أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعد محمد عبدالله - وداعًا والدتي الحاجة أمنة عمر دِكُو ودولة إبنة الإمام الصادق المهدي:















المزيد.....

وداعًا والدتي الحاجة أمنة عمر دِكُو ودولة إبنة الإمام الصادق المهدي:


سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي


الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 18:49
المحور: سيرة ذاتية
    


باسم عائلتي، أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكل من وقف إلى جانبنا في فقد والدتنا الحبيبة الحاجة (أمنة - دولة)، فقد كانت كلماتكم الصادقة ومواساتكم الكريمة وسؤالكم الدائم سندًا لقلوبنا في هذا المصاب الأليم، وأسهمت في التخفيف من ألم الفقد عنا، ونسأل الله عز وجل أن يجزيكم خير الجزاء، وألّا يريكم مكروهًا في عزيزٍ لديكم، وأن يتغمّد والدتنا بواسع رحمته، ويسكنها فسيح جناته مع الشهداء والصالحين.

إن رسائل العزاء والمواساة التي تلقّيناها في وفاة الوالدة العزيزة، سواء كانت من أهلنا الكرام في منطقة مايرنو وخارجها، أو من قِبل قيادات الحكومة بمختلف مستوياتها ومقاماتها، أو من المجتمعين السياسي والعسكري، أو من قادة الصحافة والإعلام، أو الأصدقاء الأعزاء في الدول الشقيقة؛ فقد جعلتنا نشعر بأننا بخير رغم وطأة الحزن وألم الفراق.

لقد أكّد لنا هذا التعاضد والتعاون الإنساني العميق أن القيم السودانية الأصيلة ما زالت تنبض بالحياة؛ فلم تتبدل رغم تبدل أحوال الناس في زمن الحرب، وأن التراحم والتكاتف في مثّل هذه الظروف القاسية يبعثُ فينا مشاعر نبيلة ويخفّف لوعة الفقد، ويرسخ منظومة متكاملة من الأخلاق، ويؤنسن الوجود، ويُطيب القلوب بطيب السلام.

وُلدت والدتي الحاجة أمنة عمر دِكُو في ستينيات القرن الماضي، والذي كان شاهدًا أمام التاريخ على أحداث سياسية عظيمة جرت في السودان، وكانت لولادتها ولإسمها ولقبها قصة تستحق أن تُروى؛ فقد كان والدها عضوًا في حزب الأمة القومي، وقد خاضوا الإنتخابات إلى جانب الإمام الراحل الصادق المهدي الذي تولّى منصب رئيس الوزراء في حكومة الإئتلاف عقب الفترة الإنتقالية التي تلت ثورة أكتوبر المجيدة.

عندما وُلدت والدتي في تلك الأجواء السياسية الساخنة مع صخب الثورة وآمال الثوار، قرر جدّي تسميتها "أمنة"، غير أنّ الإمام المهدي إقترح أن تُسمّى "دولة"، وبعد نقاش عميق إتفقوا أن تجمع الإسمين معًا، ليكون إسمها "دولة - أمنة"؛ والعكس صحيح، رمزًا للبلاد الآمنة، وكان الأمن والإستقرار حلمهم، وما تزال بقايا الهدايا التي قدّمها الإمام المهدي إحتفالًا بميلادها محفوظة في منزل جدي عمر دِكُو بحي النصر بمنطقة مايرنو.

عاشت والدتي عمرها في بيوتٍ ظلّ مناخها السياسي متقلبًا ومتغيرًا؛ فقد شهدت تحولات لافتة في مسيرة والدها، الذي إنتقل من ضفة حزب الأمة القومي مع الإمام الصادق المهدي، إلى ضفة الحركة الإسلامية مع الشيخ الدكتور حسن الترابي؛ أما التحول الأكثر إثارة في حياتها فكان زواجها من والدنا الشيخ محمد تُكر الحكيم الذي كان ينتمي إلى الإتحاد الاشتراكي بقيادة الرئيس الراحل جعفر محمد نميري.

وجدت والدتي نفسها داخل إتجاه سياسي جديد حين غادرت مع والدي إلى جنوب السودان، حيث أقاما في جوبا حتى نهاية عام 1999م، قبل أن تشتد ضراوة المعارك بين الجيش الشعبي والنظام الإنقاذي، لنعود بعدها إلى ولاية سنار، ونعلم جميعًا أن من الصعب جدًا على الإنسان تحمل مشقة السير أو مرافقة سائر علي درب السياسة في السودان، ولكنها فعلت ذلك بعزيمة، ورافقت والدها الشيخ عمر دِكُو ووالدي الشيخ محمد تُكر الحكيم وأخيرًا معي حتى الممات، وكانت صامدة في هذه الرحلة الطويلة التي عاشت تفاصيلها بقلب عطوف ظلّ يحضنا جميعًا.

