أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شيرين يوسف - نوبل للآداب 2006 بتوقيع -أورهان باموق-















المزيد.....


نوبل للآداب 2006 بتوقيع -أورهان باموق-


شيرين يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1796 - 2007 / 1 / 15 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


"لقد اكتشف رموزا ً جديدة لصراع الثقافات و تواصلها خلال بحثه عن روح بلدته الحزينة اسطنبول"كانت تلك العبارة من أبرز ما ورد في بيان الأكاديمية السويدية للعلوم حين منحت "أورهان باموق" الروائي التركي جائزة نوبل للآداب عام 2006، و هو الروائي صاحب الروايات الأكثر بيعا ً في تركيا، و كذلك الأكثر إثارة للمشاكل بسبب مواقفه السياسية و تصريحاته لوكالات الأنباء و الصحف العالمية، و لأنه الوحيد القادر على قول ذلك على حد قوله حين صرح لوكالة الأنباء السويسرية "داس ماجازين" في فبراير 2005 أن "مليون ارمني قتلوا في تركيا خلال الحرب العالمية الأولى كما قتل ثلاثين ألف كرديا ً في العقود الأخيرة..و لكن لا أحد سواي يجرؤ على قول ذلك"مما عرضه للإدانة ووجه له مجموعة من المحامين الأتراك تهمة إهانة الأمة التركية طبقا للمادة (301)من القانون التركي الموحد، و التي تقضي بسجنه لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات، كما طالبت السلطات المركزية التركية بإتلاف و إحراق مؤلفاته، مما أثار حفيظة منظمات حقوق الإنسان و"اولي راين"كبير الممثلين في الإتحاد الأوروبي بعد حضوره جلسة الاستماع الأولى للمحاكمة، حتى قررت المحكمة التركية إسقاط التهمة عنه في يناير 2006.

من الرسم للهندسة و منها إلى الرواية:-
ولد "اورهان باموق" في السابع من يونيه عام1952 بحي "نيشان طاش" الراقي بضاحية"نيسانتاسي "باسطنبول لأسرة تركية ميسورة الحال كثرت الأقاويل حول أصولها فهناك من شكك في أصولها اليهودية و هو ما نفاه"باموق" صراحة حين وجه إليه سؤال حول ما يتردد بأنه يهودي قائلا ً"لم أقرأ حول هذا..الناس ينقلون لي هذه الادعاءات و أجد أن هذا معيباً فأنا لست يهوديا ً و لو كنت كذلك لأفصحت عنه..و الله أنا لست يهودياً" جده لأبيه "ثابت بك"كان مفتيا ًبمدينة"جوردس"في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و تنتمي أمه "شكورة"إلى أسرة هاجرت من القوقاز ضمن موجة الهجرة إلى مدينة"جوردس"ما بين عامي 1850-1860 ،تلقي"باموق"دراسته الابتدائية في مدرسة أمتلك أباه نصفها ثم تلقى دراسته المتوسطة في"اميركان روبرت كوليج"و كان يطمح إلى دراسة الفن و أن يصبح رساما ًإلا أنه تعرض لضغط من أهله و خصوصا أباه ليصبح مهندسا ً مثله ،فالتحق بالجامعة التقنية في اسطنبول لدراسة الهندسة إلا أنه غادرها بعد ثلاث سنوات ليلتحق بمعهد الصحافة بجامعة اسطنبول و يحصل على درجة الماجستير و كذلك الدكتوراه،ثم سافر إلى أميركا و قام بالتدريس بجامعة كولومبيا كأستاذ زائر ما بين عامي 1985- 1988،تزوج "باموق"الذي لم تكن له أية مغامرات عاطفية من زميلته في الجامعة "إيلين توريجين" عام 1982 و هي قصة الحب الوحيدة في حياته و أنجب منها ابنته"رؤيا" ثم انفصل عنها في العام 2001 بعد زواج غير مستقر.

ثماني روايات هي قلب الرواية التركية الحديثة:-
كنبتة صبار بين صخور مؤتلفة و مختلفة جاء "أورهان باموق" من قلب اسطنبول التي تضج بالتناقض و الصراع و التداخل ما بين شرق و غرب.. إسلام وعلمانية، كتب باموق هموم المواطن التركي جراء الحلم المزمن بالانضمام إلى الإتحاد الأوروبي و ما ينتج عنه من صراع داخلي لدى التركي المسلم الساعي إلى ترسيخ قيمه الدينية و بين القيم الأوروبية العلمانية، استطاع باموق أن يترجم اسطنبول المدينة و الشعب و الحلم من خلال ثماني روايات هي قلب الرواية التركية الحديثة من خلال نظرته الفاحصة و قدرته المميزة على التقاط صور حية للمشهد التركي قديما ً و حديثا ً، و تبقى أزمة الهوية و ارتباكها من خلال شخصيات ذات طبيعة معقدة و متداخلة متأرجحة ما بين الخرافات الرجعية و رفض أي تغيير في أنماط التفكير و بين التأثر بالتيارات القادمة من الغرب، نرى في روايات باموق الغربة و العودة إلى الوطن بعد سنوات كما نرى الأحاجي و الألغاز البوليسية الغامضة، صرح باموق في الكلمة التي ألقاها يوم تسلمه لجائزة نوبل"أنه لا يعرف لماذا يكتب لكنه يكتب ليشعر بالراحة و يتمنى أن يشعر قراؤه بنفس شعوره حين يقرؤوا رواياته"، ثلاثون عاما ُ لم يمارس "باموق" فيها أي عمل أخر غير الكتابة، بدأت مسيرته الأدبية منذ عام1974 بروايته "جودت بك و أولاده" و التي استغرقت كتابتها أربع سنوات و لم يتمكن من طباعتها إلا بعد ثلاث سنوات أخرى و تحكي الرواية قصة حياة ثلاثة أجيال من أسرة تركية ثرية من ضاحية نيسانتاس و هي نفس الضاحية التي نشأ فيها "باموق" في اسطنبول و تعاصر فترات من التحول السياسي و الاجتماعي في تركيا ابتداءً من انهيار الإمبراطورية العثمانية مرورا بفترة حكم أتاتورك و حتى الانقلابات العسكرية في السبعينيات و شخصية "رفيق" في الرواية تماثل إلى حد كبير شخصية "أورهان باموق" و اعترف هو شخصيا ً بذلك و قد تجاوزت مبيعات تلك الرواية الألف نسخة في سنتها الأولى، في العام 1982 كتب باموق روايته الثانية "البيت الصامت" و التي يعرض من خلالها وجهات نظر مختلفة لخمسة من الأشقاء في زيارة إلى جدتهم المعمرة في احد المنتجعات الساحلية الشعبية بينما تركيا على وشك اندلاع الحرب الأهلية، و يرصد من خلال الرواية فترة التمرد و الفوضى الاجتماعية التي تسبب فيها تصارع القوى السياسية المختلفة من خلال النقاشات و الحوارات التي كانت تدور بين الأشقاء الخمسة و أصدقائهم و قد حققت تلك الرواية مبيعات مرتفعة وصلت إلى ثمانية ألف نسخة، بدأ "باموق" العروج إلى الأسلوب الجديد للرواية و ما بعد الحداثة متخطيا ً المذهب الطبيعي المعتاد في كلا الروايتين فكتب " القلعة البيضاء" لترسخ أقدامه على الساحة الأدبية التركية بل و العالمية مما دفع النيويورك تايمز إلى الإشارة لتلك الرواية و كاتبها:"لقد ولد اليوم نجم شرقي جديد اسمه أورهان باموق "...

القلعة البيضاء 1985:-
تحكى الرواية عن عالم إيطالي شاب يؤخذ كأسير من قِبل الأسطول التركي خلال رحلة بحيرة من فينسيا إلى نابولي ثم يباع في سوق العبيد فيشتريه عالم "خوجه" تركي مهتم بالعلوم الفلكية و يجمع بينهما شبه كبير في الشكل مما كان يثير شكوك و قلق العبد الإيطالي و كان التركي يتعمد تجاهل الخوض في تلك النقطة و اتفق معه على أن يعتقه بمجرد أن ينهل مما لديه من علوم تعلمها في ايطاليا، و يبدأ صراع تقبل كل منهما للآخر تلك المعضلة التي يتعرض لها "باموك" في أغلب رواياته و كذلك محاولات التقاء الحضارتين الإيطالية الغربية و التركية بشرقيتها و طوال الأحداث نلاحظ تخيل كل منهما نفسه يحيا حياة الآخر حتى يصل الأمر بالعبد الإيطالي إلى أن يرى في منامه حلم متكرر"كنا في حفلة تنكرية في فينسيا كما أتذكرها كذكرى مشوشه حين أحضر أعياد اسطنبول حين خلعت محظيات البلاط أقنعتهن، تعرفت على والدتي و خطيبتي بين الحاضرين ثم خلعت قناعي ممتلئا ً أملا ً أن تتعرفا علي ّ أيضا ً، كانتا تشيران بقناعيهما إلى شخص يقف خلفي، حين التفت لأراه كان هو الخوجه".
من خلال "القلعة البيضاء" يحاول "باموك"خلق حوار ما بين ثقافتين مختلفتين تماما ً، ثقافة سادت تركيا خلال القرن السابع عشر و ثقافة أوروبا في نفس الوقت، يحاول العبد الإيطالي إذلال الخوجة التركي فيعمل على كسر عزيمته كلما شرع في أمر جديد و استغلال اضطراب هويته و سؤاله الدائم"لماذا أنا هكذا؟"، حاول العبد الإيطالي توجيه الخوجه التركي إلى كتابة مذكراته و الأحداث الهامة التي مر بها طوال سنوات عمره ربما كمحاولة لكشف غموض تلك الشخصية المعقدة الغامضة على رجل أوروبي قادم إلى تركيا العثمانية إلا أن الخوجة التركي اقترح عليه أن يجلسا متقابلين على طاولة واحدة بينما يكتب كل منهما ما شاء من مذكرات و شبه تلك الفكرة برؤية المرء جسده في مرآة يختبر من خلالها جوهرة بالخوض في أفكاره، نلاحظ هنا أن " باموك" مسحورا ً بفكرة رؤية المرء لنفسه في شخص أخر و يؤكد على ذلك في عبارته"على المرء أن يحب الحياة التي اختارها ليقول في النهاية أنها حياته، و أنا أفعل ذلك"، ينتشر مرض الطاعون في اسطنبول مما يشيع الخوف في قلب العبد التركي بينما الخوجة لم يعبأ بالأمر شأنه شأن أهل اسطنبول الذين ساد لديهم الاعتقاد أن الخوف من المرض أو محاولة تجنب العدوى نوع من الاعتراض على أمر الله الذي أرسله إليهم بهيئة مرض، تتوالى الأحداث بينما يأمر السلطان الخوجة بصناعة سلاح جديد من أجل حملات الدولة العثمانية فيعكف هو و الإيطالي على هذا الأمر حتى يخرجوا في إحدى تلك الحملات مع الجيش و في الطريق يصادفوا القلعة البيضاء و الحصن المنيع الذي يحميها، و يحاول قائد الجيش اقتحامه عدة مرات إلا أنه يفشل و يبدأ الجنود من التشاؤم لوجود الإيطالي بينهم و يتهمه البعض بالخيانة، و بفشل السلاح الذي اخترعه مع التركي أدرك تمام الإدراك أنه هالك لا محالة إلا أن الخوجة التركي يلجأ إلى حيلة لإنقاذه حيث استبدل كل منهما ملابس الأخرى و سافر التركي إلى إيطاليا بدلا ً منه بينما مكث هو في تركيا و تزوج و أقام و ألف الكتب هناك، أي امتزج كل منهما بالآخر بل و تبادلا الأدوار في الحياة كإشارة واضحة من "باموك"إلى الحوار ما بين الحضارتين بل و ذوبان كل منهما في الأخرى، افتتح باموق روايته بمقدمة حملت توقيع(فاروق دار فينوجلو)على أنه من وجد المخطوط الذي يحوي تلك الحكاية و قام بإعادة تنقيحها للتركية الحديثة مما يشير إلى ولع باموق بالأسرار و المخطوطات و البحث في دهاليز التاريخ.

الكتاب الأسود 1990:
صدرت رواية باموق الرابعة"الكتاب الأسود"محققة رواجاً هو الأكثر في تركيا، و التي تحكي عن محامي في الثالثة و الثلاثين من عمره يدعى "غالب"يحيا في ضاحية " نيسانتاسي" و هي نفس الضاحية التي عاش بها باموق، يبحث عن زوجته و ابنة عمه "رؤيا" التي اختفت بشكل غامض، و في شخصية غالب تطابق كبير مع شخصية"باموق"و علاقة "غالب"بزوجته تشابه إلى حد كبير علاقة "باموق" بزوجته في الواقع، تظهر شخصية "سيلال"ابن زوجة والد "رؤيا"و الذي يكبرها بعشرين سنه ويعمل كمعلق صحفي مشهور في صحيفة"ميلليت" يتزامن اختفاؤه مع اختفاء"رؤيا"مما جعل زوجها يتأكد من أن وراء اختفائهم سر واحد، تبدأ الأحداث بالبحث عن"رؤيا"لثمانية أيام مثلجة باسطنبول، و كلما طال بحثه عنها كلما زاد إيمانا أن وراء اختفائها سر غامض روحاني مما أضفي على الرواية جوا ً صوفياً، من خلال محاولات"غالب"للنفاذ داخل روح "سيلال"كمحاولات الصوفي التودد إلى الله والتوحد معه، من خلال تلك الرواية يرصد "باموق"عقائد و طرق الصوفية و اعتقاداتها و فكرة سيطرة شيخ الطريقة على تفكير المريدين بما يعتقدوه من وجود قدسيه خاصة بشخصه، يبدأ"غالب"بالشك في كل ما يحيط به و يرصد الإشارات التي قد تظهر في رحلته كالإشارات التي يراها الصوفي في رحلته إلى الله فيقترب أكثر من مذهب"الحروفية"و الذي يعتمد تابعوه على اكتشاف المعنى السري للأحرف العربية و الرسائل الروحانية و التي تهديه إلى البيت القديم حيث كان يعيش هو و أسرة"رؤيا"إلا أنه لا يجدها و لا يجد"سيلال"كذلك و لكن يجد دولابا ً يحوي مقالات"سيلال"فيبدأ في قراءتها و تقمص شخصية "سيلال"و ارتداء ملابسه و النوم في فراشه فلطالما كان يتمنى أن يكون هو "سيلال" ذاته، و بدأ في كتابة المقالات و يرسلها إلى الصحيفة باسم"سيلال" و هنا يعرض "باموق" فكره لطالما سيطرة عليه و هي أن على الإنسان لكي يكون نفسه يجب أن يكون شخصا ً أخر أيضا ً، و خلال بحث"غالب" بين مقالات"سيلال"يجد عدة رسائل من شخص يدعى "ماهر ايكبنكي" يعرب فيها عن إعجابه بشخصية"سيلال" و مقالاته و يتمنى مقابلته و يتتبع "غالب"تلك الرسائل إلى أن يكتشف أن زوجة هذا الرجل كانت عشيقة "سيلال"و أنها هربت من البيت في ظروف غامضة تشبه ظروف اختفاء"رؤيا" بينما يتمكن "ماهر"من إعادة زوجته إلى البيت، يحاول "غالب"الاتصال ب"ماهر"و الاتفاق على مقابلته على أساس أنه"سيلال" الذي كان يرغب الرجل في قتله و يكشف للقراء أن أنه يخدعهم إلا أن "غالب"يقنعه بالعدول عن فكرته و بالفعل يقابله و تحدث مفاجئة مقتل "سيلال" في المكان نفسه و كذلك تقتل "رؤيا"و توجه أصابع الاتهام إلى"ماهر"، إلا أن "باموق" يحاول وضع فكرة أخرى لدى القاريء و هي أن "سيلال"انتحر بعد أن فقد ذاكرته و جعل "رؤيا" بمثابة الحامل لأفكاره و حين أتمت رسالتها قتلها ثم انتحر، و بقد تحولت تلك الرواية إلى فيلم سينمائي تحت عنوان "وجه السر" و قام بإخراجه المخرج التركي (عمر كاوور).

الحياة الجديدة 1994:-
تعتبر "الحياة الجديدة"الرواية الأسرع بيعا ً في تركيا، و فيها يعرض "باموق"للتغير الذي طرأ على المجتمع التركي خلال عشر سنوات من خلال رحلتين يقوم بها بطل الرواية"عثمان" الذي يقيم مع والدته و يعكف طوال الليل على قراءة كتاب أهدته إياه زميلته "جنان" بعنوان "الحياة الجديدة" المليء بالسحر و الغرابة و حياة ما ورائية و يرسم له طريق عبر حياة تأخذه إلى أرض النور فينقطع عن متابعة دراسة الهندسة المعمارية و يبدأ في رحلات متواصلة على كل بقاع تركيا و يتعرض للعديد من الحوادث و ينجو منها و تحدث العديد من جرائم القتل و الاختفاء فيختفي "محمد"حبيب "جنان" و الذي كان "عثمان" يغار منه لحبه الشديد لزميلته"جنان" التي يتبع خطاها خلال رحلته و كعادة "باموق" يركز على شخصية محورية تتبعها شخصية أخرى و حين وجه إليه سؤال حول إتباعه هذا الأسلوب منذ روايته "القلعة البيضاء"أشار أن ذلك نتيجة طبيعية لما قابله في طفولته من تفوق أخاه الأكبر عليه في الدراسة و بالغيرة التي كانت تشتعل في قلبه لتقليد أخاه بل و محاولة التفوق عليه، تأخذ "جنان" زميلها "عثمان" إلى بيت "د.فاين" والد حبيبها المختفي"محمد" و الذي كان من أكثر المنادين بالمحافظة على التراث التركي و مقاومة الغزو الفكري الأجنبي مما جعله شخصية مستهدفة من بعض الجهات، بينما يحاول"د.فاين" إخفاء كتاب"الحياة الجديدة" كي لا يؤثر في المزيد من الشباب كما أثر ابنه "محمد" و تسبب في اختفائه و خلال تلك الرحلات تختفي "جنان" هي الأخرى و يبحث عنها "عثمان" لما تمثله له من بوصلة تكشف له خبايا الحياة و تقوده إلى الحياة الجديدة .

اسمي أحمر 2001:-
بداية من العنوان مرورا ً بالأحداث من بدايتها و حتى الخاتمة نرى ريشة "باموق" الفنان الذي يعشق فن المنمنمات، في أسلوب معقد و حافل بالتشويق و المغامرة و الغزارة و الكثافة الوصفية ككتابات "بورخيس" و "بلزاك" و "ديستوفسكي"، حيث تدور أحداث الرواية في ورشة لفنانين صناعة المنمنمات المكلفين بإنتاج عمل فني نادر للسلطان العثماني مراد الثالث في أواخر القرن السادس عشر باسطنبول و تقع بينهم عدة جرائم قتل و للرواية أكثر من راوي كدأب الروائيين في أوروبا و على رأسهم الإيطالي( ايتالو كالفينو) فنرى أول الرواة للأحداث هو فنان مقتول و قاتله مجهول يحكي قصة موته الذي يخفي وراءه جريمة مرعبة تجاه تقاليده و مذهبه و طريقة المسلم في رؤية العالم من حوله، من ضمن شخصيات الرواية"بلاك"الفنان الذي يغادر اسطنبول ثم يعود إليها ليجد ابنة عمه و حبيبة "شكورة"قد تزوجت بعد سفره بثلاث سنوات و أنجبت طفلان ثم اختفى زوجها الذي أصبح موته شبه مسلم به و يبدأ أخ الزوج"حسن"في محاولة نيل حب "شكورة و الزواج منها، نرى في تتابع الأحداث تأريخ مميز لفن المنمنمات الذي كان سائدا ً في اسطنبول في تلك الفترة التاريخية يعرضه باموق بأسلوب شيق و رائع و يعرض الاختلافات الفنية المذهبية بين المحافظين على التراث و الباحثين عن التجديد، و بين فشل المقلدين في إحداث نقلة فنيه نوعيه باسطنبول، في محاولة لتصوير الصراع الذي كان يحرك أنامل "باموق"بشكل مستمر صراع الماضي و الحاضر و مأساة العودة إلى الوطن بعد غياب طويل، يروي "باموق" الأحداث بنغم رومانسي مميز متأثرا ً بالشعر الكلاسيكي الفارسي كتقليد مقطوعة"نيظامي" الصور السبعة في التلميحات التي استخدمها لمحاولة فك أسرار "اسمي احمر" كما تأثر بالأدب الإسلامي الكلاسيكي الذي يعتمد على قص القصص فنرى بطلة الرواية التي تحمل اسم والدة الكاتب "شكورة" تروي لابنها الأصغر الذي يحمل اسم الكاتب نفسه"أورهان" أسرار حكايتها و اسم أخاه الأكبر "شوكت"و هو اسم شقيق "أورهان باموق" في الحقيقة و كانت علاقته به متوترة دوما ًو في نهاية الرواية تحدث العديد من المفاجآت من بينها ورود تقارير تفيد بأن زوج "شكورة" مازال على قيد الحياة.

الثلج 2002 :-
يحاول "باموق" في روايته السابعة"الثلج" تصوير ما اعترى المجتمع التركي من تغيرات بعد عقدين من السيطرة الماركسية و ميلاد التيار الإسلامي، من خلال الشاعر"كريم الاكوسوغلي" و يصر على اختصار اسمه إلى"كا"يعود إلى تركيا بعد غياب اثنا عشر عاماً في ألمانيا من اجل البحث في حالات انتحار الفتيات في مدينة"قارص"بأقصى الشرق التركي بالأناضول و ما تعانيه تلك المنطقة من فقر و عزلة وصراع ما بين الإسلاميين و الشيوعيين و قوى الاستخبارات التركية التي كانت تعمل على استفزاز الجماعات الإسلامية و الزج بها في عمليات العنف لتتمكن من اعتقال أفرادها، بينما يصدر الفرمان التركي بمنع الحجاب في المدارس و لعل هذا هو السبب الذي وجده "كا"لانتحار الفتيات في تلك المنطقة التي تثلج و تنقطع تماما ً عن العالم الخارجي مما يجعله يتعمق أكثر في علاقاته بأهل تلك المنطقة،و بتعامل مع المتطرف الإسلامي "بلو"و الجماعات الإسلامية التي تنظر إليه على أنه "عدو علماني" تلوث بالقيم الأوروبية و تنظر إليه الجماعات اليسارية على أنه مجرد "تافه" و في الوقت نفسه لا يخضع لملاحقة الاستخبارات لما يحظى به من علاقات ألمانية ، و تستغله كل جهة من أجل توصيل رسالتها إلى الجهات الأخرى،في الوقت نفسه يبحث "كا" عن صديقته و حبيبته "إيباك" التي تركها و سافر لتتزوج هي من آخر اجبرها على ارتداء الحجاب فانفصلت عنه نظرا لاتجاهاتها الليبرالية بينما أختها "كاديف"التي ترتدي الحجاب و هي عضوة نشطة في الحركة الإسلامية ووالدهم اشتراكي سابق ، يحاول "باموق" من خلال التضاد و التباين في اتجاهات أسرة "أيباك" توضيح ما يعتري البيت التركي من اختلافات أيدلوجية،تلك الاختلافات التي خلقت أزمة العقيدة لدى "كا"الحائر ما بين ميله الفطري للإيمان بالله و بين علمانية عقله ، كما يعرض "باموق" في روايته حال الأكراد في تركيا و يشير إلى أنهم لا يمثلوا الخطر الأكبر الذي يقف بوجه الحكم هناك و لكن التيار الاسلامي يعد هو العدو الأول لهذا النظام و ما يكشف ذلك ما حدث من انقلاب في مدينة قارص خلال وجود الشاعر"كا" فيها .

اسطنبول 2005:-
و هي رواية "باموق" الأخيرة و التي تعتبر بمثابة مذكرات مدينة بأكملها و مذكرات حياته في اسطنبول و فترة طفولته و اضطرابها و كيف أصبح فنانا ً يحب الرسم و كاتب يعشق الكتابة، حيث تضم صفحات الرواية عدد كبير من صور طفولة "باموق"و المواقع التذكارية بها و خليج البسفور ، من خلال بطل الرواية الذي يحيا بتلك المدينة بكل تناقضاتها و جمالها في أسرة تعاني من التوتر الدائم و الخلاف المزمن بين الوالدين مما جعلهم يتركا الابن الأصغر لدى أحد الأقارب بينما يسافر الابن الأكبر للدراسة في أميركا ،و هي أخر ما كتب "باموق" حتى الآن .

نوبل لم تأت مصادفة:-
لم يكن فوز "باموق" بجائزة نوبل 2006بالأمر المفاجيء أو الغير متوقع، و لم تكن نوبل هي أولى الجوائز التي حصل عليها "باموق"،ففي العام 1974 نالت روايته"الظل و النور"و التي تحول اسمها فيما بعد إلى "جودت بك و أولاده"جائزة (ميلليت) للرواية الصحفية مناصفة مع الروائي محمد اورغلو ،و حصلت نفس الرواية في عام 1979 على جائزة (أورهان كمال)، و في العام 1984 حصلت رواية "بيت الصمت"على جائزة (مادارالى)للرواية كما نالت الترجمة الفرنسية لها جائزة(بركس دي لاكوفرت أيوروبيان)عام 1991،و حصلت روايته "القلعة البيضاء"على الجائزة المستقلة للرواية الأجنبية في فرنسا عام 1990 و كذلك نالت في نفس العام جائزة الاندبندنت الإنجليزية للأعمال المترجمة،في العام 2003 حصل على جائزة السلام الألمانية و هي الأشهر في ألمانيا مما أثار حفيظة البعض من سبب اختيار اتحاد الناشرين الألمان لباموق و هو صاحب الموقف السياسي المرفوض في بلده ،حتى جاء في بيان إعلان الجائزة " أن باموق خلق أعمالا ً جاورت بين أوروبا المنفتحة و تركيا المسلمة و أنه يمتلك أسلوبا ً في الكتابة يجمع بين متعة الحكاية الشرقية و تسارع الحداثة الأوروبية ، كما استطاع تصوير الصور و المصطلحات السائدة في المجتمعات الأوروبية المفككة ، و أن ينهل من الماضي العثماني الحافل ما يساعده في تفسير الحاضر من غير خوف أو تردد ، فضلا عن مواقفه الشجاعة من قضايا حقوق الإنسان و الأقليات و الوضع السياسي في موطنه الأصلي".

المصادر:-
1- أورهان باموق:القلعة البيضاء، ترجمة:ايزابيل كمال، سلسلة الجوائز الهيئة المصرية العامة للكتاب 2006.
2- حسن داوود: أورهان باموك الذي أسرعت جائزة نوبل إليه، صحيفة المستقبل - العدد 2417- الأحد 15 تشرين الأول 2006.
3-سمير صالحة: أورهان باموك أوقعته نوبل في ورطة، صحيفة الشرق الأوسط - العدد 10186- الأربعاء 18 أكتوبر 2006.
4- علاء عزمي: الألمان مختلفون علي فوز باموق، مجلة أخبار الأدب– العدد630- 7أغسطس 2005
5- عبد القادر عبد اللي: أورهان باموق كاتب مثير للجدل، جريدة الأسبوع الأدبي- العدد863- 21/6/2003.

1-David Robson, A taste of Turkish despair, Daily Telegraph,31/5/2004.
2-James Buchan, Frozen assets, The Guardian,29/5/2004
3-Sarah Emily Miano, More than a winter s tale, The Observer,30/5/2004.
4-David Flusfeder, The pleasure of ruins, Daily Telegraph,13/4/2005.
5-Alberto Manguel, My City of Ruins, The Washington Post,26/6/2005.
6-Tom Holland, The debt to Venice, Daily Telegraph,20/8/2001.
7-Sarah Coleman, A detailed tapestry of 16th century Turkey, San Francisco Chronicle,9/12/2001.



#شيرين_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهازيج في حضرة الموت
- العندليب المفقود.....
- تنويعات امرأة آذار
- لا مكان للبارود بيننا....
- أميركا من الداخل تحتاج إلى إصلاح
- حماقة أفكاري
- عام على تواري الطائر عقيل علي
- أفتخر كثيرا ً بما فعلت
- قصيدة صهيونية تدعى -بياليك-
- مسافر إلى السماء
- ماريونيت
- كل عام و أنتم عرب
- جون لينون و 25 عاما ً من الحيرة
- أبتاه فلتبق قريبا ً
- حول ما كتبه إبراهيم محمود - بؤس الأدب الكردي في بئس النظرة ا ...
- عصفور بلا أجنحة
- سيلويت
- الرقص على قدم واحدة
- الدمعة العاشرة في عيون سربرينتشا
- قبل أن تظلمنا بريطانيا


المزيد.....




- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شيرين يوسف - نوبل للآداب 2006 بتوقيع -أورهان باموق-