أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - ولادة يسوع العذرية














المزيد.....

ولادة يسوع العذرية


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 09:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الرؤى العقلانية لقصة ولادة يسوع من عذراء يمكن تلخيصها في ثلاثة مسارات كبرى: فهمها كمعجزة فوق‑طبيعية، أو كرمز لاهوتي/روحي، أو كرمز أسطوري‑ثقافي يتكرر في حضارات عديدة.

كمعجزة فوق الطبيعة

• في الرؤية الإيمانية العقلانية (كما لدى كثير من اللاهوتيين المسيحيين)، يُقال إن الاستحالة البيولوجية لا تنفي إمكان الحدث إذا فُرض وجود إله قادر على خرق قوانين الطبيعة، فالمشكلة ليست في “تفاصيل الحمل” بل في سؤال: هل يوجد إله قادر أم لا.

• يُرى أن الولادة العذرية تخدم غاية لاهوتية: تأكيد أن يسوع يجمع بين الطبيعة الإلهية والبشرية، وأنه “آدم جديد” لا ينحدر بالكامل من نسل آدم الخاطئ، بل بداية خلق روحي جديد.

كرمز لاهوتي وروحي

• تيارات أخرى داخل المسيحية المعاصرة تميل إلى أن الحدث ليس بالضرورة حقيقيًا حرفيًا، بل يحمل معنى روحي: أن مجيء يسوع إلى العالم فعل سلام إلهي لا يعتمد على “قوة رجل” ولا على أنماط السلطة والدم والعنف في النظام الأبوي.

• في تفسير مسيحي روحاني، تُقرأ الولادة العذرية كإشارة إلى أن الحياة الحقيقية والهوية العميقة للإنسان روحية وليست نتاج العمليات المادية وحدها، وأن يسوع تجسد كتعبير عن “محبة إلهية” خالصة تدخل العالم بطرق غير خاضعة للتفسير المادي التقليدي.

كرمز أسطوري وثقافي

• في الدراسات المقارنة للأديان والأساطير، تُلاحظ كثرة قصص المولودين ولادة عذرية أو إعجازية (بوذا في بعض التقاليد، شخصيات في الميثولوجيا الفارسية، الصينية، والأمريكية الأصيلة)، ويُفَسَّر هذا النمط بوصفه “نموذجًا رمزيًا” متكررًا لولادة بطل أو مخلّص أو حكيم استثنائي.

• يذهب عدد من الباحثين إلى أن هذا النمط يخدم وظائف رمزية: إبراز طهارة الأم، تأكيد أن المولود يأتي بمبادرة إلهية، وأن مكانته وشرعيته تتجاوز الأعراف الاجتماعية والنَسَبية العادية، وأن ولادته تمثل بداية زمن جديد أو تحول روحي في الوعي الجمعي.

إمكان الجمع بين الرؤى

• بعض المفكرين المؤمنين يحاولون الجمع بين “العقل” و”الإيمان” بالقول إن القصة قد تكون حدثًا إعجازيًا حقيقيًا، لكنها في الوقت نفسه مُصاغة لغويًا برموز يفهمها العقل البشري، فتحمل طبقة تاريخية وأخرى رمزية/روحية معًا.

• أما الموقف العقلاني النقدي فيميل إلى اعتبار الولادة العذرية عنصرًا أسطوريًا‑رمزيًا أُدرج لتأكيد قداسة يسوع وسلطته الروحية، مع التركيز على رسالته الأخلاقية والإنسانية أكثر من التركيز على الحرفية البيولوجية للحدث.

الأدلة التاريخية حول عقيدة الولادة العذرية متواضعة للغاية.وتعتمد أساسًا على نصوص إيمانية متأخرة لا على وثائق مستقلة محايدة.
يمكن تقسيم الصورة إلى ما يدعم العقيدة داخل الإطار المسيحي، وما يثير الشكوك من منظور النقد التاريخي.

ما يُقدَّم كـ«أدلة» داعمة

• المصدران الوحيدان المباشران لعقيدة الولادة العذرية هما إنجيلا متى ولوقا، في مقدّمتيهما السرديتين عن الميلاد، بينما لا يذكرها مرقس ولا يوحنا ولا رسائل بولس بشكل صريح، رغم تركيز هذه النصوص على شخص المسيح ولاهوته.