في بواكير شبابي، إلتحقتُ بقطار الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد توقيعها إتفاقية نيفاشا للسلام عام 2005م مع حكومة السودان، وقد قضيت عقدين ونيف من الزمن في العمل السياسي والتنظيمي، وفي هذا المسار واجهت صعوبات عديدة، من الإعتقالات المتكررة إلى سنوات المنفى خارج السودان، وفي كل تلك المحطات كانت والدتي العزيزة سندي الذي لا يكلّ ولا يملّ؛ صابرة، مثابرة، ثابتة على محبتها ودعائها الذي خفف عني عناء الطريق.

كانت والدتي، تغطّيني من البرد وكأنني ما زلت ذلك الطفل الصغير الذي يحتاج حضنها ورعايتها، لم تتغيّر نظرتها لي يومًا، ولا خفَّ إحساسها بفرحي وألمي، وكانت تشعر بي قبل أن أتكلّم، وتقترب مني قبل أن أحتاجها، ولن أنسى آخر اللحظات التي قضيتها بقربها صبيحة رحيلها؛ تلك الساعات التي حفرت في القلب أثرًا لا يُمحى، لن أنسى آخر ما تناولته من طعام أعدّته بيديها الطاهرتين، ولا كوب الشاي الذي صنعته لنا في الصباح الباكر، ولا تلك الإبتسامة الهادئة التي ظلّت مطبوعة على خدها، ولا الكلمات الأخيرة التي قالتها لنا قبل أن يودّعنا صوتها إلى الأبد.

رغم أن والدتي العزيزة كانت قليلة الخروج من منزلها، إلا أن الله ألهمها ـ بفضله وكرمه، ولحكمة يعلمها وحده ـ أن تزور بعض الأهل والمقرّبين إليها في صباح يومها الأخير، فودّعتهم واحدًا واحدًا، وكأن قلبها الطيب كان يستشعر أن موعد الرحيل قد إقترب؛ ثم عادت إلى البيت بهدوئها المعهود، لترحل بسلام إلى الرفيق الأعلى، ومع التسليم التام بقضاء الله وقدره، فإن في حياتها ووفاتها عِبَرًا وذكريات خالدة لا يمحوها الزمن من ذاكرتنا، وستظل تسكن منا موضعًا لا يزول حتى يأتينا الأجل ونلحق بها برحمة من الله وفضل.

كانت والدتي الغالية تردد دائمًا عبارة ملهمة يعرفها كل من جوارها وحاورها، وما زال صداها في أذني وعقلي وقلبي، ويرافقني حيثما ذهبت؛ فقد قالت "الحياة مثل المياه الجارية… والشباب لا يدوم"، ولهذه العبارة ترجمة خاصة باللغة الفولانية، وحين كنتُ أعود إليها في زمن الشدة، كنت أرى في عينيها أنهارًا من الأمل والحنان والعطف، وكانت تفرح لفرحي، وتبتهل بالدعاء لي كلما خرجت من مأزق سياسي أو من مشاغل الدنيا التي لا تنتهي.

والدتي في ميزان الذهب لا تُوزَن، وبكل الكلمات لا توصف، فهي أثمن من كل ذهب الدنيا وأعز ما ينطق به لساني، هي الرحمة المُهداة إلينا، والنبض الخافق بين الحنايا، واليد الطاهرة التي إمتدت لنا حبًا ورحمة ولله دعاءً وعطاءً بلا حدود من أجلنا، وكان حضورها بركة في الحياة، وغيابها وجعًا لا يشفى، لكن أثرها في أعماق القلوب باقٍ ما بقي العمر، وستبقى بنورها في طريقنا.

لقد كانت والدتي الطيبة تحمل قلبًا طيبًا يتّسع للعالم كله، وملاذًا لا يخيب قاصده أبدًا، وكانت تزرع بحبها في أيامنا الرحمة والسلام، وتنثر في طرقاتنا الدعاء، وفي قلوبنا الحنان الذي يجري مثل النيل علي أرض السودان، وقد رحلت بجسدها، وبقي طيبها وذكراها نوراً لا ينطفئ، رحمكِ الله يا أمي وجعل طيبتك شاهدة لك لا عليك، وشفانا القدير بحبك الخالد فينا.

لحقت والدتي بوالدي بعد مرور 25 عام من الفراق والوفاء، وكانا روحان متصلان وفق منهج الأسلاف، وكأنهما كانا على موعدٍ لا ينقطع، رحل كلٌ منهما تاركاً في القلب فراغاً لا يملؤه أحد، وفي الذاكرة حياةً كاملة من الحب والطيبة، إجتمعا في الدنيا على المودة، وعاشا سنوات في الجنوب وآخرى في الشمال وإستقرا معًا بولاية سنار، وأخيرًا يرقدان إلي جانب بعضهما في مقبرة واحدة؛ فنسأل الله أن يجمعهما في الآخرة في جناتٍ لا يفارق أحدهما الآخر فيها.

والدتي ووالدي، لن ننساكم ما دمنا أحياء، وسنظل نذكر فضلكم للأبناء والأحفاد وعند كل مجلس، ونؤمن بأننا سنلحق بكم ذات يوم، فهذه هي سنة الحياة، وهكذا حال الدنيا، وهذه الحياة لا تدوم؛ فكل من عليها فانٍ، ورحيلكما مع التسليم بقضاء الله وقدرهِ إلا أنه قد ترك فينا حزناً لا يزول، لكنه أيضاً غرَس في قلوبنا صبرًا وإيمانًا بلقاءٍ مكتوب عند ربٍ رحيم، ونسأل الله أن يجعل قبريكما روضة من رياض الجنة، وأن يجمعنا بكم في دارٍ لا فراق بعدها.



#سعد_محمد_عبدالله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب القائد مالك عقار أمام ورشة التنمية الريفية
- حوار مع الأستاذ سعد محمد عبدالله الناطق الرسمي السابق باسم ا ...
- حوار مع الأستاذ سعد محمد عبدالله الناطق الرسمي السابق باسم ا ...
- قمة كينشاسا ونظرة على إستقرار إفريقيا وسلام الكونغو الديمقرا ...
- ماذا يجب فعله الآن؟
- حول قرار مجلس حقوق الإنسان
- تحويل المأساة إلي أداةٍ للتحرر والبناء الوطني
- وداع القائد بونا ملوال
- الحركة الشعبية: شكر ووداع وآمال للمستقبل
- الحركة الشعبية: إدانة للهجمات بالطائرات المسيّرة على المناطق ...
- الحركة الشعبية: رحيل الرفيق المناضل بكري عمر إلي رحاب الأمجا ...
- برقية عزاء في وداع القائد رايلا أودينغا
- الخركة الشعبية: حول إستهداف الخرطوم والشمالية من قِبَل مليشي ...
- الحركة الشعبية: حول قصف مركز إيواء دار الأرقم بمدينة الفاشر ...
- الحركة الشعبية: حول الفيديو المفبرك المنسوب للقائد مالك عقار
- الحركة الشعبية: حملة إعلام مضاد - موجة جديدة من الشائعات الم ...
- الحركة الشعبية: حملة إعلام مضاد: محاولة سياسية لتشويه صورة ا ...
- الحركة الشعبية: بمناسبة اليوم العالمي للمعلمين
- الحركة الشعبية: مليشيا الدعم السريع الإرهابية قصفت وقتلت الص ...
- نحو مشروع إعلامي سوداني جديد


المزيد.....




- هل ستصادر أمريكا المزيد من أصول النفط الفنزويلية؟.. ترامب ير ...
- بيانات ملاحية تكشف تحركات عسكرية.. ما الذي يجري قبالة الساحل ...
- ظهور ترامب وكلينتون وغيتس في مجموعة جديدة من صور إبستين
- مصادر لرويترز: أميركا حجبت معلومات مخابرات عن إسرائيل خلال ع ...
- أميركا حجبت معلومات مخابراتية عن إسرائيل خلال عهد بايدن
- عون: تطور العلاقات مع سوريا -بطيء-.. وجاهزون لترسيم الحدود
- اليمن.. القوات المسلحة الجنوبية تطلق -عملية الحسم- في أبين
- ترامب: غزو أوكرانيا -يشبه- فوز أمريكا في مباراة الهوكي -معجز ...
- ماذا قال ترامب عن ظهوره في صور جيفري إبستين؟
- إسرائيل تواصل خنق غزة بمنع المساعدات


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعد محمد عبدالله - وداعًا والدتي الحاجة أمنة عمر دِكُو ودولة إبنة الإمام الصادق المهدي: