|
ماريونيت
شيرين يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28 - 06:00
المحور:
الادب والفن
قفزتين في السماء و يبلغ القمر منامه ، و يأتي الفجر ليوقظ المدينة ، النافذة مغلقة يتخللها صمت الليل الموحش، شاردة عيونها معلقة بسقف الغرفة المنخفض ، لا تتحرك و لا تتنفس لكنها تحلم تتمنى تتأمل ، تتمنى أن لا يستيقظ صاحبها و يصطحبها معه في تجواله اليومي عبر أزقة المدينة و حاراتها الضيقة ، يضحكون عليها ، يسبونها ، تتشابك الخيوط في معصمها ، تنظر إليها بشماتة ، تتعمد في بعض الأحيان مشاكسة حركة الخيوط لتتقطع و تسترح من هم الطواف عبر معاقل الأطفال المشردين ، انكسرت ساقها ذات يوم لكنه تمكن من تجبيرها ببعض الصمغ رديء الصنع ، كل رفاقها صاروا غير صالحين للعب دور المهرج ، تهتكت أقدامهم و هرمت أذرعهم و شاخت حكاياتهم بقيت هي وحيدة في مضمار السخرية ، تتحكم فيها بعض خيوط غبية ، و حكايات سخيفة يضحك عليها الأطفال تارة و يقذفونها بحبات الطماطم و البيض الفاسد تارة أخرى ،فهي اليوم ترقص على خشبه مسرح و غدا ً تلعب دور الملكة و بعد غد شيء أخر ، ثوبها المرقط بالثقوب و رقع القماش المتسخة ليس كافيا ً لإماطة كف الغبار عنها ،وجنتاها صارتا بلون الوحل ، يصفف شعرها البلاستيكي الأشقر أحيانا و الحالك السواد أحيانا أخرى ، القصير قليلا و المائل للطول أحيانا أخرى كما يشاء فكفاها بلا أصابع ،استيقظ الآن غسل وجهه و احتسى كوباً من الشاي ، افترس قطعة خبز يابسة كانت فوق المنضدة ، اقترب منها تأملها قليلا ً ، أعاد ترتيب خصلاتها المتناثرة ،أحكم حبكة الخيوط حول معصميها و خصرها و قدميها و هو يطلق صفيرا ً سمجا ً ممسوخاً كحكاياته المملة و يدندن " دميتي .. صغيرتي .. حبيبتي الغبية "، و رغم كل ذلك فتظل تردد تلك الحكايات كل يوم دون كلل ، حملها بين يديه و اتجه إلى باب الغرفة ، تمكنت من رؤية من سبقوها و أشلائهم ملقاة أسفل المنضدة ، لم يعودوا صالحين لإكمال الدور و أداء المزيد من الانتحار تحرروا من الخيوط ، تمنت لو أنها تهرم كما هرموا ، تتحرر من سطوة الخيوط الحمقاء التي تشدها كما يشاء ، و قبل أن يتجاوز بها باب الغرفة حدقت إلى رفاقها الممددين تحت المنضدة قائلة "إلى أن تجمعنا حماقة هذا الرجل ، لكم منى السلام ".. أجابوها بأصوات باهتة توحدت على وتر واحد من الحزن " ننتظرك" .. ، بينما كان يتنقل ما بين مقاعد الحديقة الخشبية ، تعثرت قدمه في حجر كبير، سقطت من بين يديه ، تكسرت عظامها ، رأسها تدحرج ككتلة ثلج تجرى فوق منحدر من البياض ،تأمل أشلاءها لبعض الوقت ، ركلها بقدمه فما عادت تصلح لشيء بعد الآن ، تركها و انصرف يلعن الحظ و الحجر وكل من يقابله ،أمطرت السماء في تلك اللحظة ، جاء الغيث بقطراته إلى رأسها الخشبي ،غمر وجهها ، بدت و كأنها تبكي ، و إن كان بكاء فهو بكاء الفرحة ،الذي يحكي يوم خلاص دمية " الماريونيت" من الخيوط الحمقاء ، إلا أنها لم تدفن في مقبرته الجماعية و أشلاء رفاقها ، انتشل عامل النظافة أشلاءها و إذا بها مودعة صندوق القمامة ، تزاحم الأوراق القذرة و العلب الفارغة ، فضاء هذا الصندوق المغلق ، يأتي المساء من جديد ، يقارب القمر على النوم ، تحملق في سقف الصندوق ، إنه غطاء لا نافذة به تسمح بتسلق أي شعاع للفجر ، الآن فقط أدركت معنى الحرية و رحب الأرض حتى و إن كانت مكبلة بالخيوط..
#شيرين_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل عام و أنتم عرب
-
جون لينون و 25 عاما ً من الحيرة
-
أبتاه فلتبق قريبا ً
-
حول ما كتبه إبراهيم محمود - بؤس الأدب الكردي في بئس النظرة ا
...
-
عصفور بلا أجنحة
-
سيلويت
-
الرقص على قدم واحدة
-
الدمعة العاشرة في عيون سربرينتشا
-
قبل أن تظلمنا بريطانيا
-
سأرتاح قليلا ً
-
القدس ترقد فى البكاء المريمي
-
نافذة على الأدب الإسرائيلي
-
الرواية كان إسمها زينب
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|