أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ادهم ابراهيم - الخوف السياسي..كيف يدار العالم بالقلق














المزيد.....

الخوف السياسي..كيف يدار العالم بالقلق


ادهم ابراهيم
(Adham Ibraheem)


الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الخوف السياسي . . كيف يدار العالم بالقلق

يُعدّ الخوف أحد أقدم المحركات في الفعل السياسي، وأشدّها تأثيرًا في تشكيل سلوك الأفراد والجماعات. فمنذ نشأة السلطة، لم يكن الخوف مجرد شعور إنساني طبيعي، بل تحوّل إلى أداة فعّالة للوصول إلى الحكم والحفاظ عليه. غير أنّ التلاعب بالخوف لا يمارسه الحكّام وحدهم، بل يقوم على تواطؤ ضمني بين من يبثّونه ومن يستجيبون له، إذ يجد فيه الطرفان ـ بدرجات متفاوتة ـ وسيلة لتبرير الواقع القائم أو الهروب من مسؤولية تغييره.

بذلك يمكن تعريف الخوف السياسي بأنه استخدام منهجي للقلق والمخاوف للسيطرة على الأفراد والمجتمعات، سواء عبر التخويف من المجهول، أو القمع، أو الإرهاب. وهو يُنتج «ثقافة خوف» تؤدي إلى الصمت، والعزلة، واليأس، وانسحاب الناس من الفعل المعارض، وبالتالي
يعيق التغيير ويعزّز الأنظمة السياسية .
في هذا السياق، يقدّم عالم الاجتماع البريطاني فرانك فوريدي مفهوم «ثقافة الخوف» بوصفه الإطار الناظم لعصرنا الراهن. فالمجتمعات المعاصرة، وفقًا له، تعيش حالة دائمة من الهلع الأخلاقي، حيث تُضخَّم المخاطر ويُعاد إنتاجها إعلاميًا وسياسيًا إلى حدّ يشلّ القدرة على التفكير النقدي، ويغذّي نزعة الاستسلام للقدر، وكأنّ الخطر حتميّ ولا سبيل إلى مواجهته إلا بالخضوع.

تلعب التقنيات الحديثة دورًا محوريًا في ترسيخ هذا المناخ . فالاستخدام المستمر للهواتف الذكية ، ووسائل التواصل الاجتماعي، وسيل الأخبار العاجلة، يُضعف الصلة بالواقع الملموس، ويجعل الأفراد أسرى صورٍ وانتقائياتٍ تُدار غالبًا من قبل نخب سياسية واقتصادية عالمية. وبهذا المعنى، لا يصبح الخوف السياسي مجرد خطاب، بل تجربة يومية يعيشها الفرد، تدفعه تدريجيًا إلى مواقف التبعية، وتُفرغ الفعل السياسي من معناه النقدي او المعارض .

ومن أبرز أشكال الخوف السياسي الخوف من سقوط النظام . فسقوط أنظمة حليفة أو مجاورة يُقدَّم بوصفه نذير فوضى شاملة، أو انتقال للصراعات، ما يزرع القلق في النفوس ويُستخدم لتبرير التشدد والقمع . كما أنّ التباين الحاد بين القوى السياسية، وغياب رؤية موحّدة لمواجهة التحديات، يعمّقان حالة عدم اليقين، ويجعلان الخوف بديلًا عن النقاش العقلاني .

يضاف إلى ذلك الخوف من هيمنة دين أو مذهب على آخر ، وهو خوف يتصل مباشرة بالحفاظ على الهوية الثقافية والدينية والسياسية. ويتجلّى هذا القلق في صور متعددة: الخشية من الاندماج القسري، أو فقدان التقاليد، أو محو الخصوصية الثقافية والدينية لجماعة بعينها. وغالبًا ما يُستثمر هذا النوع من الخوف سياسيًا لإشعال الانقسامات وتعميق الاستقطاب .
وهنا تظهر مقايضة الحرية بالأمن . فالعنف المجتمعي، بما يحمله من تهديد حقيقي أو متخيَّل، يدفع بعض الناس إلى القبول بسياسات أمنية صارمة، باعتبارها الملاذ الوحيد للحماية. المشكلة هنا لا تكمن في الإحساس بالخوف ذاته، بل في الإفراط في استخدامه، وتحويله إلى ذريعة دائمة لتقييد الحريات وتقويض الضمانات القانونية.

كما برز في السنوات الأخيرة الخوف من الوباء ( كورونا) مثالًا صارخًا على قابلية المجتمعات للتلاعب. فالتهويل الإعلامي لانتشار الأوبئة، حين ينفصل عن التوازن العلمي، يحوّل القلق الصحي إلى فوبيا جماعية، تُفضي إلى الانهيار النفسي والاجتماعي. وفي عالم يصعب فيه على الأفراد تجاهل سيل المعلومات، يصبح التمييز بين التحذير المشروع والتخويف المتعمّد مهمة شاقة.

غالبًا ما تُثار المخاوف قبيل الانتخابات، إذ لا شيء يضمن حشد الأصوات مثل استدعاء الخوف من فوز جهة محددة .
لقد أدرك السياسيون منذ زمن بعيد أنّ الخوف من التهديدات الوجودية او المفتعلة ، أداة فعّالة لكسب ثقة الناخبين، حتى وإن لم تُترجم هذه الوعود إلى سياسات حقيقية تلبّي حاجات الأمن الفعلي.
وفي هذا الإطار يتوزّع الخوف أيديولوجيًا أيضًا : فاليمين مثلا يثير المخاوف من الهجرة واللاجئين ، فيما يثير اليسار القلق من الكائنات المعدلة وراثيًا، أو من انقراض الجنس البشري. وهكذا، يصبح الخوف لغة مشتركة في الخطاب السياسي .

وفي ظل الفشل المزمن في حلّ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، يبدو التركيز على الأمن الداخلي الخيار الأسهل. إذ يُضخَّم الخوف من الجريمة ـ كالسرقة أو الاعتداء في الشارع ـ عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حتى يغدو هاجسًا يوميًا، يُبرّر تشديد الرقابة وتوسيع سلطات الدولة.

ولا يقلّ تأثير الخوف من الحرب خطورة . ففي أوروبا، على سبيل المثال، يجرى توظيف الخوف من توسّع الحرب بعد أوكرانيا لإعادة تشكيل المزاج العام .

لقد أظهرت دراسات علم النفس الاجتماعي والسياسي أنّ الخوف يعزّز النزعات السلطوية، ويبرّر قمع الحريات باسم الأمن. فهو يشلّ الإرادة، ويقوّض الروابط الاجتماعية، ويدفع الأفراد إلى الانكفاء واللامبالاة، مفسحًا المجال أمام أنماط خضوع طوعي. وبهذا المعنى، يصبح الخوف أحد أكثر أشكال العنف انتشارًا وخبثًا، لأنه لا يُمارَس بالقوة المباشرة، بل يتسرّب إلى الوعي، ويُسهم في تنفيذ أجندات مرسومة سلفًا دون مقاومة تُذكر.

إنّ مواجهة الخوف السياسي لا تبدأ بنفي المخاطر، بل باستعادة العقل النقدي، وتعزيز الشفافية، وبناء ثقة قائمة على المشاركة لا على التهديد. فالمجتمعات التي تتحرر من أسر الخوف، وحدها القادرة على تحويل السياسة من إدارة للقلق، إلى أفق للفعل والتغيير نحو مستقبل افضل .



#ادهم_ابراهيم (هاشتاغ)       Adham_Ibraheem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرار القضاء العراقي بين سندان القانون ومطرقة الفساد
- هل يشهد العراق انقلابًا سياسيًا
- اهمية التغلب على الصراعات التاريخية
- الملف غير التقليدي لمبعوث ترامب الجديد إلى العراق
- السلام بالقوة وهم خطير
- غزة
- قراءة في خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة
- تداعيات العقوبات الدولية تجاه إيران وأثرها على العراق
- الطبقة الوسطى بيضة القبان في العراق
- شرق أوسط جديد صراع القوى وفراغ الرؤية العربية
- إسرائيل على منحدر العزلة
- الفقر يدفع الشباب العراقي إلى أتون الحرب الروسية الأوكرانية
- الذكاء الاصطناعي قوة حضارية أم اداة للهيمنة الرقمية
- قانون الحشد الشعبي. . حجر الزاوية لمستقبل النظام في العراق
- قراة في التغول الإسرائيلي
- الطائفية السياسية ودكتاتورية الأغلبية
- الشرق الأوسط من يرسم خرائطه
- شرعية مجلس النواب العراقي في ظل هيمنة الأحزاب المسلحة
- سيناريو المواجهة ومستقبل النظام الإيراني
- اشكالية استقلال القضاء في العراق. .


المزيد.....




- مشروع -شروق الشمس- في غزة.. كيف تخطط الولايات المتحدة لإعادة ...
- ترامب يعلن شن هجمات على -داعش- في سوريا ردا على هجوم تدمر
- ضربات أمريكية تستهدف معاقل تنظيم -الدولة الإٍسلامية- وترامب ...
- بعد هجوم بوندي.. ولاية أسترالية تسعى لحظر أعلام حماس وحزب ال ...
- صحف عالمية: واشنطن تتوجس من نتنياهو وعجز أوروبي بالشرق الأوس ...
- رئيس تايوان يتعهد بتحقيق شامل في هجوم -المترو- الدامي
- قوة إسرائيلية تنصب حاجزا عسكريا بريف القنيطرة جنوبي سوريا
- القوات الروسية تسيطر على بلدتين في سومي ودونيتسك
- بـ112 مليار دولار .. خطة أميركية جديدة لإعادة إعمار غزة
- ترامب متحدثا عن صحته البدنية: سأخبر الأمة إذا تدهورت


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ادهم ابراهيم - الخوف السياسي..كيف يدار العالم بالقلق