• داخل التقليد الكنسي يُعتبر قبول الكنيسة الأولى الواسع لهذه العقيدة، وتثبيتها في قوانين الإيمان (مثل قانون نيقية: «تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس») نوعًا من «شهادة جماعية مبكرة» تدل على أن الإيمان بالولادة العذرية كان راسخًا منذ القرون الأولى، وإن كان هذا برهانًا لاهوتيًا/تقليديًا أكثر منه تاريخيًا بالمعنى الدقيق.

نقاط الضعف التاريخية

• غياب ذكر الولادة العذرية في أقدم طبقات العهد الجديد (مرقس، بولس، ربما النص الأصلي للوقا إن صحّ القول إن الإصحاحين 1–2 أُضيفا لاحقًا) يُستخدم حجة ضد تاريخية القصة، إذ يبدو أن الإيمان بالمسيح بدأ بقيامته ورساليته ثم ظهرت لاحقًا روايات الميلاد التفصيلية.

• الباحثون النقديون يشيرون إلى أن إنجيلي متى ولوقا يقدمان روايتين ميلاد مختلفتين في التفاصيل (مكان إقامة الأسرة قبل الميلاد، الهرب إلى مصر، الاكتتاب، المجوس/الرعاة…) ما يُفهم على أنه عمل لاهوتي‑رمزي أكثر منه تقريرًا تاريخيًا دقيقًا، خاصة مع تشابه نمط «الميلاد الإعجازي» مع قصص ولادات شبه عذرية لأبطال وآلهة في العالم القديم، مثل أوغسطس وغيره.

تقييم تاريخي إجمالي

• من وجهة نظر التاريخ الأكاديمي الصارم، لا توجد وثائق معاصرة أو شهود مستقلون عن التقليد المسيحي يمكن أن تؤكد أو تنفي الولادة العذرية؛ المتاح فقط هو إيمان جماعة لاحقة كتبت نصوصها بلغات لاهوتية ورمزية عن حدث استثنائي بطبيعته غير قابل للفحص التجريبي.

• لذلك ينتهي كثير من المؤرخين إلى أن عقيدة الولادة العذرية مسألة إيمانية/لاهوتية أكثر منها قضية يمكن حسمها تاريخيًا:
المؤمن يراها معجزة موثَّقة بنصّين كافيين، والناقد يراها تطورًا لاهوتيًا متأثرًا بأنماط أسطورية وثقافة «الميلاد الإلهي» في العالم الروماني‑الهيلنستي.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصية وخطاب يسوع- رؤية تحليلية
- يسوع بين التسامي والتطرف
- الإله -يهوه- وجذوره التاريخية
- العلاقة بين فلسفة إبكتيتوس والأخلاق المسيحية
- إبيكتيتوس الجذر الفلسفي للأخلاق المسيحية
- القبطية الأرثوذكسية وكراهية العالم
- طيور الشرق الغارقة
- فراق الإنسان عن الشمبانزي
- محاكمة ذبيحة- قصة قصيرة
- الفُلك- قصة قصيرة
- موسى التوراتي بين التاريخية والأسطورة
- مختلف مقاربات الموروث المقدس
- تطور اللاهوت العبراني من التعدد للتوحيد
- معضلة مسؤولية القمة والقاعدة
- القاعدة أم القمة
- الچينات واختلاف ذكاء الشعوب
- رسالة يسوع
- قراءة في فنجان الإنسانية
- -ربّنا بالمقاس-. . عفواً د. حسام بدراوي
- مقال قديم سنوات اللاحسم


المزيد.....




- نزلها وثبتها حالًا .. تردد قناة طيور الجنة للأطفال الجديد عل ...
- جرائم الاحتلال في غزة تزيد من الحوادث المناهضة لليهود في أست ...
- سوريا - تنظيم الدولة الإسلامية يضرب من جديد، هل تصبح محاربة ...
- الشرطة الأسترالية: منفذا هجوم بونداي استلهما فكر تنظيم الدول ...
- نتنياهو يقتحم حائط البراق في المسجد الأقصى
- مجموعة إسلامية دعوية في أستراليا تنأى بنفسها عن المشتبه به ف ...
- رئيس وزراء أستراليا: اعتداء سيدني مدفوع بـ-أيديولوجية تنظيم ...
- اليهود المتشددون يهددون نتنياهو بحل الكنيست والذهاب لانتخابا ...
- أستراليا تؤكد أن هجوم سيدني -مدفوع بأيديولوجية تنظيم الدولة ...
- “صوت الشعب” تلتقي الناشط اليهودي المناهض للصهيونية والأممي ب ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - ولادة يسوع العذرية