد على مبادئ وقواعد المنطق الصورية وضدها" [131] ويمكن تعريف المنهج التجريبي بدلالة التجربة إذ إن " التجربة هي ملاحظة مقصودة تحت ظروف محكومة ويقوم بها الباحث لاختبار الفرض للحصول على العلاقات السببية"[132]. أو هي " إحداث الظاهرة ضمن شروط اصطناعية (مخبرية مثلا) من أجل التحقق من صحة الفرض" والتجريب هو " ملاحظة تحت ظروف محكومة عن طريق اختيار بعض الحالات أو عن طريق تطويع بعض العوامل"[133].
تختلف التجربة من مجال بحثي معرفي إلى مجال أخر بحسب طبيعته. فقد تقتصر على المخبر حيث يتم التحكم بجميع شروط التجربة، أو قد تكون على شكل ملاحظة متكررة لموضوعها كما يحصل عادة في مجال علم الفلك، أو في دراسة بعض الظواهر الاجتماعية، مثل الظواهر الاقتصادية.
من الواضح إن المنهج التجريبي، هو من المناهج الاستقرائية، التي تعتمد على الملاحظة المباشرة للوقائع، والأشياء، والظواهر الخارجية، كمنطلق في البحث المعرفي. وهو بذلك يختلف عن المناهج الأخرى، لجهة موضوعيته الزائدة، وعلميته. فهو في المقام الأول، يختلف عن المناهج العقلية، مثل المنهج الاستدلالي، والمنهج الرياضي، لأن الموضوعات التي تشتغل عليها، هي موجودات عقلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
130-عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات، الكويت، الطبعة الثالثة، 1977.ص 128
131-أحمد بدر، " أصول مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات، الكويت 1980
132-فاخر عاقل، أسس البحث العلمي،لبنان (بيروت) دار العلم للملايين، الطبعة الثانية 1982.
133- المنهج التجريبي، https://www.etudiantdz.com تاريخ الدخول إلى المسار،8/12/2009.
لكي يفهم المنهج التجريبي بصورة أفضل ينبغي تتبعه في سياق المراحل المختلفة التي يمر بها.
3- مراحل المنهج التجريبي.
يتكون المنهج التجريبي من مجموعة من المراحل المتسلسلة يحكمها انتظام معين. في كل مرحلة يتم القيام بمجموعة من الخطوات البحثية لتحقيق أغراض معينة.
3-1- مرحلة الملاحظة
يشتق معنى الملاحظة من الكلمة " لحظ "، وتعني نظر بمؤخرة عينيه، من أي من جانبيه، يميناً أو شمالاً. واللحظة: النظر من جانب الأذن. والملاحظة من اللحظ، وتعني النظر بشق العين الذي يلي الصدغ [134].
يتضح من التعريف اللغوي للملاحظة إنها بعيدة عن معناها الاصطلاحي، فليس فيها ما يعني جمع البيانات أو المعطيات عن موضوع البحث.
أما في الاصطلاح فتعرف الملاحظة بأنها " المشاهدة الدقيقة للظاهرة باستخدام أساليب البحث والدراسة التي تتلاءم مع طبيعة الظاهرة" [135]. أو هي " مشاهدة الظواهر على ما هي عليه في الطبيعة بصورة هادفة وتحويلها من ظواهر في الطبيعة إلى حوادث علمية"[136].
وتختلف الملاحظة في معناها العام أي" الانتباه العفوي إلى حادثة أو واقعة أو ظاهرة أو أمر ما دون قصد أو سابق إصرار وتعمد" عن الملاحظة العلمية التي تعني " المشاهدة الحسية المقصودة والمنظمة والدقيقة للحوادث والأمور والظواهر بغية اكتشاف أسبابها وقوانينها، ونظرياتها"137]. وقد تستخدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
134- لسان العرب لبن منظور، مادة "لحظ" ص 483
135-الموسوعة الحرة، ar.wikipedia.com مرجع سبق ذكره، ص4.
6 13- المنهج التجريبي في علوم المادة، https://www.philo.awardspace.com تاريخ الدخول إلى المسار 8/12/2009.ص3
137- المنهج التجريبي، https://www.etudiantdz.com مرجع سبق ذكره، ص3

الملاحظة أدوات ووسائل مختلفة في أثناء إجرائها بحسب طبيعة الموضوعات التي تتم ملاحظتها.
تعد الملاحظة الخطوة الأولى في عملية البحث العلمي وفق المنهج التجريبي، بل هي أهمها على الإطلاق. في هذه المرحلة يتم جمع المعطيات عن الظاهرة المدروسة، من خلال تنفيذ ملاحظات كثيرة ومتكررة، يراعى فيها وحدة الأسلوب والشكل والطريقة، لكي تكون المعلومات الأولية التي يتم جمعها ممثلة للظاهرة تمثيلاً حقيقياً. وبقدر ما تكون المعطيات التي يتم جمعها عن الظاهرة المدروسة دقيقة وشاملة تكون فرضيات البحث دقيقة وهادفة.
في مرحلة الملاحظة يمكن إجراء بعض التجارب على الظاهرة المدروسة وذلك بإعادة تكوينها وتعديل بعض شروطها، ومن ثم إجراء الملاحظة عليها. ويمكن أن تكون التجربة مرتجلة أو علمية، وحتى تجربة غير مباشرة. في حال التجربة المرتجلة يكون الهدف عادة، هو ملاحظة التغيرات التي تطرأ على الظاهرة من جراء تغيير بعض ظروفها وشروطها. هذا النوع من التجارب قد يكون مفيداً جداً في بداية العمل التجريبي البحثي، خصوصا في المجالات التي لم تختبر مثل هذه التجارب وتعد ميادين بكر.
في حال التجربة الحقيقية يكون الهدف عادة اختبار صدقية الفروض البحثية واختبار صحة النتائج. تجرى التجارب الحقيقية أو العلمية عادة، في نهاية العملية البحثية الاستقرائية.
أما في حالة التجربة غير المباشرة فإن الطبيعة تقوم بالتجربة بعيداً عن تدخل الباحث. في هذا النوع من التجارب يمكن الحصول على معلومات ذات مصداقية تفوق أحيناً مثيلتها في التجارب الأولية أو العلمية.
ينبغي لفت الانتباه إلى ضرورة أن يلتزم الباحث بالحيادية والموضوعية، وان تكون الملاحظة نزيهة كاملة وشاملة لكل جوانب الظاهرة المدروسة، وأن تكون معطياتها دقيقة وهذا يتطلب تحديد الظاهرة بدقة في الزمان والمكان وفي مختلف الشروط والظروف الأخرى المحيطة بها، وأن يتم تحديد وسائل وطرق الملاحظة كي تكون ذات مصداقية. كما تتطلب من الباحث أن يكون مؤهلاً للقيام بالملاحظة وأن يكون سليم الذهن حاضره وسليم الحواس هادئ الطبع قادراً على التركيز.
تتميز التجربة بجملة من الخصائص هي:
أ-تسمح بتحليل الظواهر والوقوف على مكوناتها الرئيسية.
ب-تسمح بالكشف عن الأسباب الحقيقية للظاهرة من جراء تكرار التجربة بشروط مختلفة. "خلال الملاحظة ينصت الباحث إلى الطبيعة، أما خلال التجربة فإن الباحث يرغم الطبيعة على الإجابة" على حد قول العالم كوفية [138].
3-2- مرحلة الفروض.
الفرض هو جواب أولي عن أسئلة المشكلة البحثية، بواسطته يمكن وضع تصور لطبيعة المشكلة المدروسة. بكلام أخر الفرض هو صورة نظرية للمشكلة لم يتم إثبات صحتها بعد، بل هي في سياق التحقق. يدعى الفرض أيضاً تفسيراً مؤقتاً للقوانين التي تحكم الظاهرة المدروسة.
بهذا المعنى يعد الفرض مرحلة مهمة جداً من مراحل البحث العلمي، وهي تأتي بعد الملاحظة. فهو يستخدم المعطيات التي يتم الحصول عليها لوضع الفروض البحثية كنوع من التفسيرات المؤقتة والمحتملة للمشكلة البحثية.
الفرضية في اللغة من "فرض": فرضت الشيء، أفرضته، فرضاً، وفرضته: أوجبته، والفرض: القراءة، ومفروضاً: مؤقتا. وهي تعني أيضا" التخمين" [139].
والفرضية في الاصطلاح هي" تفسير مؤقت لوقائع وظواهر معينة"، يتم اختباره في التجريب فإما تؤكده التجربة فيصبح قانوناً، وإما تنفيه فيتم العدول ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
138- المنهج التجريبي في علوم المادة، مرجع سبق ذكره، ص 7
139-المنهج التجريبي، https://www.etudiantdz.com مرجع سبق ذكره، ص4

عنه إلى فرضيات أخرى. أو هي " تخمين ذكي أو استنتاج ذكي يصغه الباحث ويتبناه مؤقتا، لشرح بعض ما يلاحظه من الظواهر، أو كمرشد له في البحث والدراسة التي يقوم بها"[140]
تؤدي الفروض دوراً مهماً في توجيه الباحث نحو الهدف الذي يسعى إليه. يقول كلود برنار" إن الحدث عبارة عن شعور غامض يعقب ملاحظة الظواهر، يؤدي إلى إنشاء فكرة عامة يحاول الباحث بها تأويل الظواهر قبل أن يستخدم التجارب وهذه الفكرة العامة (الفرض) تمثل لب النهج التجريبي، لأنها تثير التجارب والملاحظات وتحدد شروط القيام بها"[141].
تتميز الفروض العلمية، بجملة من السمات وهي الأتية:
أ- ينبغي أن تكون الفروض مستوحاة من الوقائع نفسها، أي من نتائج الملاحظة والتجارب الحسية.
ب-وأن تكون منسجمة مع الحقائق العلمية الثابتة وخالية من التناقض المنطقي في صياغتها.
ت- ينبغي أن يقبل الفرض العلمي التحقيق العلمي التجريبي.
ث- ينبغي أن يكفي الفرض لتفسير الظاهرة من جميع جوانبها.
ج- ينبغي أن يكون الفرض موجزاً وواضحاً في صياغته.[142]
ح-ولكي يتم تأمين الشروط المطلوبة للفرض ينبغي عدم التسرع في وضعها ولهذا ينبغي تقليب المعطيات ودراستها بالتفصيل قبل صياغة الفرض. وفي هذه الحالة ينبغي اختبار الفروض التي تكون أقرب إلى التحقيق التجريبي والأقل كلفة. وفي مجمل الأحوال ينبغي التخلي سريعاً عن الفروض التي لا
ــــــــــــــــــــــــــ
140-المرجع السابق، ص5
141- الموسوعة الحرة، مرجع سبق ذكره، ص6
142- المنهج التجريبي في علوم المادة، مرجع سبق ذكره، ص6
يمكن إثبات صحتها. وإن أهم المناهج التي وضعت للتثبت من صحة الفروض هو ما وضعه جون ستيوارت مل متأثرا بالفيلسوف بيكون.
يختلف "الفرض" عن "المفهوم" وعن "القانون" وعن " النظرية"، في كونه تفسيرا مؤقتاً لظواهر تمت ملاحظتها. عندما يختبر الفرض وتثبت صحته يتحول إلى نظرية. وهو في حالته المؤقتة كفرض أو في حالته النظرية تتم الاستعانة بالمفاهيم لصوغه. إذ إن المفاهيم عبارة عن رموز أو دلالات لغوية تستخدم للقبض على المعاني التي يراد توصيلها أو تبادلها بين الناس. بكلام آخر المفهوم هو " التمثل العقلي للسمات المشتركة بين طائفة من المحسوسات" ويشترط في المفهوم " الدقة والوضوح والعمومية"[143]. فعلى سبيل المثال: طالب، أو إنسان، أو شجرة، جميعها مفاهيم مجردة من عدد كبير من المحسوسات، لكنها تشترك بسمات جوهرية تحددها. تكاد تكون أغلب مفردات اللغة عبارة عن مفاهيم مجردة لمحسوسات واقعية.
3-3 مرحلة إثبات أو نفي الفرض.
بعد الانتهاء من وضع الفروض البحثية ينبغي الانتقال إلى مرحلة إثبات صحتها أو نفيه ويكون ذلك بطرق عديدة:
الطريقة الأولى، وتدعى طريقة الاتفاق. بموجب هذه الطريقة يعتبر العامل الثابت المتكرر في الوضعيات العديدة للظاهرة هو المسؤول عن وجود الظاهرة. مثلا لدينا الحالات التالية:
- أ – ب ج
- أ- د- ع
- أ – ث – و
في المثال السابق فإن أ هو المسؤول عن وجود الظاهرة لأنه يتكرر في الوضعيات الثلاث المشاهدة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
143- المنهج التجريبي، المرجع السابق، ص 6
يسجل على هذه الطريقة سلبيات عديدة منها أن تكرار وجود العامل (أ)، قد يكون مجرد صدفة في الحالات المدروسة، وقد يكون ظهوره ناجم عن عامل أخر غير منظور يكون السبب في وجود الظاهرة، وقد يكون ظهوره ناجم عن تأثير مركب لعوامل أخرى لا تظهرها الملاحظة، أو التجربة الحسية. لهذا تعد هذه الطريقة ضعيفة الموثوقية والمصداقية، ولا يمكن الركون إليها لوحداها.
الطريقة الثانية؛ هي طريقة الاختلاف. تختبر هذه الطريقة اختلاف نتائج الظاهرة باختلاف عامل معين. فإذا اختلفت النتائج بالعلاقة به يكون هو المسؤول عن تغير النتيجة. فعلى سبيل المثال لدينا القراءات الآتية:
أ‌- ب- ج – د
ب‌- ب – ج – د
ع – ب – ج – د
في المشاهدات السابقة يكون العامل أ هو المتغير، وهو المسؤول عن تغير النتيجة.
تعد هذه الطريقة أكثر دقة من الطريقة السابقة ولهذا فهي شائعة الاستخدام في البحوث والدراسات العلمية.
من سلبيات هذه الطريقة صعوبة تحديد جميع المتغيرات المؤثرة في الظاهرة المدروسة، ولهذا فإن افتراض حصول اتفاق بين جميع العوامل، إلا في عامل واحد هو افتراض غير دقيق.
الطريقة الثالثة؛ وتدعى طريقة التلازم في المتغير. تفترض هذه الطريقة وجود عدد من الظواهر ذات مقدمات ونتائج معروفة. وفي حال تغيرت النتائج بدرجات متقاربة بتغير بعض مكونات المقدمات هذا يعني إن بين هذه المقدمات والنتائج علاقة سببية. فعلى سبيل التوضيح لدينا الحالات الأتية:
أ – ب - ت1 - ث1
أ- ب – ت2 – ث2
أ- ب – ت3 – ث3

من الحالات السابقة يمكن الاستنتاج إن بين (ت) و (ث) يوجد نوع من العلاقات السببية التي يمكن قياس شدة الارتباط بينهما عن طريق حساب معامل الارتباط.
من مميزات هذه الطريقة إنها تسمح بالقياسات الكمية وبحساب معامل الارتباط بين السبب والنتيجة ويمكن استخدامها في مجالات كثيرة.
مع ذلك يسجل على هذه الطريقة عدد من السلبيات منها إن العلاقات الارتباطية بين المتغيرات والنتائج قد لا تكون علاقات سببية. إضافة إلى ذلك لا يمكن استخدام هذه الطريقة إلا إذا بقيت جميع العوامل الأخرى ثابتة باستثناء العامل المتغير الذي تتم دراسته.
3-4 مرحلة التجربة.
إن تصميم وتنفيذ التجارب العلمية واسع الاستخدام في مجال العلوم المادية على عكس العلوم الاجتماعية إذ يصعب إجراء التجارب إلا في حالات خاصة.
لقد تم التمييز في السابق بين التجربة الطبيعة التي لا يتدخل الباحث في تصميمها وتحديد شروطها، وبين التجربة الاصطناعية التي يقوم الباحث بتصميمها مسبقا والتحكم بشروطها وتوجهاتها.
في الحالة الأولى يدرس الباحث مجموعة تجريبية واحدة ويجري القياسات عليها، ومن ثم يقوم بتغير عامل معين فيها ويلاحظ طبيعة المتغيرات التي تنجم عنه وهكذا دواليك.
في الحالة الثانية يكون لدى الباحث أكثر من مجموعة تجريبية يعين واحدة منها مرجعاً يفترض فيها أن تحقق التكافؤ بين مختلف العوامل المؤثرة عليها وتدعى بالمجموعة الضابطة. بعد ذلك يقوم الباحث بإدخال العامل المتغير عليها، ومن ثم يتم قياس النتائج ومقارنة المجموعات مع بعضها البعض وتحديد الفرق الذي يعود إلى المتغير التجريبي.
من الواضح إن التجربة السابقة تفرض مسبقاً المعرفة بكل المتغيرات المؤثرة في الظاهرة، وهذا افتراض غير واقعي. لهذا يتم اللجوء إلى التوزيع العشوائي لعينات التجربة بشكل يتيح فرصاً متكافئة لجميع العوامل لكي تظهر تأثيرها.
يشترط في التجربة الجيدة ما يأتي:
أولا؛ إن تكون العينة ممثلة تمثيلاً دقيقا لمجتمعها.
وثانيا؛ ينبغي تكرار التجربة للتأكد من مصداقية النتائج.
وثالثا؛ لا بد من التحقق من جميع المتغيرات ومدى تأثيرها على النتائج.
ورابعا؛ ينبغي اعتماد وسائل وطرق لجمع البيانات وتحليلها تكون مناسبة للتجربة.
وأخيرا؛ ينبغي على الباحث أن يتصف بعدم التحيز.
في ضوء ما تقدم يمكن القول أن المنهج التجريبي هو أفضل المناهج العلمية صرامة وموثوقية، وهو يسمح بالكشف عن العلاقات السببية بصورة تكاد تكون حاسمة.
4 - مجال استخدام المنهج التجريبي.
ثمة علوم لا تقبل التجريب ولهذا فهي تستخدم لإثبات حقائقها مفاهيم عقلية مجردة، كما هو الحال في الفلسفة، وفي الرياضيات، وفي بعض العلوم الإنسانية، واللغوية (علوم اللغة، وعلم الجمال، وغيرها). وهناك مجالات علمية تسمح باستخدام التجريب كما في علوم المادة الجامد (الفيزياء مثلا)، وعلوم المادة الحية (مثلا علوم الأحياء) وبعض مجالات العلوم الاجتماعية. في جميع المجالات التي تقبل التجريب يستخدم المنهج الاستقرائي التجريبي على نطاق واسع.
5- مزايا وسلبيات المنهج التجريبي.
من مزايا المنهج التجريب إنه:
أ-يسمح بكشف الأسباب الكامنة وراء الأشياء والظواهر عن طريق التجريب.
ب- يسم بالتحكم والسيطرة على العوامل المدروسة.
ت- يسمح بتكرار التجربة حتى يتم التأكد من صحة النتائج التي تم التوصل إليها.
أما من سلبياته:
أ- صعوبة تطبيقه على المجالات الإنسانية نظرا لصعوبة إخضاعها للتجريب.
ب- صعوبة تعميم النتائج نظراً لارتباطها بالعينة المبحوثة، وتأثر هذه الأخيرة بالظروف الزمانية والمكانية وغيرها المحيطة بها.
ت-تتأثر دقة النتائج بالأدوات والتجهيزات البحثية المستخدمة فكلما كانت هذه الأدوات حديثة ومتقدمة كانت النتائج أكثر دقة.
ث- يتطلب المنهج التجريبي عزل العوامل المبحوثة الأمر الذي يصعب تحقيقه في كثير من الظواهر والأشياء المادية وغير المادية.
ج- تعقيد الإجراءات الإدارية والتنظيمية التي يتطلبها ولهذا فإن تكاليفه المادية باهظة.

#منذر_خدام (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل