أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شيرين يوسف - أسطورة الوادي الناعس















المزيد.....



أسطورة الوادي الناعس


شيرين يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 09:01
المحور: الادب والفن
    


مقدمة سريعة حول الكاتب :
برع "واشنطن ايرفنج" في كتابة القصّة القصير و الشعر و أدب الرحلات و السير لذلك سمي بأبي القصة القصيرة الأمريكية ، ولد في نيويورك عام 1783و تعد قصته "أسطورة الوادي الناعس "من أشهر ما كتب و هي ضمن كتاب "أفضل عشرون قصة قصيرة أميركية "جمعها (أيرن .ر.ايزس) ، و قيل أن القصة مأخوذة عن أسطورة ألمانية و الوادي الناعس هنا في هدسون بالقرب من تريتاون بنيويورك، و بعد وفاة ايرفنج عام 1859 دفن بالمقابر القريبة من الكنيسة الهولندية القديمة في الوادي الناعس.

وجدت ضمن أوراق مهاجر هولندي من المهاجرين الأوائل إلى نيويورك .
كانت أرض مترعة بالمصابين بأحلام اليقظة قبل أن تغمض العيون ،و في القلعة الرائعة التي تشق السحاب في سماء الصيف.
قلعة الكسل .
في صدر أحد الخلجان الرحبة التي تنتشر على امتداد الضفة الشرقية لهدسون ،حيث تتسع ضفة النهر خالقة مساحة متسعة أطلق عليها البحارة الهولنديين القدماء (تابان زي ) والذين كانوا دوماً يقللوا من سرعة قواربهم الشراعية عندها ملتمسين حماية (القديس نيكولاس) ، وجدت مدينة تجارية صغيرة أو ميناء ريفي صغير يدعى (جرينسبيرج) تعارف على تسميته (تاري تاون) أو مدينة التلكؤ كما أطلقت عليه ربات البيوت في المدن المجاورة حيث اعتاد أزواجهن التلكؤ فيها لبعض الوقت و العروج إلى الحانة في أيام المتاجرة ، على بعد ميلين من تلك المدينة يوجد جوف صغير بين التلال المرتفعة يمكن اعتباره من أكثر الأماكن هدوءا ً في العالم ، يمخر عبره جدول صغير ، يقطع هذا الهدوء المزمن أحيانا صفير طائر السلوى أو نقيق نقار الخشب .
عرف هذا الوادي الصغير باسم (الوادي الناعس) حيث يقول البعض أن هذا المكان قد سُحِّر خلال الأيام الأولى لاستيطان النمساويين فيه و البعض الآخر يرجح أن ساحر هندي عتيد كان يتسيد عشيرته حمل كهنته إلى هناك قبل اكتشاف البلدة على يد (هنريك هدسون )، نتيجة لذلك ظل المكان واقعا ًتحت تأثير بعض القوى السحرية التي تسيطر على إدراك ووعي الأصحاء من سكان البلدة ، تجعلهم يعيشوا في أحلام يقظة مزمنة ، و اعتقادات غريبة و رؤى متعددة لمشاهد عجيبة ، مع سماع موسيقى و أصوات تتردد في الهواء، قص كل من في المدن المجاورة عنهم العديد من القصص و الحكايات المحلية التي تتحدث عن البقاع المسكونة بالأرواح و خزعبلات الغسق .
و لعل أشهر تلك الحكايات التي ترددت هي قصة شبح لفارس بلا رأس يمتطي صهوة جواد قيل أنه شبح لمرتزقة ألماني طارت رأسه بفعل قذيفة مدفع في إحدى المعارك المنسية خلال حرب الثوار ، اعتاد أهل البلدة رؤيته يجري في كآبة هذا الليل بسرعة فائقة و كأنما أسلم جناحيه للريح ، و يعزى المؤرخون ذلك إلى أن جثة هذا الفارس قد تم حرقها في فناء الكنيسة الذي يغادره كل ليلة بحثا ً عن رأسه المفقود في مكان وقوع الحادث ، و يعدو سريعا ً ليعود إلى فناء الكنيسة قبل بزوغ الفجر ، أطلق عليه سكان المنطقة (فارس الوادي الناعس الفاقد الرأس ) .
و اللافت للنظر أن تلك النزعة التنبئية و الأوهام لا تصيب فقط أبناء البلدة الأصليين و لكنها تلحق بكل من يستقر هناك لبعض الوقت ،و الذين يؤكدوا أنهم يقعوا تحت تأثير تلك القوى السحرية بمجرد دخولهم إلى تلك المنطقة و استنشاقهم الهواء المسحور تبدأ مخيلتهم في النمو و يغرقوا في أحلام اليقظة .
بين أحضان تلك الطبيعة الرحبة ، منذ نحو الثلاثين عاما ً اشتهر بيت (إيتشابود كرين)القادم من ولاية (كونكتيكت) التي كانت تحرص على إمداد الاتحاد بمديري المدارس لتعليم الأبناء و الحطابين الجيدين لأعمال الغابة ، قدم(إيتشابود) إلى (الوادي الناعس) لتعليم الأبناء ، كان (إيتشابود) ذو هيئه تشبه الديك المعدني القابع فوق رقبة مغزلية تدل على اتجاه الريح في الحقول حيث كان طويل القامة نحيف جدا ً بأكتاف ضيقة و أذرعه تمتد إلى خارج أكمامه و أقدامه الطويلة التي تشبه المجارف و رأسه الصغير المنبسط من أعلى و آذنيه الطويلتين و عيونه الزجاجية الخضراء و أنفه الطويل ، تراه يمشي في يوم عاصف بملابسه المتسعة التي يعوم جسده بداخلها تحسبه فزاعة هاربة من حقل ذرة .
كان مبني المدرسة مكون من غرفة كبيرة ، مبني بإهمال و نوافذه غير مكتملة الزجاج ،مرقع ببقايا الدفاتر القديمة ، كان المكان سهلا ً جدا ً لأي لص قد يفكر في سرقته عند دخلوه بينما قد تعترضه بعض العراقيل عند الخروج ، كان مبنى المدرسة يقف وحيدا ً أسفل تل من الأشجار تؤنسه ساقية تركض قريبة منه تنمو على إحدى جوانبها شجرة بتولا هائلة ، يهدر صوت التلاميذ في ترداد دروسهم كصوت صادر عن خلية نحل في يوم صيفي خامل، يقطعه أحيانا ً صوت المعلم منبها ً أو موجها ًو كأنما يقود بعض من قنافذ البحر الهولندية العنيدة لطريق معروف ، أو الصوت المزعج لشجرة البتولا، كان (إيتشابود) رجلا ًواعياً يرى في تعليمه للأبناء الوادي الناعس قيام بالواجب ، يمارس دوره بمنتهى الحكمة فكان يساعد الضعفاء منهم و يزيل عن كاهلهم الأعباء الثقيلة التي يسندها للأقوياء من بينهم ،كان دوما ً يجنب الصبية الخوف من العصا ،فهو يؤمن بالمثل القائل (تبقى العصا و يفسد الطفل) و يسعى لتحقيق الثواب و العقاب بإفراط العقاب على التلميذ العنيد ،الذي يثير غيظه و يجعله كقنفذ البحر الهولندي الذي ينتفخ و ينمو تحت شجرة البتولا ، و لا يعاقب طالب إلا بعد إيعاز من أهله ، و يعزي ما قد يلحق بهم من ألم إلى أنهم سوف يشكرونه في يوم من الأيام على الفرصة التي أتاحها لهم للحياة بشكل أفضل و لو ليوم واحد .
حين تنتهي ساعات الدراسة ، يشارك ( إيتشابود ) الصبية الكبار في لهوهم و في عصر يوم العطلة يرافق الصغار منهم إلى بيوتهم بحجة إيصالهم ،بينما يهدف بذلك إلى الإبقاء على علاقات جيدة مع أولياء الأمور و خصوصا من لهم أخوات جميلات و أمهات رائعات في الأعمال المنزلية لإشباع شهيته النهمة للطعام ، حيث أن ما يحصل عليه من أجر في المدرسة ضئيل للغاية يكفيه بالكاد لشراء الخبز اليومي ،فعلى الرغم من ضآلة حجمه إلا أنه كان يتمتع بشهية مفتوحة للطعام كشهية أفعى الأناكوندا ، كان يعيش على التنقل بين بيوت تلاميذه يمكث في كل منها لبعض الوقت حاملا ً معه منديل قطني كون صرة تضم كل ممتلكاته في تلك الحياة .
بعيدا ً عن الوقار المفرط الذي كان يبدو به في المدرسة ، كان ( إيتشابود) يتعاون مع الفلاحين في إعداد العلف و إصلاح الزرائب و رعي البقر إلى المرعي ،مما جعله يلمس الرضا في عيون الجميع و خصوصا الأمهات لمساعدته لأطفالهن ، فكان يجلس مع الأطفال و يداعبهم و يهز مهد الرضع منهم بقدمه في سعادة لساعات .
بالإضافة إلى ذلك كان ( إيتشابود) المطرب المفضل لأهل البلدة ، يجني بعض العملات المعدنية اللامعة حين يقود كورال الصغار في القداس ،كان (إيتشابود) يزاول كل تلك المهن دون التفكير في عمل واحد مرهق يكفل له حياة سهلة و أكثر راحة .
كان ( إيتشابود) يحظى ببعض الأهمية في دائرة نساء البلدة ، بشخصيته المحترمة الأنيقة و ما يمتلكه من عظمة و كبرياء الأغنياء ، كان في أيام الآحاد يجمع العنب لفتيات البلدة من العروش الموحشة الملتفة حول الأشجار في ساحة الكنيسة ، و كان يقصص عليهم ما تحويه المرثيات المكتوبة على شواهد القبور ،و يتجول مع مجموعة منهن على ضفاف بركة الساقية المجاورة للكنيسة، بينما تدبر عنه الخجولات منهن بسذاجتهن الريفية،يحسده الجميع على أناقته و شهرته ،كان بمثابة جريدة يومية متنقلة تنقل الأخبار من بيت إلى بيت، كان محترما ً من قبل الرجال و النساء لسعة معرفته و قراءاته المتنوعة ،كان خليطا ً فريدا ً من الدهاء و السذاجة، فكان ملما ً بتاريخ ساحرات نيو إنجلد ،مغرما ً بالحكايات الغير اعتيادية ، فكانت قمة متعته حين ينتهي اليوم الدراسي يتمدد على الحشائش الخضراء المتاخمة للساقية ليقرأ في (تاريخ ساحرات نيو إنجلد) دون خوف أو ريبة حتى هبوط الغسق ،ليبدأ في رحلة عودته إلى بيته الريفي المربع البناء ، ترافقه أصوات الطبيعة و نقيق الضفادع تحت الشجرة ، و صياح البوم الكئيب ، الذي يرفرف فيهيج أخيلته، فلا يمتلك في هذا الجو الكئيب سوى ترنيم الإنجيل ،و أهالي الوادي الناعس الذين اعتادوا الجلوس أمام منازلهم في المساء ، يقطع صمتهم صفير ( إيتشابود) و هو يرتل المزامير على طول الطريق المظلم.
كان كذلك يؤنس وحشته في ليالي الشتاء الطويلة بالجلوس مع العجائز الهولنديات المؤتنسات بنار الموقد التي يحمصن فيها التفاح المشوي المرشوق في أسياخ،ليستمع لحكاياتهن العجيبة عن الأشباح و العفاريت ،و الجسور و المنازل المسكونة بها،و خصوصا ً قصة الفارس الذي فقد رأسه،بينما يمتعهن هو بحكاياته عن السحر و الطالع و المشاهد و الأصوات العجيبة التي تملأ الهواء و التي كان يسمعها في بلدته (كونيكتيكت)، و يرهبهن بتوقع النيازك و الشهب و المذنبات ، و مما يعرضهن للتوتر و القلق .
بينما كان يعتبر هذه متعة ، كان ينكمش على نفسه و الوهج المتورد القادم من المدفأة و طقطقة الخشب المحترق ينعكس فوق وجهه ، ثم يواصل المشي السريع في الطريق إلى بيته ، و الذي يخيم عليه الظلام و الظلال الخائفة ، وسط الوهج الضعيف لليل المثلج ، يرقب الوهج الضعيف القادم من النوافذ البعيدة ، خائفا ً حتى من النظر خلف أكتافه كي لا يباغته الفارس الفاقد الرأس ،و يتملكه أحيانا ً الخوف الرهيب حين يسمع صوت انفجار مفاجئ يصدح من بين الأشجار يرجح بأنه صوت عدو الفارس الفاقد الرأس.

كان كل ذلك مجرد خيالات تتراءى له في الظلام ،كرؤية شياطين تحيط به، ضوء الشمس كان كفيلاً بإنهائها جميعا ً،كانت حياته ستكون اكثر سهولة و متعة إن لم تتخللها تلك الحكايات و الأعمال الشيطانية ، و ما يعترض طريقة من مخاوف في عودته إلى بيته ، و ما أربك به حياته من تلك الشئون .

كانت (كاترينا فان تاسيل ) الابنة الوحيدة للمزارع الهولندي الثري ، من بين تابعيه الموسيقيين الذي يجمعهم في مساء ليلة من كل أسبوع ، فتاة يافعة في الثامنة عشرة من عمرها ممتلئة كطائر الحجل ، ناضجة ذات وجنات وردية كالخوخ الذي يزرعه والدها ، ذات شهرة واسعة ليس فقط بسبب جمالها و لكن أيضا ً لقدراتها على التنبؤ بشكل واسع ، مع قدر من الغنج يتضح من طريقتها في اختيار ملابسها ، فهي ترتدي ملابس تجمع ما بين التصميمات القديمة و الحديثة بحيث تبرز مفاتنها ، كما ترتدي حلى من الذهب الخالص ورثتها عن جدة جدتها لوالدها و الذي كانت قد حصلت عليه من (سد سار) ، ملابسها كانت تظهر بطنها بشكل مغرى كما في الزمن السابق ، تنورتها كذلك كانت قصيرة بشكل مثير ، تظهر قدمها و كاحلها الأجمل فى البلدة .

كان (إيتشابود) يتمتع بقلب حنون و أرعن تجاه الجنس الآخر ، كانت عيناه تفضحان شوقه و حبه في كل مرة يزور (كاترينا) في قلعة والدها الريفية الواقعة على ضفاف هدسون ،و التي تعتبر صورة للنهضة و التحرر من القالب الريفي المعتاد ،كان (فان تاسيل)قانعا ً بثروته لا ينظر إلى ما هو خارج حدود أملاكه الثرية و الغنية بالأناقة ، في إحدى مرابعها الخضراء توجد زوايا قصية تغطيها فروع شجرة دردار عملاقة يرعى فيها المزارعون الهولنديون الفراخ الصغيرة،و في نهايتها كان الماء يسعى رقراقاً،و مخازن الحبوب المحيطة بالقلعة تتفجر نوافذها و شقوقها بكنوز و خيرات الحقل،و الحمام يمرح بين الأبراج التي يداعبها شروق الشمس بأعلى القلعة،قطعان الخنازير بنعيقها ترقد بكسل في مضاجعها،مجاميع منظمة من الإوز الأبيض تلهو في البركة المحاذية تواكبها مجاميع من البط و تنظيمات من الديوك الرومية تصدح عبر ساحة الحقل .

كان (إيتشابود) يغط في أحلام اليقظة التي تتراءى له بخنزير مشوي في فمه تفاحة مشوية بين فكيه و الحمامات ممددة في شطيرة ترفل في فراش من الخبز ،و الإوز يسبح في المرق ، و أزواج من البط تستريح في الصحون،يحيطها صوص البصل و غيرها و غيرها من أحلام اليقظة التي جعلت ذلك المرح يجيل عيونه الخضراء بين المروج النضرة المتخمة و حقول القمح الغنية و الغجر و الحنطة السوداء ،الذرة الهندي،البستان المورد بالفاكهة و هو يحتضن قصر (فان تاسيل) الدافئ، هفا قلبه للفتاة التي سترث كل هذا النعيم ، تمدد خياله أكثر و فكر كيف سيتحول كل ذلك إلى نقود سائلة ،يستثمرها في مجالات هائلة في الحياة المدنية ،تخيل (كاترينا) و الأطفال الصغار يستقلون عربة مملوءة بأغراض البيت ، و هو يتقدمهم بمهر كأنه زعيم الركب .
حين دخل إلى بيت (كاترينا) كان قلبه منصاع تماما ً لهواه ، كان واحدا ً من البيوت الريفية ذات الأسقف المرتفعة المدرجة ، شيد على طراز بيوت المستعمرين الهولنديين الأوائل ،الإفريز البارز يتشكل كشرفة في المقدمة دخل عبرها (إيتشابود)المبهور إلى الساحة التي تتوسط القصر،بهرت عيونه الأعمدة اللامعة و الأطباق القصديرية المرصوصة في الخزانة،و حقيبة كبيرة من الصوف صوفية ذات أذنين من الذرة الهندي و حبال من التفاح و الخوخ المجفف تعانقها حبال من الزهور على طول الحائط ،و الباب النصف موارب أتاح له رؤية غرفة الاستقبال حيث المقاعد ذات الأرجل المشكلة على هيئة مخالب و منضدة من الماهوجني الغامق تلمع كالمرايا و تزين رف المستوقد عدد من الحلازين و المحارات و حبات برتقال صناعية و حبال من بيض الطيور الملون مدلاة فوقه،بينما تركت خزانة في الركن مفتوحة تعرض كنوز هائلة من الفضة الأثرية و أوعية صينية مرممة .
فقد (إيتشابود) السيطرة على عقله منذ أن جالت عيونه في هذا الفردوس و أصبح شغله الشاغل هو كيفية استحواذ قلب الابنة الوحيدة ل(فان تاسيل) كيفما كانت تلك المغامرة ،فعليه التغلب على عشاقها الريفيين الذين يتربص الواحد منهم للآخر طوال الوقت ،ناهيك عن أكثرهم رعبا ً
(إبراهيم) و الذي يطلق عليه كمختصر هولندي (بروم فان برانت) القوي البنية ،الهائل ، المرعب ،الطائش بطل البلدة بأكملها ، المشهور بأعماله البطولية ذات القوة و البسالة ، بأكتافه العريضة و شعرة القصير المجعد الأسود ،و هيئته التي تجمع بين المرح و الغطرسة و هدوء الملامح ،و نتيجة لقوته أطلق عليه (بروم ذو العضلات) حيث اشتهر بمهارته في الفروسية فهو الأول في كل السباقات و كذلك صراع الديكة، أهلته قواه الجسدية لحل جميع النزاعات فهو دوما ً مستعد لأي معركة أو مزاح،تغلب ميله للإيذاء و السخرية على الرفق في شخصيته،له ثلاثة أو أربعة من الرفاق يعتبرونه قدوتهم و حامى بلدتهم يتذكرون كل مشاهد المعارك التي خاضها فأحيانا ً و التي تهز سكون الليل على طول المنازل الريفية مع الصيحات و الهتافات و صياح المسنات "هاهو بروم ذو العضلات و رفاقه"، و أحيانا ً كان يمارس بعضا ً من تودده الخشن على (كاترينا)و مداعباته الشبيهة بمداعبات الدببة و التي يصر أنها تروق إليها بعض الشيء،مما جعل المنافسين له في حبها يتراجعوا بمجرد رؤية حصانه و قد ربط بسياج بيت (فان تاسيل) في ليالي الأحد .
كان هذا هو المنافس الذي يحسب له (إيتشابود) حساب ،آخذا ً في الاعتبار ما يتمتع به (بروم) من قوة تجعله يتفوق عليه في أي مقارنة بينهما،كان (إيتشابود)يتمتع بالمثابرة و السعادة بطبعه فكان بمثابة عمود ساري السفينة الدوار ينحني و لا ينكسر،كان من الجنون أن يترك(إيتشابود)الباب مفتوحا ً أمام منافسه لذلك كان يأتي في زيارات متكررة إلى بيت (فان تاسل)الريفي بحجة كونه السيد المغني ،فأخذ يتودد إلى الفتاة و يجلس معها تحت شجر الدردار خلال الربيع مستغلا ً عدم تدخل أبيها بطبيعة شخصيته المتساهلة المحبة لابنته حد عشقه لغليونه ،و كأب عاقل وممتاز ترك لابنته الحرية التامة في كل شيء،و كذلك منح زوجته المميزة الشابة مطلق الحرية في تدبير شئون البيت و الدواجن ،بينما هي منشغلة بأمور البيت أو قابعة في أحد الأركان تغزل كان زوجها يدخن غليونه في الجهة الأخرى و هو يتابع إنجازات الحارس المتقاعس المسلح بالسيوف في كلتا يديه يحارب الرياح بجرأة فوق برج يعلو مخزن الحبوب و (إيتشابود) مع (كاترينا) تحت شجر الدردار أو يترجلان تحت الغسق .
أعترف بأنني لا أجيد فن اقتناص قلوب النساء فهم دوما ًبمثابة لغز يثير إعجابي... تمكن(إيتشابود) من رفع شعبيته في بيت(فان تاسل)بينما ندر تواجد حصان (بروم) مربوطا ً في السياج بليالي الأحد ، مما جعل الصراع يدب بينه و بين (إيتشابود) الذي سمع تهديد (بروم) و توعده له بإلقائه من فوق سطح مدرسته إلا أن (إيتشابود) كان دائم الحرص على عدم منحه هذه الفرصة ، فلم يجد (بروم) حلا ً سوى اللجوء إلى إطلاق النكات الفظة على منافسه كما قام بسد مدخنة مبني المدرسة و كذلك لجأ إلى اقتحامها و إرباك كل ما بها ، و الأسوأ من ذلك هو تعمد(بروم) إحراج (إيتشابود) أمام محبوبته حيث كان يقدم كلبه الوغد كمنافس ل(إيتشابود) في ترتيل المزامير أمام (كاترينا) ، استمر الوضع على ما هو عليه و بينما كان(إيتشابود)جالساً فوق مقعده المرتفع و هو يتابع سير اليوم الدراسي في عصر يوم خريفي ، قطع هذا السكون الظهور المفاجئ لزنجي يمتطي مهرا ً أشعث اقترب من بوابة المدرسة و قدم ل(إيتشابود)دعوة لحضور حفل كرنفالي في قصر (فان تاسيل)في المساء .
ازداد النشاط و الصخب بين جنبات المدرسة و عجل من أبطأ في تقديم دروسه و اشتعل الجميع بالحماس و السرعة إلى أن انهوا اليوم الدراسي قبل موعده بنحو ساعة .
مكث (إيتشابود) لأكثر من نصف ساعة ينظف بزته الوحيدة و يجددها و يزيح الصدأ عن الأزرار ليبدو كفارس حقيقي ، قام باستعارة جواد من المزارع الهولندي(هانس فان ريبير)الذي يقيم معه ، كان حصان محراث لا يعمل متقدم في العمر وحشي المزاج نحيف و أشعث ،رقبته كرقبة النعاج و رأسه كمطرقة ،شعر رأسه و ذيله معقد مليء بالقشور ، فقدت إحدى عينيه بؤبؤها فأصبحت تختلف عن عيون غيره المشعة بوميض شيطاني،ربما كان يتميز بقوة شخصية في صغره و هذا ما يدل عليه اسمه(بارود) ، ربما هو تأثر بروح قائده العصبي (ريبير) فكان الشيطان يترصد فيه أكثر من أي مهر صغير في البلدة،كان (إيتشابود)هو الفارس المناسب لهذا الفرس الذي قاده معتمدا على الركاب القصير الذي قرب ركبته إلى سرج السيف بينما كانت مرافقه الحادة تقاوم كالجنادب ،حمل سوطه في يده كصولجان بينما انصاع الحصان تماما ً لحركة ذراعيه ،هرول الحصان سريعا ً مما جعل قبعة (إيتشابود) الصوفية تنزل إلى أنفه ،و تهدل ذيل معطفه الأسود الطويل فوق ذيل الحصان ،خرج متثاقلا ًمن بوابة(هانز فان ريبير)في مشهد نادرا ً ما تجتمع تفاصيله في وضح النهار.
كما قلت ، كان (إيتشابود)مغرما ً بالجو الخريفي؛فالسماء كانت واضحة و هادئة اكتست الطبيعة من حوله بالغني و الذهب الذي يذكرنا دوما ً بالوفرة ، و وضعت الغابات رداءها الأصفر و البني بينما بعض الأشجار اللينة كانت قد قرضت بالصقيع إلى درجات البرتقالي و الأرجوان و القرمزي ، بينما حلقات من البط البري بدأت تلوح بين نباح السناجب المنتشر في بساتين الزان و بندق الجوز و صافرة طائر السلوى المرتفعة تجلجل في حقل القش المجاور، كانت الطيور الصغيرة تتناول أخر وجباتها و هي تصفق من أجمة إلى أجمة بعربدة و كذلك طائر أبو الحناء و هو اللعبة المفضلة لدي الصبية بصوته الشاكي و زقزقة طيور السمور و هي تطير بين الغيوم،و نقار الخشب بأجنحته الذهبية و قمة رأسه القرمزية و بطوق رقبته الأسود الريش و طائر الأرز بأجنحته الرقيقة الحمراء و ذيله الأصفر و قبعة الريش المميزة فوق رأسه ،وطائر أبو زريق المغرور الصاخب بمعطفه الأزرق الفاتح و الأبيض داخله بضوضائه و صراخه و انحنائه ليحظى بعلاقات جيده مع كل غريدي البستان ،هرول (إيتشابود) ببطء بين الحقول و عيونه تتجول بين خيرات الخريف المرح على كل الجوانب ، لمح مخزن كبير للتفاح و حقول هائلة من الذرة الذهبية بآذانه الذهبية التي تطل من مكامنها المحاطة بالأشجار و التي تعد بالكعك و الحلوى الآتية و تحتهم القرع الأصفر يخرج بطونه المستديرة إلى الشمس لمزيد من الفطائر الأكثر روعة و هو يعبر بالقرب من حقول الحنطة السوداء المعطرة تنفس رائحة خلية النحل و بينما هو هكذا سيطر على عقله مذاق صفعة صغيرة لطيفة مكللة بالزبد و مزينة بالعسل و الدبس بيد (كاترينا فان تاسيل) النضرة.
أخذ يغذي عقله بالعديد من الأفكار الحلوة و "الافتراضات المحلاة" ،سافر على مدى التلال المشرفة على المشاهد البديعة لهدسون ،تحرك قرص الشمس هابطا ً نحو المغيب ، بدا سطح (تابان زي) ساكنا ً كسطح زجاجي باستثناء بعض تموجات لطيفة هنا أو هناك ،تنعكس عليها ظلال زرقاء للجبال البعيدة،بعض الغيوم العنبرية تعوم في السماء بدون أية هبة هواء تحركها ، و الأفق اكتسى بخيوط ذهبية تتدرج نحو لون التفاح الأخضر و الأزرق المتعمق في السماء
و شعاع مائل يتباطأ فوق قمم الأشجار المتداخلة على المنحدرات المطلة على النهر، مما يمنح المزيد من العمق لأرجوان جوانبها الصخرية ، و سفينة شراعية تتريث بفعل المد بينما الشراع و السارية يتعاكسان و نتيجة لانعكاس الصورة على الماء يخيل إليك و كأنما السفينة معلقة في الهواء .
وصل (إيتشابود) إلى قلعة (فان تاسيل) قبل حلول المساء ،كانت القلعة تعج بالزينة و الزهور المستوردة من البلاد المجاورة،كان المزارعون من كبار السن في معاطفهم و سراويلهم المحلية و جواربهم الزرقاء يرتدون الأحذية الضخمة ذات الإبزيم الكبير بينما ارتدت نسائهن النحيفات الشاحبات القبعات ذات النهايات المعقوصة و الأثواب القصيرة بتنانيرهن المحلية ذات الجيوب الخارجية المرقطة بالألوان المختلفة بينما الفتيات البدينات قد ارتدين ثياباً كثياب أمهاتهن باستثناء قبعات القش ذات الشريط الرفيع و ربما بياض الفساتين هو الذي أظهرهن أكثر حجما ً من الحقيقة ، بينما ارتدى الصبية معاطف ذات نهايات مربعة بصفوف من الأزرار النحاسية الرائعة و قد صففت شعورهم بزيت سمك الجرين المغذي و المقوي للشعر كموضة تلك الأيام ، على كل حال كان (بروم ذو العضلات) هو بطل المشهد حيث جاء على صهوة جواده المفضل بغروره و روحه المفعمة بقوة الشخصية و الشر الذي لا يمكن أن يبدر إلا منه ،كان (إيتشابود) يتمتع بالرحمة و الرضا ينتشي بالطعام كإنتشاء الرجال بالخمر ،لم يستطع أن يغمض عيونه الواسعة عن السحر المنبعث لطاولة الشاي الهولندي في هذا الوقت الخريفي و الأطباق الكبيرة الممتلئة بالكعك الصغير المحلي على كل الأشكال و الذي تتقنه ربات البيوت الهولنديات ، بالإضافة إلى فطائر الخوخ و القرع و التفاح و شرائح لحم الخنزير و البقر المدخن ، علاوة على ذلك كان هناك صحون من الخوخ المحفوظ و الطازج و الأجاص و السفرجل و أسماك الشابل و الدجاج المشوي معها صحون من الحليب و القشدة و إبريق الشاي يرسل غيوما ً من البخار .
ضحك (إيتشابود) في نفسه لمجرد تخيل أنه قد يكون في يوم ما مالك كل هذا المشهد من الترف و العظمة الخيالية ،حينها سيدير ظهره إلى المدرسة القديمة و يضع أصابعه في وجه (هانز فان ريبير)و كل راع ٍ بخيل، بينما كان (فان تاسيل) يتجول بين الحضور باسما ًمحييا ً يربت على أكتاف من لم يلحظ تحيته ضاحكا ً، بدأ صوت الموسيقى يأتي من قاعة القلعة لدعوة الجميع للرقص ،كان قائد الأوركسترا زنجيا ً مسن قاد الأوركسترا المتجولة في أنحاء المدينة طوال نصف قرن ،كانت آلاته قديمة بقدمه محطمة كنفسه ،رافقت حركة رأسه كل حركة لقوسه كان يميل نحو الأرض و يدب بقدمه كلما بدأ ثنائي جديد في الرقص ،كان (إيتشابود) يفتخر بقدراته في الرقص ربما أكثر من قدراته الغنائية فلم يدع وترا ً أو طرفا ً من أطرافه ساكنا ً فكان كل جسمه ينطلق بالرقص بحركة كاملة دارت في أنحاء الغرفة،كانت سيدة قلبه هي شريكته في الرقص تبتسم بلطف لكل نظراته الوالهة ، بينما (بروم) يجلس وحيدا ً يعتصره حبه و غيرته ، و حين أوشك الرقص على الانتهاء تجاذب (إيتشابود) أطراف الحديث مع الرجال الجالسين مع (فان تاسيل)الذي كان يدخن في جهة من القاعة ،يحكي عن الأزمنة الغابرة و يطيل في الحديث عن قصص الحرب ، حيث كانت المناطق المجاورة في تلك الآونة التي أتحدث عنها تعج بالتواريخ و الرجال العظماء ، كانت سبيل للبريطانيين و الأمريكان خلال الحرب ومشاهد الغزو و قوافل اللاجئين و رعاة البقر و كل أنواع النشاط المسلح على الحدود ، كان الوقت كافيا ً ليسرد كل من المتحدثين قصته ببعض التأنق و التأليف بحيث يتصور نفسه بطلا ً للقصة،كانت هناك قصة (دوفو مارلنج) الهولندي ذو اللحية الزرقاء الذي تمكن من أخذ فرقاطة بريطانية ذات تسع مدافع حديدية من المتاريس القاذفة.و كذلك قصة المسن صاحب الثراء المنسي الاسم صاحب البطولة في معركة السهول البيضاء و الذي تمكن من تفادي قذيفة بندقية بسيفه الصغير تشهد الحكاية بدوره الكبير في إنهاء الحرب،إلا أن كل تلك الحكايات لم تمثل شيئا ً بجوار حكايات الأشباح و ظهورها المفاجئ حيث تحفل تلك المنطقة بكنوز من الحكايات الأسطورية التي حدثت للهولنديين القدامى الذين يتململون في قبورهم و هاجر بعضهم للخارج و تزور أرواحهم المنطقة أحيانا ً في الليل ،كان للقرب من الوادي الناعس أكبر الأثر في انتشار هذا النوع من قصص الخوارق و العدوى المنتقلة منه عبر الهواء و كان أغلب من تعرضوا لحمى نعاس الوادي حاضرين في قلعة (فان تاسيل) ، بالإضافة إلى العديد من الحكايات الكئيبة التى تحدثت عن مواكب جنائزية و نداءات حداد و عويل مسموع تنبعث من الشجرة التي أُخذ إليها الميجور المسكين أندرية، تجدر الإشارة أيضا ً إلى امرأة ترتدي البياض التي سكنت الوادي الصغير المنعزل (رافن روك) و التي هلكت في الثلوج تسمع صرخاتها غالبا في ليالي الشتاء قبل قيام العاصفة ، إلا أن القصة الرئيسية المتداولة كانت عن (فارس الوادي الناعس الفاقد الرأس ) و الذي يتجول عبر أنحاء الوادي في الليل ثم يربط حصانه بين القبور المنتشرة في باحة الكنيسة الكائنة فوق الربوة المحاطة بشجر الخرنوب و الدردار الشاهقة التي أضحت مزارا ً للأرواح الغير مطمئنة بجدرانها البيضاء اللامعة المائلة قليلا ً باتجاه صفحة الماء الفضية تجاورها الأشجار السامقه التي تعانق تلال(هدسون)الزرقاء و قد نمى العشب في ساحاتها مما يعطي شعورا ً بأن الموتى ينامون بسلام ،يمتد وادي من الأشجار الكثيفة ناحية الكنيسة تقطعه ساقية تشق طريقها عبر الصخور و الأشجار الساقطة بينما أقيم جسر قديم فوق جزء عميق من الجدول و قد ظلل الطريق عبر الجسر بمجموعة من الأشجار ذات المنظر الكئيب في النهار و المخيف في الليل ، يعتبر هذا المكان من الأماكن المفضلة للفارس الفاقد رأسه و أكثر الأماكن ذكرا ً في الحكايات ، ففي حكاية (بروير)المسن و هو الأكثر جحودا ً و إنكارا ً لوجود الأشباح حيث رأى الفارس و هو في طريق عودته من رحلته الليلية و قد أمره بأن يتبعه عبر الأجمة و المستنقع حتى بلغوا الجسر فتحول الفارس إلى هيكل عظمي ألقى (بروير ) في الساقية ثم قفز بعيدا ً إلى أعلى الشجرة وسط صفق الرعد ، أيدت تلك القصة حكاية (بروم ذو العضلات) و الذي قابل الفارس ثلاثة مرات حيث كان عائدا ً من قرية (سينج سينج) المجاورة في إحدى الليالي فأمره الفارس بمسابقته و أن عليه أن يهزمه و إلا نال العقاب ، فانطلق جواد الشبح عبر الوادي و ما إن بلغ الجسر حتى اختفى بلمح البصر و تلاشي في بقعة نار ، كل تلك الحكايات تابعها (إيتشابود) الذي قرأ عليهم مقاطع من (تاريخ ساحرات نيو إنجلند) و أضاف العديد من الأحداث الرائعة التي حدثت في ولايته (كونيكتيكت) و المشاهد المرعبة التي رآها خلال سيره بالوادي الناعس ، انفض الجمع بشكل تدريجي و صعد المزارعون و عائلاتهم إلى عرباتهم مخلفين ضجة استمرت لبعض الوقت على طول التلال البعيدة بينما بعض الفتيات صعدن خلف عشاقهن و ضحكاتهم اللامباليه تختلط بصفق حوافر الخيل المتردد عبر الغابات الساكنة ، تلكأ(إيتشابود) في المؤخرة ليتبادل الحديث الهامس مع (كاترينا) و قد غمره يقين تام بأنه يسير على درب النجاح و رغم ذلك كان شيء ما يزرع الخوف بداخله من الفشل عوضا ً إلا أن هبة هواء مقفر و كئيب كانت كافية لترفعه إلى أعلى ، أوه يا لهن من نساء ! كان تشجيع (كاترينا) للمعلم المسكين ما هو إلا خدعة لتتأكد من حب منافسه لها ! كانت تلك الهبة المقفرة من الهواء كافية لجعل (إيتشابود)ينسحب إلى الإسطبل دون النظر يمينا ً أو يسارا ًمصطحبا ً معه دقات قلبه المتسارعة ، أوقظ جواده الجموح و تابع سيره إلى حيث البيت في ذلك الوقت الأكثر سحرا ًمن الليل مثقل القلب و مكتئب و قد نشرت(تابان زي) مياهها المعتمة في صمت الليل الميت الآخذ في الإظلام و نباح كلب حراسة لجنة مراقبة الشاطئ المقابل يتردد و صياح ديك ربما أستيقظ عرضا ً،بدت النجوم و كأنها تغرق في السماء ،تغطيها الغيمات من لحظة لأخرى ،شعر (إيتشابود) بكآبة و وحدة لم يشعر بهما من قبل ، احتشدت في ذهنه حكايات الأشباح و العفاريت التي سمعها من قبل خصوصاً و هو يعبر المناطق التي تروي حولها هذه الحكايات ،انتصبت شجرة زنبق في وسط الطريق تلك التي ارتبطت بقصة الميجور (أندريه ) التعس الذي سجن عنوة و اعتبره أهل المدينة شخصية خرافية و محترمة ،كلما اقترب (إيتشابود) من تلك الشجرة بدأ بإطلاق صفارته التي ظن أن صداها يرتد إليه إلا أنه سمع صوت انفجار من بين أغصانها و تراءى له جسم أبيض بين الأغصان ،أوقف صفارته إلا أنه علم أن ذلك من فعل البرق تابع طريقه إلى حيث الساقية الصغيرة تقطع الطريق بينما اصطف القليل من جذوع الأشجار القاسية على جانب الجسر ، مجموعة من أشجار الكستناء و البلوط غطتها فروع العشب البري المتسلق بثقل أضفى المزيد من الغم على المشهد ،وكز (إيتشابود) جواده في ضلوعه المتضورة ليزيد من سرعته إلا انه انحرف إلى الجانب المعاكس حيث أجمة العليق و انحرف إلى جانب الجسر مما جعل ( إيتشابود) يسقط إلى عنقه و في تلك الأثناء لمح (إيتشابود)جسم ضخم مشوه اسود شاهق ناحية الساقية بدا و كأنه وحش عملاق متحفز لمهاجمة المارة ،انتصبت خصلات شعر (إيتشابود)من خوفه إلا انه استجمع قواه و صاح متلعثما ً "من أنت ؟"فلم يجبه أحد فكرر سؤاله بصوت أكثر حده فلم يجبه سوى الصمت فأغلق عيونه بينما تردد داخله لحن مزمور و نتيجة للظهور المفاجئ لهذا الجسم المخيف تضاعف ظله و بدا ذو أبعاد كبيرة بعد أن امتطى صهوة جواد أسود قوي البنيان مبتعدا ً عن الطريق مهرولاً تجاه جواد (إيتشابود) المسن من ناحية عينه التي لا يرى بها ، فرفع (إيتشابود) من سرعة جواده ليتجاوز هذا الغريب فأسرع هو الآخر ، مما جعل قلب (إيتشابود) يغرق بين أضلاعه من غموض هذا الصامت الغريب الذي بدا اكثر ارتفاعا ً عن الأرض و كأنما يضاهي ارتفاعه المخبأ في عباءة السماء ،تيقن (إيتشابود) إلى أن هذا الغريب كان بلا رأس و ازداد رعبه حين أدرك أن رأس هذا الغريب كان محمولا ً أمامه على مقبض سيفه ، ازداد رعب (إيتشابود)إلى حد اليأس مما جعله يستمر في ركل جواده ليسرع متجاوزا ً هذا الغريب إلا أنه تمكن من تجاوزه بقفزة واسعة أثارت الصخور الصغيرة فتطايرت بلمعان مضيء من حوله ،صفقت ملابس (إيتشابود) الرثة في الهواء بينما جذب جسمه النحيف الفارع بعيدا ً عن رأس جواده و كأنما يحاول الطيران .
وصلوا إلى الطريق المنحدر إلى الوادي الناعس و الذي يمر عبر الجسر على بعد ربع ميلا من الربوة الخضراء التي تتوسطها الكنيسة ،بدا جواد (إيتشابود) و كأنما أصيب بمس شيطاني جعله يهبط المنحدر بتهور مما أرعب (إيتشابود) إلا أنه أعانه على المطاردة ،و قبل أن يتمكن من عبور نصف المسافة إلى الوادي انفلت الطوق من السرج و أحس(إيتشابود)كأنما انزلق من تحته إلا أنه تمسك برقبة الجواد و استجمع كل قواه ليبقى فوقه و ظل يرتج بعنف فوق عظمة العمود الفقري لحصانه و كأنها تشطره نصفين،و عبر فتحة بين الأشجار لاحت الكنيسة و الجسر المؤدي إليها و المشهد الكامل الذي ذكره برواية (بروم ذو العضلات) حيث اختفى الفارس المقطوع الرأس ،فكر "لو أستطيع ..لكن ...أبلغ هذا الجسر ..أنا آمن " فجأة سمع صوت الجواد الأسود من جديد بلهث و ينفخ خلفه تماما ً و أحس بسخونة أنفاسه ،و قد ركل جواده برعب في ضلوعه فقفز فوق الجسر و رعدت حوافره على الألواح الخشبية بصوت مدو ٍ و اتخذ الاتجاه المعاكس ،اختلس (إيتشابود) نظرة للخلف ليرى ما إذا كان مطارده كما اختفى كما عرف عنه ،إلا أنه لمح هذا العفريت في ركابه يقذف رأسه المقطوع نحوه و قد فشل في تفاديها فاصطدمت بجمجمته في صوت تحطم هائل مما أسقطه بين الغبار إلى جوار جواده بينما تجاوزه الفرس الأسود و الفارس الشبح كزوبعة .
في الصباح التالي وجد جواد (إيتشابود)وحيدا ً دون سرجه و لجامه مدلى تحت أقدامه يحفر العشب عند باب مالكه ،لم يظهر (إيتشابود)على الإفطار و لا العشاء بينما الأطفال تجمعوا في المدرسة و ترجلوا بكسل حول الساقية و لكن مدير المدرسة لم يحضر،تحققوا من وقوع الهجوم و بعد تحقيق مضن ٍ وجدوا السرج في الوحل و آثار حوافر الخيول تحفر الطريق بعمق حتى الجسر و على بعد مسافة كبيرة من الساقية عثروا على قبعة (إيتشابود) التعس و بجوارها ثمرة قرع عسلي محطمة و بعد تفتيش الساقية لم يتم العثور على جثة(إيتشابود)،أثارت هذه الحادثة الغامضة الكثير من التساؤلات في الكنيسة خلال أيام الأحد التالية حيث تأتي جموع الناظرين إلى باحة الكنيسة على الجسر في البقعة التي وجدت فيها القبعة و ثمرة القرع العسلي يهزوا رؤوسهم بأسى متأثرين بخاتمة (إيتشابود)التي ساقه إليها المرتزقة و كأعزب لا أقارب له لم يظل يشغل بال الناس طويلا ً،إلا أن مزارع مسن كان في رحلة إلى نيويورك بعد الواقعة بأعوام و علم من الاستخبارات أن (إيتشابود كرين)مازال على قيد الحياة و قد ترك المنطقة ليهرب من العفريت و من (هانس فان ريبير)و عار النبذ من (كاترينا)و استمر في التدريس و إلى جانب ذلك درس القانون و دلف إلى الحياة السياسية و الكتابة الصحافية و أخيرا ً أصبح قاضي لمحكمة (تين باوند)،بينما (بروم ذو العضلات)بعد اختفاء منافسه بفترة وجيزة شوهد مع (كاترينا ) عند مذبح القرابين بالكنيسة استعدادا للزفاف، و لوحظ أنه أكثر من يعرف تفاصيل واقعة (إيتشابود) و التي تجعله ينفجر من الضحك كلما ذكرت ثمرة القرع العسلي مما دفع البعض إلى الاشتباه في أنه يعلم عن الأمر أكثر مما يحكي ..
رغم كل شيء ظلت الزوجات المسنات بالمدينة يقصصن قصة (إيتشابود) الذي اختطفته القوى الخارقة ،و هن جالسات حول النار في الليالي الشتوية و أصبح الجسر المؤدي إلى الكنيسة أكثر إثارة للخوف و ربما هذا هو سبب تغيير الطريق إلى الكنيسة ، و كذلك مبنى المدرسة الذي تدمر نتيجة الإهمال و يعتقد البعض أن شبح المدرس التعيس قد استوطنه و أحيانا يتسكع نحوه في ليالي الصيف و هو ينشد مزاميره عبر صمت الوادي الناعس ...
أسطورة الوادي الناعس
للكاتب الأميركي:واشنطن إيرفنج
ترجمة :شيرين يوسف



#شيرين_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوبل للآداب 2006 بتوقيع -أورهان باموق-
- أهازيج في حضرة الموت
- العندليب المفقود.....
- تنويعات امرأة آذار
- لا مكان للبارود بيننا....
- أميركا من الداخل تحتاج إلى إصلاح
- حماقة أفكاري
- عام على تواري الطائر عقيل علي
- أفتخر كثيرا ً بما فعلت
- قصيدة صهيونية تدعى -بياليك-
- مسافر إلى السماء
- ماريونيت
- كل عام و أنتم عرب
- جون لينون و 25 عاما ً من الحيرة
- أبتاه فلتبق قريبا ً
- حول ما كتبه إبراهيم محمود - بؤس الأدب الكردي في بئس النظرة ا ...
- عصفور بلا أجنحة
- سيلويت
- الرقص على قدم واحدة
- الدمعة العاشرة في عيون سربرينتشا


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شيرين يوسف - أسطورة الوادي الناعس